المسلمون في أراكان (بورما) ومسيرة المعاناة
أحمد موفق زيدان
ما تزال مسألة الأقليات المسلمة غائبة عن أذهان كثير من المسلمين في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، بل حتى لو سألت الواحد منهم عن «أراكان» أو «تراقيا» أو غيرها لصعب عليه تحديد موقعها وشيئاً بسيطاً من تاريخها، ومسلمو الأراكان تعرضوا لهجمات شديدة من الاضطهاد والقتل والتعذيب والاستلاب على أيدي البوذيين البورميين في محاولة لاستيعابهم ضمن المجتمع البورمي في البداية، وعندما عجزوا عن هذه السياسة شرعوا في سياسة جديدة وهي التخلص من المسلمين إمَّا بالقتل، والإبادة، أو بطرد البعض إن عجزوا عن إبادته، وما مجازر ١٩٢٢و ١٩٤٢ و ١٩٧٨ ببعيدة عن أذهان المسلمين المهتمين بشؤون
أراكان، وقد التقت (البيان) أخيراً ببعض أركان وأعمدة منظمة تضامن الروهنجيا
أراكان أثناء زيارة لهم لأرض الجهاد في أفغانستان، وحاورتهم وحصلت منهم على
منشوراتهم وبياناتهم ومجلاتهم في محاولة لعرض مسيرة المعاناة التي يعانيها هذا
الشعب، وهنا حصيلة التقرير:
١- خلفية تاريخية:
تقع (أراكان) جنوب غرب بورما على الحدود مع بنغلاديش، وتبلغ مساحتها
٢٠ ألف ميل مربع، ويحدها غربا خليج البنغال الذي كان يسمى تاريخياً (بحيرة
العرب) ، ثم غير اسمه، ويحدها شمالاً بنغلاديش، وذلك على طول ١٧١ ميل،
ومن الشرق جبال الأراكان التي تعتبر حداً فاصلاً بين أراكان وبورما الدولة الغازية، ويصل عدد سكان أراكان إلى ٤ ملايين نسمة منهم ٧٠% مسلمون. ويطلق على
سكان أراكان (الروهنجيا) وهي مأخوذة من (روهانج) وهو الاسم القديم لأراكان،
وتعرف الآراكيون على الإسلام في القرن الأول من هجرة النبي -صلى الله عليه
وسلم-، وذلك مع مجيء التجار العرب المسلمين إلى هذه البلاد، وكان لهؤلاء
التجار الفضل الأكبر بعد الله عز وجل في نشر الإسلام، بل وتذكر الروايات أن
التجار العرب كانوا يمرون بأراكان حتى قبل الإسلام؛ لأنها طريق تجارتهم،
وبدأت علاقات العرب مع بعض السكان المحليين منذ تلك الفترة، وفي القرن
الرابع عشر وحتى التاسع عشر بدأت قوميات أخرى غير العرب بالوفود إلى
أراكان، مثل الباتان والبنغال والفرس والمغول والمغارية، وبهذا الاختلاط اعتنق
الآراكيون الإسلام حتى غدا الإسلام دين الأغلبية في القرن الخامس عشر الميلادي.
وفي عام ١٤٠٦م لجأ (نراميخله) ملك أراكان آنذاك إلى ملك البنغال المسلم،
وتسمى الآن (بنغلاديش) ويدعى (الياس شاهي) بسبب إغارة ملك بورما البوذي
على أراضي أراكان واحتلالها، واعتنق (نراميخله) الإسلام بعد ٢٤ عاماً من مكوثه
عند الملك البنغالي، واستطاع (نراميخله) مع ملك البنغال في ١٤٢٠م الانقضاض
على أراكان وطرد الملك البوذي منها وتأسيس مملكة إسلامية هناك بقيادته، وتعاقب
عليها حوالي ٤٨ ملكاً مسلماً مدة ٢٥٠ عاماً إلى أن غزاها البوذيون الزاحفون من
بورما مرة أخرى عام ١٧٨٤م واحتلوا أراضيها.
