للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[أضواء علي تطبيق الشريعة الإسلامية في نيجيريا]

رؤية من الداخل

محمد بابنجيدا محمد [*]

* توطئة:

كثر الحديث في الإعلام الغربي في هذه الأيام عن الأحداث في نيجيريا

وخصوصاً عن التوجه الإسلامي نحو تطبيق الشريعة الإسلامية في بعض الولايات

النيجيرية الشمالية. وقد أثار الإعلام الغربي حملة شعواء ضد هذا التوجه الإسلامي

أو هذه اليقظة الإسلامية التي أخذت الغرب على غفلة منه. فلم تكن نيجيريا من

تلك الدول الإسلامية التي توضع في الحساب عند الحديث عما يسمى بالخطر

الأصولي الإسلامي، أو ما سمته مجلة الاقتصاد اللندنية بـ (الخوف الأساسي) [١] ،

علماً بأن بريطانيا ومن عاونها قد أحكموا التخطيط لمحاصرة الإسلام في نيجيريا

ولمنع إمكانية أي تحرك نحو إعادة تطبيق الشريعة الإسلامية كما عهدته البلاد قبل

الاستعمار. وكان من أواخر قرارات بريطانيا إلغاء الأحكام الجنائية الشرعية كشرط

من شروط الحصول على استقلال الدولة في عام ١٩٦٠م.

ومن ثم فلا نستغرب مدى غضب الأوروبيين والغرب عموماً ونكيرهم، بل

وحقدهم من أجل هذا التوجه.

وقد عبروا عن هذا كله في حملات إعلامية وتهديدات وتخويفات موجهة لتلك

الولايات الشرعية. وتتابعت بعد ذلك مظاهرات من هيئات الحقوق الإنسانية

وجمعيات تحرير المرأة في عدة من دول الغرب. وزادوا على ذلك جمع التوقيعات

من آلاف المستنكرين لتطبيق شرع الله، وكتبوا وأرسلوا الرسائل واستهزؤوا بكل

مظاهر تطبيق الشريعة الإسلامية في الولايات الشمالية النيجيرية.

وكل هذا ليس بغريب لدينا.

وأعتذر إلى القارئ أن أقول: إن الذي نستغربه هو هذا الصمت من قبل

الدعاة وقادة العالم الإسلامي والعربي، الصمت الذي قد يساء فهمه؛ نظراً إلى

أهمية القضية بجانب واجب الدعاة في كل مكان تجاهها.

نحن نعتبر هذه الأحداث قضية إسلامية تهم المسلمين في كل مكان، وإن

كانت تحدث في بعض أجزاء بلد في أقصى بلاد أفريقيا. إنها أحداث تحمل في

طياتها أملاً كبيراً للقضية الإسلامية. ولا نريد من هذا أن يستنتج القارئ من كلامي

أن هذا التحرك جاء كمرحلة أخيرة وفقاً لمنهج حركي محكم دقيق. بل نحن نعتبرها

كالنقاط الأولى للانطلاقة الكبرى نحو إحداث التغيرات الجذرية التي تمهد للعودة

الحقيقية إلى النظام الإسلامي الأصيل كما كانت تسير عليه هذه البلاد لعدة قرون

قبل أن يدوسها المستعمر..

فعلى هذا؛ فالمرحلة خطيرة جداً؛ إذ هي قابلة لتقلبات محيرة. وفضلاً عن

بعض الأخطاء المنهجية والفكرية وغير ذلك في الهيكل العام لهذا التحرك، وهذا

عندنا إنما يؤكد على ضرورة اعتناء الدعاة بالقضية، ولكي لا يعطى الأعداء

الفرصة لمواراتها قبل أن تنفصم.

وهذه المقالة تهدف إلى إلقاء بعض الأضواء على قضية تطبيق الشريعة

الإسلامية في نيجيريا ليتسنى لقراء مجلة البيان الأعزاء الإطلاع على حقائق الأمور

وليتيسر لهم إفادتنا بالنصح والتوجيه والدعاء لنا بالثبات والتوفيق.

* نيجيريا وأهميتها في أفريقيا:

نيجيريا دولة كبيرة تقع في غرب أفريقيا، وهي من حيث عدد السكان أكبر

دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؛ إذ يزيد عدد سكانها على مائة مليون،

والمسلمون يمتازون بأغلبية لا يقل عددهم عن ٧٠% بينما يكوِّن النصارى

والوثنيون ٣٠%.

ونيجيريا دولة بترولية ولها ثروات معدنية وأرض زراعية واسعة. وكل هذا

جعلها هدفاً لأطماع الدول الغربية كما أصبحت لها مكانة عظمى واعتبار كبير من

بين الدول الأفريقية؛ فكلمتها مسموعة في كل شأن يهم أفريقيا سواء الأمور

السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو غير ذلك.

ومن يتابع اللعبة السياسية التي تديرها أمريكا في أفريقيا لصالحها يدرك

بسهولة كيف تستغل هذا الموقع الاستراتيجي لنيجيريا.

* الإسلام في نيجيريا:

يرجع تاريخ دخول الإسلام في هذه المنطقة إلى عدة قرون؛ فمنذ أن دخلها

الإسلام في القرن الخامس الهجري أخذ في التقدم والازدهار حتى أصبح هو دين

الدولة. قامت حركة جهادية بقيادة الشيخ عثمان بن فودي وتحمس لها الناس من

قبائل مختلفة حتى أقيمت دولة على أساس الإسلام. عين الأمراء والقضاة في جميع

الإمارات، وهي اثنتا عشرة إمارة المكونة للدولة. ونفذت الأحكام الشرعية في كل

جوانبها.

