افتتاحية العدد
الحوار المفروض ... والحوار المرفوض
التحرير
الحوار.. التفاوض.. المباحثات ... المداولات من أجل إتمام عملية السلام.. أو استتئنافها.. أو إنقاذ عملية السلام! أصبح كل هذا فرضاً لازماً وأمراً جازماً
على من يمثلون العرب والمسلمين. فعبر سنوات، ومنذ أن أطلق الشيطان المريد
(قطار مدريد) ، ظل يتعثر على قضبانه المعوجّة، فيضل تارة عن محطاته، أو
يفقد إحدى عجلاته، أو يخرج عن مساراته.. ومع كل هذا.. فلا بد أن يستمر
القطار ليكمل المشوار!
- المستوطنون يُسلّحون، ويُقتِّلون، ويتوسعون ويغتصبون.. لا بأس! لا
بد أن تستمر عملية السلام!
-المصلون أريقت دماؤهم بالعشرات في صلاة الفجر داخل المسجد
الإبراهيمي وعلى عتبات المسجد الأقصى ... لا ضير.. فلتستمر عملية السلام! !
- قنابل عناقيد الحقد والغضب تحصد الأبرياء داخل مساكنهم في لبنان ...
ولا يكفي هذا لإيقاف عملية السلام!
- يموت رابين ويجيء النتن بنيامين، فيوسع الاستيطان، ويتوعد الجيران
لتحقيق خطط التهديد والتهويد، ويخطط لإعادة احتلال الضفة والقطاع ... ولا مفر
من ركوب القطار واستئناف المسار، مهما كانت الأخطار!
وإذا سألت القاصي والداني: مَنْ أولئك الذين يحرص العرب كل الحرص
على استمرار الحوار معهم؟ فلن يختلف معك أحد في أن هؤلاء هم أعداء الماضي
والحاضر والمستقبل اليهود خصمنا التاريخي وعدونا التقليدي، الطامع في أرضنا
وعرضنا، والطامح في إخضاعنا وإذلالنا! !
ومع اتفاق العقلاء على ذلك، فيا ويل من يجرؤ على المناقشة العلنية
لمشروعية هذا الحوار المهين معهم؛ إنّ من يجرؤ على ذلك لن يسلم من الاتهام
بالخروج عن (النص) و (الإجماع) العربي، ومخالفة (الاجتهاد) و (القياس)
السياسي!
إن المرء يكاد يجزم وهو يرى كل هذا أن قطار السلام ذاك، قد حُدِّدت
محطته النهائية بعناية، فلن يتم السماح بأن يصيبه عطل أو تعطيل مهما كانت
الظروف والأسباب إلى أن يصل إلى غايته المرسومة، ويفرِغ بضاعته المشؤومة!
ونظن أنه حتى لو قامت الحرب، فسوف تنتهي (العمليات الحربية) بعد أن
تحقق أهدافها بالدعوة إلى استئناف (العملية السلمية) حتى ولو ماتت القضية ...
فيكفي أن تبقى (روح السلام) حية! !
ما هو الحوار المرفوض؟
وسنترك إلى حينٍ الحوارَ المفروض مع اليهود أعداء السلام إلى الحوار
المرفوض مع دعاة الإسلام ...
ماذا سنرى على الجهة الأخرى؟ سنرى إصراراً موازياً وتصميماً محاذياً، لا
لتدشين الحوار ودفعه، بل لتكفينه ودفنه!
فكم من دعوة للحوار قد رفعها الإسلاميون في أكثر من بلد إسلامي، فكانت
الإجابة عدم الاستجابة ... لماذا؟ ! تقول الأنظمة الرافضة للحوار إذا سئلت عن
سبب الرفض: (مع مَنْ نتحاور) ؟ وكأنهم لا يرون في كل شرائح العاملين للإسلام
من هو أهل للمحاورة! !
وقد أصبحت هذه إجابة تقليدية لا يسأمون من تردادها: (نتحاور مع من) ؟ !
فيجيب عقلاء الناس: تتحاورون مع مواطنيكم.. مع رعاياكم.. مع من يفترض
أنكم تشتركون معهم في الدين واللغة والوطن والتاريخ والمصير.. و.. فتأتي
الإجابة دائماً: لن نتحاور مع (الإرهاب) ولا مع من حمل السلاح!
حسناً ... نجيبكم متسائلين: من الذي لجأ أولاً إلى حمل السلاح ثم ألجأ الناس
إلى حمله؟
ثم ماذا عمن لم يحملوا سلاحاً ولم يمارسوا إرهاباً، لماذا يشملهم القرار بحظر
الحوار؟
لقد دعا حزب الرفاه في تركيا العلمانيين مدنيين وعسكريين إلى قبول الحوار
من أجل مصلحة البلاد ... فأبوا إلا الاستعلاء على هذه الدعوة، معتبرين
الإسلاميين من مخلفات الماضي الذي لا يتحملون رؤيته، ولا يطيقون السماع ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
عنه ... مع أن هؤلاء الرافضين المتعالين المتكبرين، هم هم، بشحومهم ولحومهم ودمائهم الذين يتكففون الرحمة، ويستجدون الشفقة من الأسياد في مجلس ... التعاون الأوروبي، لاهثين وراء قبول العضوية، ولو في المقاعد الخلفية في ... السوق المشتركة الأوروبية!