ويقول الأستاذ محمد زكريا ويشغل منصب القائد العام لمجاهدي الحركة
الإسلامية في أراكان، وكان محاضراً في جامعة بورما: في أوائل ١٤٢٠م دخل
١٥ ألف مسلم مجاهد من منطقة غزني في أفغانستان لبلادنا وأسسوا هناك مملكة
إسلامية، ويضيف الأستاذ زكريا في حديثه بأن المملكة الجديدة فرضت اللغة
الفارسية واستمر نفوذ هؤلاء الأفغان حتى عام ١٧٨٤.
وفي عام ١٧٨٤م قام البورميون بغزو أراكان واحتلال أراضيها، وبعد ٤٢
عاماً من هذا الاحتلال أقدمت القوات البريطانية على احتلال بورما وأراكان، وذلك
عام ١٨٢٤ م، واستطاع المستعمر البريطاني إحكام قبضته بضم أراكان لبورما،
وعشية الاستقلال وعندما حاولت الحكومة البورمية الجديدة تعيين الوزراء ضمت
وزيرين من المسلمين إليها وقامت بتعيين (١٢) عضواً مسلماً في البرلمان، فظن
المسلمون أن هذا يعني فتح صفحة جديدة بعيدة عن الاضطهاد والإبادة، ولكن
سرعان ما تلاشى الأمل؛ لتجاهل الرئيس البوذي لحقوق المسلمين، حيث أعلنوا
أن اسم بورما مشتق من (بوذا) ، وبالتالي فهي للبوذيين فقط، وعلى المسلمين إن
أرادوا البقاء معهم أن يغيروا حروف القرآن الكريم إلى الحروف البورمية وأن
يتبادل المسلمون والبوذيون الزواج، وأن يقوم المسلمون بالتسمي بأسماء بوذية،
وترفع النساء حجابها الشرعي، وبشكل مختصر فقد أرادوا تذويب شخصية المسلم
هناك.
حملات الإبادة والاضطهاد:
يقول الأستاذ محمد زكريا: (عندما عجزت الحكومة البورمية عن استيعاب
المسلمين في مجتمعها البوذي، وفشلت في سياسة التذويب والامتصاص، شرعت
في سياسة الإبادة والاضطهاد، ففي عام ١٩٤٢ وقبل الاستقلال قتل من المسلمين
١٠٠ ألف شخص، وفر عشرات الآلاف إلى الدول المجاورة، مثل بنغلاديش،
ويتابع حديثه فيقول: مازلت أذكر عندما كنت صغيراً في الخمسينات، عندما أقدم
الجنود البوذيون على قطع رؤوس المسلمين وبدءوا يلعبون بها ككرة القدم
ويتقاذفونها، أما القتل والسلب والنهب فهو الغذاء اليومي للجنود البوذيين في مناطق
المسلمين، وأخذهم بالقوة للشباب والكبار من أجل استخدامهم في الأعمال الشاقة،
كبناء الطرق والجسور ونحوها دون دفع أي مقابل لهم، حتى ولا الطعام، وإذا لم
يجدوا الشباب في المنازل يأخذون النساء.
وبعد وصول الحكومة العسكرية للسلطة في بورما عام ١٩٦٢م اشتد الفتك
بالمسلمين، ويتحدث عن هذه الفترة الأستاذ سيف الإسلام وهو يشغل نائب رئيس
الحركة في حديثه لـ (البيان) يقول: في عام ١٩٧٨ أجبر ٣٠٠ ألف مسلم على
الهجرة من أراكان إلى بنغلاديش وبعد سنة واحدة من حكومتهم هناك طردتهم
بنغلاديش بعد توقيعها الاتفاقية مع بورما الحكومة وأعادتهم لأراكان، وطلبت
الحكومة البورمية آنذاك مساعدة غذائية ونحوها لإعادة توطين المهاجرين دون أن
تعطي للمسلمين إلا النزر اليسير.
وفي عام ١٩٨٢ قامت الحكومة البورمية بتعديل دستور البلاد بحيث يقضي
بسحب الجنسية من المسلمين الأراكانيين.
