للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ندوات ومحاضرات

ندوة عن: الغزو الفضائي

أبعاده.. آثاره.. طوق النجاة

إعداد: وائل عبد الغني

ضيوف الندوة:

الدكتور: حمدي حسن محمود رئيس قسم الإعلام بجامعة مصر الدولية.

الدكتور: محيي الدين عبد الحليم رئيس قسم الصحافة والإعلام بجامعة

الأزهر.

الدكتور: أحمد المجدوب أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث

بالقاهرة.

نقف في ندوتنا هذه على حافة الزمان والمكان نطويها أو تطوينا، ونحن

نتحدث عن معضلة من معضلات العصر وإشكالية من أعقد إشكاليات المستقبل.

بعد أن أصبح العالم قرية تسبح في فضاء الإعلام الذي يصغر حين نسلط

الأضواء على حدث مهما صغر لنتلمسه بكل تفصيلاته، وتكبر المشكلة أمامنا حين

نقف أمام كمٍّ هائل من القنوات والبرامج والأخبار والقيم والأخلاقيات والسلوكيات

كموج عات يكاد يقتلع قاربنا لولا بقية مما نستمسك به من ثوابت.

في هذه الندوة نطرح قضية الغزو الفضائي بأبعاده وأخطاره وآثاره، والسبيل

إلى إعلام فاعل موجِّه لرسالةٍ.

نرحب بضيوفنا الكرام ونلقي إليهم بطرف الحديث.

د. حمدي حسن: لديّ شيء من التحفظ على استخدام مصطلح (الغزو

الفضائي) ؛ هذا اللفظ استخدم بكثافة في الستينيات والسبعينيات، إشارة إلى الهيمنة

الثقافية التي عملت اليونسكو على حلها، لكن مع ظهور البث المباشر أعتقد أنه

أصبح من الصعب استخدام هذا المصطلح للإشارة إلى ما يصل إلى العالم الإسلامي

من محطات فضائية سواء من دول مجاورة أو دول غربية.

البيان: إذن بماذا نسمي هذا الكم الهائل المتدفق عبر سمائنا إلى عقول أبنائنا

بما يحمله من مصطلحات ومعايير وقيم وتقاليد ... بل ومخططات؟ نحب أن نسمع

رأي الدكتور أحمد المجدوب.

د. أحمد المجدوب: في رأيي أن الدكتور حمدي نظر إلى الغزو بمفهومه

العسكري (الاقتحام بالقوة) وهو غير متحقق في البث الفضائي الذي نلتقطه بإرادتنا؛ لكن أقول: هو غزو؛ لأنه أصبح اصطلاحاً له معنى يخصه.

وأوضِّحُ ذلك بمثال: إحدى القنوات التي كانت تقدم إعلانات للتعارف من

أجل (الجنس) تبدأ من الثامنة حتى الحادية عشرة ثم تشفر، قبل رمضان بيومين

فتحت إرسالها لمدة ٢٤ ساعة في اليوم بأفلام جنس صارخ طوال الشهر المبارك،

وظل الإرسال حتى رابع أيام العيد ثم شفرت مرة أخرى! ويبدو أن البعض اشتكى، فاعتذرت القناة بأن آلة التشفير تعطلت! ! ولكن مراسل (الاندبندنت) علق قائلاً: لقد كان أسلوباً فجاً أن تظهر هذه القناة قبل رمضان بيومين ثم تذيع على مدى

اليوم كله موجهة إلى العالم الإسلامي خلال الشهر كله!

لا شك أن هذا الأسلوب المقصود به: إفساد الشباب المسلم كي ينتهك حرمة

الشهر الكريم.

د. حمدي حسن: لا زلت أرى أنه ليس هناك غزو بأي معنى من المعاني؛

لأنه ليس هناك مُنتَج إعلامي يُنتج خصيصاً للعالم الإسلامي، وإنما كل المحطات

الموجودة في العالم الآن متاحة للجميع، وإذا سميناه غزواً فبماذا تفسر اعتماد

محطات التلفزيون في العالم الإسلامي في غالبها بنسبة تصل إلى ٦٠% و ٧٥%

في بعض الأحيان من برامجها على الإنتاج الأجنبي؛ وهي تدفع مقابلاً مادياً

وتشتريه؟

البيان: هذا نوع آخر من الغزو يصح أن نطلق عليه غزواً داخلياً؛ ولكن

على أي حال هذا الكم الهائل من الأفلام الجنسية وغيرها والبرامج التي تطعن في

الإسلام وتشوه صورة المسلمين: بماذا نسميه؟ وماذا نسمي التهميش المقصود

للإسلام والعالم الإسلامي في الأخبار والتحليلات التي تساق؟

د. محيي الدين عبد الحليم: ينبغي ألا نغفل الخلفية التاريخية للعقل الأوروبي

في التعامل مع العالم الإسلامي التي تبدو في مثل التصريح الشهير لويل كلايس -

الأمين العام لحلف الناتو -: (بأن العدو البديل للشيوعية هو العالم الإسلامي)

الغرب يتعامل معنا من منطلق التبشير من خلال إعلامه الذي يحمل - في الغالب -

طابع العداء أو - على أقل تقدير - التشكيك والتحجيم.

وإذا كانت فرنسا تخاف على ثقافتها في مواجهة الأمركة مع أن هناك وجوه

اتفاق كثيرة جداً بينهما؛ فنحن بيننا وبينهم نقاط اختلاف قوية تؤكد أهمية بل

وجوب الحماية؛ لأن الخلاف معهم عقائدي استراتيجي أيديولوجي فكري تاريخي.

والعلاقة اليوم تبرز السيطرة التي تعززها قوة الإعلام الغربي وتفوُّقه في عملية

الإنتاج والتسويق المتضمنيْن للبث الثقافي والفكري.

