للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

شيخا الإنقاذ

هل يقودان السفينة من جديد؟

وهل ينجح التيار الفرنكفوني في إعاقتهما؟

أمير سعيد

[email protected]

هناك في قلب العاصمة الجزائرية، قبل اثنتي عشرة سنة، كان المشهد أخَّاذاً:

جموع هادرة بأعداد تنوف عن مليون من الشباب الجزائري تصرخ حناجرها: «ما

تخافوش.. ما تخافوش.. الرزاق مش حمروش» (مولود حمروش رئيس

وزراء الجزائر خلال تلك الفترة) .. ينسل شاب تميل بشرته للسمرة في الخامسة

والثلاثين من عمره مرتدياً بزة عسكرية من بين الجموع المضربة عن العمل،

تخاله لأول وهلة جندياً من جنود السلطة الجزائرية؛ ليقابل وزير الدفاع الجزائري

(المتقاعد حالياً) الجنرال خالد نزار الذي يحكي في مذكراته أنه تفاجأ به أمامه

ببزته تلك يقدم إليه مطالب المضربين بتعديل القانون الانتخابي الجائر.

علي بلحاج الشاب الثائر، الخطيب البارز، نائب رئيس الجبهة الإسلامية

للإنقاذ، كانت هذه هي آخر أيام عهده بالحرية (حتى ٢/٧/٢٠٠٣م) قبل أن يؤسر

على أيدي أجهزة الأمن الجزائرية.

في تلفزيون الجزائر حين كان على وشك مقارعة خصومه الموالين للحكومة

من المنشقين عن الجبهة الإسلامية بقيادة أحمد المراني (الذي عين فيما بعد وزيراً

في حكومة هزيلة) في مناظرة تليفزيونية كان مقرراً عقدها بعد دقائق من توقيت

اعتقاله بتهمة «المس بأمن الدولة» مع رفيقه زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ

عباسي مدني.

مطالب بلحاج لم تُلْقِ السلطات الجزائرية لها بالاً؛ فقد فتحت نيران أسلحتها

على المضربين فقتلت منهم أكثر من ٥٠٠ شاب، واعتقلت مدني وبلحاج وعدداً من

قيادات الصف الثاني في الجبهة أبرزهم الشيوخ: كمال قمازي وعلي جدي وعبد

القادر بوخمخم وعمر عبد القادر، ثم حكمت عليهم بالسجن بأحكام متفاوتة في العام

التالي بعد شهور من الانقلاب على المسار الانتخابي.

«بيدي قنبلة أبذل جهدي لئلا تنفجر، وهم (أي الطغمة العسكرية)

حريصون على تفجيرها» هذا ما قاله الشيخ عبد القادر حشاني الرئيس المؤقت

للجبهة الإسلامية للإنقاذ إبان فترة الانتخابات؛ والتي قادها فيها إلى نصر انتخابي

كبير (٨٢% في الجولة الأولى من انتخابات ١٩٩٢م) ، مطلقاً تحذيره للجيش

ودوائر صنع القرار الجزائري من مغبة إلغاء المسار الانتخابي.

غير أن القنبلة التي كان الشيخ يحذر من تفجرها سبقته إلى الانفجار مخلفة ما

بين ١٥٠ - ٢٠٠ ألف قتيل، ومليار دولار كأقل تقدير لخسائرها المادية، علاوة

على ٢٠ مليون منكوب، كما أن آخر شظايا هذه القنبلة كانت من نصيب السياسي

المحنك حشاني نفسه بعد سبع سنين من انفجارها.

انفجرت القنبلة فتراجع دور قادة الإنقاذ وعقلائها إلى حين، سواء بالسجن؛

كالشيخين مدني وبلحاج (١٢ عاماً سجناً) ، والشيوخ كمال قمازي وعلي جدي

وعبد القادر بوخمخم وعمر عبد القادر (٥ سنوات) ، والشيخ القائد عبد القادر

حشاني (٥ سنوات ثم الإقامة الجبرية ثم أيام قليلة في حرية مزيفة أسير خطوات

الاستخبارات قبل اغتياله على أيدي عناصر تابعة لها) ، أو بالاغتيال كحشاني كما

تقدم والشيخ عبد الباقي صحراوي في العاصمة الفرنسية لاجئاً على أيدي عناصر

تابعة للاستخبارات الجزائرية، والشيخ محمد السعيد زعيم تيار الجزأرة في الجبهة

ورفيق دربه الشيخ عبد الرزاق رجام رئيس لجنة الإعلام بالجبهة اللذين اغتالتهما

عناصر من المتشددين الجزائريين الغلاة (الجماعة الإسلامية المسلحة) بعد عام من

توقيعهما بيان الوحدة مع تلك الجماعة المشبوهة التي لم يكن انحرافها العقدي

والسلوكي قد فُضِح بعدُ (تبدت تلك الجماعة بوجهها الكالح في العام ١٩٩٥م) ، أو

باللجوء السياسي بعد أحكام بالإعدام كالشيخ رابح كبير (ألمانيا ثم بريطانيا)

والأستاذ أنور هدام (الولايات المتحدة الأمريكية حراً ثم أسيراً) وبعض كوادرها

البارزة كعبد الله أنس ومراد الدهينة وأحمد الزاوي.

