متابعات
الخصخصة رأي وتعقيب
طه عبد الغني
كنا قد نشرنا في العدد (٨٩) موضوعْا عن (الخصخصة من المنظور
الإسلامي) وقد وصلنا تعقيب من القارئ الكريم / طه عبد الغني يعقب فيه على
المقال، وخلاصة وجهة نظره كما يلي:
بعد ثناء على أفكار المقال الجيدة والجديدة أبدى الملحوظات الآتية:
١- خلص الكاتب إلى أنه لا يجوز تمليك فرد أو جماعة من الأفراد منتجْا
خدميًّا أو سلعيًّا إلا ضمن شروط تمنع الاستغلال وتحفظ الحقوق.
وتعليقْا على ذلك قال:
هناك فرق بين التملك الذي يكون منحة من الحاكم المسلم، وغيره الذي يكون
نتيجة لكد الأفراد أو الجماعات واستثمارْا لأموالهم، فلا يجوز للحاكم أن يأخذ
المشروعات الكبيرة أو ذات النفع العام التي حصل عليها الأفراد بكسبهم، وأّخًذٍها
يعد ظلمْا يندرج به الآخذ تحت وعيد النصوص التي تحرم الظلم؛ لأن الأصل
جواز التملك وليس للحاكم إلا أن يراقب تصرفات تلك المؤسسات بما يعرف بنظام
الحسبة.
٢- استدل الكاتب بما رواه البخاري مرسلا عن قيس عن أبي جعفر، قال:
«ما بالمدينة أهل بيت هجرة..» (الحديث) ، والحديث يدل على جواز المزارعة
وجواز الملكية الخاصة التي تؤثر على الناس سلباً وإيجاباً، وليس على الحاكم إلا
أن يمنع تأثيراتها السلبية، لا أن يتحكم في أصلها.
٣- الانشغال بالجهاد كان سبب إعطاء اليهود أرض خيبر، والقاعدة: أن
الإمام مخير في الأرض التي أخذت غنما بين قسمتها بين الفاتحين، أو وقفها على
المجاهدين، أو قسمة بعضها ووقف بعضها.
٤- ليس هناك ما يمنع من تطوير نظام الحسبة، بحيث يصبح القائمون عليه
متخصصين يراقبون المؤسسات وأنشطتها ومراحل الإنتاج، ولا بأس عند ظهور ما
يعرف بـ (استغلال النفوذ «أو الانحرافات الشديدة التي لا تجدي معها العقوبات
الأقل أن يتدخل الحاكم في إدارة بعض تلك المؤسسات.
٥ -الأصل عدم التسعير ولا يتدخل الحاكم بالتسعير إلا في حالة المغالاة في
السعر أو احتكار السلع.
تعقيب الكاتب:
وقد عرضت (البيان) النص الكامل لمتابعة الأستاذ طه عبد الغني للمقال على
الدكتور محمد بن عبد الله الشباني، فأفاد بما يلي:
أشكر للأخ متابعته للموضوع، وأحب أن أعلق عليه بما يلي:
أشار الأخ» طه «إلى بعض النقاط الواردة في المقال على النحو التالي:
النقطة الأولى: فيما يتعلق بالاستدلال بحديث أبيض بن حمال وحديث ابن
عباس:» المسلمون شركاء في ثلاثة «، من أن هذه الأحاديث تضع قاعدة عامة
فيما يتعلق بتصرفات الدولة حول منح الامتياز في تملك منتج خدمي أو سلعي يحتاج
إليه عامة الناس.. فقد علق الأخ على ذلك بأن هناك فرقْا بين تمليك الحاكم الأفراد
أو الجماعات لأي منتج بحيث يتضرر من تصرفه عامة الناس.. ومن يجتهد
ويسعى ويستثمر جهده وطاقته ووقته وماله، وإذا قام الحاكم بأخذ هذا المنتج الذي
تحصَّل عليه هذا الفرد، فهذا العمل ظلم.