د. حمدي حسن: الأمريكيون حريصون على تقديم نمط حياتهم بطريقة جذابة

بغرض تسويق الثقافة الأمريكية والتمهيد للنفوذ الأمريكي، وإيجاد نوع من التبعية

النفسية لدى شعوب العالم للأرض الأمريكية - أرض المن والسلوى -، فإذا كنت

تعتبرهم غزاة بهذا المفهوم فلا بد أن تتهمنا أننا الذين نطلب الغزو. نحن إلى الآن

نستورد منهم لنملأ الفراغ؛ لدينا ضعف إنتاج، وضعف إمكانات. هناك ساعات

إرسال مبالغ فيها دون قاعدة إنتاجية.

ثم إن الغرب ليس في موقف موحد. فرنسا تقول ما تقوله أنت، وكندا -

وهي تتحدث الإنجليزية في معظمها و٨٠% من سكانها يعيشون على الحدود مع

الولايات المتحدة الأمريكية - تشكو من هيمنة الإعلام الأمريكي عليها، ولوزير

خارجية كندا تعبير مشهور يقول: (نحن نشعر بأننا نرقد على سرير واحد إلى

جوار فيل ضخم) ، هناك داخل الكتلة الغربية مصالح متعارضة وقوى مختلفة؛

والأمر لا يعدو أن يكون من قبيل التأثير لا المؤامرة بدليل أن صناعة الإعلام

الأمريكية اليوم تدار برؤوس أموال يابانية؛ فالمسألة تجارية تهدف إلى الربح وهي

معقدة جداً.

د. محيي الدين عبد الحليم: إذا كانت فرنسا وكندا تشكوان - مع وحدة

الديانة والحضارة - فنحن من باب أوْلى، ألا نستشعر خطر أفكارهم وأيديولوجيتهم

على نمط الحياة في العالم الإسلامي؟ أليس ذلك وارداً في مخططاتهم؟ هل أفهم من

ذلك أنهم لا يستهدفوننا؟

د. حمدي حسن: يستهدفوننا؛ لأنهم يريدون ترويج ثقافتهم عالمياً، وهم

حريصون على ذلك؛ لكن الهدف من ورائه تجاري.

البيان: لا يمكن اعتبار هاجس الربحية هو المحرك الوحيد للقنوات الأجنبية؛ فالجميع يستشعر أهدافاً أخرى.

د. أحمد المجدوب: العالم اليوم أشبه ببيت بلا نوافذ ولا أبواب، وقبل أن

نلقي اللوم على الغرب وأهدافه التي يسعى لبلوغها فإن علينا أن نسلط الضوء أكثر

على الخطر الداخلي، وأرى من السذاجة أن نتصور أن هناك انفصاماً بين الجهود

الخارجية التي أشرنا إليها وبين الجهود الداخلية؛ فهناك تنسيق واضح في المرحلة

الراهنة بين الداخل والخارج الهدف منه سحق الثقافة الإسلامية، وعزل الدين عن

المجتمع تحت شعار تجفيف المنابع، ويقود هذا أناس في الداخل لا يقلون عداءً لهذه

الثقافة عمن في الخارج. قد يكون الغرب أكثر دهاءً ولباقة في حربه بينما هنا

إنسان ضحل سوقي يقوم بإحلال المبادئ السوقية مكان القيم الدينية والأخلاقية.

د. حمدي حسن: الغزو الفضائي الأجنبي حتى الآن لا يمثل ظاهرة أو بديلاً؛ لأن كل الدراسات التي أجريت حتى الآن تقول إن القنوات العربية ما زالت هي

قنوات المشاهدة الرئيسة للغالبية العظمى.

إذا أردنا أن نتحدث عن الخطر فلنتحدث أولاً عن خطر القنوات العربية؛

لأنك إذا ما جلست أمام قناة عربية فإن تأثيرها أقوى؛ لأنها جزء من نسيجك اللغوي

والثقافي، ولو بشكل غير مباشر.. بخلاف القنوات الأجنبية؛ فإن مقومات المقاومة

لدى المشاهد العربي ما زالت قوية.

البيان: الميزة النسبية للإعلام العربي في مواجهة الإعلام الغربي يقابلها

مزايا في الإعلام الغربي كالجودة في الإخراج، والابتكار في الأسلوب، وما يحيط

بهما من تقدم تقني، لا لمجرد المادة المعروضة، وإلا فإن المحللين يُرجعون انتشار

الثقافة الأمريكية لتفاهتها التي تستهوي رجل الشارع العادي؛ ولهذا فاسمحوا لنا أن

نتجاوز إشكالية المصطلح لما يمكن أن يتفق عليه الجميع من آثار لما نسميه نحن:

غزواً فضائياً.

د. حمدي حسن: المتخصصون في الإعلام ليسوا في موقف موحد تجاه تأثير

وسائل الإعلام:

بعضهم يقول: إن تأثيرها طاغٍ، وهم النقديون واليساريون.

وبعضهم يقول: إن تأثيرها مشروط، بمعنى: أن بعض الرسائل الإعلامية

في بعض الأوقات تؤثر في بعض الناس.

وفريق ثالث يقول: إن تأثير وسائل الإعلام على رغم ما يبدو لها من تأثير

قوي إلا أن هناك عوامل أخرى أقوى تأثيراً منها؛ لكنها لا تظهر ظهور وسائل

الإعلام بحكم أنها جزء من الحياة.

والذي أراه أن الرسالة الإعلامية ما لم تدعمها وقائع في المجتمع وفي

الممارسة اليومية يصبح تأثيرها ضعيفاً.

الخطورة تكمن في الطابور الخامس الذي يُسوِّق ما تبثه وسائل الإعلام، فإذا

ما سَوَّقتْ وسائل الإعلام للحياة الأمريكية ثم خرجتَ إلى الحياة فوجدت (ماكدونالد،

وويمبي، وكنتاكي، وكوكاكولا) فإن هذا يدعم التأثير الخارجي.

