مقالات مُعرَّبة
محور جديد..
بروز الوفاق التركي الإسرائيلي
بقلم: دانيال بايس
عن ذي ناشيونيال إنترست (الاهتمام القومي) ، خاص بمجلة البيان (بالاتفاق
مع المجموعة الإعلامية الدولية الولايات المتحدة) .
في (سنكان) وهي إحدى ضواحي العاصمة التركية أنقرة رعى مجلس البلدة
مهرجاناً من أجل تخليد ذكرى (يوم القدس) وحوت منصة المهرجان صورة كبيرة
لفتحي الشقاقي، واندفع السياسيون والنشطاء بالإضافة لضيف شرف المهرجان وهو
السفير الإيراني في تركيا في إلقاء كلماتهم المتوقعة والتي تُلاقي استقبالاً حسناً،
وهذا المهرجان عادة ما يجذب القليل من الاهتمام ضمن المسار العادي للأحداث،
إلا أن الأمور لم تمض في مسارها المعتاد في تركيا في فبراير المنصرم، ففي اليوم
التالي للمهرجان صرح أحد المسؤولين العسكريين رفيعي المستوى لأحد مراسلي
صحيفة (الحرية) قائلاً (لقد تابعت الاجتماع في سنكان، ولقد ذعرت مما شاهدته) ،
وفي اليوم التالي أرسل الجيش تشكيلة من العربات العسكرية في أرجاء البلدة، ولم
تتوقف الأمور عند هذا الحد، حيث اعتقل وزير الداخلية عمدة البلدة وطرده من
منصبه. وتم إخبار السفير الإيراني أن (إسرائيل صديقتنا، ولا يمكنك التحدث
عنها بهذا الشكل) . وتم طرده فعلياً من تركيا مما دفع طهران لطرد السفير التركي
رداً على ذلك.
إن هذا مذهل بحد ذاته، فهل يعقل احتلال بلدة لأنها احتفل بيوم القدس؟
وهل يعقل اعتقال عمدة وطرده من وظيفته لتصريحاته المعادية لإسرائيل؟ وكيف
يمكن أن يكون هناك شجار دبلوماسي حول عداء سفير للصهيونية؟ كل هذا لا
يمكنه أن يحدث في الشرق الأوسط في أي مكان عدا تركيا. وهي البلد المسلم
الوحيد الذي يحتوي على مؤسسة قوية ترفض وبشكل تام العداء لإسرائيل بل وتدعم
نواة صلبة من المشاعر المتعاطفة مع إسرائيل. إن الأحداث في سنكان تشير إلى
تطور استراتيجي شديد الأهمية وهو قوة الاصطفاف التركي الإسرائيلي وما يوحي
ذلك من إمكانية تغيير الخارطة الاستراتيجية للشرق الأوسط، وإعادة صياغة
التحالفات الأمريكية هناك وتضاؤل عزلة إسرائيل الإقليمية.
مراحل الصعود والهبوط:
تعود العلاقات بين تركيا وإسرائيل إلى مايو ١٩٤٩م، بعد أقل من عام على
قيام إسرائيل؛ وذلك عندما اعترفت أنقرة بالدولة اليهودية. وفي الواقع فإن العلاقة
التركية الإسرائيلية في تلك الفترة كانت رمزية رغم مخاوف جعلتها ذات محتوى،
إلا أنه لم يكن لديها الكثير من ذلك. وتضاءلت العلاقات بعد حرب ١٩٧٣م عندما
رضخت تركيا لسلام النفط العربي وأبعدت نفسها عن إسرائيل. ولقد حسنت تركيا
وإسرائيل من تعاونهما الاستخباري وبشكل هادئ بعد اجتياح إسرائيل للبنان عام
١٩٨٢م إلا أن العلاقات الرسمية والعامة بقيت باردة. ولقد أسعد مسار أوسلو الذي
بدأ صيف ١٩٩٣م أنقرة كثيراً؛ حيث كان رد فعل تركيا على (المصافحة) بأن
أرسلت أخيراً سفيراً إلى إسرائيل. وبعد ذلك مباشرة قام وزير الخارجية التركي
بزيارة غير مسبوقة لإسرائيل؛ حيث وقعت الدولتان خلال السنة التالية على ثلاث
اتفاقيات وتبع ذلك المزيد من الزيارات رفيعة المستوى. وفي فبراير عام ١٩٩٦م
أقامت إسرائيل أول اتصال عسكري لها بدولة ذات أغلبية مسلمة عندما وقعت على
اتفاقية تدريب عسكري تسمح من خلالها لسلاح الطيران الإسرائيلي بالتحليق في
الأجواء التركية. وفي المحصلة فإن الطرفين وقعا على ثلاثة عشر اتفاقية. ثم