إن المقالة لم تتطرق إلى موضوع المصادرات والتأميم لأموال الناس؛
فالموضوع متعلق بحماية المجتمع بأكمله من السماح لفئة باحتكار وتملك منتجات
خدمية أو سلع يحتاج إليها الناس وهي مملوكة للدولة، ثم تقوم الدولة بمنح الامتياز
لمن يقوم بإنتاج هذه السلع أو استخراجها، فالقارئ الكريم فهم من الموضوع أمرْا
آخر غير ما طرح للبحث (والذي يتعلق بتمليك المنافع العامة، مثل الكهرباء،
والماء، وطرق السكك الحديدية، واستغلال الموارد الطبيعية مثل الغاز، والبترول، والمعادن.. وغير ذلك من السلع والخدمات التي يحتاج إليها الناس) ، ففي حالة
تمليك الأفراد أو الجماعات لهذه الموارد أو السماح بمنح الامتياز لتوفير هذه
الخدمات التي يحتاج إليها الناس، فلابد من وضع قواعد وشروط تحفظ للناس
حقوقهم وتمنع عنهم الاستغلال كما أشرت إلى ذلك: سواء بوضع جهاز للرقابة
يتمثل في جهاز للحسبة، والذي كان معمولاْ به في الدولة الإسلامية الأولى، أو
بوضع أنظمة رقابية متعددة لحماية مصالح الناس مع توفير المرونة والمبادأة
بقدرات الأفراد بالعمل والابتعاد عن بيروقراطية الدولة.
النقطة الثانية: التي أشار إليها الأخ الكريم القارئ هي: فهمه لحديث قيس
بن مسلم الذي رواه البخاري، حيث فهم منه الأخ: أن دلالة الحديث مقتصرة على
جواز المزارعة وجواز الملكيات الخاصة، ولم يدرك القصد من إيراد هذا الحديث
في هذه المقالة؛ فإن الاستشهاد به تعدى ما فهمه إلى مدلول آخر ورد في آخر
الحديث؛ حيث جاء ما نصه:» وعامل عمر الناس على: إن جاء عمر بالبذرمن
عنده فله الشطر، وإن جاؤوا بالبذر فلهم كذا «، وفي سنن البيهقي جاء نص
الحديث:» فأعطى البياض على إن كان البذر والبقر والحديد من عمر فلعمر
الثلثان ولهم الثلث، وإن كان منهم فلهم الشطر، وأعطى النخل والعنب على أن
لعمر الثلثين ولهم الثلث «.. لم يقصد بالاستشهاد بهذا الحديث جواز المزارعة أو
المساقاة ولا جواز التملك العام للدولة وحرية العمل وتملك الأفراد لناتج عملهم،
وإنما تم الاستدلال بهذا الحديث بأحقية الدولة في استغلال الموارد الطبيعية
بالمشاركة برأس المال أو بالمورد الطبيعي وتفويض الاستغلال للأفراد، فمناط
الاستشهاد والاستدلال بهذا الحديث أن على الدولة واجب استثمار واستغلال الموارد
المتاحة لها: وما أورده من قيام عثمان (رضي الله عنهما) بشراء بئر معونة ثم
إيقافها على المسلمين استشهاد لا صلة له بالموضوع؛ وإنما هو دليل على تشجيع
الإسلام لمعتنقيه ببذل الإنفاق في سبيل الله وإيقاف الأصول الثابتة بقصد نفع جماعة
المسلمين.
النقطة الثالثة التي أثارها الأخ القارئ هي: حديث ابن عمر (رضي الله
عنهما) فيما يتعلق بفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع يهود خيبر، فقد علل
فعل الرسول بأنه (عليه الصلاة والسلام) : كان مشغولاْ بالجهاد، وهو تعليل غير
سليم لايسلم به؛ للقارئ؛ فالصحابة (رضوان الله عليهم) من الأنصار أصحاب
زروع، فلم يتفرغوا جميعهم للجهاد ويتركوا مزارعهم، بل إنهم كانوا يجاهدون
ويعملون في الأرض وفق توجيه الله في سورة المزمل في قوله (تعالى) : [عَلِمَ أَن
سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] [المزمل: ٢٠] . ففعله (عليه الصلاة والسلام) مع اليهود
تشريع يحدد جواز التعامل مع أهل الذمة في الأنشطة الاقتصادية، وعلى الحاكم
المسلم استغلال الموارد الطبيعية والأصول الثابتة لما فيه منفعة للمسلمين بالمشاركة
باسم الأمة مع أفرادها بما في ذلك أهل الذمة.