الأثر الخطير لوسائل الإعلام يتأكد عندما تصبح الثقافة الأمريكية واقعاً في

الحياة اليومية للناس وهذا أخطر.

د. أحمد المجدوب: تسويق أنماط الحياة الغربية يتم للأسف عبر قنواتنا

المحلية وفي البرامج العربية، خذ لذلك مثالاً: برنامج يعرض بعد الإفطار في

رمضان يستضيف الممثلين والممثلات: استضاف ذات مرة إحدى الراقصات

فسألتها مقدمة البرنامج: كيف وصلت إلى ما وصلت إليه من مجد؟ قالت: (أنا

هربت من أسرتي وأنا عمري ١٢ سنة، ومارست حياتي حتى وصلت وأصبحت

فلانة صاحبة الشهرة والملايين) . قفز إلى ذهني بحث كنت قد أجريته عن ظاهرة

الهروب من الأسرة من قبل، فلما أعدت البحث في الظاهرة من جديد وجدت أن

رقم الهروب قد زاد بنسبة ٣٠% في الإناث في الشريحة من ١٢ - ٢٠ سنة. ثم

سألتها المذيعة: أنت تزوجت ٣ مرات رسمياً و ٤ عرفياً؟ فقالت: (لا بل ٤

رسمياً و ٧ عرفياً) هكذا في رمضان! ! ثم سألوا أخرى عن عدد مرات الزواج

فقالت: ٤ رسمياً أما العرفي فلا أعرف له عدداً، فسألوها: ولماذا كل هذا العدد؟

يبدو أن العيب في الرجال! قالت: (لا! إن العيب في نظام الزواج؛ لأنه نظام

بالٍ متخلف عفاه الزمن!) .

ثم لما اعترضنا للوزير على البرنامج، خاصة في التوقيت الذي يذاع فيه

(رمضان) ، كان الجواب هو استضافة الشخصية نفسها في العام التالي على حلقتين

وكان عنوانها: (سر التفوق) ! ليرسخ في أذهان البنات أن الأسرة قيد، والحل هو

الهروب. وللأسف! فإن المجتمعات أصبحت تسبح فوق بركة آسنة؛ لأن الاتجاه

الرسمي يريد ذلك، ثم نسأل لماذا كثُر الشذوذ؟ ونشكو من الزواج العرفي (الزنا

المقنن) ؟ لقد رصدتُ - بصفتي باحثاً في هذا المجال - عدة أمراض اجتماعية

خطيرة ظهرت أخيراً. منها:

- زنا المحارم الذي أصبح ظاهرة في بعض المجتمعات الإسلامية، وهو

يعني انهيار كيان الأسرة التي كانت مقدسة. وجدت أن في إحدى الدول ١٢ ألف

قضية إسقاط نسب، أي ١٢ ألف لقيط (قنبلة موقوتة داخل المجتمع) .

- ظاهرة اللواط والزنا الجماعي والاغتصاب الجماعي التي انتشرت مع ثقافة

الجنس الوافدة التي تبثها بعض القنوات والتي اشتهر بها عبدة الشيطان. هذا إلى

جانب المخدرات وحوادث العنف التي تزايدت معدلاتها.

البيان: اتفقنا يا دكتور حمدي على وجود الطابور الخامس، واتفقنا على

خطورة الإعلام العربي كذلك؛ فما هي الأخطار المحدقة التي يمكن أن تتوقعها للبث

الفضائي الأجنبي في عالمنا الإسلامي بصفتك متخصصاً؟

د. حمدي حسن: هناك عدة مخاطر تتمثل في:

- أثر هذه القنوات في تشكيل الأطر الفكرية التي سيعملها الفرد في التكامل

مع الواقع أو تفسيره من خلال تأثيرها التراكمي الذي يبني خلفيات التفكير. هذه

الأطر تصبح بمرور الوقت بمثابة الشاشة التي يسقط عليها واقعه؛ وعليه تصبح

معاييره غير مستمدة من ثقافته.

- كذلك تعرضه لرسائل أجنبية تولد لديه شعوراً بالنقص حينما يرى واقعه

مخالفاً لتلك الصورة المنقولة إليه عن العالم الخارجي، فيعتقد أن الآخرين هم

الأفضل. فهناك (السوبرمان) وهنا التخلف والعجز، والأخطر من ذلك أن يرد

هذا التخلف إلى الثقافة السائدة أو الدين. وهذا ما حصل في فترات الاتصال التي

حصلت بين المسلمين والغرب.

- الخطورة الثالثة: أنه سينسلخ من أمته شيئاً فشيئاً، أي يصبح تابعاً منتسباً

لغيرها؛ ليس فاعلاً معها؛ بل فاعلاً في مصلحة غيرها وربما ضد مصلحتها.

وللأسف! فإن الواقع الموجود حالياً يدعم دور وسائل الإعلام الأجنبية.

البيان: ماذا عن هذا الواقع الإعلامي العربي؟ نود لو أخذنا لمحة عن

مفرداته!

د. حمدي حسن: بعد حرب الخليج حصل انفجار سرطاني للقنوات الفضائية

العربية؛ حيث دعيت الدول الإسلامية إلى وليمة في الفضاء فذهبت، وبالعقلية

العربية! سعت كل دولة إلى تملُّك قناة فضائية، وإذا بها تفاجئنا بـ ١٦ أو ٢٠

ساعة من الإرسال يومياً دون قاعدة برامجية وكان الحل - فيما ارتأت - أن لجأت

إلى مزيج رخيص من البرامج - أنا أسميه (إعلام السوق) ؛ مذيعة تفتح الميكرفون

مع الجمهور ثم تقطع بوصلات غنائية! ومن ناحية أخرى تقوم بإعادة ١٢ ساعة

من الإرسال حتى حفظ الناس البرامج، أما النسبة الباقية فيتم تغطيتها عن طريق

الاستيراد.

