للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كونوا انصار الله]

علي العيسى

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ وبعد:

فإن بشائر انتصار الإسلام وانتشاره، أصبحت بادية للعيان، متزايدة مع الأيام، بالرغم من كل مظاهر الإحباطات والإخفاقات وعظائم التحديات. فقد تعهد القادر القاهر ـ سبحانه ـ بنصرة دينه وإعزاز أوليائه، فقال ـ عزَّ وجلَّ ـ: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: ١٧١ - ١٧٣] . وهي غلبة مسنَدة إلى الله، ومسنودة بقوة الله، كما قال ـ سبحانه ـ: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: ٢١] ، ولكن حكمة الله اقتضت أن تكون نصرة الدين مرتبطة بأنصارٍ، يُجري الله على أيديهم سننه، ويُوفي لأجلهم عهده. فهكذا شاء الله أن يبتلي المؤمنين ويبتلي بهم: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} [محمد: ٤] . والنوازل والابتلاءات التي تتوالى على الأمة في عصرنا الراهن، تتطلب أن ينتدب لها جمهور أكبر من الأنصار؛ فضربات الأعداء تتلاحق، وخناجرهم تسفك دمنا، وحناجرهم تهجو ديننا؛ وسفهاؤهم يتطاولون على حرماتنا ومقدساتنا، ولم تعد الأمة تدري بِمَ تبدأ في التداعي للدفاع والنصرة بعد أن أصبحت كل قضايا الدين تحتاج إلى نصرة؛ فعقيدتنا وشريعتنا المستباحة على ألسنة السفهاء والمعطلةُ بسبب الأعداء؛ تحتاج إلى نصرة، ورسولنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي تطاول عليه أكابر المجرمين وأصاغرهم، تتوجب له النصرة، وأصحاب نبينا -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهم الذين ولغ في سيرتهم قالة السوء قد تعينت للدفاع عن أعراضهم النصرة، وأهلونا المستضعفون في الأرض، المستباحون في الروح والدم والعرض في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير وغيرها، هؤلاء يفتقرون إلى المزيد من النصرة، وإخواننا المجاهدون الذائدون عن الحرمات، والمرابطون على الثغور، قد أوجبوا باستنصارهم في الدين الكثير من النصرة.

إن كل هذه القضايا المستوجبة للنصرة، أصبحت تحتاج من الأمة، أن يهب منها الأخيار، ليكوِّنوا جيلاً جديداً من الأنصار.

\ ولِمَ لا ... ؟

لماذا لا تشرئب الأعناق وتتطلع الأبصار، للسير على خطى المهاجرين والأنصار؟! صحيح أن منزلة السَبْق سبقت لأهلها، ولكن ... ألم يقل الله ـ تعالى ـ عن الأنصار الأولين وإخوانهم المهاجرين: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: ١٠٠] ؛ فلماذا لا نكون من {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ} لعلنا أن نكون من الذين {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: ١٠٠] ؟

لقد قال الشيخ رشيد رضا ـ رحمه الله ـ في تفسير تلك الآية: «لا شك في مشاركة كل المؤمنين لأولئك الصحابة الكرام في رِضى الله وثوابه، بقدر اتباعهم لهم في الهجرة إن وجدت أسبابها، والجهاد بالأموال والأنفس لنصرة الإسلام» (١) .

إن النصرة ـ كما قال الشيخ القاسمي رحمه الله ـ: «منقبة شريفة؛ لأنها إعلاء كلمة الله، ونصر رسوله وأصحابه» (٢) .

ولأمر يريده الله ـ تعالى ـ فقد اصطفى لكل دعوة صالحة أنصاراً، وفي ذروه السَّنام من ذلك: الأنبياءُ ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ فقد اجتبى لهم محبين وحواريين، يذيعون الحق وينشرونه، ويذودن عنه ويحمونه؛ فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلُف من بعدهم خُلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون» (٣) .

وقد أشاد الله ـ تعالى ـ في القرآن بحواريي نبي الله عيسى ـ عليه السلام ـ الذين استجابوا له عندما قال: {مَنْ أَنصَارِي إلَى اللَّهِ} [آل عمران: ٥٢] ، فسارعوا ملبين: {نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} . وقد كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم المحبين من المهاجرين، وأخلص المؤيدين من الأنصار الذين سبقوا إلى بيعته ونصرته في بيعتَيِ العقبة الأولى والثانية، ثم لما وفد إليهم هو وأصحابه المهاجرون، تسابقوا في الاقتداء به والافتداء له حتى أثنى الله ـ تعالى ـ على عطائهم ونصرتهم فقال: {وَالَّذِينَ آوَوْا وَّنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ٧٤] ، وأعلى ذكرهم في الكتب السابقة قبل أن يأتوا إلى الدنيا: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} إلى قوله ـ تعالى ـ: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ... } [الفتح: ٢٩] ، ووعدهم في الكتاب الخاتم بالفلاح والنجاح، فقال: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: ١٥٧] .