جاءت أحداث يوليو ١٩٩٦م، وجلبت معها احتمالية ضربة قاتلة لهذه العلاقة
المزدهرة وذلك عندما أصبح نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا وهو الأصولي
المسلم الذي ينظر إلى إسرائيل بنفس المنظور الذي ينظر به القادة الإيرانيون،
ويتكلم عن إسرائيل كونها (العدو الأبدي) وهو يحذر من (إسرائيل كبرى) تمتد من
النيل إلى الفرات ويلقي باللوم على (مؤامرة صهيونية) فيما يتعلق بمشاكل تركيا
الاقتصادية. وفي الوقت الذي تسلم أربكان منصبه، فإن التعليقات الإخبارية بدأت
تتنبأ بأنه سوف يقوم بإلغاء الاتفاقيات التركية الإسرائيلية الحديثة. ولو كانت تركيا
كبقية دول الشرق الأوسط فإنه كان بإمكانه أن يحقق وعوده بلا شك. فمن بإمكانه
بعد هذا كله، أن يساند الروابط مع الدولة اليهودية في مواجهة رئيس وزراء مصمم
على انهائها؟
رجال اتاتورك؟
إلا أن تركيا مختلفة، والميراث العلماني لكمال اتاتورك مؤسس الجمهورية
التركية هو إبرز عناصرها. ولقد تمكن اتاتورك في فترة بسيطة هي خمسة عشر
عاماً (١٩٢٣ ١٩٣٨م) من تقوية نظام من الأفكار المتحدثة التي ليس لها نظير في
العالم المسلم حتى اليوم، ولقد تراجعت تركيا ككل عن الميراث الأتاتوركي بشكل
كبير خلال العقود الستة الماضية، إلا أن مؤسسة واحدة لم تتغير. فالهيئة العسكرية
المؤلفة من خمسة وثلاثين ألف ضابط عسكري لا تزال تحافظ على هذا الميراث
كوديعة مقدسة. لذلك لم يكن من الغريب عندما وصل أربكان وحزب الرفاه للحكم
في يوليو عام ١٩٩٦م أن العساكر الأتراك اختاروا أن يجعلوا إسرائيل إحدى النقاط
المركزية في خلافهم الواسع مع الأصوليين. ولم يصروا فقط على المحافظة على
هذه العلاقات بل على تقويتها كذلك.
لقد حصل الجيش على هذا الحق؛ لأن الدستور منحه دوراً سياسياً، ويفسر
ذلك سيفيك بير المتحدث الدؤوب والذي يشغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان:
(إننا نتصرف وفق الدستور التركي بشكل صارم. حيث يشير البند الثاني أننا دولة
علمانية، ويشير البند الرابع أن هذا النص لا يمكن تغييره، ولقد أعطانا البرلمان
مسؤولية حماية الأراضي التركية وحماية الجمهورية التركية. في الولايات المتحدة
وبريطانيا ليس من مهمة الجيش الدفاع عن النظام السياسي، أما في تركيا فإن هذه
المهمة معطاة لنا من قبل القانون. وتشير الأدلة إلى أن أربكان أرغم على الاستقالة
في ١٨ يونيو، وهو حدث يشار إليه داخل تركيا غالباً (لي أنه انقلاب) هادئ أو
(صامت) .
توسيع العلاقات:
ونظراً للدور الذي يلعبه الجيش التركي في السياسة، فإن العلاقات العسكرية
برزت في لب العلاقات التركية الإسرائيلية الجديدة. واتسعت هذه العلاقات بشكل
ملحوظ منذ أحداث سنكان. ولقد سافر رئيس هيئة الأركان في الجيش التركي
إسماعيل حقي كاراداي إلى إسرائيل في نهاية فبراير ١٩٩٧م، في أول زيارة
لمسؤول عسكري تركي رفيع المستوى. ثم زار وزير الدفاع التركي ترهان تايان
إسرائيل بعد ذلك، وبحلول الجزء الأول من ١٩٩٧م، فإن جميع الضباط الكبار
لكلا الطرفين قد التقوا ببعضهم البعض. وعلى مستوى أدنى، يجري هناك حوار
استراتيجي بشكل سنوي تقريباً، وفي يونيو الماضي بدأت السفن التركية بزيارة
الموانئ الإسرائيلية، والنتائج الكاملة لهذه التبادلات المكثفة ورفيعة المستوى ليست
علنية بالطبع. إلا أن الإعلانات الرسمية والمتحدثون المساعدون يشيرون إلى أن
هذه النتائج تشمل خمسة جوانب رئيسة.