هذا المزيج مضر جداً بالعقلية المسلمة؛ لأنه يخدّر مقدرتنا على الإحساس

بالواقع بدلاً من محاولة تفهمه، وبنظرة بسيطة وسريعة إلى برامج الوقت الممتاز -

ذات الإقبال الكثيف - نجد برنامجاً اسمه: (ليلة مع فلانة) ما معنى هذا المسمى؟

ثم تخرج امرأة شابَّة عارية تتحدث إلى الشباب؛ ومن هنا تتبدى مفردات المشكلة:

ضعف.. إعادة وتكرار.. استيراد.

البيان: وأين النهضة الإعلامية التي يكثر الحديث عنها؟ !

د. حمدي حسن: لدينا في العالم العربي ٢٠٠ ألف ساعة برامجية للتلفزيون

في العام لا يمكن توفيرها لوجود توزيع غير متكافئ؛ حيث إذا وجد المال فلا توجد

قطاعات فنية، وإذا وجد الفنيون فلا تتوفر القدرة على الوفاء بالاحتياطات فيلجأ

المسؤولون إلى ملء هذه الساعات بكلام يضر أكثر مما ينفع، فإذا كانت قدرتنا لا

تفي بربع المطلوب فعن أي نهضة يتحدثون؟

البيان: ولماذا لا تتكاتف الجهود من أجل تطوير الإعلام الهادف؟

د. حمدي حسن: هناك تفكك وعدم تنسيق بين القنوات الفضائية العربية؛

لأنها لم تستطع أن تتحرر من النظرة القطْرية والسياسات الداخلية المرسومة. كانت

هناك محاولات لإيجاد صيغة للتعاون بين الإذاعات العربية مرة، وبين الصحافة

العربية مرة، وبين التلفزيون العربي ووكالات الأنباء العربية؛ ولكن لم يحدث أي

تحرك في أي اتجاه، حتى وكالة الأنباء الإسلامية تمشي الهوينى.

وكانت هناك محاولة لإنتاج برنامج عن الحضارة العربية تحت إشراف

الجامعة العربية تقليداً للاتجاهات الأوروبية في صناعة الإعلام المشترك، ولكن

نتيجة لاختلاف الدول على حصتها من مساحة البرنامج؛ وُئد المشروع قبل أن يولد!

البيان: إذن يفهم من تقييمكم أن دور الفضائيات لم يكن على المستوى

المطلوب؟

د. حمدي حسن: هناك بعض القنوات حققت بعض النجاح في اجتذاب

المشاهد العربي؛ لكن النظرة المحلية ما زالت هي المسيطرة، هذه القنوات

تخسر! ! والسؤال الذي ينبغي الإجابة عنه هو: لحساب من تخسر؟ !

هذه القنوات - نتيجة لتوجهاتها الداخلية - قد عرّضت اللغة العربية لتشويه

غير مسبوق في تاريخ الإعلام كله! هذه اللغة يتم تشقيقها الآن في الفضائيات

العربية وهذا راجع إلى تناحر الثقافات الفرعية داخل الثقافة العربية مما يؤدي إلى

قتل لغة التفاهم.

البيان: تشبيه التوسع الفضائي العربي بالانفجار السرطاني له مغزاه ودلالته. فما الذي يمكن أن يصيب الجسد الإسلامي في زحمة هذا التكاثر الفضائي؛ سواء

منه العربي أو الأجنبي؟

د. حمدي حسن: هناك ظاهرتان - على الأقل - خطيرتان على المجتمع

الإسلامي نحن نشهدهما الآن وستزيدان في المستقبل القريب:

الأولى: النوعية التي تحدثها كثرة القنوات بالجماهير ستُظهر ما يعرف بـ ... (المواطنة التلفزيونية) بمعنى: أني أنا، وشخص من الهند، وثالث من البحرين،

ورابع من المغرب، وخامس وسادس نشاهد جميعاً قناة واحدة ستصبح معاييرنا

واهتماماتنا واحدة؛ رغم بُعد المسافات بيننا، وهذا أمر خطير على المدى البعيد؛

ليس من ناحية الوحدة فقط؛ وإنما من ناحية التركيبة النفسية والثقافية.

الثانية: وهي تجزئة أيضاً ولكن بسبب مورد المعلومات اليوم؛ فالمعلومات

أصبحت سلعة أو قوة يسيطر عليها اليوم مثلث قاعدته الولايات المتحدة وضلعاه

أوروبا واليابان. هذا على المستوى الدولي. أما على مستوى الأفراد داخل

المجتمعات فمشكلة العالم الإسلامي أن ثلاثة أرباع السكان - على الأقل - ليس

لديهم القدرة على الوصول إلى المعلومة، وأكثر من لديهم هذه القدرة لا يمتلكون

مهارات تمكنهم من الاستفادة بهذه المعلومات.

هذا الأمر أحدث فروقاً أخرى داخل المجتمع المسلم. هذه الفروق في زيادة،

وستزيد! فإن لم نُعدّ المجتمع لعصر المعلومات فستفاجئنا كوارث داخلية ربما

تطرق بابنا بين عشية أو ضحاها؛ لأن التطورات التقنية قد طوت كثيراً من

المراحل واختصرت مسافات الزمن في لحظات.

د. أحمد المجدوب: حَجْبُ المعلومات جريمة تشارك فيها العديد من الجهات

الرسمية اليوم، وأنا بصفتي باحثاً تُغلق دوني الأبواب رغم أهمية المعلومات

والأرقام في وظيفتي؛ لأن الجهات الرسمية تخشى من الإدانة والاتهام بالتقصير؛

فتغطي ذلك بحجب المعلومة.

