[تقرير البيان الارتيادي ١٤٢٥هـ]
نقلة جديدة في بناء الوعي
التحرير
تواصل مجلة البيان للعام الثاني على التوالي رصد المتغيرات السياسية التي تؤثر على أمتنا الإسلامية من منظور استراتيجي؛ وذلك من خلال الإصدار الثاني من التقرير الارتيادي.
واحتلال الولايات المتحدة للعراق: كان هذا هو الحدث السياسي الأبرز في عام ١٤٢٤هـ، وهو العام الذي يغطيه التقرير الارتيادي في عدده الثاني.
الحدث الذي يضاف إلى أحداث القرن الواحد والعشرين الكبرى. وإذا كان للعالم شكل مختلف بعد هجمات ١١ سبتمبر على مركز التجارة العالمي في مانهاتن ووزارة الدفاع الأمريكية في واشنطون فإنه بالتأكيد قد أخذ مساراً آخر جديداً بعد كارثة احتلال العراق من قِبَل الولايات المتحدة.
ونذكِّر في هذا المقام بأن أهداف التقرير الارتيادي (الاستراتيجي) التي وضعناها منذ العدد الأول هي:
١ - بحث الخيارات الممكنة والسبل المتاحة لكي تأخذ الأمة الإسلامية وضعها ومكانتها في البيئة الدولية وقدرتها على تحدي القوى والاستراتيجيات العالمية والإقليمية، بل وصولها إلى وضع القوة المهيمنة الأولى على الساحة الدولية مستقبلاً في ضوء اللحظة الراهنة ليس استكباراً أو تجبراً في الأرض، بل أداء لمهمتها التي كلفها الله بها في الأرض.
٢ - يكون التقرير أداة للتأثير على صانعي القرار أو النخبة القريبة من الدائرة المشتركة في صناعة القرار داخل دوائر الحكم العربية من سياسيين وإعلاميين؛ وذلك يتحقق من خلال إشراك مجموعة من الباحثين المحايدين في مراكز البحوث العربية والذين يرتبطون بدوائر صنع القرار عن طريق التشاور.
٣ - تربية وتدريب عناصر على التحليل السياسي المرتبط بالرؤية الارتيادية.
٤ - إحياء الحس الارتيادي لدى النخبة من أبناء الأمة.
٥ - إبراز جانب النظرية السياسية في المنهج الإسلامي.
هذه هي الأهداف العامة للتقرير. ووضعنا هدفاً خاصاً لكل تقرير، وهو تتبع التغيرات العالمية الاستراتيجية بأبعادها السياسية والاقتصادية والإعلامية وغيرها التي جرت خلال عام على أوضاع الأمة الإسلامية وهي تجاهد لتحقيق مكانتها في البيئة الدولية وقدرتها على تحدي القوى والاستراتيجيات العالمية والإقليمية.
` وبدأنا التقرير بباب النظرية والفكر:
ويتناول الفصل الأول في هذا الباب: مقدمة في فقه النظام السياسي الإسلامي من خلال التعريف بالنظام الإسلامي والتنظيمات الإدارية المتعلقة به، وأحكام الخلافة، ومستقبل النظام الإسلامي في واقعنا المعاصر.
أما الفصل الثاني فيتناول قضية الإرهاب وشروط البحث في هذا الموضوع، والجوانب المرتبطة به مثل الإعلام والفكر والسياسة وغيرها.
ويحاول الباحث في الفصل الثالث المشاركة في تأسيس معرفي إسلامي لمفهوم حوار الحضارات الذي كثر الكلام حوله، وتباينت المواقف تجاهه في ظل ظروف هيمنة للحضارة الغربية.
ولما كان احتلال العراق يمثل الحدث الأبرز في هذا العام؛ فقد تم تخصيص باب كامل لدراسة هذه الحرب من زواياها الاستراتيجية المختلفة، فتحدث الفصل الأول عن مقارنة بين كل من الإعلام الغربي والعربي والصعوبات والتحديات والسلبيات التي أظهرتها تلك الحرب في هذا المجال.