أولاً: مجال تحديث الأسلحة. حيث تقوم شركات التصنيع الجوي الإسرائيلية
بتحديث أربعة وخمسين طائرة فانتوم تركية من طراز (٤) ، وهي قاذفة من فترة
حرب فييتنام. وهذا أكبر جزء من العديد من الاتفاقات التي أبرمت بين شركات
الدفاع التركية والإسرائيلية وهو بقيمة ٦٣٢. ٥ مليون دولار. حيث أن طائرة
(فانتوم ٢٠٠٠) سوف تمتلك قوة ضاربة محسنة وكذلك مجالاً أكبر للمناورة
بالإضافة إلى أساليب رؤية والكترونيات أفضل. وتسعى إسرائيل كذلك لتحديث
الدبابات التركية البالية (م ٦٠) الأمريكية الصنع.
ثانياً: شراء المعدات. بعض الأسلحة (مثل صواريخ بوبا ١) يتم الحصول
عليها من خلال تحديثات الفانتوم ويتم شراؤها بشكل منفصل. وبالإضافة لذلك فقد
عبرت تركيات عن اهتمامها بالصاروخ الدفاعي (السهم) وبأنظمة الإنذار المبكر
لطائرات الفانتوم، وبنظام رادار من أجل الكشف عن الألغام البلاستيكية والتقليدية.
بالإضافة إلى أسيجة رادارات من أجل إغلاق الحدود التركية مع سوريا والعراق
(لمنع تسلل حزب العمال) . وتأمل إسرائيل أن تزود تركيا بألف دبابة ميركافا مارك
(٣) ، وهي الدبابات الرئيسة للجيش الإسرائيلي، بتكلفة ٥ بليون دولار.
ثالثاً: الإنتاج المشترك؛ حيث اتفق الطرفان على استثمار ١٥٠ مليون دولار
من أجل إنتاج المئات من صواريخ بوبا (٢) والحديث جار حول مشروع إنتاج
صواريخ (دالية) بعيدة المدى.
رابعاً: التدريب. حيث يتعلم الطيارون الأتراك والأطقم حول الحرب
الالكترونية في إسرائيل بينما يحصل الطيارون الإسرائيليون على منفذ للامتدادات
الشاسعة في الأناضول من أجل التدريب على الطيران بعيد المدى فوق الأراضي
الجبلية (وهو يختلف جداً عن الطيران فوق الماء ويخدم كاستعداد محتمل لمهمات
ضد إيران) . وفي خطوة مثيرة أعلنت كل من أنقرة والقدس عن خططها لتدريبات
بحرية ثلاثية مع الولايات المتحدة ولمدة خمسة أيام. أطلق عليها اسم (الحدود
المعتمدة) ، وكان من المفروض أن يتم إجراؤها في أواسط نوفمبر ١٩٩٧م، ولقد
كان أمر إقامة هذه التدريبات مثيراً ومفاجئاً للعديد من الدول في المنطقة لدرجة أنه
تم تأجيل إقامتها مرتين، ومن غير الواضح من هو الطرف الذي طالب بالتأجيل
وما الأسباب وراء ذلك؟
خامساً: التشارك الاستخباري. حسب تقرير صحفي تركي (وتم إنكاره من
قبل وزير الدفاع التركي) فإنه عندما أفلست ألمانيا الشرقية فإن الأسلحة السوفيتية
الصنع تم تحويلها لجمهورية ألمانيا الفيدرالية، والتي بدورها زودت إسرائيل بثلاث
طائرات ميغ ٢٩. حيث شاركت إسرائيل المعلومات التقنية حول الميغ ٢٩ (وهي
أحدث طائرة حربية تمتلكها سوريا) مع الأتراك. ويسود الاعتقاد أن الإسرائيليين
يستغلون طيرانهم في الأناضول قريباً من سوريا والعراق وإيران؛ وذلك من أجل
جمع المعلومات حول هذه الدول المعادية. وبالإضافة للجانب العسكري المكثف،
فإن للعلاقات التركية الإسرائيلية أبعاداً أخرى، ولكن ليس بنفس الديناميكية
والتفصيل، وتشمل ما يلي:
التجارة: حيث يتم التوقيع على اتفاق لمنطقة تجارة حرة تركية إسرائيلية في
مارس ١٩٩٦م. حيث يتوقع أن تساهم في ارتفاع التجارة إلى أربعة أضعاف ما
هي عليه خلال ثلاث سنوات من ٤٥٠ مليون إلى٢ بليون دولار.