أسست الدواوين وجمعت الزكوات ووزعت على أهلها كما أمر الشرع،

وبنيت المساجد والمدارس الإسلامية، ونشر العلم وأكرم أصحابه، ونظمت

الأسواق وعين لها رؤساء وولاة للحسبة، وروعي العدل في جميع تصرفات الدولة

حتى ساد الأمن وكثرت الأرزاق.

صارت المنطقة تجذب إليها العلماء والتجار من شمال أفريقيا ومن مناطق

إسلامية أخرى. وقامت كذلك دولة في برنو على قواعد من الإسلام. ولم يكتب

لهذه المنطقة أن تستمر على هذا الخير؛ إذ بدت بعض ملامح الانحراف لدى بعض

أمرائها. دخل الضعف والهوان في جسم الدولة، وفي بداية القرن العشرين

وبالتحديد في عام ١٩٠٣م وقعت تحت سلطة الاستعمار البريطاني [٢] .

* الأوضاع القانونية بعد الاستقلال:

غادر الإنجليز ساحة البلاد عام ١٩٦٠م وتركوا ميراثاً إنما هو خليط من

أهوائهم، وقوانينهم؛ مما ليس بقانون إنجليزي بأكمله، وما هو بشريعة الله،

ولذلك لم ترض به الأغلبية المسلمة.

عملوا على حصر دائرة تنفيذ الشريعة في حدود ما أسموه بالأحوال

الشخصية، وألغوا الأحكام الجنائية الشرعية وبدلوها بما يوافق «العدل المطلق

والإنسانية» بزعمهم. ومع ذلك لم يتجرؤوا على اتخاذ هذا القرار إلا بعد مدة

طويلة من كيد وخديعة وعملية غسل المخ انتهاءً إلى التهديد والإجبار. ولما هاجت

أمواج روح الاستقلال وكان لا بد من أن يتخلى الإنجليز عن الساحة، رأوا من

الضروري أن يتخذوا القرارات النهائية لتعويق تنفيذ الشريعة الإسلامية على

وجهها الصحيح الكامل. ولما كان إلغاء الشريعة كلياً أمراً غير ممكن، تحيلوا

في إدخال بعض إصلاحات زعموا أنها تمكن المقاطعة الشمالية من المسايرة مع بقية

العالم، فكونت لجنة لوضع القانون أعضاؤها ما بين رجل مسلم تخرج في مدارس

بريطانيا كرئيس اللجنة أبو رنة من السودان، والقاضي شريف من باكستان،

ورجل نصراني مثل مستير أثيموجو. فماذا عسى أن تكون نتائج هذه اللجنة؟!

انتهت اللجنة إلى تقرير القانون الجنائي الذي وضعه الإنجليز لمسلمي الهند

من سنة ١٨٦٢م والذي فرض بعد ذلك على السودان في سنة ١٨٩٩م كما ذكره

البروفسير حارس سفيان في بحثه حول أصل القانون الجنائي في نيجيريا [٣] .

قوبل هذا القانون برفض؛ ولكن الحكومة الجديدة في شمال نيجيريا تحت

رئاسة الحاج أحمد بيلو، لم يكن لها مخرج أمام مضايقات حكومة بريطانيا. وفعلاً

اعترف الحاج أحمد بيلو بأن قبول هذا القانون من الشروط التي وضعتها الدول

الغربية للتعامل معها والحصول على الدعم المالي اللازم الذي تحتاج إليه المقاطعة

الشمالية.

وأما المسلمون في المقاطعة الجنوبية وهم كثيرون وخاصة بين قبيلة اليوربا،

فلم يحصلوا حتى على هذا القليل.

وكان عدد من علماء لاجوس في سنة ١٨٩٤م طلبوا السماح من الحكومة

لإنشاء المحاكم الشرعية حتى في تلك الدائرة الضيقة، ولكن رفضت السلطة

المستعمرة آنذاك، ولا يزال الوضع في الجنوب على ما كان عليه في عهد

الاستعمار؛ غير أن التحرك الجديد في الشمال قد أثار كوامن الإيمان في كثير من

مسلمي الجنوب وهم يطالبون بتحكيم الشريعة بينهم كما في الشمال.

ولما جزئت المقاطعة الشمالية إلى عدة ولايات في سنة ١٩٧٦م احتيج إلى

بعض التعديلات الإدارية للمحاكم الشرعية.

كانت هناك محكمة شرعية استئنافية واحدة فقط في كادونا لجميع المقاطعة

الشمالية: فصارت بعد ذلك لكل ولاية محكمة شرعية استئنافية.

أما المحاكم الإنجليزية فكان لها محاكم استئنافية على المستوى الوطني

Federal Court of Appeal. ومطابقة لهذا الترتيب الإداري طالب المسلمون

بإيجاد محكمة شرعية استئنافية كذلك على المستوى الوطني Federal Shariah Court of Appeal وكان هذا الطلب متعلقاً فقط بالترتيب الإداري لا كُنْه الشريعة.

وفعلاً وافقت الحكومة إبان حكم الجنرال مرتضى محمد على هذا الطلب، ولكن لما

قتل وتولى الرئاسة آنذاك الرئيس الحالي أوباسنجو تراجع عن هذا القرار.

وعندما أنشأت الحكومة المجلس الدستوري لمراجعة دستور الدولة في سنة

١٩٧٧م - ١٩٧٨م استعداداً للانتخابات الديمقراطية، دارت مناقشات حارة بين

طرفي الممثلين المسلمين والممثلين النصارى حول هذه القضية. ارتفعت الأصوات

وضربت المقاعد، وأثارت الصحف الغبار، وهدد النصارى بالحرب الأهلية

وتمزيق البلد وإحراقه ... إلى أن وصلوا إلى مطلبهم. اتخذت الحكومة «حلاً

وسطاً» وهو أن يكون هناك مكتب غير دائم في المحكمة الاستئنافية الفيدرالية

يتولى الاستئناف الذي يرفع من المحاكم الشرعية الاستئنافية من الولايات الشمالية.