\ وفي عصرنا أنصار:

إن عصرنا المليء بالتحديات الكبار لا بد له من ركب جديد من الأنصار في كل ميادين النُّصْرة؛ فكل ميادين الدين اليوم تحتاج إلى نُصرة، ولقد دعانا الله ـ تعالى ـ كما دعا الذين من قبلنا إلى الاستجابة لنصرة دينه، فقال ـ سبحانه ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ} [الصف: ١٤] .

فَلْنُجِب الدعوة بشروطها، ولْنستجبْ لداعي النصرة، لكن لا بد أولاً من أن نعي فقه النصرة، حتى لا تصبح مجرد شعار ظاهري أو دثار خارجي لا تأثير له في الواقع، وحتى لا تقصر عنها أفهام أقوام، فينصرون الدين على غير ما يريد رب العالمين؛ فالله ـ تعالى ـ لم يترك أمر النصرة الحقة لادِّعاء مدَّعين أو اجتهاد مجتهدين، بل وضع لها أسباباً ووضَّح لها شروطاً، حتى لا يتحول الحواريون أو أنصار الدين إلى خُلُوف كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون» . فاتخاذُ اللهِ أنصاراً لدينه، أمرٌ جرت به السنن ومضت به الأزمنة، وطالما ظل هؤلاء على العهد؛ بقي لهم هذا الشرف، لكن إذا تخلوا عنه، خَلَوْا منه، كما قال ـ سبحانه ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: ٥٤] .

وقد اشتملت هذه الآيات على الأسباب والمرتكزات التي ينبغي توافرها فيمن يأتي الله بهم، ليُجري سنن النصر على أيديهم. وبالنظر والتأمل في هذه المرتكزات نجد أن في استكمالها استكمالاً لأسباب النصر والتمكين، وفي غيابها أو غياب بعضها ينقُص النصر أو يُنقَض أو يُختطَف، ولْنُعِد التأمل فيها:

المرتكز الأول:

بَذْلُ أسباب محبة الله لهم: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ} [المائدة: ٥٤] . ومحبة الله للمختارين لنصرة الدين، تستوجبها أسباب عديدة، عَدَّ الإمامُ ابن القيم ـ رحمه الله ـ منها عشرة، ووصف منزلة المحبة بأنها: «هي المنزلة التي تنافس فيها المتنافسون، وإليها شَخَصَ العاملون، وإلى عَلمِها شَمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروَّح العابدون» (٤) .

المرتكز الثاني:

حُبُّهم هم لله {ويحبونه} بأن تكون أعمالهم وقُرُباتهم نابعة من خالص الحب المقترن بخالص التذلل، وهم بهذا يحققون جوهر العبودية التي قال ابن القيم عنها: «معقد نسبة العبودية هو المحبة؛ فالعبودية معقودة بها، بحيث متى انحلت المحبة انحلت العبودية» . والمحبة مطلوبة هنا بلوازمها، ومن لوازم محبة العبد لربه كما قال الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ: «أنه لا بد أن يتصف بمتابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ظاهراً وباطناً في أقواله وأعماله وجميع أحواله.. كما أن من لوازم محبة العبد لله أن يكثر من التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل ... ومن لوازم محبة الله معرفته ـ تعالى ـ والإكثار من ذكره؛ فإن المحبة بدون معرفة الله ناقصة جداً، بل غير موجودة، وإن وجدت دعواها، ومَنْ أحبَّ اللهَ أكثر من ذكره، وإذا أحب اللهُ عبداً قَبِلَ منه اليسير من العمل، وغفر له الكثير من الزلل» (٥) .

المرتكز الثالث:

التذلل والتواضع والشفقة والرقة والرحمة بأهل الإسلام {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} . قال علي ـ رضي الله عنه ـ كما نقل ذلك عنه ابن جرير في تفسيره ـ: «أهل رقة على أهل دينهم» (١) .

فأهل النصرة ليسوا من أهل الغلظة والشدة الذين يستحلون أعراض المؤمنين أو أموالهم أو دماءهم، وإنما هم حافظون أمناء، ورؤوفون رحماء، مقتدون برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رأفته ورحمته: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨] .

