[وماذا بعد مقتل الزرقاوي؟]
إبراهيم العبيدي
بعد مطاردة متواصلة دامت أكثر من ثلاث سنوات لزعيم تنظيم القاعدة في العراق من قبل قوات التحالف والحكومة العراقية على السواء، تمكنت القوات الأمريكية والعراقية وبمساعدة استخباراتية مجاورة أعلن عنها، من اغتيال الزرقاوي «الأسطورة» مؤخراً، في مدينة هبهب الواقعة في بعقوبة شمال بغداد، من خلال غارة جوية بطائرتين إف ١٦ استخدمت فيها قنبلتين زنة الواحدة ٢٥٠ كغم، مستهدفة البيت الذي كان فيه الزرقاوي وسبعة من معاونيه بحسب البيان المذاع عبر وسائل الإعلام.
بداية ما أود التذكير فيه هو: أن الإدارة الأمريكية منذ بداية ظهورالزرقاوي وتنظيمه في العراق، كأحد فصائل المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال، سعت هذه الإدارة ومعها الحكومة العراقية الموالية لها، بتضخيم هذا التنظيم إعلامياً، وجعلته «شماعة» علقت عليها كل إخفاقاتها الأمنية في العراق.
لأسباب وأهداف مهمة منها:
١ ـ إيهام العالم من أن العراقيين لايقاومون الاحتلال، وأن الاحتلال الأمريكي مرحب به عراقياً «كما أوهمتهم بعض الشخصيات والتنظيمات التي جاءت مع المحتلين؛ كالجلبي وأمثاله من أن العراقيين سيستقبلونكم بالورود والرياحين» ؛ لتبرير الوجود الأمريكي في العراق.
٢ ـ كذلك كان الهدف من تضخيم الزرقاوي وتنظيمه هو اختزال المقاومة العراقية الكبيرة والمتنامية في تلك الشخصية، والقول: بأن المقاومة يقوم بها بعض العرب الأجانب.
٣ ـ منع وتضييق الدعم، والتأييد الشعبي والإقليمي، للمقاومة من خلال وصفها «بالأجنبية الإرهابية» بخلاف لو أنها كانت عراقية وطنية.
٤ ـ تثبيت وترويج وصف «الإرهاب» على مقاومة الاحتلال ـ الذي أقرته الشرائع السماوية كلها، وحتى القوانين الوضعية ـ كون الزرقاوي وتنظيمه هو امتداد لتنظيم القاعدة المحظور «دولياً» ، والاستفادة من هذا الحظر الدولي للقاعدة في مقاومة كل من يقاوم، والذي بسببه أطلق الأمريكيون لأنفسهم العنان في البطش غير المسبوق في تعاملهم مع المقاومين والمدن التي تنطلق منها المقاومة بدعوى «كونهم إرهابيين» ، وما حصل في الفلوجة من تدمير همجي غير مسبوق أكبر شاهد على ذلك.
ولكن الأيام والوقائع سرعان ما كذَّبت دعوى الأمريكيين هذه، وتبين فيما بعد ـ وعلى لسان القادة العسكريين الأمريكيين أنفسهم بعد أحداث الفلوجة الدامية، وما تردد من تصريحاتهم الرسمية عبر وسائل الإعلام من ـ أن مجمل المقاومة عراقية. ومع ذلك بقيت تلك المصادر نفسها تعزف على وتر «الزرقاوي وجماعته» ، وتحمله كل ما يحدث من تردي للوضع الأمني في العراق متجاهلة دور العراقيين في المقاومة، على الرغم من إعلان المقاومة لأسماء الفصائل، والجماعات الرئيسة التي تقاوم وهي: جيش أنصار السنة، وجيش الراشدين، وكتائب ثورة العشرين، والجيش الإسلامي، وجيش الفاتحين، وكتائب المقاومة الإسلامية.