فعند سماع الاستئناف تتكون لجنة من ثلاثة قضاة على أن يكون واحد منهم عالماً

بالشريعة الإسلامية.

والخطر الفاحش في هذا النظام هو إمكانية أن يكون الباقون أو واحد منهم

غير عالم بالشريعة، بل وربما قد لا يكون مسلماً.

ومن أجل هذا فلم يزل المسلمون يطالبون بتعديل هذا النظام في كل مرة يطرأ

النقاش حول تعديل الدستور.

وفي سنة ١٩٩٩م عدل دستور الدولة ولكن لم يتغير جذرياً عن دستور

١٩٧٩م، وشاء الله أن يكون هناك منفذ أو خلل في الدستور يمكن استغلاله

لتوسعة دائرة أعمال الشريعة.

ففي أساسه: إن قانون الدولة يعترف بالشريعة الإسلامية في حدود الأحوال

الشخصية. والدستور نفسه يعترف بحق المواطنين في التدين بالدين الذي يعتقدونه

من غير أن يتعرضوا لأي مانع كما في المادة ٣٦، وزيادة على ذلك فإن المادة رقم

(أ) ٢٧٧ أعطت السلطة لمجلس الولاية في أن يوسع دائرة إعمال الشريعة.

وهذا النص هو الذي استغلته ولاية زمفرا لتوسعة دائرة تنفيذ الأحكام الشرعية

لتشمل الحدود. وأصبحت الحكومة المركزية (الفيدرالية) في حيرة من أمرها؛ إذ

لا تستطيع أن تجادل في هذا التفسير في المحكمة العليا؛ إذ الظاهر أنه التفسير

الصحيح لنص القانون.

ولمزيد من الإيضاح فإن الحكومة في نيجيريا على ثلاث مراتب: أولاً:

الحكومة المركزية (الفيدرالية) ، وثانياً: حكومة الولاية وهناك ست وثلاثون

ولاية، وثالثاً: الحكومة المحلية، وهناك سبعمائة وأربع وسبعون حكومة محلية،

وقد فصل الدستور لكل حكومة صلاحياتها وسلطاتها ودائرة تنفيذها.

* تطبيق الشريعة في ولاية زمفرا:

إن الانطلاق الجديد لتوسعة دائرة تطبيق الشريعة بدأ من ولاية زمفرا. وهي

تقع في الجزء الشمالي من نيجيريا. والمسلمون يشكلون أكثر من ٩٩% من أهل

الولاية. وهي محاطة بولايات كلها أغلبية مسلمة.

وكأن التاريخ يعيد نفسه في المنطقة؛ حيث كانت زمفرا هي القاعدة الأولى

التي انطلق منها الشيخ المجدد عثمان بن فودي قبل مائتي سنة.

وهي كذلك مولد الشيخ أبي بكر جومي - رحمه الله - أبرز علماء نيجيريا في

العصر الحديث والحائز على جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام.

وولاية زمفرا تمتد على أرض واسعة وخصبة، ولذلك فإن أكثر أهلها يعتنون

بالزراعة. وفيها عدة معادن مكنوزة تحت أرضها منع من استغلالها قلة الإمكانيات

الاستثمارية.

* الحاج أحمد ثاني: الرجل والفكرة:

الحاج أحمد ثاني حاكم ولاية زمفرا شاب مسلم في حدود اثنين وأربعين عاماً

من عمره، تخرج في جامعة بايرو - كانو - متخصصاً في علوم الاقتصاد. تولى

عدة وظائف في الدوائر الحكومية، ثم ركب مطية السياسة الصعبة وخاض بحارها

المتموجة. وكان له هدف أسمى وراء ذلك، فكتب الله له الفوز على رغم أنف

المنافسين له فأصبح هو الحاكم المنتخب.

لم يكن الرجل ممن اشتهر من الدعاة، ولم يكن ممن يذكر في الصف الأول

من رجال الحركة الإسلامية، ولكن هذا لا يقدح في صدق نيته، ولا يمنع من أن

يسانده الدعاة لكي يصل إلى هذا الهدف الذي كنا نسعى إليه. والذين عرفوه من

رجال الدعوة عن قرب قبل خوضه في السياسة تلمسوا فيه الخير لما لاحظوا من

غيرته وحماسته الدينية واهتمامه بأمور المجتمع المسلم. ولكن لقلة باعه في العلوم

الشرعية فهو بحاجة إلى أن يقف بجانبه دعاة مخلصون يبصرونه بما يجب القيام به.

* إعلان التطبيق:

أعلن الحاكم أحمد ثاني بمجرد توليه رئاسة الحكومة أن حكومته ستنتهج

السياسة الشرعية بقدر ما يسمح به دستور الدولة؛ ولذلك فإنه يعزم على إعادة

تطبيق الشريعة الإسلامية على وجهها الكامل تدريجياً، وأكد أنه إنما يفعل ذلك تلبية

لرغبات مواطني الولاية، وأنه من واجب الحكومة الديمقراطية أن تلبي رغبات

الشعب.

ولأول الوهلة لم يُلق أكثر الناس لكلامه بالاً حتى بدأ سيره الحثيث نحو تنفيذ

قوله. ومن هناك حاولت الحكومة الفيدرالية التدخل لمنع هذا الاتجاه، وهددت

الحاكم بفرض حالة الطوارئ في الولاية وإرسال الجنود ليتبروا ما علوا تتبيراً.

ولكن الرجل منّ الله عليه بالثبات فلم يتزعزع ومضى إلى أمره بأقدام ثابتة.

ولحكمة سياسية عجيبة دعا الحاكم إلى حفل للإعلان الرسمي أو التقديم لبدء

تطبيق الشريعة؛ وذلك يوم السابع والعشرين من شهر أكتوبر ١٩٩٩م.