د. حمدي حسن: الاتجاه الأخطر الآن ما يسمونه: (تسفيه المعلومة) من

خلال تزييف إحساسنا بها؛ فيعطيك كلاماً فارغاً بصورة علمية، ويوهمك أنها

معلومات؛ فيصيبك نوع من الاستخفاف بها، فإذا ما جاءت المعلومات الحقيقية لم

تُلقِ لها بالاً!

البيان: إذا اتفقنا على أن الواقع غير مؤهل لمواجهة تحديات القرن القادم

فكيف نصل إلى إعلام فاعل في مواجهة الغزو؟ وما هي نقطة الانطلاق؟

د. حمدي حسن: أرى أن نقطة البداية في مواجهة ما نسميه غزواً تبدأ من

تحرير هياكل تمويل وسائل الإعلام خاصة التلفزيون؛ لأن الملكية الحكومية تسببت

في الأداء المترهل للإعلام سواء من جهة ضعف الإمكانات المادية؛ حيث إن الدول

عجزت عن دعم تلفزيوناتها نحو التطور رغم لجوئها للإعلانات باعتبارها مصدراً

للتمويل، أو من جهة ضعف الخبرة البشرية والتقنية التي تدور في فلك الأداء

الحكومي.

خذ على سبيل المثال: التخلف في الأداء الإخباري في العالم الإسلامي؛ فقد

زاد من الإقبال على إذاعة لندن. وزراء الإعلام العرب يتحملون مسؤولية إنصات

١٠٠ مليون مستمع يومياً لهيئة الإذاعة البريطانية تفعل بهم ما تشاء!

البيان: وكيف تتحقق عملية تحرير هياكل التمويل؟

د. حمدي حسن: يمكن تحقيق ذلك بإيجاد صيغة من الملكية المشتركة بين

الحكومات والقطاع الخاص ضماناً لتوفير الأموال اللازمة لتطوير هذه الوسائل؛

لتواكب متغيرات العصر؛ لأن الإعلام أصبح صناعة تحتاج لضخ متواصل

لرؤوس الأموال، وتحتاج لنفس طويل؛ لأن الإعلام صناعة تتحمل خسائر كبيرة

في بدايتها. وهذا أمر لا تتحمله إلا الشركات الضخمة.

على سبيل المثال: محطة (CNN) التي بدأت في عام ١٩٨٢م استمرت

تخسر (٤ سنوات) ولقوة الشركة المالكة استطاعت أن تصبر حتى اكتملت دورة

رأس المال، وحققت أرباحاً. كذلك صحيفة (يو إس تودي) بدأت عام ١٩٨٦م

وخسرت ٥٠٠ مليون دولار؛ واليوم هي أول صحيفة في العالم.

وإذا كنا نحتاج إلى قنوات تغطي العالم الإسلامي فهذا يعني حاجتنا إلى

إمكانات ضخمة وشركات عملاقة تستطيع دراسة احتياجات مناطق العالم الإسلامي

المختلفة من البرامج للوفاء بها.

ونحتاج إلى تكامل بين تخصصات الإعلام المختلفة؛ فالشركات العملاقة اليوم

تمتلك كل مقومات إنتاج الإعلام: من شركات إنتاج برامجي، وصحف، وشركات

اتصالات، وشركات إنتاج معدات، و.... ولأن بعض هذه الأنشطة يخسر

فتستطيع تعويضه من فوائض أرباح الأنشطة الأخرى، وإذا كانت الحكومات لا

تستطيع ولا تملك القيام بهذه الأنشطة فعليها أن تفتح الباب أمام الاستثمارات في

مجال الإعلام.

البيان: وهل يمكن أن تستجيب الحكومات لهذا الأمر؟

د. حمدي حسن: الحكومات لم تستوعب بعد ضرورة هذا الأمر، ولم

تستوعب كذلك أن عليها أن تستجيب بصورة إيجابية للمتغيرات العالمية في هذا

المجال.

للأسف! ستصل الحكومات إلى هذه القناعة؛ ولكن - كعادتنا دائماً - نصل

متأخرين. أنت اليوم في وكر الأفاعي، إما أن تكبر وتصارع أو تموت (To

Grow Or To Die) .

التضامن المالي أصبح ضرورة، والجمهور العربي أصبح أكثر وعياً ونضجاً، وصوته أعلى من ذي قبل، وأتوقع أنه في المستقبل ومع انسحاب الدول من

إحكام قبضتها على النشاط الاقتصادي سيعقبه - ولو على فترات أطول - تخفيف

قبضتها في عالم السياسة والإعلام، وبذلك ستضطر إلى نوع من الإنتاج المشترك.

البيان: ولكن نسمع عن مشروعات اقتصادية مشتركة بين بعض الدول

الإسلامية والعربية؛ فلماذا لا ينسحب الأمر على مجال الإعلام؟

د. حمدي حسن: لأن الدول العربية متخوفة بعضها من بعض؛ فبينما لا

نجد في العالم كله مجموعة لغوية لها من السمات المشتركة ما للمجموعة الإسلامية

والعربية نجد أن المال ليس له جنسية إلا في العالم العربي. بمعنى: أن هياكل

تمويل الإعلام تظل وطنية صرفة حتى في الفضائيات.

أما الاستثمارات المشتركة فيمكن أن تجدها في مجال السياحة أما في الإعلام

فلا! وإن وجدت في الإعلام فمع دول أجنبية.

العقلية العربية ما زالت لا تدرك أن التكتلات اليوم هي لغة العصر، وأنها

هي التي تسيطر على صناعة الإعلام. قاعدة: (Bigger is Better: المجموعة

الأكبر هي الأفضل) هي التي تحكم العالم كله!

د. محيي الدين عبد الحليم: في رأيي أن مفتاح الحل في إيجاد عمل إعلامي

إسلامي متميز وقوي، هو وجوب ارتباط وسائل الإعلام بمرجعية منظومية تراعي

ثوابت أمتنا الإسلامية ولا تتعداها، وتتحرك في المتغيرات وفق الضوابط

الاستراتيجية التي تخدم مصلحة الشعوب الإسلامية.