أهم مؤشرات الحدث وتداعياته:
١ ـ أن البهجة والفرح والسرور الذي تظاهرت به الحكومة العراقية والقوات الأمريكية في إعلان خبر مقتل الزرقاوي ـ وكأنه الإنجاز الأكبر لهذه القوات، التي يبلغ تعدادها مجتمعة أكثر من مئتين وتسعين ألف جندي مع كافة الإمكانيات العسكرية بكل أنواعها ـ هذه الفرحة المصطنعة بدَّدها الرئيس الأمريكي نفسه في خطابه بالمناسبة بقوله: «مقتل الزرقاوي لا يعني زوال كل الصعوبات أمامنا في العراق» . والدليل العملي كان سريعاً وهو عشرات القتلى والجرحى في تفجير ثلاث سيارات مفخخة في مناطق متفرقة من بغداد.
٢ ـ اغتيال الزرقاوي كان أمراً متوقعاً جداً، ومثل هؤلاء الأشخاص أمنيتهم الوحيدة في الحياة أن يموتوا «شهداء» بحسب اعتقادهم، وأنهم ما ذهبوا للعراق كونه بلد العيش الرغيد؛ بل كونه ساحة للجهاد ضد الغزاة المحتلين.
٣ ـ قطعاً أن مقتل الزرقاوي لن يؤثر على عمليات المقاومة ـ بإذن الله ـ وهو ما أكده الناطق الرسمي باسم الجيش الإسلامي أحد أكبر فصائل المقاومة العراقية (إبراهيم الشمري) من: أن غياب الزرقاوي لن يؤثر على عمليات المقاومة. فربما يعود التنظيم ويندمج ضمن المقاومة العراقية وإمرتها، مما يعني عنصر قوة جديد للمقاومة وللقاعدة وليس العكس.
٤ ـ بمقتل الزرقاوي فقد الأمريكيون والحكومة العراقية الموالية لها «شماعة» مهمة لتعليق جميع إخفاقاتهم الأمنية في عموم العراق، وسيكشف تورط الحكومة العراقية «الطائفية» في إذكاء روح الاحتقان الطائفي من خلال ممارسات المليشيات الشيعية المسلحة ضد العرب السنة قتلاً وخطفاً وتهجيراً على أساس طائفي، وبتوجيه إيراني أصبح واضحاً عند العراقيين.
٥ ـ ربما يكون اغتيال الزرقاوي ذا مردود إيجابي على المقاومة العراقية عموماً، وسيعطي زخماً معنوياً وشعبياً كبيراً لها، كونها تخلصت من كل ما كان يتُهم به (الزرقاوي) بحسب وصف الحكومة العراقية والأمريكان. وهو الأمر نفسه الذي كان يقال قبل اعتقال (صدام) من: أنه كان يقود المقاومة؛ مما جعل كثيراً من العراقيين يترددون في الانخراط بصفوف المقاومة بسبب هذا التشكيك، وبعد إلقاء القبض على (صدام) زاد حجم المقاومة زيادة مطردة، واتسعت بصورة كبيرة لتشمل أجزاء كبيرة من العراق، وأعلن عنها بأن التيار الإسلامي يمثل أكثر من ٨٠% من مجمل المقاومة، وهي الحقيقة التي أرعبت الأمريكان كون الحرب ستكون طويلة الأمد؛ بسبب «أيدلوجيتها» .
٦ ـ لقد أثبتت الأحداث أن ذهاب مثل هؤلاء القادة في التنظيمات، لايمثل شرخاً كبيراً في بنية التنظيم؛ بل سرعان ما يتم سد الفراغ، والدليل أن ملاحقة العديد من القادة البارزين وعزلهم عن العالم منذ سنوات، لم يمنع من ظهور الكثير من الحوادث التي أربكت القوات الأمريكية والحكومة في العراق. ومثله فصائل المقاومة الفلسطينية؛ فسد الفراغ في استشهاد قادتها أمر مشاهد ملحوظ.
٧ ـ من غير الموضوعية، ومن الإجحاف تقزيم مشكلة العراق وتردي الأوضاع فيه على كافة الأصعدة، ونسبتها للزرقاوي وتنظيمه متناسين المشكلة الحقيقية والرئيسة لكل مأساة العراقيين وهو الاحتلال وما خلفه من أزمات عديدة، منها: سَنُّ وتكريس (الطائفية) من خلال تشكيلة مجلس الحكم الانتقالي، بإشراف الحاكم المدني السابق (بول بريمر) .