وسلكت الحكومة العسكرية الجديدة سياسة التأميم، وقام الجنرال (ينون) الجديد
الذي عزل رئيس الوزراء السابق (أونو) باتباع هذه السياسة، (وبعد مدة قليلة من
استيلائه على السلطة نفذ مخططاً واسعاً في تأميم ومصادرة العقارات والممتلكات
بصورة (الاشتراكية البورمية) وتحت هذا الشعار أمم ٩٠ % من ممتلكات وعقارات
المسلمين، أما البوذيون فلم يتأثروا سوى بـ ١٠ % من أراضيهم، كما قامت
الحكومة الجديدة بمنع المسلمين من أداء الحج، وذلك في الفترة الواقعة بين
١٩٦٢- ١٩٦٨، وإذا سمحت بذلك في مجال محدود فهو لعملاء الحكومة، وليس
هناك عضو واحد من المسلمين في البرلمان البورمي ولا المجلس التشريعي.
ميلاد منظمة تضامن الروهنجيا:
يقول محمد زكريا: (رداً على هذه السياسات التعسفية والظالمة بحق شعبنا
قمنا في عام ١٩٨٢ بتأسيس هذه المنظمة وذلك لمواجهة سياسات الحكومة البورمية
الرعناء تجاه المسلمين، وذلك لقيام حكومة إسلامية في أراكان منفصلة تماماً عن
بورما، وما زلنا نعد العدة حتى الآن لهذا تربوياً وعسكرياً) .
ويقول أحد منشورات الحركة: (نظراً لهذه الأوضاع الخطيرة التي يتعرض
لها المسلمون في أراكان استشعر جماعة صالحون مهمة واجبهم، ومسؤولياتهم نحو
دينهم، وعقيدتهم وأمتهم ووطنهم، فقاموا للجهاد في سبيل الله للدفاع عن أنفسهم
وأعراضهم، وللحفاظ على دينهم وعقيدتهم وهويتهم الإسلامية) .
ويحدثنا الأستاذ زكريا عن بداية التفكير والإرهاصة الأولى لتأسيس الحركة،
وهو الذي كان أحد عناصر الحركة الوطنية الأراكانية، والتي تتعارض توجهاتها
مع الحركة الإسلامية (روهجيا) يقول: (لم نكن في البداية على اطلاع
بالأيديولوجية الإسلامية، وبعد حضورنا المؤتمرات مع بعض الجماعات الإسلامية
في كوالالمبور ودكا وغيرها اطلعنا على ذلك واستفدنا كثيراً، وبدأنا بالاتصال مع
بعض الإخوة، حيث كنت أعرف الأخ عمر رئيس الحركة حالياً من الجامعة،
وكان يشغل آنذاك منصب نائب رئيس المستشفى العام، وبعد التدارس توصلنا إلى
ضرورة قيام حركة إسلامية بعيدة عن الحركة الوطنية الأخرى المعارضة للتوجهات
الإسلامية) .
وحول نشاط الحركة يقون محمد زكريا وسيف الإسلام: (حتى الآن نركز
على التدريب العقدي لشبابنا والتدريب العسكري أيضاً ونحتفظ بـ ٢٠٠-٥٠٠
مجاهد في مخيماتنا التدريبية، ونرسل الباقين للداخل، وقمنا حتى الآن بتدريب
٢٠٠٠ مجاهد واكتسبنا أشخاص من كافة شرائح الشعب الأراكاني من علماء وطلبة
وموظفين وأساتذة جامعات، وبشأن تمويلنا فنعتمد على تبرعات إخواننا في الداخل
وتبرعات إخواننا المسلمين.
وعن سبب سماح الحكومة البنغلاديشية للحركة أن تزاول بعض نشاطها هناك
قال: (هناك حقيقة جغرافية وهي الحدود الطويلة بين أراكان وبنغلاديش، وليس
هناك أي حدود بين الأخيرة وبورما، ولهذا لا تريد بنغلاديش أن تستعدي شعباً
بكامله ضدها، وهذا ليس في صالحها مستقبلاً، والأمر الثاني هو وجود حركة
(شنتي بهيلي) الانفصالية البنغالية، وتتخذ من الهند مقراً لها، وإذا أرادت شن
هجمات على بنغلاديش، فلا بد أن تمر بأراضينا وعلاقتنا الجيدة مع بنغلاديش
ستعرقل من نشاطات هذه الحركة، ولعل مشاطرتنا لهم عقيدة واحدة سبب في ذلك) .
وبخصوص البدء بالعمل العسكري يقول سيف الإسلام نائب رئيس الحركة:
(حتى الآن نقوم بإعداد أنفسنا وسنقوم بالنشاط العسكري قريباً حالما يتحسن وضعنا
وتجهيزاتنا) .