هذه المرجعية لا بد من بلورتها وغرسها في القائمين على الإعلام ليخدموا

الأهداف العليا للإسلام، وبذلك ينعكس هذا على البرامج التي تكسب المتلقي في

النهاية المَلَكة الانتقائية التي تحتكم إلى ثوابت في عملية القبول أو الرفض لما

يعرض عليه.

د. أحمد المجدوب: قبل أن نناقش قضية المرجعية علينا أن نناقش مسألة

التبعية؛ لأن الإعلام لدينا تابع للنظم.

ثم كيف نحيي مسألة النقد والقدرة على الانتقاء، والإعلام اليوم يُوجِد مُشاهِداً

ذا اتجاه واحد غير مثقف ليس لديه أي قدرة على النقد؟ !

كما إن الظروف التي نعيشها تمنعه أن يعلن عن قوله؛ لأن المجتمع يملي

عليه كل شيء؛ وهذا الجهاز يستخدم كي يملي الاتجاهات الرسمية حسبما تكون،

وهذا أوضح ما يكون في الاتجاهات التي تسعى لعزل الدين عن الحياة؛ إذ نجد

مسلسلات لا يذكر فيها اسم الله، ليس فيها ما يمت للأخلاق الإسلامية بصلة،

والحلول كلها مستندة إلى الأخلاق الوضعية..! !

علينا أن نراجع عملية التربية السياسية التي ترسخ للتبعية القطْرية لا

للمرجعية.

د. محيي الدين عبد الحليم: هناك عامل آخر لإنجاح الإعلام الإسلامي هو

النهوض بالعقلية الإعلامية العربية من خلال خطط متكاملة: من مناهج دراسية،

وبرامج تدريب، وتنمية مهارات، وتشجيع على الإبداع والابتكار، وتحويل

المناهج النظرية التي تدرس في كليات الإعلام إلى مناهج عملية تطبيقية، وإنشاء

بنوك معلومات لتثقيف الإعلاميين ومدهم بالمعلومات.

كما إن علينا أن نرتقي من الناحية الإدارية في إدارة المشروعات الإعلامية

بطريقة علمية عملية مدروسة. والدور في هذا النهوض موزع بين كليات الإعلام

العربية وبين إدارات المشروعات الإعلامية.

د. أحمد المجدوب: هناك جانب غاية في الأهمية هو إحياء دور الدين في

حس الإعلامي، وإعادة النظرية الأخلاقية لتحكم السلوك الإعلامي؛ لأن السلوك

الإعلامي متأثر بالغرب إلى حد الفتنة به.

للأسف! نحن نقلد الغرب في تفاهة الفكرة ولا نستفيد منهم كثيراً في طريقة

الأداء والإخراج.

د. محيي الدين عبد الحليم: ما زالت فكرة الإعلام الإسلامي تحتاج إلى مزيد

من الدراسات والأبحاث التي تنظر لهذه الفكرة وتصبها في قوالب عملية ناهضة.

د. أحمد المجدوب: في رأيي أن السبيل إلى ذلك يأتي عن طريق دعم

القنوات الفضائية الإسلامية والعربية الجادة، ومخاطبة المسؤولين عنها؛ لأن لديها

نوعاً من الحرية وهي التي يمكن أن تؤدي دوراً فاعلاً في تثبيط الهيمنة الغربية.

لدينا العقليات المبدعة، ولدينا رؤوس الأموال لو فهم أربابها، ولدينا مقومات

الإنتاج، وتبقى مسألة التقنية وهي مسألة يسهل التغلب عليها.

د. حمدي حسن: الحق أننا نشهد للقنوات الفضائية العربية بأنها استطاعت

أن تجتذب طائفة عريضة من المشاهدين بعيداً عن الفضائيات الأجنبية. ولنذكر

على سبيل المثال: قناة الجزيرة في مجال البرامج الحوارية، وقناة MBC في

المجال الإخباري، هذه القنوات يمكن بمزيد من الاستثمار والدعم أن تحقق نتائج

مبهرة.

د. محيي الدين عبد الحليم: إذا أردنا أن نتحدث عن الدور الفاعل لهذه

القنوات فعلينا أن نفكر بجدية في إنشاء قنوات تربوية وتعليمية وثقافية واجتماعية.

وهي إن وجدت وتغلبت على المشاكل الحالية فستؤدي - بإذن الله - دوراً ناهضاً،

ربما نجني ثماره في غضون سنوات قليلة.

د. أحمد المجدوب: صناعة الأخبار ما زالت إلى الآن معتمدة إلى حد كبير

على الوكالات العالمية التي تتلاعب في الصياغة بما يخدم مصالحها.

د. حمدي حسن: بدايةً هذا دور وكالة الأنباء الإسلامية، وهي شديدة التعثر

نتيجة للخلافات ويكاد دورها أن يكون مجمداً.

لكن هناك بعض التلفزيونات التي تعتمد على مراسليها في العالم كله، والذين

يستقون المعلومات بأنفسهم؛ وهذه كانت من فوائد حرب الخليج إن كان لها فوائد.

د. محيي الدين عبد الحليم: حتى نضع الأمر في نصابه الصحيح فلا بد من

الإشارة إلى أن وسائل الإعلام لا تنفرد بالتأثير إلا إذا كان هناك عوامل أخرى

تدعمها؛ ففي ظل الظروف الطبيعية فإن تأثير الإعلام لن يكون أقوى من تأثير

التعليم؛ لذلك فلا بد من إصلاح التعليم؛ ليقوم بدوره في التنشئة الإسلامية.

هناك أيضاً دور الأسرة التي عليها العبء الأكبر في عملية التأثير؛ فإن

إحدى الدراسات تقول: إن الولد قبل أن يبلغ أربع سنوات تتكون لديه ٥٠% من

شخصيته.

