دراسات إعلامية
[الفضائيات وشبكة الإنترنت]
د.وحيد المصري
من الأمور التي أصبح مسلَّماً بها الزيادة المطَّردة في عدد القنوات الفضائية
المرئية والتي يعاد بثها عبر العديد من الأقمار الصناعية المنتشرة في الفضاء
الخارجي لتغطي الكرة الأرضية بكامل مدنها وقراها، وغاباتها وصحاريها ومياهها! وليس مبالغاً فيه أن هناك عشرات من القنوات الفضائية العربية وغيرها يمكن
استقبالها بسهولة في الوطن العربي. كما أن انتشار شبكة الإنترنت ووصولها بكم
هائل من المعلومات العلمية والتجارية والثقافية وتبادل المعلومات ورسائل البريد
الإلكترونية وشراء السلع والتواصل بينها وبين القنوات الفضائية يسَّر المتابعة الآنية
للحدث والبرامج والمسلسلات والأفلام وغيرها من غث وسمين؛ مما يستوجب
العمل الجاد لتطويع هاتين التقنيتين في خدمة هذا الدين في كل بقاع الأرض، وبهذا
انحسرت قدرات الدول على التحكم ومراقبة ما يستقبل في أراضيها ومياهها بدرجة
كبيرة جداً، وخصوصاً أن تقنيات الاتصال المباشر بالأقمار الصناعية في طريقها
لأن تصبح متيسرة، كما تيسر ما قبلها من تقنيات كان يُعتقد ألا تتيسر؛ وبهذا تكون
الحكومات شبه فاقدة للسيطرة على ما يقرؤه ويسمعه ويشاهده مواطنوها.
إن تقنية استقبال البث المرئي المباشر عبر الأقمار الصناعية أو ما يعرف
بالفضائيات أصبح أكثر سهولة وأرخص ثمناً عما كان عليه قبل سنوات قليلة مضت، وفي متناول جميع الفئات حتى الفقيرة منها في الوطن العربي والإسلامي؛ وذلك
على العكس من تقنية الإنترنت التي ما زالت حكراً على الطبقة المثقفة القادرة على
فهم رموزها والتخاطب بلغتها، وإن كان هذا في طريقه إلى الزوال أيضاً.
كل ما سبق شجع الحكومات على توصيل رسالتها السياسية والاقتصادية
والتعليمية والاجتماعية لمواطنيها وغيرهم بطريقة سهلة، وذلك بإنشاء قنوات
فضائية ومواقع وصفحات على شبكة الإنترنت، كما شجع أيضاً المستثمرين
باختلاف أفكارهم وتوجهاتهم على زيادة دخلهم عن طريق بث مستمر لبرامج
ومواضيع مختلفة غالبيتها تدغدغ العاطفة فارغة من الهدف الجاد أو الترفيه البريء
باستثناء مجموعة هادفة ومفيدة أقل من أصابع اليد الواحدة.
ثم ظهر ما يعرف بـ (الباقات الفضائية) التي تبث مجموعة كبيرة منتقاة من
القنوات العربية والأجنبية في حزمة واحدة بتقنيات رقمية حديثة لا تحتاج إلا
للاقطات صغيرة جداً ومفتاح لشفراتها.
وللأسف؛ فإن جل القنوات الفضائية غير الحكومية من عربية وأجنبية يقوم
عليها أناس هدفهم في الغالب ينحصر في الكسب المادي البحت ولو كان ذلك عن
طريق إفساد الأسرة والمجتمع. ودأبت هذه القنوات على استقطاب المشاهدين ببث
المسلسلات والأفلام شبه الإباحية، سواء أكانت في لغتها أو في التساهل في درجة
التعري مع اللقطات الجنسية الساقطة، بل تمادت وقامت بتعريب حوارات [١]
مسلسلات الخيانات الزوجية الأجنبية والترويج للزنا والخمور، واعتبارها جزءاً من
الحياة العصرية التي يجب أن تقبل بها الأسرة والمجتمع المسلم الحديث.