تراجع دور ساسة الإنقاذ وعقلائها، وتقدمت «الجماعة الإسلامية المسلحة»

(الجيا) التي بادرت إلى سرقة نصر الإسلاميين عبر تبنيها لخط مقاوم في البداية

للانقلاب على الخيار الشعبي وهو ما مكنها من استقطاب أعداد غفيرة من الشباب

الثائر في غياب تحرك فاعل من أركان الجبهة التي كانت تمر بفترة ذهول جعلتها لا

تحسن مواجهة الملمة بشكل صارم، فلحقت معظم عناصرها التي أفلتت من

معتقلات ومحتشدات النظام في صحراء الجزائر التي ضمت الآلاف من كوادر

ونشطاء الجبهة؛ بالعمل العسكري الذي ظل لفترة في معظمه حكراً على الجيا التي

تحول نشاطها شيئاً فشيئاً إلى النشاط الإجرامي بقتل القرويين والعناصر التابعة

للجبهة في مجازر بشعة (قتلت الجيا في العام ٩٥ فقط أكثر من ٥٠٠ من خيرة

شباب الجبهة) مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه في وصف

الخوارج «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان» . بينما ظل تحرك الجبهة

الإسلامية للإنقاذ محدوداً إلى أن نجح قياديان عسكريان تابعان للإنقاذ في الشرق

والغرب الجزائري هما مدني مزراق وأحمد بن عائشة في لمِّ شعث أصحاب المنهج

الصافي من الفصائل العسكرية المعتدلة تحت لواء «الجيش الإسلامي للإنقاذ»

واستقطاب معظم الشباب المقاتل انطلاقاً من جبال الجزائر.

ومع وجود إشارات انفراجية في العام ١٩٩٦م وقع الجيش الجزائري ونظيره

«الإسلامي» اتفاقاً للهدنة تبدأ من العام ١٩٩٧م، وبرغم كون الاتفاق غامضاً

لجهة أنه لا يلبي مطالب الإنقاذيين بإطلاق قادة وكوادر ونشطاء الجبهة المختطفين

والمعتقلين، ولم يسمح لكثير من أولئك الذين أطلق عليهم لفظ «التائبين» وهم

المستفيدون من عفو رئاسي بموجب قانون الوئام الوطني من عسكريي الجبهة

بالعودة إلى أعمالهم السابقة وفقاً لما ينص عليه الاتفاق، كما لا يلبي طموحات

الإنقاذ بالسماح لها من جديد بالعمل السياسي المقنن؛ إلا أن الجيش الإسلامي للإنقاذ

بزعامة مزراق رأى وشاطره رأيه كثير من قادة الجبهة في الاتفاق جوانب إيجابية

يمكن البناء عليها سياسياً فيما بعد.

بيد أن آخرين من قادة الجبهة كان لهم رأي مغاير لهذا الرأي فيما يخص

التعاطي مع الاتفاق المنقوص. وكان الموقف من العمل العسكري وكيفية الإفادة منه

في تحسين الوضع التفاوضي للجبهة لا سيما فيما يخص إعادة الاعتبار لها من جديد

استناداً إلى قدرتها على ضبط الأوضاع الأمنية والسياسية مادة للخلاف بين قادة

وزعماء الجبهة لا سيما الموجودين منهم خارج البلاد.

* من ظلمة الفرقة إلى نور الوحدة:

بسبب غياب الزعيمين الكبيرين في الجبهة وعدم تمكنهما حتى من لقاء

بعضهما للخروج برأي موحد فيما يخص أموراً مصيرية تخص وضعية الجبهة في

ظل المتغيرات الجديدة، كان طبيعياً أن تنقسم الجبهة إلى «جبهات» ؛ فالدكتور

مدني لم يكن رئيساً للجبهة وشخصيتها التاريخية الأولى القادرة على الجلوس مع كل

الأطراف وحسب؛ بل كان رمانة الميزان في الجبهة نفسها بين تياري الجزأرة

والسلفية التي تنحدر معظم عناصر الجبهة منهما، كما أن الشيخ بلحاج يعد من

الرموز التي يكن لها السلفيون والجهاديون عظيم الاحترام والتقدير.. لذا لم

يستغرب أحد كثرة الرسائل المنسوبة إليهما من قبل التيار الذي يفضل مواصلة

طريق «العنف» والتيار الذي يسعى للتهدئة؛ فالجميع كان حريصاً على الوصل

بالشيخين، وكانت أطراف في الاستخبارات تدفع باتجاه اضطراب صف الجبهة.

وحده من بين قادة الجبهة الحكماء كان قادراً على لملمة أجنحتها: الشيخ عبد

القادر حشاني الذي نجح إثر اعتقال الشيخين في جمع بقية قادة وكوادر الجبهة في

مؤتمر باتنة الشهير وانتخب فيه زعيماً مؤقتاً للجبهة لحين الإفراج عن زعيمي

الجبهة، وقاد من فوره الجبهة نحو نصرها الانتخابي الباهر في العام ١٩٩٢م.