كذلك مؤسسات التنشئة الاجتماعية والشرعية ومنها (المسجد) الذي لا بد من

إعادة دوره، حتى لا يقتصر دوره على إقامة الصلوات والعبادات. المسجد له دور

شامل باعتباره مؤسسةً دعوية إعلامية تربوية ضخمة جداً، ويمكن أن يؤدي دوراً

كبيراً في المجتمع، وليأخذ بيد الشباب الضائع ويغرس فيهم المعاني الفاضلة.

ولا بد من تفصيل دور الدعاة، وهذا له تأثير كبير جداً. ولي دراسة عن

خطبة الجمعة وأثرها بينت فيها أن أثرها أقوى بكثير من كل وسائل الاتصال

الجماهيري، ومن هنا فإن علينا أن نركز على دور الداعية، وعلى بنائه العلمي

والتربوي والفكري والثقافي.

د. أحمد المجدوب: دور المنبر ألغي في بعض الدول، وصودرت كلمته،

أما الأسرة فمفككة لا تقوم بدورها، والتعليم من سيئ إلى أسوأ!

د. حمدي حسن: في رأيي أن أخطر ما يمكن أن يتعرض له العالم الإسلامي

من مصادر لتكوين الفكر هو التعليم والوعظ الديني، وأعتقد أن تجربة الربع الأخير

من هذا القرن أثبتت أن المنبر الخشبي هو الذي استطاع أن يقف أمام رسالة وسائل

الإعلام.

د. أحمد المجدوب: لذلك نرى ما يحدث له اليوم من مصادرة. وغياب هذه

المنابر يجعل دور وسائل الإعلام أخطر وأقوى.

أما الأسرة فالذي يحدث لها خطير بكل المقاييس!

أضرب لكم مثالاً من واقع عملي يبين أثر غياب الأسرة والدين من حياة الفرد: في أحد اللقاءات مع شباب الجامعة بحكم طبيعة عملي سألت أحد الطلبة: هل

رأيت (......) (فيلم إباحي مشهور بين الشباب!) ؟

- رد بسخرية: هذا قديم جداً..! من خمس سنوات!

- قلت: ماذا يوجد الآن؟ قال: بعد الندوة أخبرك!

- قلت: هل تطلع على المواقف الإباحية على الإنترنت؟

- قال: نعم!

- قلت: بمفردك، أم معك أحد؟

- قال: كل زملائي - الشلة - يشاهدونها معي!

- قلت: وأين الأسرة؟ !

- قال: والدي رجل أعمال لا أراه إلا نادراً.

- قلت: ووالدتك؟

- قال: هي سيدة مجتمع.. مشغولة في اللقاءات، والزيارات، والحفلات.

- سألته: هل للدين دور في حياتك؟

- مندهشاً: من أي ناحية؟

- قلت: هل تصوم؟

- قال: كلنا نصوم (يعني أنها عادة) !

- قلت: هل تصلي؟

- رد: بصراحة ... لا! !

- قلت: والدك يصلي؟

- رد: لا!

- قلت: والدتك؟

- رد: لا!

- حاول أن يسوِّغ فقال: يا دكتور الدين ليس مادة إجبارية.

- هل تسمع الأغاني الأجنبية؟

- دائماً أسمعها.

- هل فكرت مرة في الاستماع إلى إذاعة القرآن الكريم؟

- أين هذه؟

قلت: هل تسمع أن هناك تعدداً ثقافياً؟

قال: نعم!

قلت: ماذا يعني؟

قال: يعني أن لدينا ثقافة وأمريكا لديها ثقافة، واليهود لديهم ثقافة.

قلت: وأي ثقافة تفضل؟

قال: الأمريكية طبعاً! !

قلت: والثقافة العربية ماذا بها؟

- منفعلاً ومتجهاً لمن حوله: قولوا للدكتور ماذا بها ... (تدعو للتخلف) !

فضجت القاعة بتصفيق بعض الطلاب ممن على شاكلته! بمعنى أنه ليس رأيه

وحده ولكنه رأي يحمله آخرون!

هذا نموذج كاف لبيان أثر غياب الدين والأسرة في ظل الواقع الذي نحياه؛

فلا خطوط دفاع أمامية ولا خلفية، بيت متهاوٍ.. منبر معطل.. إعلام لا يحسن

أدواره المطلوبة، إذا لم تسأل عن هذه فلا تسأل عما سواها!

د. محيي الدين عبد الحليم: في هذه الظروف أؤكد على دور الداعية ...

الداعية هو الذي يملك تحريك المناعة الاجتماعية.

د. حمدي المجدوب: الداعية في حاجة لرفع مستواه الاقتصادي؛ لأن كثيراً

من الدعاة - لفقرهم - لديهم شعور بفقدان الكرامة، ولذلك هم غير قادرين على

القيام بدورهم.

د. حمدي حسن: الداعية صاحب رسالة وعليه أن يتحمل شظف العيش

والشدائد في سبيل دعوته. الإسلام اليوم في حالة مد في الغرب منذ السبعينيات،

ولم يعد هناك مدينة في العالم إلا وقد دخل فيها كثيرٌ الإسلام، وأغلب من قام بهذا

الدور دعاة خرجوا محتسبين؛ لكن الداعية في حاجة إلى الارتقاء فعلاً في مجال

العلوم الإنسانية الذي تُكسبه ملكة التأثير لكي يرقى إلى مستوى تأثير مقارب لوسائل

الإعلام؛ فعليه الاهتمام بهذه العلوم: كعلم النفس، والاجتماع، والتسويق الذي يقوم

على التشويق والإثارة والإقناع وأمثال ذلك.