شهد الحفلَ جمع غفير من المسلمين من كل ولايات نيجيريا ومن الدول

المجاورة مثل النيجر والكاميرون وتشاد، وكان اجتماعاً لم يُرَ له مثيل في نيجيريا؛

إذ حضره ما يقرب من مليونين من البشر رجالاً وركباناً.

وكان لهذا الاجتماع وقع طيب. أدركت الحكومة الفيدرالية أن أحمد ثاني ليس

وحده، وأن الأمة بأكملها متحمسة معه في تطبيق الشريعة. ومن الحكمة أن لا تقف

الحكومة مباشرة بالقوة للحيلولة بين الشعب المسلم وهذا الأمل؛ ومن ثم انتهجت

الحكومة أساليب أخرى ظاهرة وباطنة ولكنها لم تُجْدِ شيئاً. ومثال ذلك الإعلان

الذي أصدره نائب رئيس الدولة بأنه قد تم الاتفاق بين الحكومة الفيدرالية وحكام

الولايات بضرورة إيقاف هذا التوجه الجديد لتطبيق الشريعة، وأنهم جميعاً وافقوا

على الرجوع إلى تلك القوانين الموروثة من الإنجليز، فتبقى الأمور كما كانت من

قبل، وقوبل هذا الإعلان بين الجمهور الإسلامي بالرفض والنكير، وكادت الأمور

تفلت من قبضة الحكومة. ومما قوى الموقف الإسلامي أن شخصيتين إسلاميتين

ممن حكموا البلاد سابقاً وهما الحاج شيخو علي شاجاري (١٩٧٩ - ١٩٨٣م)

والجنرال محمد بخاري (١٩٨٣م - ١٩٨٥م) أنكرا وجود هذه الاتفاقية المزعومة.

فصار كلام نائب رئيس الدولة بعد ذلك كالرسم على الماء واستمر سير الشريعة

بأقدام ثابتة.

* الولايات الأخرى وأثر ولاية زمفرا:

صار للنهج الذي اتخذته ولاية زمفرا دوي في الآفاق، وقامت الجماهير

المسلمة تطالب بتطبيق الشريعة على المدى الأوسع؛ فكان الحديث عن تطبيق

الشريعة هو الموضوع الحي والقضية الساخنة.

فأصبحت منابر الجمعة وقاعات المحاضرات وساحات الاجتماعات كلها

مسخرة لتأييد قضية الشريعة. ومطالبة الحكام ومجالس الولايات باقتفاء أثر زمفرا.

وفي بعض الولايات أقيمت مظاهرات سلمية، ولجأ الناس إلى الأدعية والقنوت لكي

يلبي الحكام الطلب بتطبيق الشريعة.

تضايق بعض هؤلاء الحكام حتى صار يتهرب من حضور الاجتماعات

والحفلات الرسمية المفتوحة؛ لأن الناس يقابلونهم بهذا الطلب وجهاً لوجه. وفي

آخر المطاف كان لا بد من الاستجابة لرغبات الشعب.

فتتابعت الولايات واحدة بعد أخرى إلى أن وصل عدد الولايات التي وافقت

على تطبيق الشريعة حتى الآن إحدى عشرة ولاية غير ولاية زمفرا التي سبقت

البقية.

والولايات التي أعلنت نيتها تطبيق الشريعة هي:

١ - ولاية زمفرا.

٢ - ولاية نيجر.

٣ - ولاية سكتو.

٤ - ولاية كنو.

٥ - ولاية كاتسنا.

٦ - ولاية كيبي.

٧ - ولاية جيقاوا.

٨ - ولاية بوتشي.

٩ - ولاية برنو.

١٠ - ولاية يوبي.

١١ - ولاية كادونا.

١٢ - ولاية جومبي.

* واقع تطبيق الشريعة في الولايات النيجيرية:

تختلف الولايات في مدى جديتها في تطبيق الشريعة الإسلامية؛ والكثير من

حكام الولايات لم يترجموا إعلانهم إلى التطبيق العملي الجاد.

ولذلك فإعلانهم يشبه ما عهدناه في كثير من الدول الإسلامية حيث يُنَصُّ في

الدستور أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للدستور والواقع يكذب ذلك.

وأكثر حكام الولايات سيقوا للموافقة على تطبيق الشريعة وهم في الحقيقة غير

راضين، بل قد يكون بعضهم كارهين لها؛ لكن لم يكن لهم بد من الاستجابة لرغبة

الشعب فوقعوا على الأوراق وأعلنوا الموافقة وأجريت التعديلات اللازمة في

القوانين وأسست الهيئات واللجان المشرفة على التطبيق، ومع ذلك لم يزل بعض

هؤلاء الحكام يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى.

ويستثنى من ذلك حاكم ولاية زمفرا أحمد الثاني الذي فاق الأقران بأسبقيته

وتطبيقه الجاد للشريعة. ويعقبه حاكم ولاية نيجر الحاج عبد القادر كوري.

وعلى كل حال فالنظرة الإيجابية تذكرنا بالحكمة العربية: «ما لا يدرك كله

لا يترك جله» فهذه المرحلة التي وصلنا إليها بما فيها من قصور في التطبيق،

فهي أكثر تقدماً وأوكد تمكيناً للشريعة من المرحلة السابقة. ولم تكن الأمة الإسلامية

في نيجيريا أكثر يقظة لحقوقها ولا أحسن وعياً لدينها ولا أعظم تحمساً للدفاع عن

الشريعة الإسلامية من هذا الوقت.

وأعظم تحدٍّ يواجه الدعاة في نيجيريا اليوم هو إبقاء هذه الروح، واستغلال

الفرصة لتوطئة الطريق للدعوة الإسلامية لتصل في مستقبل قريب إلى هدفها

المنشود بإذن الله.