وكانت الطغمة العسكرية له بالمرصاد، وفطنت لقدراته السياسية الكبيرة فاعتقلته

بتهمة تحريض الجيش على النظام وحكمت عليه إحدى محاكمها «التنفيذية»

بالسجن لمدة خمسة أعوام، ثم وضعته قيد الإقامة الجبرية إلى أن أفرجت عنه في

العام ١٩٩٩م، وبسرعة الصاروخ كان الرجل يتحرك نحو توحيد الجبهة، وخطط

لعقد مؤتمر لقادتها، لكن السلطة لم تمهله وقتاً لتنفيذ مسعاه الطموح فلفقت له تهمة

جديدة، ثم لم تصبر إلى محاكمته فعاجلته بضربتها القاضية حين أقدمت عناصر

الاستخبارات الجزائرية على قتله في ٢٣/١١/١٩٩٩م لتعود قيادة الجبهة الإسلامية

من جديد إلى الاختلاف، وتبرز أوضح معاني هذا الاختلاف في ٨/١٠/٢٠٠٢م

حين أعلن المكتب التنفيذي للجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية أن أحد ناشطي

الجبهة مراد الدهينة الذي يقيم في جنيف انتخب رئيساً للمكتب. وذكرت وكالة

الأنباء السويسرية وقتها نقلاً عن مصدر من الجبهة قوله: إن الدهينة انتخب

(مؤقتاً) على رأس المكتب التنفيذي للحزب «لأن المسؤولين التاريخيين في الجبهة

الإسلامية للإنقاذ عباسي مدني وعلي بلحاج في السجن حالياً» . وقد تقرر تعيين

مكتب تنفيذي جديد أثناء المؤتمر الثالث للجبهة الذي تم تنظيمه سراً في أغسطس

٢٠٠٢م في بلجيكا. وقد قرر المؤتمر إبعاد رابح كبير وحل الهيئة التنفيذية في

الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الخارج التي كان يقودها «وكل الهيئات القائمة»

الأخرى التابعة للحركة. ولم يعرف وقتها لماذا اتخذ الدهينة ورفاقه هذا القرار قبل

أشهر قليلة فقط من الإفراج عن قادة الجبهة الحقيقيين!! على أية حال؛ فإن عودة

الشيخين إلى معترك السياسة الجزائرية، سواء رفضت النيابة العسكرية أو قبلت،

سيضخ الدم إن شاء الله من جديد في شرايين الجبهة الإسلامية للإنقاذ. فقد بدا من

خلال التجربة الماضية أن كل زعامات الجبهة مهما بلغت درجات الخلاف بينهم،

فإنها غير مستعدة لتجاوز مرجعية الرمزين الكبيرين في الجبهة، وهو الأمر الذي

يدفع هذه الزعامات جميعاً للترحيب الشديد بعودة الرجلين لقيادة الجبهة رضىً

بتسليمهما زمام القيادة.

وهنا يمكن رؤية المشهد الجبهوي في الظرف الراهن من خلال تلك النقاط:

١ - الهيكل التنظيمي الأعلى يبدو الآن ممزقاً؛ لكنه في الوقت ذاته لا يدعو

للانزعاج؛ لأن هذا الهيكل قابل للترميم وبأسرع فرصة في حضور الشيخين مدني

وبلحاج، ولعل أقرب رؤية يمكن أن يرى منها هذا الهيكل هو ما ذكره القيادي في

الجبهة الإسلامية وأحد ممثلي تيار «الأفغان الجزائريين» إن جاز التعبير عبد الله

أنس الذي قال لفضائية الجزيرة: «الجبهة الآن مقسمة إلى ثلاث أو أربع جبهات،

السُّلَّم الأول المتمثل في الشيخين الشيخ عباسي مدني، وعلي بلحاج، وهذا المقام لم

يرد عليه أي اختلاف؛ فهو لا يزال صاحب المصداقية أولاً وأخيراً على جميع

فصائل الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ثم الفصيل الثاني المتمثل في القيادة المفرج عنها

(كمال قمازي وعلي جدي وعبد القادر بوخمخم) ويلاحظ أن كل البيانات التي

صدرت من القيادة الوطنية المتمثلة في الشيوخ المفرج عنهم، حتى يزيلوا كل لبس

عن أي خلاف دائماً يوقعونها جماعياً، بمعنى أن بياناتهم في توجيهها، في أهدافها،

حتى في توقيعاتها موحدة.

يبقى أن الإشكالية التي ربما أثير اللغط أو الجدل حولها هي ما يدور بين أبناء

الجبهة خارج الجزائر؛ إذ إن هناك أربع ممثليات تقريباً: البعثة البرلمانية،

واللجنة التحضيرية، والهيئة التنفيذية، والمجلس التنسيقي؛ هؤلاء كلهم اضطرهم

القمع إلى الخروج من خارج الجزائر، لكن لا يستطيعون ولا يملكون اتخاذ القرار

في داخل الجبهة، القرار والمواقف السياسية فقط من صلاحيات طرفين لا ثالث

لهما: الشيوخ المسجونين عباسي مدني، وعلى بلحاج، وينوب عنهم خارج السجن

الشيوخ المفرج عنهم.. وما عدا ذلك فإنها جهات تعبر عن وجهة نظرها.