البيان: يا دكتور حمدي نحن نوافقك في التأكيد على تحمل الداعية لأمانة

رسالته بتكاليفها؛ لكن في الوقت نفسه نؤكد على وجوب رعاية المجتمعات

والحكومات للدعاة باعتبارهم من صلب النخبة الحقيقية التي تسعى للنهضة لا

باعتبارهم هامشيين، والعمل على إشعار الناس بأهميتهم.

د. محيي الدين عبد الحليم: إذا تكلمنا عن الدعاة والنهوض بهم فعلينا أن

ننظر إلى ما هو أبعد من الحاضر. لا بد من تشكيل دعاة المستقبل تشكيلاً صحيحاً

فاعلاً عن طريق إعادة النظر في معايير القبول في كليات الدعوة؛ من حيث الذكاء

والنبوغ وملكات التحصيل والتأثير، وتحمل المسؤولية وبالنسبة للمناهج وأساليب

التدريس فلا بد من تكميلها بما يتلاءم مع مستجدات العصر.

د. حمدي حسن: ما زلنا نفتقد الداعية الذي يجيد التأثير في الناس بمضمونه

وأسلوبه في البرامج الدينية، وللأسف! فإن هذه البرامج تستخدم أسوأ لغة فنية مع

أننا متفقون أنها أفضل ما يُقدَّم.

نحن بحاجة إلى داعية يستطيع أن يحرك العقيدة في المجتمع، وينقلها من

إطارها النظري إلى واقع فاعل في حياة الناس.

الأوربيون عندما هاجروا إلى أمريكا وحملوا معهم البروتستانتية استطاعوا أن

يحولوها إلى عقيدة عمل؛ فإذا كان ديننا ديناً شاملاً وكاملاً فلماذا يقف الدعاة عند

حقائق ما تحت الأرض وفوق السماء ولا يربطونها بحياتهم؟

إننا أصبحنا نشكو من ضعف الإنتاجية الإسلامية وقلة عطائها، والدعاة

يتحملون جزءاً كبيراً من هذه التبعة.

د. أحمد المجدوب: للأسف! فإن الشباب اليوم يجيدون الهروب إما إلى

البانجو والمخدرات أو إلى الشذوذ، وعلى أحسن حال إن تمسك بدينه فإنه يهرب

من واقعه؛ لأنه جرب ورأى رأس الذئب الطائر!

البيان: وماذا عن دور الإعلام المنتظر في خدمة العالم الإسلامي بمجمله

وخاصة الشعوب التي لا تعرف عن الإسلام كثيراً؟

د. حمدي حسن: إذا أردنا أن يكون لنا موقع عالمي حقاً فعلينا أن نُفعِّل دور

الإعلام في التواصل مع الشعوب المسلمة غير العربية.

خذ لذلك مثلاً: بعد سقوط الاتحاد السوفييتي واستقلال الجمهوريات الإسلامية

في آسيا التي عاشت فراغاً دينياً رهيباً دخلت القوى الداعية إلى المنطقة، وهي:

تركيا وهدفها ليس دينياً وإنما لبعث القومية التركية في هذه الدول؛ لأنها تعتبرها

امتداداً تاريخياً لها، وإيران تراهن على الأقلية الشيعية لدرجة أن طاجيكستان قبل

الانقلاب الأخير كانت النشرة الرسمية للتلفزيون الإيراني تذاع هناك، وأمريكا

وروسيا لهما مآرب أخرى.

ومع أن هذه الدول امتداد طبيعي للعالم الإسلامي، ورصيد استراتيجي كبير

نجد أن القنوات المنشأة إما تركية أو إيرانية. أما العربية الإسلامية فلا! ! فإن لم

نتمكن من إقامة قنوات موجهة إلى هناك فباستطاعتنا أن نمدهم - ولو مجاناً -

بالبرامج الإسلامية والثقافية العربية التي ترسخ انتماءهم وتكرس للتواصل معهم.

وهنا أوكد على أهمية إنشاء شركات إنتاج برامجي متخصصة تقوم بتسويق

إنتاجها بين القنوات العربية.

البيان: وماذا عن الأقليات الإسلامية من حيث الدور المطلوب منهم أو

تجاههم؟

د. محيي الدين عبد الحليم: الأقليات الإسلامية وبالذات في أوروبا وأمريكا

يمكن استثمارها في نشر قضايا الإسلام.

الأقلية الإسلامية في الولايات المتحدة أكبر من الأقلية اليهودية إلا أنها أقل

فاعلية نتيجة لتشتتهم وتفرقهم واختلافهم.

لو نجحت هذه الأقليات في توحيد أدائها فيمكن أن تؤدي أدوراً مهمة منها:

الدعوة إلى الإسلام داخل المجتمعات التي تحيا فيها، وتقديم الإسلام بصورة مشرقة، وإزاحة ستار الجهل والتعصب والعداء الذي يحول بين الغربيين والإسلام.

الإسلام يمتلك قوة ذاتية في حقائقه وعقائده ومنهجه، ويمتلك قوة في معالجة

مشاكل الإنسان التي استفحلت هناك.

والإسلام في حالة تمدد رغم الضرب والتضييق الذي يتعرض له المسلمون

من كل جانب.

وهناك ما هو أعظم تأثيراً من ذلك وهو: إنشاء محطات تلفزة موجهة يمكن

أن تخدم المسلمين هناك؛ بل ويمكن توجيهها إلى العالم كله.

ويمكن الاستفادة من ثورة الاتصالات والتقنية في استمداد الكفاءات اللازمة

لتغطية مساحات الإرسال ببرامج هادفة ونافعة.

وجانب ثالث يمكنهم أن يخدموا من خلاله أمتهم؛ وذلك بنقل التقنيات اللازمة

إلى الشعوب الإسلامية مساهمةً منهم في النهضة العامة؛ لكن علينا أن نوجه إليهم

فضائيات تسهم في لَمِّ شتاتهم ووصلهم بحضارتهم وأمتهم.