* نجاحات تطبيق الشريعة:

يمكن لنا القول بأن هذا التوجه لتطبيق الشريعة مع ما فيه من ضعف السير

لدى بعض الحكام فإنه قد حقق بعض نجاحات على اختلاف بين جدية الولايات.

ونلخصها بالآتي:

١ - تمت مراجعة القوانين الوضعية في أكثر هذه الولايات، وجعلت في

صياغة تتفق والشريعة الإسلامية.

والفضل الأوفر في هذا يعود لمجهودات المركز الإسلامي الوطني بزاريا

National Islamic Center - Zaria. ومركز القانون الإسلامي بجامعة أحمد بيلو

center For Islamic Legal Studies A.b.u. Zaria فهذان المركزان أول من قام بهذا العمل الشاق نيابة عن حكومة ولاية زمفرا. وبقية الولايات إنما بنت على

هذا الأساس.

٢ - بينما كانت الأحكام الشرعية محصورة في الأحوال الشخصية تم الآن

توسعة هذه الدائرة لتشمل الأحكام الجنائية. وقد نفذ هذا فعلاً في ولاية زمفرا حيث

قطعت يد رجل سرق بقرة، وآخر سرق عدداً من الدراجات، وجلدت شابة زنت.

وفي ولاية سكوتو حكم بالرجم على امرأة زنت؛ وهذا الذي لأجله أقيمت

علينا الدنيا ولم تقعد. توالى الضغط على حكومة الولاية وعلى الحكومة الفيدرالية.

ويبدو أن المحكمة الشرعية الاستئنافية Shariah Court Of Appeal في سكوتو راعت هذا الضغط من الدول الغربية فبرأت المرأة. برأتها لا على أنها لم تزن،

ولكن بدعوى أنها زنت قبل إعلان تطبيق الشريعة، وأنها حين اعترفت بالزنا لم

تكن تعرف معنى الزنا - وكلمة الزنا معلومة مشهورة في لغتنا لدى الكل - وأنها

عند الاستئناف تراجعت عن اعترافها بالزنا، ثم بعد ذلك لم تستطع المحكمة

الاستئنافية إلحاق البنت بأحد. ولكنه الاستسلام والانهزام أمام دعاة الكفر

والعصيان. ولم يزل الضغط مستمراً، ففي يوم ٤/٤/٢٠٠٢م عند زيارته لدولة

نيجيريا وجه رئيس الوزراء الكندي تنديده بحكام الولايات الشمالية لتطبيقهم

للشريعة، وذكَّرهم بأن نيجيريا وقعت على الإعلان الدولي لحقوق الإنسان،

والشريعة في أحكامها الجنائية تخالف ذلك. وكان قبل ذلك قد كتب وزير العدل

النيجيري إلى حكام الولايات يدعي أن تطبيق الشريعة يخالف قانون البلد، ورُدَّ

عليه من عدة جوانب إسلامية بما أفحمه، فبقي قوله أو أمره كلمة ملغاة لا قيمة لها

وهو لا يتجرأ على رفع المسألة إلى أية محكمة. ونقلت الصحف الردود المتعددة على

هذا القول الساقط من وزير العدل، ومن ذلك رد أحمد الثاني حاكم زمفرا، وعبد

القادر كوري حاكم ولاية نيجر. وكذلك رد عبد القادر أوريري الأمين العام لجماعة

نصر الإسلام، وردود أخرى كثيرة.

٣ - ومن نجاحات هذا التطبيق ما حققته تلك الولايات من القيام بالإصلاحات

في الدائرة القضائية، فلم يسمح بالاستمرار في القضاء إلا لمن علم كفاءته.

وزيد في رواتب القضاة، وحرمت الرشوة، وأجريت إصلاحات على مباني

المحاكم الشرعية. وفي الحقيقة قد واجهت حكومات الولايات عدة مشاكل خصوصاً

فيما يتعلق برواتب القضاة؛ فبنص الدستور أن رواتب الدائرة القضائية كلها تأتي

مباشرة من الحكومة الفيدرالية. وكثيراً ما تتأخر الرواتب أو تأتي منجَّمة غير

مكتملة. فالولايات الجادة مثل زمفرا تعطي القضاة بعض المكافآت مما يسد

حوائجهم بغض النظر عن الرواتب الأصلية التي تأتي من الحكومة الفيدرالية.

والمخرج الأحسن من هذا كله إنما يتحقق إذا أصررنا على تعديل دستور الدولة

لإرجاع حق رواتب القضاة إلى الولايات بدلاً من الحكومة المركزية.

٤ - ومن أعظم نتائج هذا التوجه لتطبيق الشريعة، بل قد نقول أعظم النتائج

تحقيق عدم كون نيجيريا دولة علمانية، وقد اعترف رئيس الدولة النصراني بذلك،

فأكد بأن نيجيريا ليست دولة علمانية لا علاقة لها بالدين، وإنما هي دولة ذات أديان

متعددة. فهذا الاعتراف بهذا يوجب الاعتراف بحق المسلمين في تطبيق الشريعة،

ونحن نقول: إن هذا الاعتراف والتطبيق لا يعني أن نيجيريا أصبحت دولة

إسلامية، وعلى هذا فتطبيق الشريعة في الولايات لا يخالف دستور الدولة الذي

يحذر من تبني دين من الأديان كدين للدولة، ونحن نأخذ بهذا التفسير ونسير معه

حسب الظروف إلى أن تصل هذه الدعوة الإسلامية إلى كل أجزاء هذه الدولة كما

كان يطمح إليه قادتنا السالفون.

٥ - تأسيس وزارات للشؤون الدينية كما في ولاية زمفرا، وهيئة شؤون

الشريعة الإسلامية كما في ولايات بوشي وكاتسنا ونيجر. ولم تكن من قبل وزارة

أو هيئة مختصة بالشؤون الدينية والشرعية في أية ولاية.