ويلاحظ في هذا الصدد أن قيادة الصف الثاني قد سعت إلى اتخاذ موقف موحد

مفاجئ إثر الإفراج عن الشيخين تجلى في البيان الذي أصدره عدد من كبار القادة

في الإنقاذ الذين يجمعون بين رؤى مختلفة وهم عبد القادر بوخمخم، وعلي جدي،

وكمال قمازي، وعمر عبد القادر الذي غادر الجزائر في ديسمبر ١٩٩٩م، ورابح

كبير، ومراد دهينة اللاجئان في أوروبا، يدعون فيه الشيخين إلى التروي قبل

تحدي السلطة، مناشدين الشيخين التضحية بحقوقهما إلى حين، والتزام ما فرضه

عليهما المدعي العسكري من تقييد لحرياتهما المدنية والسياسية» أملاً بمراجعة هذه

الجبهة مواقفها «. واعتبر هؤلاء القادة أن الإفراج عن مدني وبلحاج، يشكل في

ذاته» فاتحة خير تعد بداية موفقة نحو خروج البلاد من أزمتها والانطلاق في

نهضتها التي طالما حلمت بها أجيال الجزائر المكابدة «.

وحمل البيان القياديين في» الإنقاذ «ثلاثة مطالب أساسية وجهت إلى مدني

وبلحاج، وهي ضرورة» الاحتفاظ بحقيهما في التصريحات الإعلامية إلى حين

حتى لا ينجرا إلى كشف ما عندهما من حقائق ومعطيات مما يمكن أن يزيد الوضع

استفحالاً. والجزائر في حاجة إلى هدوء وأمن واستقرار، وإلى من يأخذ بيدها إلى

بر الأمان «و» أخذ المدة الزمنية اللازمة للاطلاع على الأوضاع العامة من كل

جوانبها ومحاورة أهل العلم والرأي والطبقة السياسية «، و» التضحية ببعض

حقوقهما المشروعة من أجل المصلحة العامة لإقامة الحجة على من أصدروا البيان

المقيد للحريات وتمكينهم من مراجعة موقفهم «. ودعا موقعو البيان الرأي العام

الجزائري والدولي إلى» التساؤل عما يهدف إليه البيان القاضي بحرمان الشيخين

من حقوقهما السياسية والمدنية والذي يعتبر خرقاً للدستور والقانون وحقوق الإنسان،

ويشكل سابقة خطيرة في حق مساجين الرأي والسياسة «.

ويلاحظ أيضا أن الشيخين قد قبلا نصائح قادة الصف الثاني الحكيمة، وهو ما

يؤشر بقوة إلى أن الجبهة بسبيلها للوحدة واتخاذ موقف شوري موحد وناضج.

٢ - الجناح العسكري السابق للجبهة والموالين لها هم أيضاً يجلُّون الشيخين

ولا يسعون إلى مخالفتهما، وقد أبدى أكثر من مسؤول في الميليشيات العسكرية

الإسلامية السابقة رغبته في تأمين فرصة للشيخين من أجل تمكينهما من المساهمة

في لعب دورهما النهضوي؛ فقد أصدر مدني مزراق الأمير السابق لـ» الجيش

الإسلامي للإنقاذ «بياناً انتقد فيه موقف السلطات في التعامل مع كل من مدني

بلحاج. ورأى مزراق الذي استفاد من تدابير العفو الرئاسي في يناير ٢٠٠٠م، أن

الحكم الجزائري بإصداره، من خلال المدعي العسكري، قائمة الممنوعات على

مدني وبلحاج يكون» لغم حياة الشيوخ الإعلامية والدعوية والسياسية بعد خروجهم

من غيابات السجن «. ودعا السلطات إلى ضرورة» الاعتراف بحقوقهما الوطنية

والاستفادة من استعدادهما القوي للمساهمة في وقف النزيف الدموي وتحقيق الأمن

والاستقرار، والتعاون جميعاً سلطة ومعارضة على النهوض بالجزائر نحو العافية

والرقي «. ولا شك أن هذا موقف من يريد أن يعود الشيخان إلى تبوُّؤ مكانتهما

اللائقة.

