للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون في أوربا

-التحرير-

نشرت مجلة الجمعية الجغرافية الملكية مقالاً مفصلاً عن ظاهرة تواجد

المسلمين في أوربا الغربية وأعدادهم ونظرة الغرب إليهم، ولأهمية المقال نقتطف

منه ما يلي:

تشهد أوربا الغربية من بعد الحرب العالمية الثانية غزواً إسلامياً جديداً يختلف

كلياً عن سابقه، فالغزو الجديد لا تقوده الجيوش التي صقلتها الحروب [١] بل

عوضاً عن ذلك هو تحرك هادئ ويأتي متدرجاً أحياناً من المسلمين القادمين من

شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، حيث يأتي المبعدون من تلك المناطق

إلى أوربا بحثاً عن آمال جديدة وفرص عمل.

ليس هناك أسلوب دقيق لمعرفة كم من المسلمين يعيشون في أوربا الغربية

اليوم، فبعضهم قدم قبل عدة عقود من الزمن وهم الآن مواطنون ضمن المجموعة

الأوربية، والبعض الآخر ولد في أوربا من عائلة أسيوية أو أفريقية. كما أن منهم

أوربيون بيض اعتنقوا الإسلام، بالإضافة إلى صنف رابع وهم الذين هاجروا إلى

هذه الدول بصورة غير قانونية وهم لذلك يعيشون على هامش المجتمع خشية

الاعتقال والطرد.

إن معرفة حجم تواجد المسلمين في أوربا أمر شاق جداً ذلك أن الدول الأوربية

ومنظماتها لم تضع بعد نظاماً معيارياً تتمكن من خلاله من إجراء عملية الإحصاء،

فبعض الدول عندها سجلات للأجانب إلا أنها لا تأخذ بعين الاعتبار قضية الدين في

إحصاءاتها وبذلك لا يكون في سجلاتها إشارة إلى حجم المسلمين. إلا أنه وعلى أية

حال، وبناء على إحصاءات المجموعة الأوربية والمنظمات الخيرية وشخصيات

أكاديمية بارزة فإن عدد المسلمين في أوربا الغربية يقدر بـ (٥ر ٧) مليون، وهنا

يجب التأكيد على أن هذا الرقم لا يمثل إلا تخميناً تقريبياً وأن الرقم المذكور قد

يصل وفقاً لمصادر أخرى إلى (١٢) مليون.

وتشكل فرنسا وألمانيا الغربية والمملكة المتحدة لوحدها موطناً لما لا يقل عن

خمسة ملايين مسلم. إلا أن ظروف تواجد هذا الكم تتفاوت جذرياً من دولة إلى

أخرى، ففي المملكة المتحدة أصبح عدد كبير من المهاجرين من باكستان والهند

وبنغلاديش مواطنين بريطانيين، وشهدت الساحة الاقتصادية نموأكبر فئة مسلمة

مالكة للمنازل والمحال التجارية، وفى شهر أيلول (سبتمبر) من العام الماضي قامت

مجموعة من المسلمين (البيض والسود) بتشكيل الحزب الإسلامي البريطاني الذي

يعتبر الأول من نوعه في أوربا والذي يتخصص بشئون المسلمين.

إن الثقة التي دفعت المسلمين في بريطانيا إلى الإقدام على أعمال كهذه قد

تعكس مقداراً أكبر من التسامح من جانب المجتمع البريطاني بعمومه. ويعلق جون

سولت الدكتور في جامعة لندن والجغرافي المتخصص في حقل الهجرة الجماعية

على هذه الظاهرة فيقول: (هناك انقسام حضاري بين المهاجرين أو المهاجرين

سابقاً وبين أفراد المجتمع الأصليين في كل من فرنسا وألمانية الغربية، وهو أمر لا

وجود له في بريطانيا [٢] . كما أن قضية البريطانيين السود هي حقيقة مقبولة منذ

فترة طويلة. وفى فرنسا مواطنون فرنسيون نتيجة التزاوج بين الفرنسيين البيض

وبين أهل المستعمرات السوداء، أما وجود ألمان سود فهذا غير وارد ألبتة.

إلا أن جغرافيين متخصصين آخرين يخالفون هذا التفسير الذي قدمه الدكتور

سولت، حيث تقول الدكتورة جولي وهى باحثة رفيعة المستوى في مركز بحوث

العلاقات العرقية التابع لجامعة ووريك، تقول في مقابلة أجريت معها مؤخراً: (إن

المجتمع البريطاني لم يمنح البدائل الكافية للمسلمين، قد يكون المسلمون في

بريطانيا مواطنين حقاً، إلا أن معدلات البطالة ما زالت هي الأعلى بين صفوفهم،

كما أنهم ما زالوا معزولين عن التيار العام في المجتمع، أما في فرنسا فإن أيدلوجية

الثورة هناك تنص على تحقيق المساواة في الحقوق بالنسبة للجميع) [٣] .