النقل: يقال إن الطرفين قد وقعا على اتفاقية للنقل الأرضي والتي ستكون
موضع تنفيذ فقط بعد (تطبيع) العلاقات في المنطقة، أي بعد حدوث تغير في سوريا
وهي الجسر الأرضي بين البلدين يسمح بالتجارة عبر أراضيها. وحتى بدون النقل
الأرضي فإنه ليس هناك نقص في النقل بين البلدين؛ حيث زار تركيا في السنة
الماضية حوالي ٤٠٠ ألف إسرائيلي (ما يعادل ٨% من السكان) وأنفقوا ما يعادل
ثلاثة بلايين دولار. (وبشكل آخر مثير، فإن الخطوط الجوية التركية هي ثاني
أكبر ناقل من تل أبيب وإليها، بعد شركة الطيران الإسرائيلية العال) .
المياه: حيث تتركز الاقتراحات التركية حول (أنانبيب السلام) والأفكار
الإسرائيلية حول (قناة السلام) حول نقل المياه العذبة من تركيا إلى إسرائيل. ولم
تثمر أي من هذه الخطط وذلك لرفض السلطات السورية مرور هذه المياه من
أراضيها. ويجري الآن النقاش حول أساليب أخرى لنقل المياه بالرغم من ضخامة
تكاليفها.
الديانة: حيث أعلن مفتي أستنبول في أول زيارة لوفد ديني تركي لإسرائيل
في إبريل ١٩٩٧م أنه (ليس هناك اعتراض إسلامي ديني على وجود دولة ...
إسرائيلية) وهو ليس بالتصريح التقليدي لرجال الدين. وتبدو الدولتان غير متأكدتين
حول الكيفية التي يجب بها تصوير هذا التعاون المتزايد. فأحياناً نجد التشديد على
المحتوى السلمي وفي أحيان أخرى نجد التلويح بالجانب الحاد لهذا التعاون.
ويناقض القادة الأتراك والإسرائيليون أنفسهم فيما يتعلق بسوريا؛ حيث يصرون
أحياناً أن تعاونهما ليس موجهاً ضد طرف ثالث.
لماذا التغيير؟
ليس هنالك أي تغيير جوهري فيما يتعلق بالحوافز الإسرائيلية الرئيسة حيث
سعت إسرائيل منذ أيام دافيد بن غوريون إلى علاقات أفضل مع تركيا كإسفين يتم
من خلاله كسر أطواق عداء الدول المجاورة الناطقة بالعربية، ويبقى السؤال
المطروح: لماذا يسعى الأتراك وهم يتعاملون مع مد ديني يجتاح العالم المسلم قاطبة
إلى علاقات وثيقة كهذه مع إسرائيل؟ وتنقسم الإجابة على هذا السؤال إلى قسمين
يدعم كل منهما الآخر وهو الميل العام والاحتياجات العملية. فبالنسبة للجزء الأول، فإن الأتراك يستذكرون العلاقات السابقة مع اليهود بشكل أفضل من العلاقات مع
العرب. حيث صرح وزير الدفاع التركي على سبيل المثال (أنه لم يكن لدينا أي
مشاكل مع إسرائيل والأمة اليهودية عبر التاريخ) وهو شيء لا يمكنه وهو غير قادر
على قوله بإمانة فيما يتعلق بالعرب. وتشترك تركيا وإسرائيل فيما يطلق عليه
المحلل الآن ماكومشكي (شعوراً مشتركاً بالاختلاف عن الأنظمة الديموقراطية
العربية التي تهيمن على المنطقة) . أضف إلى ذلك أن المؤسسة العسكرية التركية
ودولة إسرائيل تشتركان في مقدمة سياسية فريدة كونهما أقوى مؤسستين معاديتين
للأصولية في المنطقة.