وإلى ذلك فقد أيد الشيخ علي حجر أحد زعماء الميليشيات الموالية لخط الجبهة

الإسلامية للإنقاذ عبر حوار أجراه معه موقع الجبهة إفساح المجال للعمل السلمي

عوضاً عن العمل العسكري معتبراً أن» العمل للإسلام في وضوح النهار على

أرضية الميدان، وأمام أعين الناس خير وأفضل مائة مرة من العمل في السرية

معزولاً في الجبال والشعاب والمخابئ، والأنظمة المتسلطة تخاف من المتشددين

وتحسب لهم حساباً؛ ولكنها تخشى المعتدلين وتحسب لهم ألف حساب؛ لأنهم

ينافسونها في الميدان ويفرضون وجودهم، ولا يعدمون وسيلة ولا سبيلاً لخدمة

دينهم وقضيتهم، بينما تركب هذه الأنظمة الفاسدة موجة المتطرفين وتغذيها لتضرب

من تخافه وتخشاه «. مستفيداً مما مضى من تجربتيه السياسية والعسكرية على حد

سواء.

* الزخم الشعبي: هل تفتقر إليه الجبهة؟

المعطيات والإشارات التي صدرت عن دوائر في النظام الجزائري والقوى

الجزائرية المختلفة تشي بأن الجبهة لا زالت تتمتع بقدر معقول من التأييد الشعبي،

ولا تزال تحتفظ بحد أدنى من الكوادر والنشطاء القادرين بحول الله على إعادة

الأمور إلى أنصبتها الحقيقية. فقد أشارت مصادر إعلامية إلى أن قريبين من وزير

الخارجية السابق الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي (نجل الشيخ البشير الإبراهيمي

رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين السابق) بدؤوا اتصالات مع ناشطين من

الجبهة الإسلامية للإنقاذ بهدف التوافق على تحديد موقف مشترك من الاستحقاقات

الرئاسية المقررة في إبريل ٢٠٠٤م، وقالت إن هذه الاتصالات تهدف إلى» تنسيق

المواقف «و» تمكين قادة جبهة الإنقاذ من المساهمة في وقف النزيف الدموي

والمساهمة في تحديد التوجهات المستقبلية للبلاد «. ومنذ الإفراج عن زعيمي

جبهة الإنقاذ تحاول أطراف عدة من الحكم والمعارضة، على حد سواء، إجراء

اتصالات مع شخصيات قريبة من الرجلين بهدف إيصال» رسائل سياسية «

تصب غالبيتها في محاولة استخدام» ورقة الإنقاذ «في الاستحقاقات المقبلة.

وتعتقد مصادر حزبية أن قادة» الإنقاذ «قد يلجؤون خلال الاستحقاقات المقبلة إلى

» تزكية «أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية، كـ (بن فليس) مثلاً، وهو ما

يعني أن الوعاء الانتخابي للحزب المحظور سيكون محل» مفاوضات «خلال

الشهور المقبلة.

وتشير مصادر سياسية إلى أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ربما تعهد بإصدار

عفو رئاسي يرفع بموجبه» الممنوعات «التي أصدرها المدعي العسكري في حال

إعلان مدني وبلحاج مبادرة وقف العنف الموجهة إلى عناصر الجماعات المسلحة.

وكان الرئيس الجزائري قد قام بخطوة غير متوقعة قبل شهور من أحداث

١١ سبتمبر في المسار عينه، حين أجرى في ٢٣/٥/٢٠٠١م اتصالات مع جبهة

الإنقاذ الإسلامية في محاولة لتعديل ميزان القوى عقب انسحاب التجمع من أجل

الثقافة والديمقراطية من الحكومة، وتقول مصادر مقربة من الرئاسة إن بوتفليقة لا

يزال يؤمن بأن الإنقاذ لا تزال مؤثرة في المجتمع، وهو يريد أن يسبق الأحداث

ويطوع قياداتها للتعاون معه وكسب القوة التي تمكنه من إدارة دفة الحكم. وربما

كانت هذه هي الإجابة على سؤال محير للجميع وهو: لماذا حرص الحكم الجزائري

على الإفراج عن الشيخين رغم ضآلة العمل العسكري الآن؟

من جهة أخرى، ومن بين سطور الإعلام العربي والمفرنس لاحظنا قدراً لافتاً

من الترحيب الشعبي انسل من خلف القيود وانسكب من بين أنامل الإعلام المغرض،

فتارة تذكر إحدى الصحف في تقرير لها هذه الملاحظة» وجد موكب السيارات

الذي رافق بلحاج وغالبيته من قوات الأمن، صعوبات كبيرة في مغادرة المكان

بسبب التفاف الأنصار حوله لمصافحته وهو كان يرد عليهم: «سنلتقي قريباً أيها

الأحبة» .

وأخرى تقول: «على رغم مرور عشرة أعوام على حظر السلطات نشاط

الجبهة الإسلامية، إلا أن مناسبة الإفراج عن عباسي وبلحاج كشفت أن الحزب

الذي حل قانونياً لا يزال يحتفظ بكثير من أنصاره ومؤيديه» .

وأبرقت وكالة الأنباء الفرنسية من مكتبها في الجزائر تقريراً لها يتحدث عن

مظاهر الالتزام لدى الشباب الجزائري ذكوراً وإناثاً، محاولة ربط ذلك بالجبهة

الإسلامية للإنقاذ؛ مذكرة بالسنوات التي كانت الجبهة تنشط خلالها داخل البلاد.