٨ ـ التاريخ يعيد نفسه؛ فقبل سنتين وبعد إعلان القبض على (صدام) وما صاحب هذا الإعلان من بهرجة إعلامية مشابهة لحملة إعلان قتل الزرقاوي، يومها أوهموا العراقيين من أن القبض على (صدام) سينهي نشاط «المقاومة» كما يقولون وسيهدأ البلد؛ لأن (صدام) كان هو الرأس المدبر والداعم لهذا التمرد، ثم تبين بعد ذلك العكس، حيث ازدادت عمليات المقاومة أضعاف ماكانت عليه من قبل، وهو ما سيتكرر ـ والله أعلم ـ بعد اغتيال الزرقاوي، والأيام القادمة ستكشف ذلك، وستتغير النبرة الإعلامية فقط في ملاحقة المقاومة والمقاومين بوصفهم «الزرقاويين» هذه المرة على غرار وصف «الصداميين» من قبل.
٩ ـ الرئيس الأمريكي (بوش) يعيش أدنى مؤشرات استطلاعات الرأي لتدني شعبيته؛ نتيجة حرب العراق، وتعثر العملية السياسية فيه، وكابوس المقاومة العراقية الذي أَقَضَّت مضجع البنتاجون. الأمر الذي جعله يبدي احتفالاً كبيراً هو وقادة حربه في الإعلان عن مقتل الزرقاوي؛ للتخفيف عن أزمته، ورفع مايمكن رفعه من المعنويات المنهارة لقواته.
١٠ ـ تأخير الإعلان عن مقتل الزرقاوي ما يقرب ٤٨ ساعة ليكون متزامناً مع إعلان الحكومة العراقية للتصويت على المناصب الإمنية الثلاثة: الدفاع، والداخلية، والأمن القومي في الحكومة الجديدة؛ لإعطائها دفعة تشجيعية متفائلة لمهام الوزراء الجدد.
وأخيراً أُسدِل الستار على الزرقاوي «الأسطورة» بهذه العملية العسكرية الكبيرة، ووصَفَه أهله وأنصاره بالشهيد البطل والفارس الذي ترجل، ووصفه أعداؤه بالمجرم الذي لقي حتفه المحتوم، والسؤال المطروح والمهم ماذا بعد رحيل الزرقاوي؟
لذلك نقول: إن مقتل الزرقاوي ـ وإن كان إنجازاً أمنياً ـ ربما يكون كبيراً لقوات التحالف والحكومة العراقية، ولو بعد أكثر من ثلاث سنوات! غير أن هذا الإنجاز ربما ستبدده الوقائع القادمة على الأرض، من استمرار عمليات المقاومة العراقية ضد القوات الأمريكية والحكومية الموالية لها.
ومرة أخرى ماذا بعد رحيل الزرقاوي؟
هل برحيل الزرقاوي سيهدأ الوضع الأمني في العراق، وينتهي العنف الطائفي، وظاهرة الخطف، وقطع الرؤوس التي تقوم به ميليشيات «القوم» ؟ وهل سيتوقف مسلسل سرقة النفط العراقي المنظم من قبل هذه المليشيات في البصرة بتنسيق كامل مع الطرف الإيراني؟! وهل ستخرج بعض المرجعيات عن صمتها المطبق، وُتحِّرمُ ما يقوم به أتباعها من ممارسات القتل، والتشريد، والخطف، والسرقة ضد العراقيين وثروة العراق؟ وهل سيحل الأمن والأمان اللذان باتا أمنية كل عراقي قبل الخدمات الأخرى كالكهرباء، والماء، والوقود، والوظيفة؟ سننظر إن كان الزرقاوي كان سبباً لكل ذلك؟! إذن فليبشر العراقيون بعيش رغيد قريب في عراق الاحتلال والانفلات!.