لا يخفى أن التيار الشيعي الحالي ما هو إلا نتاج من نتائج التيار الصفوي الذي فرض التشيُّع على سُنَّة إيران. ويلاحظ أن المناطق الفارسية التي كانت في السابق القريب سنية شافعية حُوِّلت بالقهر إلى المذهب الإثني عشري، وكانت المدن تُخَيَّر بين السيف والتحوُّل، ولذا لم يبقَ أثر للسنّة في إيران إلا في مناطق الأكراد والبلوش. ولم يمنع تنفيذ المخطط الصفوي في العراق إلا تدخل الدولة العثمانية العسكري، ولكن هذا لم يمنع الشيعة من التمدد السلمي في العراق؛ حيث جرى التركيز على العشائر العراقية عن طريق تردد دعاة الرافضة عليهم في غفلة وغياب من علماء السنة. ففي سنة ١٣٢٦هـ، كشف الشيخ العلاَّمة محمد كامل الرافعي في رسالة أرسلها من بغداد لصديقه الشيخ رشيد رضا، ونشرتها مجلة المنار في المجلد السادس عشر، ما يقوم به علماء الشيعة من دعوة الأعراب إلى التشيع واستعانتهم في ذلك بإحلال متعة النكاح لمشايخ قبائلهم. وإليك اسماء بعض العشائر التي دخلها التشيع في القرنين الأخيرين: ربيعة، وتميم، والخزاعل، وعشيرة زبيد، بنو عمير وهم بطن من تميم، والخزرج وهم بطن من بني مزيقيا من الأزد، وشمر طوكه، والدوار، والدفافع، وآل محمد، وعشيرة بني لام، وعشائر الديوانية، وعشيرة كعب. وكان التوسع في التعليم بعد ثورة ١٩٥٨م رافداً لهذا التسلل عن طريق المعلمين الشيعة في المناطق النائية والبدوية. ولا شك في أن مبادرة الشيعة لفتح مكتب للتقريب بين السنَّة والشيعة في القاهرة عام ١٩٤٦م ما هو إلا محاولة لاختراق مصر ونشر التشيع فيها سلمياً؛ استكمالاُ للهلال الشيعي. وكان من الملاحظ أن من يبني موقفه من التشيع على حوارات ولقاءات مع عناصر شيعية منتقاة لهذه المهمة تجيد مبدأ التَّقِيَّة سيؤيد التقارب بين المذاهب، ويضمحل عنده الفرق بين مذهب أهل السنة ومذهب الإمامية إلى خمسة في المئة يُحشَر فيها كل الفروق من عصمة أئمتهم وسب الصحابة وتحريف القرآن. وقد ساهمت الأحداث الساخنة في العراق وقيام الشيعة بحملة تصفية وإبعاد للسنة في المناطق المختلطة، ومحاولة فك الطوق السني حول بغداد، وتحوُّل تيار الصدر من تقريبي إلى صفوي، ومن معارض سلمي للاحتلال إلى محارب لأهل السنة تحت شعار (تنقية عراق آل البيت من النواصب الوهابية التكفيريين) ـ لقد ساهم ذلك وغيره في تنبيه بعض علماء السنة الأجلاَّء إلى هذا الخطر. ولا أملك هنا إلا أن أشيد بالموقف الشجاع للشيخ يوسف القرضاوي الذي وضع النقاط على الحروف، وأطلقها مدوية تثبت تمسك الشيعة حالياً بمصحف فاطمة وسب الصحابة، وحذر من اختراق الشيعة لمصر وأنهم أتخذوا من التصوف قنطرة للتشيع، وحذر بصورة مبطنة من حسن نصر الله وأنه لا يختلف عن الشيعة المتعصبين؛ فهو متمسك بشيعيته ومبادئه. وأخشى ما نخشاه أن يتحول كل الشيعة إلى صدريين، وأن يبقى السنة تقريبيين.