ومن جملة ما ذكر في البرقية أمور نوجزها كالتالي:

- مظاهر الالتزام من ارتياد للمساجد، اللباس الإسلامي.

- قدوة الشباب ممثلة في الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، واعتزازه

بالأبطال والشخصيات الإسلامية.

- قراءات ومطالعات هؤلاء الشباب الملتزمين.

- بعض مواقفهم وآرائهم.

وقالت وكالة أنباء أخرى: «أقام عدد من الأعيان المقربين من قيادة جبهة

الإنقاذ ولائم كبيرة احتفاء بخروج عباسي وبلحاج من السجن، وأبدى عدد كبير من

الأنصار تخوفهم من أن تكون القيود المفروضة على الرجلين تمهيداً لإدخالهما

السجن ثانية أو فرض الإقامة الجبرية عليهما، مثلما حدث عام ١٩٩٧م حين أفرج

عن عباسي مدني لكن بمجرد أن أدلى بتصريح صحفي وضع تحت الإقامة الجبرية

ولم يسمح له بعدها بأي لقاء مع أشخاص من غير المقربين من عائلته» .

* الشيخان بعد الإفراج عنهما:

لم يرشح عن القريبين من الشيخين أو مما تناقلته وكالات الأنباء ما يفيد بما

ينويه الشيخان، غير أن اللافت في الأيام القليلة التي تلت إطلاق الزعيمين

الإسلاميين أن كلاً منهما اتخذ خطوات مغايرة نوعاً ما لرفيقه فيما يخص التعامل مع

السلطة؛ فالشيخ مدني وقع لدى خروجه على التعهد الذي طلبته الدولة منه بالابتعاد

عن ممارسة أي أنشطة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو دينية في حين رفض الشيخ

بلحاج التوقيع على هذا التعهد.

والطريف أن الشيخ مدني قدم شكوى للجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق

الإنسان تتعلق بالقيود المفروضة عليه ونائبه علي بلحاج معتبراً أن تلك القيود غير

قانونية باعتبار أنه وعلي بلحاج أنهيا فترة العقوبة، واعتبر قرار المنع هذا تمديداً

لفترة سجنهما وخروجاً عن الحكم الذي نطقت به المحكمة العسكرية في يوليو

١٩٩٢م والقاضي بسجنهما ١٢ سنة. وأكد مسؤول سابق في جبهة الإنقاذ أن

عباسي سيواصل احتجاجه على قرارات المنع، وسيعمل كل شيء لإلغائها في

أقرب الآجال. ولم تُدْلِ لجنة ترقية حقوق الإنسان بأي تصريح في الموضوع، لكن

يبدو أن عباسي أراد تحميلها رسالة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يطلب فيها فك

القيود الجديدة عنه، باعتبار اللجنة تعمل تحت سلطة الرئيس المباشرة.

فيما حرص الشيخ بلحاج المشهور بمواقفه الصلبة على أن يطمئن السلطة

عبر مبادرته إلى إطلاق إشارات إيجابية للسلطات عندما تخلى عن المساجد التي

كان يصلي فيها مطلع التسعينيات حيث كان ينتظره آلاف المعجبين، وقرر أداء

صلاة الجمعة، للمرة الأولى منذ خروجه من السجن، في مسجد عبد الحميد بن

باديس في حي ديار الشمس المحسوب على نشطاء حركة مجتمع السلم القريبة من

الحكم الجزائري.

وهذا بحد ذاته يعكس رغبة لدى الشيخين في ممارسة نوع من الضغط على

الحكم الجزائري من دون أن يصل ذلك إلى إيجاد ذريعة تمكن المتربصين من

الانقضاض عليهما مجدداً بإعادة وضعهما في السجن أو قيد الإقامة الجبرية أو

استمرار سلب حقوقهما السياسية. كما يعكس رغبة من الشيخين لتبادل كل منهما

دور الآخر في إبداء الشدة واللين.

* التيار الاستئصالي يخشى عودة الشيخين إلى الواجهة مجدداً:

رأى العديد من الفعاليات العلمانية الجزائرية في عودة الشيخين عباسي مدني

وعلي بلحاج إعادة للجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي يترأسانها إلى الواجهة السياسية من

جديد، بعد أن عمل النظام الجزائري على إخفاء جريمة إلغاء المسار الانتخابي عبر

اتهام الجبهة بالإرهاب ومن ثم حظرها.

الصحف الجزائرية العلمانية لا سيما الموغلة في عدائها للإسلام

(الفرانكفونية) والتي صدرت في ذات يوم الإفراج عن الشيخين؛ رأت فيه

«معضلة» للسلطات الجزائرية متسائلة: كيف ستتمكن من تطبيق هذه القيود

التي فرضتها المحكمة العسكرية في البليدة على الرجلين عند الإفراج عنهما والتي

سبق أن حكمت عليهما بالسجن ١٢ عاماً بتهمة «المس بأمن الدولة» .