٦ - تأسيس هيئات ولجان لجمع وتوزيع الزكاة والإشراف على الأوقاف.

وهذا يكاد يكون حاصلاً في جميع الولايات التي تطبق الشريعة. وقد سجلت بعض

هذه اللجان نتائج طيبة في تنشئة روح التكافل الاجتماعي الإسلامي وخفض مستوى

الفقر. ولكن العقبات لا تزال كثيرة دون الوصول إلى الغاية المطلوبة.

٧ - إنشاء المدارس والمراكز الإسلامية والاعتناء بإصلاح المناهج الدراسية

لتوافق روح الشريعة. ولولايتي زمفرا وسكوتو جهودٌ مشكورة في هذا النحو.

٨ - منع المنكرات من شرب الخمر وبيوت الدعارة والمقامرة وإغلاق بيوت

السينما، والمعاقبة على مخالفة هذه المحظورات.

ومن الجدير بالذكر أنه مما لوحظ بيناً أن حالات الإجرام انخفضت خصوصاً

في ولاية زمفرا. ومما نقلت الصحف أن امرأة نصرانية في ولاية زمفرا شكرت

للشريعة؛ لأن زوجها الآن يرجع إلى البيت في أول الليل خلافاً لما كان يصنع

سابقاً من قضاء أكثر الليل في حانوت الخمر، وذكرت المرأة كذلك أن أهل البيت

يحصلون على قدر أكبر من المؤونة؛ لأن الزوج لا يجد الخمر حتى يصرف ماله

فيها.

٩ - منع الاختلاط بين الرجال والنساء في المواصلات. والاختلاط من

الظواهر السيئة المنتشرة في الأسواق والأماكن العامة، وواجهت حكومة ولاية

زمفرا هذه المشكلة بشراء حافلات وسيارات أجرة (تاكسي) خاصة بالنساء.

ومنعت الحكومة حمل النساء على الدراجات النارية، ولم يزل بعض المبطلين

يسعون لتعطيل هذه الإجراءات الحميدة. وفي ولايتي كانو وكاتسينا أيضاً خصصت

سيارات لنقل النساء، ولكن عددها دون الكفاية. والمسألة تحتاج إلى مشاركة من

قبل الأثرياء المسلمين، كما أنها تحتاج إلى توعية عامة.

١٠ - وفي الجانب الاقتصادي تحققت بعض الإنجازات مثل تعيين الموازين

والمكاييل اللازمة، وقد تعود التجار على استعمال موازين غير شرعية وتطفيف

المكيال وتصرفات أخرى فيها الغش. ومحاولة الإصلاح في هذا الجانب قائمة في

أكثر هذه الولايات على درجات متفاوتة. وهناك محاولات ضعيفة في مواجهة

التعامل الربوي وإيجاد البنك الإسلامي. وقد كانت الفرصة صالحة من عدة سنوات

سابقة لتأسيس البنك الإسلامي لسماح البنك المركزي بتأسيس بنك غير ربوي.

والفرصة لم تزل قائمة، ويبقى التحدي أمام الولايات التي تطبق الشريعة في أن

تهبّ نحو هذا الواجب، وعسى أن يستجيب لهذا النداء بعض الغيورين من أغنياء

هذا البلد ومن العالم الإسلامي عموماً.

١١ - ومن حسنات هذه اليقظة والتحرك لتطبيق الشريعة أن الأمة استطاعت

أن تتغافل عن الاختلافات التي تمزق شملها وتنطلق للدفاع عن الشريعة بصوت

رجل واحد إلا من شذ من الطوائف المنحرفة كالشيعة والأحمدية وهما الفرقتان

اللتان قامتا ضد هذا التوجه نحو تطبيق الشريعة. وأما التجانية والقادرية فقد وقف

أكثر علمائهم مع علماء السنة في هذا المسلك، وحصل بينهم نوع من التفاهم.

وقامت تجمعات وهيئات لمواجهة تحديات النصارى والدفاع عن الشريعة،

ويتكون أعضاؤها من أهل السنة ومن المتصوفة ولا يعني هذا التنازل عن المبدأ

والمنهج أو عدم إنكار بدع المبتدعين. ومن الهيئات التي تدافع عن الشريعة

المجلس الأعلى للشريعة تحت رئاسة د. إبراهيم دتي أحمد، والمجلس الوطني

للدفاع عن الشريعة ونشرها تحت رئاسة الأستاذ علي تكر تكر.

فالشرطة مثلاً لا تخدم مصلحة الشريعة، ولا تتابع المخالفات الشرعية بجد،

ولا تأبه بالقبض على المخالفين للمحظورات الشرعية. وذلك لكون الشرطة تحت

رقابة الحكومة الفيدرالية في تعيين رجالها ودفع رواتبهم. والشرطة كذلك تتكون من

مسلمين ونصارى كلهم تربوا تربية موحدة؛ ولذلك لا يرجى منهم أن يتحمسوا

لنجاح الشريعة.

وقد حاولت بعض الولايات التي تطبق الشريعة الخروج من هذه الورطة

بتأسيس هيئة الحسبة كما في ولاية كانو وولاية بوشي. ومن وظيفة هذه الهيئة

القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصلح بين الناس، والقيام بأعمال

الإغاثة، ومراقبة المخالفين للأحكام الشرعية ومحاكمتهم أمام القاضي.

وفي ولاية زمفرا أسست هيئة مكونة من ممثلي الجمعيات الإسلامية تقوم بواجب

الحسبة. والحكومة الفيدرالية تنظر إلى هيئة الحسبة بعين من الشبهة وعدم الرضى.

