وحدة العمل الإسلامي
[تحت راية أهل السنة والجماعة]
محمد محمد بدري
تواجه الحركة الإسلامية المعاصرة تحديات كثيرة، من خارجها ومن داخلها.. تواجه من خارجها مكر أعدائها وكيدهم، وتواجه من داخلها أمراض التعصب
والهوى والجهل واتباع الرؤوس الجهال، وما ينتج عنها من فرقة واختلاف!
فأما التحديات الخارجية فنستطيع أن نقول أنها فشلت سياسياً وأمنياً في إحراز
أي مكسب على حساب الحركة الإسلامية المعاصرة! !
وأما التحديات الداخلية فهي -فيما نحسب -الخطر الحقيقي الذي يعوق مسيرة
الحركة ويباعد بينها وبين أهدافها.
وبينما يختلف الإسلاميون في كثير من الأمور، إلا أنهم جميعاً متفقون على
أن الفرقة والاختلاف هي آفة الحركة الإسلامية المعاصرة، وهي الداء الذي يشل
أية فاعلية ممكنة لتلك الحركة.
ولا شك أن الوحدة والائتلاف بين العاملين للإسلام هي أمنية كل مسلم غيور،
والذي يجعل تحقيق هذه الأمنية الغالية ممكناً هو أن ندرك متطلباتها ونعرف الأسس
الصحيحة التي تكفلها.
ومساهمة في بيان هذه الأسس وتلك المتطلبات نضع بين أيدي إخواننا
العاملين للإسلام هذا المنهج للائتلاف والوحدة كخطوة على طريق الوحدة الشاملة،
ونأمل منهم تفهمه، ونقده، وترشيده بل ونطالبهم بتهذيبه والإضافة إليه بما يثري
إيجابياته ويلفظ سلبياته، ويقرب من جدوى ثماره.
أولاً: أهل السنة وطريق الوحدة:
يدعو البعض إلى الوحدة والائتلاف بين الجماعات الإسلامية، فإذا سألته ...
كيف؟ قال لك: إن هذه الجماعات أمة واحدة، والوحدة والائتلاف بينها تكون ... بانضمام هذه الجماعات إلى جماعتنا؛ لأننا نحن أصحاب الفهم الصحيح!! ، ولأننا ... نسير في الطريق الأصلح والأصوب، أو لأننا أكثر عدداً، أو غير ذلك من الأسباب؟ ! .
ولا شك أن التفكير في الوحدة بهذه الطريقة هو لون جديد من التعصب في
ثوب الدعوة إلى الوحدة، ولا شك أننا لا يمكن أن نخطو خطوة واحدة في طريق
الوحدة المنشودة بهذه الطريقة؛ لأن كل جماعة ستدعي أنها صاحبة الفهم الصحيح؟ ! فما هي الجماعة التي يجب أن يلتزمها الجميع؟
إنها الجماعة التي ألزمهم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال:
«افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين
فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة» ،
فقال الصحابة: من هي يا رسول الله؟ قال: «من كان على مثل ما أنا عليه
وأصحابي» . وفي رواية قال: «الجماعة يد الله مع الجماعة» .
فالفرقة الناجية هي الجماعة -وصفتها من كان على مثل ما كان عليه النبي -
صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. فالرسول - صلى الله عليه وسلم - حين سئل
عن الفرقة الناجية بين الوصف الذي صارت عليه ناجية، بمعنى أنه - صلى الله ...
عليه وسلم- بين الوصف الضابط للنجاة لأي جماعة بدون تخصيص لمن تقدم ومن
تأخر، وهو وصف غير قابل للانقطاع في أي زمان كما قال -صلى الله عليه
وسلم-: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم، ولا
من خذلهم إلى قيام الساعة» .
وهو وصف إذا تحقق في فرد أو جماعة، كان ذلك الفرد أو تلك الجماعة من
الفرقة الناجية «أهل السنة» .. فالسنة راية مكتوب عليها «ما كان عليه النبي -
صلى الله عليه وسلم - وأصحابه» وأهل السنة أهل الراية، وهم الطائفة ...
المنصورة «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق» وهم الجماعة التي أمر
الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالتزامها..