ولم تتردد بعض الصحف على غرار «لا نوفيل ريبوبليك» الناطقة

بالفرنسية والقريبة من دولة الاحتلال السابقة للجزائر في التحدث عن «عودة إلى

الوراء» معتبرة «أنه يجب أن نتوقع مواجهة» بين الدولة التي تسعى إلى

«تطبيق قرار القضاء» وعلي بلحاج الذي يبدو وكأنه لم يفقد حسه القتالي وقد

تراوده الرغبة في «المراهنة بكل ما لديه» . وعلق صحافي جزائري: «إن

هذا الإفراج يثير القلق أيضاً لما قد يثيره من رغبة في إعادة تأسيس حزب

إسلامي متشدد ليحل محل الجبهة الإسلامية للإنقاذ» .

وأوضحت صحيفة «ليبيرتيه» (فرنسية اللغة والهوى أيضاً) أن «القلق

الذي عبرت عنه الصحف وينتاب الشارع وفئة من الطبقة السياسية، له تسويغاته

الكثيرة» . وقالت: إن الدليل على ذلك هو الوضع الاقتصادي والاجتماعي

المتدهور في الجزائر الذي يشبه الظروف التي أدت إلى انبثاق الجبهة الإسلامية

للإنقاذ في ١٩٩٠م وتطلعاتها إلى السلطة «.

ودانت جمعيات ضحايا الإرهاب التي تنبذ أعمال عنف مجموعات الخوارج

المسلحة منذ ١٩٩٢م، بشدة الإفراج عن هذين المجرمين. وقالت رئيسة جمعية

» جزائرنا «شريفة قدار التي نظمت يوم الإفراج عن القياديين البارزين تجمعا

في البليدة أمام السجن العسكري الذي كان بن حاج معتقلاً فيه» يجب أن يدفع

علي بلحاج ثمن الاغتيالات والمجازر التي حرض عليها «.

وعارض أمين عام الحركة الديموقراطية والاجتماعية (شيوعي سابقاً)

الهاشمي الشريف الإفراج عن الزعيمين الإسلاميين معتبراً أن علي بلحاج قد ينتهك

قرار منعه من أي نشاط سياسي. وقال الهاشمي الشريف إنه يجب» استخلاص

العبر من مقتل مائة ألف جزائري والكف عن ممارسات الماضي «بوقف التحاور

مع الإسلاميين؛ في إشارة إلى ما يسمى بسياسة المصالحة الوطنية التي ينتهجها

الرئيس بوتفليقة.

وكتبت» صحيفة وهران «الأكثر رواجاً بين الصحف الصادرة باللغة

الفرنسية:» بعدما اضطرت من وجهة النظر القانونية إلى الإفراج عن المعتقلين

في المهلة المحددة، باتت السلطة تواجه معضلة «. وقالت الصحيفة:» والسؤال

الآن هو: هل سيمتنع قائدا الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة عن انتهاك

الممنوعات التي فرضت عليهما «.

وقالت صحيفة:» لا نوفيل ريبوبليك «إن رفض علي بلحاج التوقيع على

المحضر قد يؤدي إلى» مواجهة «مع السلطات. وأوضحت صحيفة» ليبيرتيه «

أن هذا» لإفراج يثير قلقا كبيراً «وأن» تاريخ والمخالفات (التي ارتكبها علي

بن حاج) الذي لم يُبْدِ أبداً ندماً أو اعتذاراً، تكفي لوصفه بأنه خطير ( ... ) ولا

سيما أن الجزائر تشهد وضعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً يشبه الوضع الذي انبثقت

فيه الجبهة الإسلامية للإنقاذ وتطلعاتها إلى السلطة «.

واعتبرت صحيفة» لكسبرسيون «إن هذا الإفراج» يعيد الريبة والقلق «

ورأت أن بلحاج يعتبر أن» كل شيء على ما كان عليه من قبل ويجب أن تتواصل

المعركة «إلا أنها شددت على أن» الفرق هو سقوط ١٥٠ ألف قتيل جزائري «.

وأكدت صحيفة» الفجر « (الصادرة باللغة العربية) أن كل هذه الخطوات التي

خطاها علي بن حاج في يوم الإفراج عنه تدل على أن السجن لم يؤثر عليه وأن

زيارته إلى تلفزيون الدولة حيث اعتقل في يونيو ١٩٩١م» دليل «على أنه

مصمم على منازلة السلطات.

أما الدولة العلمانية، فلم تنتظر تحريض أبواق الفرنسيس؛ فقد طلب مسؤول

في وزارة الإعلام الجزائرية في اليوم التالي لإطلاقهما من الموفدين الخاصين

لمحطات التلفزة الأجنبية الذين أتوا لتغطية الإفراج عن زعيمي الجبهة الإسلامية

للإنقاذ، مغادرة البلاد حسبما أفاد أحد هؤلاء الصحافيين. وقال الصحافي إن

» السلطات الجزائرية استاءت من بث صور عن الإفراج مساء الأمس الأربعاء «

عن عباسي مدني زعيم الجبهة ونائبه علي بلحاج. وتابع» أرغمتنا السلطات على

المغادرة لعدم إعطاء أصداء إعلامية كبيرة لبلحاج «. وأشار إلى أن السبب الذي

أعلن رسمياً لهذا الإجراء هو» المس بسيادة الدولة «. وشبكات التلفزيون المعنية

هي الشبكات الفرنسية» تي إف ١ «و» فرانس ٢ «و» فرانس ٣ «

و» الشبكة النيابية «، إضافة إلى شبكة» آر تي بي إف «البلجيكية.