المرتكز الرابع:

العزة على أهل الباطل من الكفار، والشدة في إبطال باطلهم {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} ، وبخاصة إذا جاهروا بالعداء، أو ظاهروا الأعداء؛ حيث بذلك تكمل عقيدة الولاء والبراء. قال البغوي ـ رحمه الله ـ:

«أشداء على الكفار يعادونهم ويغالبونهم، كما قال عطاء: أعزة على الكافرين كالسبع على فريسته» (٢) .

وهذه العزة مشروطة بعدم الظلم وعدم الغدر، وعدم النقض للعهود أو الخَفْر للذمم.

وأهل نصرة الدين لا يتعززون على الكفار انتقاماً لذواتهم، أو تكبراً بخواصهم من عرق أو لون أو جنس، وإنما يفعلون هذا انتصاراً لدينهم، وانتصافاً لكرامة إخوانهم. بقول سيد قطب ـ رحمه الله ـ: «فهؤلاء فيهم على الكافرين شِمَاس وإباء واستعلاء، ولهذه الخصائص هنا موضع.. إنها ليست العزة للذات، ولا الاستعلاء للنفس، إنما هي العزة للعقيدة، والاستعلاء للراية التي يقفون تحتها في مواجهة الكافرين، إنها الثقة بأن ما معهم هو الخير، وأن دورهم أن يطوِّعوا الآخرين للخير الذي معهم، لا أن يطوِّعوا الآخرين لأنفسهم» (٣) .

المرتكز الخامس:

افتداء الدين بالغالي والثمين، جهاداً بالنفس وجهاداً بالمال وبالوقت والجهد، مع احتساب الأجر على الله وحده: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المائدة: ٥٤] فالجهاد ذروة سَنام الإسلام؛ وأعلى الجهاد وأغلاه الجهاد بالنفس قتالاً في سبيل الله. فالجهاد المذكور في النصوص الشرعية ينصرف إلى هذا في الأساس، وما عداه من أنواع الجهاد تبع. وقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- أنصار الدين، أو الطائفة المنصورة بأنهم «يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرُهم المسيحَ الدجال» (٤) .

وفي زمنٍ استأسد فيه أهل الباطل، وتدججوا بكل أنواع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية لا يصح أن يكون أهل الحق مدجَّنين في مواجهة هؤلاء المدجَّجين، ولن تقوم دعوة الإسلام الكاملة الصحيحة إلا بالمزج بين الأمرين. قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «أقام الله الإسلام بالحجة والبرهان، والسيف والسنان؛ فكلاهما في نصرة الدين شقيقان» .

المرتكز السادس:

الصَّدْعُ بالحق والشهادة بالصدق، مع عدم الاعتبار بإنكار المنكرين ولوم اللائمين في مرضاة الله رب العالمين {وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة: ٥٤] .

فأنصار الله بمجموع صفاتهم السابقة، سوف يستجلبون حتماً، سخط الساخطين، وتبرم المتضررين من علو شأن الدين، سواء كان هؤلاء من الكفار أو المنافقين أو العصاة المفرِّطين، وهنا لا بد لأنصار الله من المضي في سبيلهم المَرْضي عند الله، دون التفات للومة لائم، أياً كان هذا اللائم؛ فمحبة الله ورضاه مقدَّمة على محبة أي مخلوق سواه: {قُلْ إن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} . [التوبة: ٢٤]

وقد بايع المؤمنون الأوائل من المهاجرين والأنصار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عدم الخوف من لوم اللائمين في سعيهم لإقامة الدين. قال عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ كما أخرجاه في الصحيحين: «بايَعْنا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أَثَرَةٍ علينا، وعلى ألاَّ ننازع الأمرَ أهلَه، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم» (٥) .

قال ابن كثير في تفسير {وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} : «أي لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله وقتال أعدائه وإقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يردهم عن ذلك رادٌّ، ولا يصدهم عنه صاد، ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا عذل عاذل» (٦) . فالمداهنة في الدين ليست من خُلُق الصادقين {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: ٩] .

إن القيام بهذه المرتكزات، والتخلُّق بتلك الصفات يحتاج إلى رجال، يستحقون المنة والإفضال من ذي الكبرياء والجلال ـ سبحابه وتعالى ـ ولهذا قال ـ عزَّ وجلَّ ـ عُقَيْب الصفات المذكورة: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: ٤] .

وبهذا الفضل العظيم يستوفي المؤمنون مؤهلات التمكين وصفات أنصار الدين الموجبة لولاية رب العالمين، ولهذا قال الله ـ تعالى ـ في الآيات بعدها: {إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: ٥٥ - ٥٦] .

فاللهم اجعلنا من أوليائك وحزبك، وهيئنا لأن نكون من أنصار دينك! (آمين!)