إن أخطر ما جاء به تعريب المسلسلات والأفلام الأجنبية هو إدمان أفراد
الأسرة إلا من شاء الله وخصوصاً العجائز والنساء صباحاً ومساءاً متابعة قصص
الغرام والغزل، والتعرف على الخمور وكيفية شربها، كما بدا تأثيرها واضحاً على
أداء العديد من الرجال والنساء من طلاب وموظفين بسبب السهر على متابعة الأفلام
والأغاني الماجنة. هناك أيضاً الاتصالات المباشرة بين المشاهدين ومقدِّمات
البرامج الكاسيات العاريات المائلات المميلات اللواتي رؤوسهن كأسنمة البخت
(مصداقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم) ، والاستماع لمحاورة واحدة بين
مشاهد أو مشاهدة توضح فساد القلب والقالب، والأموال الهائلة المهدرة في
المكالمات التي تكسبها شركات الهاتف الأجنبية، ولا ننسى في هذا المقام التعدي
السافر على الإسلام وشرائعه كالتعددية في الزواج بالاستهزاء والرفض ووصمها
بالرجعية.
السؤال الملحّ في هذا المقام: ما العمل؟
العمل الأول الذي يتبادر للذهن هو إنشاء قناة بل قنوات إسلامية بديلة تخاطب
الأسرة المسلمة بطريقة عصرية جذابة، وتلبي حاجات جميع أفرادها من برامج
عقدية وفقهية واجتماعية جادة، وترفيهية بريئة، وبرامج وثائقية وتاريخية وعلمية، مع الاهتمام بالطفل المسلم بصورة خاصة، وانتقاء فترات البث المناسبة للمنطقة
المقصودة حتى تتم الفائدة المرجوة. كما يجب تشجيع الاستثمار في هذا الجانب من
قِبَلِ المفكرين والدعاة المسلمين في أوساط التجار وأصحاب الثروات من المسلمين
الغيورين الخيرين منهم.
ونظراً لأن الأموال اللازمة لتمويل إنشاء قناة تلفزيونية فضائية باهظة لا يقدر
عليها العديد من أثرياء المسلمين مجتمعين، يمكن أن يكون هناك طريق آخر تقوم
به المنظمات والهيئات الإسلامية وذلك بإنشاء شركات مساهمة تتولى هذه المهمة،
والمتتبع لبعض البرامج الإسلامية القليلة في الفضائيات العربية الجادة في اختيارها
العلماء والمفكرين ثم استضافتهم على الهواء مباشرة، كيف تنهال عليها الاتصالات
من كل حدب وصوب بما يبشر بالرغبة الجادة عند فئات كبيرة من المجتمعات
المسلمة في الوطن العربي والإسلامي في الغرب للتعرف على أحكام دينها ومعرفة
شؤون حياتها بما يتوافق مع الشرع، والرغبة الجادة من الآباء بإيجاد بديل هادف
لأبنائهم وبناتهم يمكن الثقة به. كما أنه يوضح في الوقت نفسه إخفاق البرامج
الإسلامية التي تحاول بعض الفضائيات استخدامها لتمييع الدين وخلط الفاسد
بالصالح.
كذلك يجب العمل على التعامل مع شبكة الإنترنت وتوظيفها لخدمة هذا الدين، وفي هذا الجانب هناك جهد جبار تقوم به بعض الهيئات والجماعات المسلمة
خصوصاً في الغرب أدى في كثير من الأحيان إلى فهم وتعامل أحسن للدين
الإسلامي. وهذا لا يمنع من إنشاء المزيد من المواقع الإسلامية لتفهيم الدين
الصحيح والإجابة بطريقة متفاعلة وغير جامدة على استفسارات المتصفحين لها،
خصوصاً إذا نظرنا إلى أن هناك الآلاف من المواقع التنصيرية واليهودية وغيرها
من الديانات الوثنية والشركية ومواقع تشويه الدين الإسلامي الحنيف.
العمل الآخر هو حث الآباء والأمهات على مقاطعة القنوات الفاسدة والإباحية
وغيرها، ومنع أبنائهم من الاتصال بها، وهو عمل شاق يحتاج إلى العزيمة وإلى
تَبَنٍّ واضح من راعي كل أسرة وكل مفكر وعالم. كذلك يجب البدء في توجيه
التجار والمنتجين بعدم شرعية كسبهم عن طريق ترويج سلعهم بالإعلان في قنوات
الهدم والإفساد، ويجب أن لا نستهين بهذه المهمة؛ حيث إن امتناع تجار بلد عربي
واحد عن التعامل مع تلك القنوات قد يؤدي إلى إفلاس حقيقي لها.
(١) وهو ما يسمى بـ (الدبلجة) .