ولدى تركيا كذلك مشاكل إقليمية لم تحل بعدُ مع دولتين عربيتين مجاورتين
وكلاهما عدو قديم لإسرائيل؛ ففي حالة العراق فإن تركيا لم تتخل عن مطالبها
القديمة لمنطقة الموصل. حيث أعاد الرئيس ديميريل هذه المطالب إلى الحياة مرة
أخرى في مايو ١٩٩٥م عندما أعلن أن (الحدود خاطئة) وقال بأن (هذا الأمر يجب
تصحيحه) . وتبقى المشكلة الرئيسة هي سوريا، حيث ما زالت الحكومة السورية
تطالب وبإصرار بمقاطعة تركية كاملة وهي (حاتاي) كملك لها. وتظهر الخرائط
الرسمية السورية حاتاي كجزء من سوريا. إلا أن المشاكل مع سوريا تتعدى النزاع
حول الأراضي. حيث تطالب دمشق بحصص أكبر للمياه المتدفقة من الفرات
واعترضت بشدة على المشاريع المائية التركية التي تنقص مع حصة سوريا في هذه
المياه. ولتركيا كذلك مصالح مشتركة مع إسرائيل. حيث أن قبرص اليونانية لا
تزال تمثل مشكلة بالنسبة لأنقرة فهي أيضاً كذلك موضع قلق للقدس نظراً لتواجد
العديد من المجموعات الفلسطينية هناك. وبالنسبة لإيران فإنه منذ الثورة الإسلامية
عام ١٩٧٩م فقد سعى النظام الإيراني لتدمير إسرائيل ولقيام جمهورية تركية
إسلامية في آن واحد، وتكتسب تركيا قوة من خلال عملها مع إسرائيل كونها
مجاورة لثلاث دول عدوانية. ولو أن حافظ الأسد ابتدأ العدوان ضد تركيا فإن عليه
أن يقلق من إسرائيل التي تلاحقه من ناحية الجنوب. ولتركيا كذلك مصالح من
وراء ذلك في مواجهة اليونان؛ حيث عبّر أحد المحللين الصحفيين عن ذلك بقوله
أن الروابط مع إسرائيل قد أبطلت مفعول بعض الأوراق الرابحة التي حاولت
الحكومة اليونانية لعبها ضد أنقرة) .
وتكسب إسرائيل كذلك في أوقات الحرب من غير اشتراك تركي مباشر كما
يوضح مايكل ايزنستادت: (بإمكان الجيش التركي أن يحشد قواته على الحدود مع
سوريا. وهذا سيؤدي إلى تقييد الاحتياط الاستراتيجي السوري وبإمكان تركيا أن
تسمح للطائرات الإسرائيلية المعطوبة بالهبوط في القواعد التركية وتقوم بتحرير
المعلومات الواردة من الطيران الاستطلاعي. وهذا سيدفع سوريا إلى إعادة صياغة
أنظمة الدفاع الجوية. وفي البحر، فإن بإمكان تركيا أن تسمح لإسرائيل بالعمل من
خلال القاعدة البحرية في الأسكندورنة أو في المناطق المحظورة في المياه التركية
قريباً من سوريا مما يدفع بسوريا لتوزيع أسطولها) .
وهذه الشراكة التركية الإسرائيلية الجديدة مناسبة على المستوى الدولي كذلك.
حيث تسعى تركيا إلى مصدر يمكن الاعتماد عليه فيما يتعلق بالمعدات العسكرية
ذات التقنية العالية. وبالنسبة للأتراك وهم غريبون نسبياً في واشنطون فإن لديهم
الآن حليفاً ذا اتصال ويتوقعون منه الكثير؛ حيث صرح أحد المحللين الأتراك قائلاً: (العديد من الأتراك يؤمنون أن عربون الصداقة مع إسرائيل يعني الحصول على
الدعم الأمريكي) .