وتناول الفصل الثاني التعريف بأهل السنة في العراق؛ حيث جرى التعريف بأوضاعهم، ورصد الباحث التحديات التي تواجههم على عدة مستويات سواء في ذلك المحيط الدولي أو الإقليمي أو المحلي، ثم وضع حلولاً للتعامل مع هذه التحديات.
أما في الفصل الثالث فيقوم الباحث برصد المتغيرات في المنطقة العربية بعد أحداث احتلال العراق، وحاول الإجابة عن أسئلة تتعلق بمجالات التغيير المتوقعة في المنطقة العربية، وما هي أهداف التغيير المحتمل؟ وما هي عوامل نجاح وإخفاق هذا التغيير المحتمل؟
ثم في النهاية حاول الإجابة عن السؤال المحوري فيما يتعلق بسبل مواجهة هذا التغيير وكيفية التعامل معه.
وفي الفصل الرابع يتناول التقرير الدور الإسرائيلي في العدوان على العراق، ودلالاته الاستراتيجية. ويبحث في الدور الذي قامت به إسرائيل في التحضير للحرب قبل احتلال العراق وبعده؛ وذلك من خلال تحليل الاستراتيجية الإسرائيلية في العالم الإسلامي والعربي بشكل عام وفي العراق بشكل خاص. كما يبحث في سياسة إسرائيل في دعم الولايات المتحدة في عدوانها على العراق، والمكاسب التي حققتها إسرائيل من الاحتلال الأمريكي للعراق على الصعيدين الأمني والاقتصادي.
ويبحث الفصل الخامس في تأثير الحرب على العراق على توازن القوى الدولي من خلال تقويم واقع كل قوة كبرى في حدود الدور واحتمالاته المستقبلية، وتأثير ذلك على العالم الإسلامي، ثم مناقشة بعض الخيارات الاستراتيجية للعالم العربي الإسلامي في ظل نتائج الدراسة.
والفصل السادس يركز على المحددات التي يمكن بها توقع مستقبل الاحتلال الأمريكي للعراق والسيناريوهات المستقبلية لهذا الوجود، ثم إمكانية تأثير القوى الفاعلة في الأمة الإسلامية في هذا الوجود ومستقبله.
أما الباب الثاني فيطل على العلاقات الدولية من خلال التركيز على أوضاع البؤر الساخنة التي تواجهها أمتنا:
فالفصل الأول يتناول الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في العالم وانعكاسها على العرب.
ويتناول الفصل الثاني الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط؛ وذلك من خلال المشروع الأمريكي المسمى الشرق الأوسط الكبير.
وفي الفصل الثالث من هذا الباب يرصد مسمى (المحافظون الجدد) ذلك المصطلح الذي أخذ يتردد بقوة في الفترة الأخيرة، ويحاول هذا الفصل إزالة الالتباس المتعلق بهذا المفهوم على صعيد النخب الفكرية.
وفي الباب الرابع يحاول الباحث استكشاف التغيرات الطارئة على القضية الفلسطينية خاصة ما يمس منها المقاومة ويستشف أبعادها المستقبلية.
وفي الباب الخامس يناقش الباحث التحديات التي تمس أمن باكستان القومي، والتحديات التي تهدد الهوية الإسلامية التي قامت عليها باكستان والتي على رأسها حصار المحور الأمريكي - الإسرائيلي - الهندي.
ويتناول الفصل السادس المعادلة الأفغانية والصراع الدولي حولها، وسبل خروج الأمة الإسلامية من المأزق الأفغاني.
ويضع الفصل السابع المسألة الشيشانية بأبعادها المختلفة القديمة والحالية تحت البحث، ويحاول الكشف عن أبرز العوامل المؤثرة في القضية في مراحلها المختلفة والإجابة عن تساؤلات عديدة.
ويسلط الفصل الثامن الضوء على الصراع في إيران بين المحافظين والإصلاحيين أو دعاة التشيع وحاملي لواء الليبرالية.