وهي هي الجماعة التي ندعو فصائل الحركة الإسلامية إلى الالتزام بها،
«جماعة أهل السنة» الجماعة العامة الواسعة، وهي تضم الآن كل من لم ينحرفوا
عن طريق «أهل السنة والجماعة» إلى مناهج أهل البدع الضالين، تضم كل
هؤلاء دونما شرط أن يجمعهم اسم واحد أو حزب واحد؟ !
فنحن لا ندعو إلى جماعة جديدة أو اسم من الأسماء التي يتصارع عليها
العاملون للإسلام وإنما هي دعوة إلى الانتماء لسلف هذه الأمة من الصحابة
والتابعين الذين اجتمعوا على الحق الصريح من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله
عليه وسلم-.
دعوة إلى الانتماء لجماعة «أهل السنة» الذين ميزهم دائماً اجتماعهم على
الاتباع دون لم الابتداع فهم يمثلون الامتداد الطبيعي لما كان عليه النبي - صلى الله
عليه وسلم -، وراية «أهل السنة والجماعة» هي الراية التي ينضوي تحتها
المخلصون أفراداً وجماعات، الراغبون في العمل من أجل الإسلام مهما كانت
انتماءاتهم.. ثم نوزع فيما بيننا الأدوار، أدوار الأفراد وأدوار الجماعات لتقوم
بمهمة التغيير المنشود.
ثانيا -كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة:
لا شك أن التوحيد بين الأطراف المتنازعة لا يكون على حساب المنهج السليم، ولا يكون على حساب التفريط في سلامة الأصول، وحرصنا على الائتلاف
ووحدة الكلمة لا ينفعنا إن نحن فرطنا في وضوح كلمة التوحيد أو تساهلنا في
اهتزاز أصولها، بل لو حاولنا ذلك -والعياذ بالله - وقعنا في الشقاق والفرقة من
حيث أردنا الوحدة والائتلاف، ولذلك فنحن حين ندعو للائتلاف لا نعني الائتلاف
مع أصحاب المذاهب المعادية للإسلام من علمانية ووطنية وقومية واشتراكية ...
ورأسمالية وغيرها، ولا مع الفرق الضالة التي وصفها رسول الله - صلى الله عليه ...
وسلم -، والذين ابتعدوا وانحرفوا عن منهج أهل السنة، وهنا لابد من التفرقة بين
هؤلاء وبين المختلفين من أهل السنة الذين وإن وقع بعضهم في تأويل فاسد ولكنهم
لم يفاصلوا أهل السنة ولم يفارقوهم، فهؤلاء لا يخرجون عن مسمى أهل السنة،
فيجب علينا دائماً أن نفرق بين من يتنكبون طريق الإسلام وينحرفون عن منهج
أهل السنة وبين الذين يخطئون وهم يسيرون على هذا المنهج، فهؤلاء أحوج إلى
التصويب والرعاية والحوار منهم إلى المواجهة والاحتقار.
ثالثاً - شرعية العمل الجماعي:
لا شك أن العمل الجماعي واجب شرعي، ولا شك أن ما هو مطلوب من
الجماعات من إنجازات لا يقدر فرد أو أفراد متفرقون أن يقوموا به، ومن هنا فنحن
لا ننكر العمل الجماعي من خلال جماعات أهل السنة العاملة في الساحة الإسلامية،
ولا نريد أن يتخلى الأفراد عن جماعاتهم التي يتعاونون معها، ولكننا نريد من
الجميع أن يدركوا أن ولاءهم لجماعاتهم يكون في. إطار ولائهم للجماعة الأم..
جماعة أهل السنة والجماعة، وأن لا يقدموا المصلحة المتوهمة لجماعتهم -الصغيرة
على المصلحة الشرعية الحقيقية للجماعة الكبيرة.
فلا ترفع أسماء ورايات يدعى الناس إليها، ويترك الأصل الذي ينبغي الدعوة
إليه، ولا تكون هذه الأسماء داعية للتعصب لشخص دون رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-، ولا تكون هذه الأسماء هي ما يعقد عليها الولاء والبراء، بل الموالاة
والمعاداة تكون على الإسلام، والدعوة تكون إلى جماعة أهل السنة.. وليس إلى
جماعة فلان أو طريق فلان..