وها هي (محكمتهم الدستورية) ! ! تحل (حزب الرفاه) وتجرد (أربكان)
وخمسة نواب من حقوقهم السياسية؛ ومع إمكانية (الاستئناف) إلا أن البوادر غير
مطمئنة لنتيجة إيجابية. لكن مهما كانت مواقف أذناب أتاتورك فلن يستطيعوا أن
يمحوا الإسلام من أفئدة الشعب التركي المسلم الذي عرف حقيقة هؤلاء العلمانيين
المتطرفين، وليعلم الجميع حقيقة العلمانية في بلداننا وماهيتها في أوطاننا المبتلاة
بها!
وفي الجزائر أطلقت الجبهة الإسلامية للإنقاذ وهي المجني عليها بشهادة
المنصفين أطلقت مبادرة سلمية تدعو للتحاور مع السلطة من أجل وضع حد للأزمة
الدموية في البلاد التي أغرقها فيها العسكريون العلمانيون ... فيجيء الرد المبرم ...
لا حوار معكم فأنتم إرهابيون، ومع أن رائحة تورط السلطة في عمليات الإرهاب
هناك باتت تزكم الأنوف، حتى إن العالم بدأ يطالب بتحقيق (جاد) في المذابح التي
تجري هناك وسط جو رهيب مريب!
وفي مصر، انطلقت من داخل السجون دعوة للحوار، وأصدر القادة القدماء
للجماعات الإسلامية بياناً يدعو لوقف العنف وإلقاء السلاح وبدء الحوار بحياد
وموضوعية. ومع أن الداعين لا يزالون في قيودهم، والمدعوين طلقاء في كامل
حرياتهم وقوتهم، إلا أن الحوار رُفض بشكل حاسم بالرغم من أن هذه الدعوة
تكررت أكثر من ثلاث مرات خلال السنوات والأشهر الماضية.
وهذه الدعوات التي أطلقها الإسلاميون في هذه البلدان، هي على الأقل ما
سمعنا به وما أعلن عنه من دعوات للحوار، وإلا فإن الظاهر أن هناك دعوات
أخرى تتكرر هنا وهناك في أنحاء العالم الإسلامي، ولكنها تقابَل بالرد، وتجابَه
بالرفض.
إننا لا نجد إجابة عند من يفتحون مصاريع الحوار مع اليهود عن سبب ذلك
الإعراض والصدود عن محاورة المنتسبين للإسلام، سواء أكانوا مسلحين أو
مسالمين.. متشددين أو معتدلين.
وحتى عندما تواضعت بعض الأنظمة ووافقت على الحوار، اشترطت أن
يكون داخل السجون! ! وذلك حتى يؤتي الحوار ما يريدونه من ثمار، وهي مزيد
من المفتونين الذين يُطلق عليهم وصف: (التائبين) !
وعَوْداً إلى الحوار المفروض مع اليهود ... لقد أخذ هذا الحوار بُعداً جديداً،
وذلك بفتح قنوات أخرى من (الحوار) معهم، ليست سياسية هذه المرة، ولكنها
دينية، وذلك بعد الزيارة التي دُعي إليها الحاخام الأكبر لليهود الغربيين (إسرائيل
لاو) فلبى الدعوة الرسمية، وزار الأزهر والتقى بشيخه.... . لماذا؟ للحوار..!! الحوار في ماذا؟ ... في الدين! ! !
هكذا قال المدافعون عن الزيارة، يقولون إنها محاورة في الدين، والإسلام
يدعو إلى التحاور مع كل أصناف الكفار والكتابيين لدعوتهم إلى الإسلام!
نقول لهؤلاء: وهل جاء الحِبْر الخبيث للتحاور في الدين؟ هل جاء مستفهماً؟ هل جاء مستهدياً؟ أو حتى مجادلاً ومناظراً في مسائل تتعلق بالدين؟ أم جاء
ليصطاد في الماء العكر، وليستصدر إعلاناً مشتركاً بإدانة ما أسماه (الإرهاب) ؟ !
نعم: إدانة الإرهاب، وماذا يعني مصطلح الإرهاب لدى اليهود؟ إننا نعرف، وهو
يعرف، والأزهر يعرف؛ ولذلك فقد رفض شيخ الأزهر أن يوقع معه وثيقة الإدانة، وهذا شيء طيب، ولكن الأطيب والأسلم والأشرف كان يتمثل في رفض الحوار
ابتداءً مع شيطان في صورة إنسان، كان مسؤولاً مع غيره من أمثاله في إصدار
الفتاوى لليهود في إباحة كل ما يفعلون من جرائم بحق العرب والمسلمين كانت وما
زالت.
إن هذا الرفض لو تم لكان منسجماً على الأقل مع مبدأ الرفض التقليدي
للتحاور مع (الإرهاب) ... ولكن المشكلة بالفعل تكمن في أن الحوار منه ما هو
مفروض، ومنه ما هو مرفوض! وتلك هي المأساة.
والله المستعان