الردود:
في الوقت الذي يؤكد فيه كبار الزوار على أن تركيا وإسرائيل هما (الدولتان
الديموقراطيتان الوحيدتان في المنطقة) فإن العلاقة بينهما لا يمكن اعتبارها خياراً
ديموقراطياً. ويشير بعض الإسرائيليين إلى أن القوات المسلحة التركية هي التي
أصرت على كثرة الاتفاقات مع إسرائيل وليس الحكومة. ويقدر المحللون الأتراك
والإسرائيليون الاحتمالات المهمة لهذه العلاقة الجديدة. حيث يكتب الصحافي
التركي اللامع سامي كوهين قائلاً: (إن هذا التحالف الغني قد غير من ميزان القوى
الاستراتيجي في الشرق الأوسط الغني بالنفط) . ويصف صبري سيلري وهو محلل
سياسي هذه العلاقة بأنها (أهم علاقة عسكرية) في الشرق الأوسط. أما وزير الدفاع
الإسرائيلي السابق موشيه أرينز فيراها بأنها (تغيير مهم في جيوبوليتكية الشرق
الأوسط) ويصفق معظم الغربيين بصراحة لهذه التطورات؛ حيث وصفتها
النيويورك تايمز بأنها (أقوى صداقة عسكرية في الشرق الأوسط) . أما نشرة
(defes news) فتصفها بأنها (حركة رائعة ترفع الأمن التركي والإسرائيلي
لدرجة لا يمكن عملياً التعرض لها) . ولقد دعمت إدارة كلينتون بصلابة حليفيها
الرئيسين في الشرق الأوسط وهما يشكلان هذه الشراكة وينبغي الإشارة بذلك.
حيث صرح مسؤول وزارة الخارجية في تصريح غير مألوف في رعونته (أن من
الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة أن تقوم تركيا وإسرائيل بتحسين تعاونهما
العسكري وعلاقاتهما السياسية. وإذا لم يعجب ذلك بعض الدول العربية فإن ذلك
أمر حلف. (إلا أن الإزدهار في العلاقات التركية الإسرائيلية قد أصاب العديد من
الخصوم الإقليميين بفجع شديد. حيث اتهم وزير الخارجية السوري فاروق الشرع
تركيا وإسرائيل بتشكيل (تحالف عسكري) . أما وكالة الأنباء الليبية فقد عبرت عن
قلقها إزاء (حلف عسكري مشبوه) يهدف لسرقة (النفط والمصادر المائية) . أما
الإيرانيون فحددوا مخاوفهم بقدرة الإسرائيليين الآن على استهداف منشآتهم النووية.
أما حزب العمال الكردستاني فقد صور باستهزاء رئيس هيئة الأركان التركية على
أنه (خادم مدني لإسرائيل) .
إن الرباط التركي الإسرائيلي في حال استمراره في مساره الحالي سوف يؤدي
إلى تغيير الخارطة الاستراتيجية للشرق الأوسط. والسؤال هو هل سيؤدي
لاستقرار أم بلبلة في المنطقة؟ مبدئياً، هذا التحالف قد يؤدي لمزيد من المشاكل،
وكمثال للعنف الذي قد يسفر عن ذلك قام فلسطينيون بإلقاء زجاجة مولوتوف في
الحديقة الأمامية للقنصلية التركية في القدس الشرقية في أوائل مايو، ثم قاموا بإلقاء
سائل سريع الاشتعال على سيارة القنصل التركي. وتشير تقارير الأنباء أن بشار
ابن حافظ الأسد قد اجتمع بزعيم حزب الله حسن نصر الله (واتفق الاثنان على
مهاجمة أهداف تركية) وتم فتح الحدود العراقية السورية وهي التي كانت مغلقة لمدة
سبعة عشر عاماً نتيجة اعتراف أسدي حزب البعث حافظ الأسد وصدام حسين أنهما
يواجهان تحالفاً مهدداً مشتركاً.
أما على المدى البعيد، فإن الروابط التركية الإسرائيلية القوية ستؤدي إلى
استقرار المنطقة من خلال قيامها لردع كردع عسكري مهول ضد أي عدو محتمل،
ومن المحتمل أن ثمار ذلك قد بدأت بالظهور حيث تشير تقارير الصحافة العربية
إلى أن سوريا قررت عدم الدخول في تحالف استراتيجي مع إيران خوفاً من أن
(يؤدي ذلك لزيادة التنسيق ما بين أنقرة وتل أبيب ضد دمشق) مما يؤدي إلى مزيد
من العزلة. وتوفر المشاركة التركية الإسرائيلية العديد من الميزات لشراكة إقليمية
مكونة من حلفاء ديموقراطيين وذات توجه أمريكي؛ وذلك خلافاً للحكام
الأوتوقراطيين الذين اعتمدت عليهم واشنطن لخمسة عقود كما هو الحال في أوروبا. وفي حال تم تنمية هذا التحالف بحذر، فقد، ينضم إليه الأردن كذلك بالإضافة
لبعض الدول لاحقاً. والنتيجة النهائية هي الهدف الذي استقصي تحقيقه من بين
الأهداف إلا وهو: شرق أوسط مسالم.