فنحن في أمس الحاجة إلى دعوة مفتوحة عالمية لكل الأمة، والله عز وجل قد
أنعم علينا وكفانا باسم الإسلام.. [هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ
الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ] ، نقول لكل العاملين المخلصين:
إن الأعمال الكبيرة لا يقوم بها فرد وإنما تقوم بها مجموعات متعاونة تعمل حسب
خطة تكاملية مدروسة، ولن نستطيع الوصول إلى أهدافنا عبر أفراد، بل
مجموعات منظمة تضمن استمرار العمل وتعطيه الفاعلية، فتعالوا نجتمع معاً لنكون
مجتمعاً من صفوة المجتمعات وصفوة الأفراد.
رابعاً - قلة تنقذ الموقف:
إن من القواعد العظيمة التي هي جماع الدين تأليف القلوب واجتماع الكلمة
وصلاح ذات البين، فالله تعالى يقول: [فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ] ،
وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة
والاختلاف.. وأهل هذا الأصل - كما يقول ابن تيمية - هم أصل الجماعة، ولذلك
نقول أنه من الأمور الطيبة أن توجد في الساحة الإسلامية مجموعة واعية تتبنى فكر
أهل السنة والجماعة، وتعمل على التقريب بين فصائل الحركة الإسلامية؟ ! ومن
انتدب نفسه لهذه المهمة فيجب عليه أن يتلطف في ادخال المفيد النافع على من
يحدثهم دون جدل، بل بالأدلة الموضوعية.
ولا شك أن وجود هذا الصنف من الدعاة هو المقدمة الصحيحة لتعميم مفاهيم
أهل السنة والجماعة في كل الحركة الإسلامية، وإزالة الحواجز بين العاملين
للإسلام، بحيث لا يتحرج فرد من الانتساب إلى فصيل من فصائل الحركة
الإسلامية، والتعاون مع الآخر في الخير.. فيخرج بذلك جيل من الإسلاميين
تتطابق أهدافهم في الحياة بدل أن تتنابذ، وتتكامل أفكارهم بدل أن تتصارع وتختلف؟! وتكون غايتهم خالصة لله عز وجل.
ولن تكون هذه المجموعة التي نتحدث عنها حزباً أو جماعة، وإنما هي بمثابة
مدرسة تربوية تركز على تنظيف عقول أفرادها من المقولات الخاطئة المتعصبة،
وتسير قلوبهم ونفوسهم من الأغراض الشخصية، ثم مراجعة الأفكار وأساليب العمل
المطروحة على الساحة الإسلامية، وهكذا يمكن أن تبرز حركة تجديدية إصلاحية،
تتضافر فيها الجهود، ويهجر فيها الأفراد خصوماتهم.
خامساً - حوارات فعالة:
فلابد من حوارات مفتوحة مع كل الدعاة الصادقين، ولابد من تعارف فصائل
الحركة الإسلامية بعضها على بعض عن قرب والحذر من الشائعات، وكثيراً ما
يحل هذا اللقاء الكثير من الاختلافات التي يثيرها نقلة الأخبار ومثيري الإشاعات؟ !.
ولنجعل من هذه الحوارات لوناً من ألوان الشورى حول مجموعة القضايا
الأساسية في الدعوة، ولعل الله عز وجل أن يخرج منها جيلاً يهتدي إلى سبيل
عودة أمة الإسلام، ويحدد مواطن الخلل ويكتشف الطريق الأصوب، ويجمع
البصيرة إلى جانب البصر، ويلتزم منهاج الطائفة القائمة على الحق الحاملة للرسالة
الخالدة «أهل السنة والجماعة» .
ولا شك أنه لإنجاح هذه الحوارات لابد لها من قواعد، فقواعد الحوار فضلاً
عن أنها آداب وأخلاق فهي جزء رئيسي ومؤثر في فعالية أي عمل يبنى على
الحوار، وما أي عمل في بدايته سوى مشروع في محتوى بعض الكلمات والأفكار.
إننا ندعو كل إخواننا إلى العمل على تكامل فصائل الحركة الإسلامية وتعاونها
في هذا الإطار الذي نحسبه صواباً، ولا ندعي له الكمال، وإنما هو محاولة وخطوة
على الطريق يعوزها التواصل المستمر.. نقصد منها إلى إزالة السدود النفسية بين
الدعاة إلى الله وتحطيم الأسوار الحزبية التي قد تحمي غير الأكفاء وتحرم العمل من
إمكانات وطاقات كبيرة، ولنسير جميعاً إلى أهدافنا تحت راية أهل السنة والجماعة.