ومما زاد الطين بلة أن بعض القضاة أنفسهم لا يستحسنون الرجوع إلى

التطبيق الجاد للشريعة لأمور شخصية. وسبحان الله لكأن الأمر كما قال العلامة ابن

القيم في لاميته:

أو ما سمعت بأن ثلثيهم غدا ... في النار في ذاك الزمان الخالي

وزماننا هذا فربك عالم ... هل فيه ذاك الثلث أم هو خالي

* المشاكل والعقبات التي تواجه تطبيق الشريعة:

نذكر على وجه موجز أهم المشاكل والعقبات التي تواجه تطبيق الشريعة في

الولايات الشمالية النيجيرية.

١ - مشكلة التنفيذ: إما لعدم جدية بعض هؤلاء الحكام، أو لعدم وجود

الكفاءات اللازمة من القضاة والشرطة، أو لسبب الضغط الخارجي.

٢ - مشكلة الدستور: فالدستور لكونه من وضع البشر فهو دائماً قابل

للتغيير، وهناك محاولة الآن لتغيير الدستور بدعوى أنه وضع في العهد العسكري.

وهناك مكيدة غير خفية لتعديل تلك المواد التي اعترفت بالشريعة وإبدالها بمواد

تحصر دائرة تطبيق الشريعة. وهناك جمعيات غير حكومية ممولة من الخارج

تسعى إلى إدخال مواد في الدستور تفرض المساواة بين الرجال والنساء في كل

شيء حتى الميراث وحق الطلاق ومنع الزواج المبكر.

ومن أهم هذه الجمعيات ما تسمى بمنتدى الشعب للإصلاح الدستوري.

Citizen Forum For Constitutional Reform (C.f.c.r) . وهناك جمعيات نسائية كثيرة تنحو هذا المنحى مثل جمعية women In Nigeria (Win) و national Council For Women Societies (Ncws) وغيرهما.

٣- عدم الوعي التام بمدلول الشريعة: لم يفهم كثير من الناس حتى من

المؤيدين لتطبيق الشريعة أنها تعني أكثر من إقامة الحدود، فحصروا مدلول

الشريعة في دائرة ضيقة. وهذا الفهم الخاطئ فتح باباً لأخطاء منهجية وتطبيقية في

بعض الولايات، وحدثت تشويشات وفوضوية من قبل بعض الشباب المتحمسين

مما أساء إلى سمعة الشريعة. وتبنت الصحف وأجهزة الإعلام هذا الفهم الخاطئ

عمداً فيما يظهر لتقبيح صورة الشريعة ولإظهار السخرية بها ولكل ما يدعو إليه

الإسلام.

٤- موقف الحكومة الفيدرالية السلبي: إن الحكومة تعادي الشريعة ولكنها

في حيرة من أمرها في أسلوب المحاربة. وتعتبر القضية قنبلة في وجه الدولة إذا

أسيء تناولها فإنها تنفجر، ومن ثم تمزق وحدة نيجيريا. قال المسؤولون في

الحكومة الفيدرالية إن مسألة الشريعة ألعوبة سياسية دبرتها القبائل المسلمة. وزعم

رئيس الدولة النصراني أن هذه انتفاخة جوفاء سرعان ما تتلاشى. استمرت

الشريعة في التقدم فقالوا تسلية؛ لا بأس؛ إن الشريعة الإسلامية موجودة في أصلها

في دستور الدولة كما صرح بذلك حينذاك وزير العدل النصراني كانوأ غابي. وقد

اعترف كذلك وزير العدل الهالك والحاقد على الإسلام والمسلمين ميستر بولا أيجي،

بأن الشريعة لم تخرج قط عن حدود القانون. وقد حاولوا استعمال ألسنة بعض

المسؤولين المسلمين داخل الحكومة، ولكن انقلب الأمر عليهم. وقد قال نائب

رئيس الدولة في حفلة ليلية في أحد كازينوهات لاجوس، قال: «إن الشريعة

مسألة شخصية يختارها الإنسان إن شاء، وأنا اخترت أن لا أنساق للشريعة» .

على حد قوله.

وهذا قول خطير جداً نقلته عنه الصحف النيجيرية، ولم نسمع منه تكذيباً

لذلك أو رجعة عن القول. ومثل هذا قول أحد كبار أعضاء الحزب الحاكم وله تطلع

إلى رئاسة الدولة، قال: «أنا مسلم أصلي وأصوم، وقد حججت عدة مرات.

والشريعة أمر شخصي، وقد أحضر حفلات في الكنيسة ولا أرى بذلك بأساً» ولما

أكثر الدعاة عليه الإنكار كما أنكروا على نائب الرئيس حاول الرجوع عن هذا القول

بكلمات ركيكة عفا الله عنه. ولكن المشكلة هي الفكر العلماني الذي أخذ بلبهم.

٥ - العداء النصراني: وقد قابل النصارى هذا التوجه بإنكار شديد، وأثاروا

المشاجرات والفتن بين النصارى والمسلمين في محاولة لمنع الشريعة. ففي شهر

فبراير سنة ٢٠٠٠م هجم النصارى على المسلمين في كادونا بقتل وتخريب، ودافع

المسلمون عن أنفسهم بروح جهادية. وتابع النصارى تصرفاتهم العدائية، فقتلوا

المسلمين كذلك في تفاوبليوا في ولاية بوشي. احتجاجاً على تطبيق الشريعة في تلك

الولاية، وهجموا على المسلمين في جوس في وقت صلاة الجمعة، وأحرقوا السوق

الكبير في جوس وهو سوق يسيطر عليه التجار المسلمون.

وقد حاول المسلمون إقناع النصارى بأن الشريعة الإسلامية خاصة بالمسلمين

ولا علاقة لها بالنصارى، وأنهم لا يُلزَمون بالشريعة في صغير أو كبير.

وكلما زاد هذا البيان زاد العناد؛ ففي شهر فبراير سنة ٢٠٠٠م نظمت جماعة

نصر الإسلام دورة وطنية وكان من أهدافها:

- توعية الشعب حول مفهوم الشريعة الإسلامية.