وفي انتظار ذلك، أُرغم الصحافيون يوم الإفراج على ملازمة فنادقهم في

وسط العاصمة، وقد منعهم هذا الأمر من تغطية الإفراج عن الزعيمين الإسلاميين.

هذا الذي تقدم يشير بلا مواربة إلى ما يلي:

١ - المتهم الإسلامي في عرف» الليبراليين الجدد «متهم ومدان ويجب أن

تنفذ عليه الأحكام والإجراءات المقيدة لحركته، حتى لو كان أنهى عقوبته التي لم

يكن نص الحكم فيها يشير من قريب أو بعيد إلى سنوات حظر سياسي.

٢ - الدولة الجزائرية العريقة سبقت بمراحل تركيا / أتاتورك التي تمنع

الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان من ممارسة أي نشاط سياسي بمقتضى حكم

قضائي، لكن المحكمة العسكرية الجزائرية اكتفت بـ» التنبيه «على الشيخين

بحظر أي نشاط سياسي لهما.

٣ - السلطة القضائية العسكرية الجزائرية تفردت من دون سلطات ومحاكم

العالم بأنها» تمنح «المتهم حكماً لدى دخوله السجن وآخر لدى خروجه منه.

٤ - الحرية التي منحتها الحكومة الجزائرية للشيخين مشروطة فقط بضرورة

الامتناع عن ممارسة أي نشاط سياسي واجتماعي وثقافي وديني، مستبقية للشيخين

حرية ممارسة أنشطة رياضية فقط، ليصبح من حق الدكتور عباسي مدني

(٧٢ عاماً) الحاصل على أرفع الدرجات العلمية في لندن (الدكتوراه في التربية

والفلسفة) أن يصبح» الكابتن مدني «ويحق له حينئذ المشاركة في» بطولات «

الدوري الكروي الجزائري!!

٥ - التساؤل يطرح الآن عن معنى الشروط التي وضعتها النيابة العسكرية

لإطلاق مدني وبلحاج ومدى تطابقها مع الواقع الجديد في البلاد. فالرجلان أصلاً لم

يدانا بتهمة جنائية تسقط عنهما حقوقهما السياسية. كما لم يدانا بتهمة إراقة الدم التي

استثناها قانون الوئام من العفو.

٦ - المثير للاستغراب أنه قد يكون مفهوماً أن تحذر النيابة العسكرية الرجلين

من اللجوء إلى العنف أو التحريض عليه أو الدعوة إلى ممارسة القوة لتغيير النظام

السياسي؛ لأنهما يقعان في مثل هذه الحال تحت طائلة القانون. لكن ما ليس مفهوماً

حرمانهما من الإقدام على كل» ما من شأنه أن يعتبر موقفاً سياسياً «، إلا إذا كان

الهدف من هذا المنع إيجاد مسوِّغ لإعادتهما إلى الاعتقال أو الإقامة الجبرية.

٧ - أنه في زحمة أحداث الإفراج نسي المبطلون في الصحافة» الناعقة «

بالفرنسية أن الشيخين اعتقلا دون سند قانوني قبل أن تراق قطرة دم واحدة في

الجزائر وقبل الانقلاب على المسار الديموقراطي، وعليه فهما غير معنيين بالمرة

بقضايا العنف الذي يحاول الصحفيين المؤدلجين فرنسياً أن يلصقانها بالشيخين

الجليلين.

٨ - الصحافة الفرنسية (والمتفرنسة) الجزائرية نسيت أو تناست أن

الشيخين كانا أحرص الساسة في الجزائر من منطلق عقدي يسبق السياسة على وقف

نزيف المسلمين في الجزائر، وتناسوا دور الاستخبارات الجزائرية التي عرته أكثر

من جهة وأكثر من طرف من داخل أجهزة الاستخبارات عينها أدركتهم وخزات

الضمير ممن شاركوا في صنع الجريمة، وتناسوا الدور المشبوه الذي قامت به

» الجماعة الإسلامية المسلحة « (الجيا) في تشويه صورة الجبهة الإسلامية

للإنقاذ ورموزها عبر العنف القذر الذي قامت به بمعية رجال الاستخبارات

والموساد (وفق ما دلل عليه خبير استخباري عربي في شؤون الموساد) التي

ترتبط الجيا عبر حبل سري بهما بهدف سرقة النصر السياسي الذي حققته الجبهة

الإسلامية للإنقاذ.. تناست تلك الصحافة أن أكبر معول هدم لرمزية الرجلين كانت

من خلال هذا العنف الأحمق الذي يستحيل أن يكون الرجلان قد عملا من خلاله

على هدم نفسيهما لدى الشعب الجزائري بعد أن كانا منه بمنزلة السمع

والبصر.