ويركز الفصل التاسع والأخير في هذا الباب على شكلين من أشكال الترجمة العملية للتناول الغربي لمصطلح الإرهاب. الشكل الأول: تقزيم العمل الخيري الإسلامي. والشكل الثاني: مصادرة الأموال الإسلامية والعربية.
` ويبقى في النهاية ملحقان للتقرير:
الملحق الأول: يتعلق بترجمات النشرات الصادرة عن أهم مراكز البحوث والدراسات خاصة في الولايات المتحدة وإسرائيل ومنها ملخصات دراسة الوجه الآخر للحركة الإسلامية لمركز كارينجي للسلام، ودراسة انهيار العرب لمركز ديان، وملخص لتوقعات مركز جافي الإسرائيلي لعام ٢٠٠٣م، وملخص لنشرات مركز استخبارات الشرق الأوسط لنفس العام، وكذلك ملخص لنشرة واشنطون الفصلية للعام نفسه.
الملحق الثاني: ويتناول أشهر تسعة كتب سياسية تتعلق بالشأن الإسلامي في العالم التي صدرت في العام الماضي؛ حيث تناولنا تعريفاً بالكتاب والمؤلف، وهي كتاب: (مستقبل الإسلام السياسي) وكتاب (ما بعد الحرب في العراق) وكتاب (التصدي للجهاد ووجهاً لوجه مع الإسلام السياسي) وكتاب (نهاية الشر) وكتاب (ما بعد الجهاد) وكتاب (أمريكا وأوروبا في النظام العالمي الجديد) وكتاب (الدور السياسي للدين في الشرق الأوسط) وأخيراً كتاب (مشكلة القوة الأمريكية) .
وبذلك يتتبع التقرير حال الأمة الإسلامية ومدى ما تمتلكه من أدوات القوة ووسائلها، ووضع القوى الدولية وترتيبها، والعلاقات بينها، والنظريات السياسية التي تقودها؛ محاولاً رصد الفراغ الذي يمكن من خلاله أن تنفذ الأمة والقوى الفاعلة فيها.
فالأمة بحاجة حقيقية إلى بعث الاهتمام جدياً بالدراسات المستقبلية في عالمنا الإسلامي؛ ليس بأن تأخذنا ضرورات البريق العالمي فنبدي ـ بشكل مظهري وقشري اهتماماً بالمسمى، دون أن نهتم اهتماماً فعلياً بالجوهر؛ وذلك من باب إبراء الذمة والظهور بمظهر المتقدمين، فنقوم بإضافة كلمة المستقبل إقحاماً إلى بحوثنا ودراساتنا ومقالاتنا، ولكن من خلال جهود علمية مؤسسية تأخذنا إلى نطاق أكثر جدية وفاعلية من مجرد حَدْس الأفراد وتوقعاتهم المعتمدة على قدراتهم الاستشرافية الذاتية؛ ذلك أن للدراسات المستقبلية أساليب منهجية تحتاج إلى درس ومران، وهي فوق ذلك تحتاج إلى قدر من التخيل العلمي المستقبلي، والتحرر الذهني، فضلاً عن قدرة على التدرب الدائم على تنمية عقلية البدائل القادرة على طرح تصورات إبداعية نظرية وواقعية على حد سواء، وهو ما يتطلب ضرورة التحرر من أسر الرؤية اللحظية بما تتطلبه من عدم إهمال للتفاصيل والأحداث والتطورات التي قد تبدو جزئية ومنفصلة، في حين أنها تنطوي على قدر كبير من الأهمية، كما أنها لا تهمل ما قد يراه أغلب الناس ضرباً من العشوائية، في حين أنه ينطوي على انتظام ما بالإمكان دراسته وفقاً لمنطقه الخاص.
وفي الختام: ندعو الله أن يجعل هذا العمل إضافة جديدة لتدعيم مسيرة أمتنا في طريقها نحو العز والتمكين، وأن يرفع عنها الذل والمهانة لتعود خير أمة أخرجت للناس.