- إقناع غير المسلمين بأن الشريعة لا تتعدى على حقوقهم ولا تمسهم في شيء.

- الوقوف على العقبات التي تواجه تطبيق الشريعة.

- إثبات كون الشريعة حقاً دستورياً للمسلمين.

- تعيين أحسن طرق سلمية لتطبيق الشريعة في مجتمع ذي أديان متعددة مثل

نيجيريا.

ودُعِيَ للمشاركة في هذه الدورة بعض قادة النصارى مثل القسيس بيتر باونا

ورئيس القساوسة أكبيشوب جون أونيكان.

وكان مما قال رئيس القساوسة هذا أمام جمهور من المسلمين وقادتهم: إن

النصارى يعادون الشريعة لا لأنهم يجهلون الشريعة ولكنهم يدركون تماماً ما تعنيه

الشريعة. وقال كذلك إنه من الغرور الذي لا ينفع أن يحسب أحد أن النصارى

سيرضون بتطبيق الشريعة بعد تقديم البيانات الكثيرة لهم [٤] .

فالرجل صريح في تبيين عداوته للشريعة وهي عداوة لا يخمد نارها الموعظة

الحسنة ولا الترغيب [وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ] (يس:

١٠) ، [وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] (البقرة:

١٢٠) .

٦ - أقلام مستأجرة: وقفت الصحف النيجيرية من الشريعة موقف العداء،

وهذا ليس بعجيب؛ فجميع تلك الصحف بأيدي الكفار إلا الشذر النادر وهي اثنتان

أو ثلاث من بين عشرات من الصحف. وحتى تلك التي يمتلكها المسلمون

مثل daily Trust فقد اختارت موقف المحايد كما ذكر الأخ إبراهيم آدو كوراوا

في كتابه حول موقف أجهزة الإعلام من الشريعة. shariah And The Press In Nigeria (٢٠٠٠) ويردد أصحاب زوايا الصحف في نيجيريا ما يكتبه أولياؤهم

في الغرب، ولا يتحاشون الكذب والتلفيق وتشويه الحقائق وإثارة العواطف.

وممن خدموا هذا الموقف العدائي بعض الكتاب الذين يدَّعون الإسلام ولكنهم

يثيرون الشكوك حول صلاحية تطبيق الشريعة، ويحرفون الكلم عن مواضعه

ويفلسفون قول الله تعالى، ويستهزئون بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم

ويتبعون غير سبيل المؤمنين. ومن أشهر هؤلاء رجل يسمى: «لاميطو سنوسي»

وقف موقف العداء للشريعة وهو بلباقة ساقطة يظهر أنه محب للشريعة. فمقالاته

كلها تنظر إلى الشريعة بالنظرة السلبية ولم يرَ لأحمد الثاني حاكم زمفرا خيراً قط.

وهو يفسر الشريعة تفسيراً مادياً، ويحكم عليها بالظلم على الطبقات الأدنى للشعب،

وأنها تظلم المرأة؛ لأن أكثر من يفسرون الشريعة من الرجال. وادعى الاجتهاد

وهو على مستوى عال من الجهل بالشريعة. ومن أقبح ما كتب مقالته: «مذكرة

الزانية» Adultress Diary كتبها مدافعاً عن زانية حكم عليها بالرجم، واعتبر الرجم من متخلفات العصر البالي. وأتى بكلمات يستحى من ذكرها. وهو من

مكتبه في البنك قد سخر قلمه لمحاربة الشريعة ومن يسميهم بالمتطرفين

الإسلاميين.

وليس القصد هنا الرد على مقالاته؛ إذ إن جملة من الإخوة مثل الأخ أحمد

جومي والأخ بشير علي عمر والأخ إبراهيم أدو وغيرهم كثير قد كفونا المؤونة في

دحض أقواله ومفترياته وتطاوله على قول الله.

وتقف بجانب مثل هؤلاء الكتاب منظمات غير حكومية تدعي المحافظة على

حقوق الإنسان، وعدة منظمات أخرى ممولة من الدول الغربية.

* انتخابات ٢٠٠٣م ومستقبل الشريعة:

في السنة القادمة ٢٠٠٣م ستدخل نيجيريا في انتخابات لجميع المستويات

الحكومية. وقد بدأ الجو السياسي يرتفع حرارة استعداداً لتناطح المتنافسين. ومن

المتفق عليه أن موضوع تطبيق الشريعة سيكون أهم ما يُتجاذب في المناقشات

السياسية.

وقد عزم الشعب المسلم على أن لا يعطي صوته إلا لمن تحقق أنه مؤيد

لقضية الشريعة. والحالة تحتاج إلى جهود جبارة من قبل الدعاة في نيجيريا،

وتحتاج إلى تفكير عميق وتخطيط حكيم وعمل متواصل وصبر ودعاء وتوكل على

الله. والله يؤيد بنصره من يشاء. ونسأله سبحانه أن يحقق لنا آمالنا وينصر ديننا.

آمين.


(*) محاضر بقسم الدراسات الإسلامية، جامعة بايرو - كانو، وعضو لجنة تطبيق الشريعة بولاية
بوشي نيجيريا.
(١) انظر عددها الصادر من شهر أغسطس ١٩٩٤م.
(٢) سبق أن كتبنا عن ذلك في مجلة البيان العدد ١٢٣ لشهر ذي القعدة ١٣١٨هـ ما يغنينا عن الإعادة، ولذلك نود أن نحيل القارئ إلى تلك المقالة وأخرى المكملة لها حول واقع العمل الدعوي في نيجيريا في العدد ١٣٧ لشهر المحرم ١٤٢٠هـ.
(٣) انظر ص ١٦٠ - ١٣٦ من كتاب: (Understanding Shariah In Nigerian) .
(٤) انظر: understanding Shariah In Nigeria.