وفي الوقت الذي يتصدر فيه مسلمو بريطانيا الدور في مضمار النشاط

الإسلامي فإن هذا النشاط الجديد أخذ في اكتساح معظم دول أوربا الغربية. فقد

ارتفعت مآذن المساجد والمراكز الإسلامية في معظم المدن الرئيسية، وقد أصبحت

قضايا المساواة في الحقوق وفرص العمل وتحقيق الاستقلال الثقافي والديني من

الأمور الأساسية التي يطالب بتحقيقها المسلمون عبر القارة الأوربية.

وتضيف الدكتورة جولي قائلة: (إن هذه النهضة الجديدة التي يشهدها الإسلام

على نطاق عالمي تعزى جزئياً إلى الأحداث في الشرق الأوسط التي منحت الإسلام

مكانة بارزة في الصحافة العالمية وجعلته موضع اعتزاز وافتخار. إلا أنها - أي

النهضة - في الوقت ذاته تأتي كإفراز لذلك التمرد من جانب المسلمين ضد الصورة

العنصرية والثقافية المفروضة عليهم من جانب المجتمع الأبيض.

وعلى الرغم من أن ظاهرة الوعي الإسلامي الحديثة أصبحت منتشرة في

جميع أنحاء أوربا، إلا أن ظروف هجرة المسلمين تختلف إلى حد كبير من بلد إلى

آخر. ففي بريطانيا ترجع أصول كثير من المهاجرين فيها إلى مستعمراتها الهندية

السابقة التي حكمتها بريطانيا إبان عهد الإمبراطورية، ولقد كانت هجرة هؤلاء منذ

البداية مرتبطة بمسألة الحصول على الجنسية البريطانية. أما في فرنسا فإن الجزء

الأكبر من هجرة المسلمين إليها كان قد حدث في السبعينات عندما استقدمت البلاد

العمالة الأجنبية - ومعظمهم من الرجال - بصورة رئيسية من الجزائر التي كانت

قد نالت استقلالها، إلا أن هؤلاء المهاجرين كانوا على علم مسبق بأنه سوف يكون

لهم الحق في العمل في فرنسا إلا أنه لا يسمح لهم بحال إلحاق أفراد عوائلهم بهم.

أما ألمانيا الغربية التي كانت قد جردت من مستعمراتها بعد الحرب العالمية

الأولى فقد كانت أكثر صرامة في قوانين الهجرة. فالحكومة الألمانية شجعت ومنذ

فترة طويلة استقدام الأيدي العاملة التركية، إلا أنها جعلت لهم الأمر واضحاً منذ

البداية بأنهم لن يكونوا مواطنين ألمان أبداً، وأنه يتعين عليهم يوماً ما الرجوع إلى

بلادهم. وبطبيعة الحال فإن كثيراً من العمال الأتراك (الضيوف) لم يرجع إلى

تركيا كما كان مخططاً له على الرغم من ظروف العيش المتواضعة جداً التي

يعيشونها في النزل التي تنفق على إدارتها الحكومة. كما أن كثيراً منهم لا يملك

تصريح الإقامة ويحاول التواري عن الأنظار خشية إلقاء القبض عليه ومن ثم

الإبعاد. إن الدافع الحقيقي وراء هذه السلوكيات قد يبدو سهل المعرفة، ذلك هو

استمرار الاضطرابات الاجتماعية والركود الاقتصادي الذي تشهده تركيا في هذه

المرحلة.

لقد أدى تواجد العمالة التركية في ألمانيا إلى ردود فعل عنصرية من جانب

الألمان البيض، وإن ردود الفعل هذه قد تنامت خلال السنة الماضية كنتيجة للنظرة

التي ينظر بها أحياناً إلى مسلمي أوربا على أنهم يشكلون خطراً أصولياً بسبب

حملات احتجاجهم المستمرة ضد نشر كتاب سلمان رشدي، ففي الانتخابات الأوربية

التي جرت في شهر حزيران (يونيو) من العام الماضي حصل الحزب اليميني

المتطرف في ألمانيا على نسبة ٧% من الأصوات بعد الحملة التي قادها من أجل

طرد العرب والأتراك بالقوة من البلاد. ولم يدع رئيس الحزب الجمهوري أي

شكوك تحيط بموقفه تجاه الدور الذي يلعبه مليوناً مسلم في ألمانيا، فقد صرح حديثاً

: (لن ترفرف راية الإسلام الخضراء يوماً فوق ربوع ألمانيا، ولن نكون بيتاً لفقراء

دول حوض البحر المتوسط) .

كما أن فرنسا كانت قد شهدت هي الأخرى تنامياً في قوة حزب الجبهة القومية

اليميني المتطرف ذي الاتجاهات العنصرية والمناهض لعمليات الهجرة. وكان

رئيس الحزب قد حذر من غزو إسلامي جديد لأوربا مقترناً بالعنف يشابه ما كان قد

جرى في العصور الماضية. وعلى الرغم من هذه المزاعم التي لا يتقبلها العقل،

فقد كانت نسبة الأصوات التي حصل عليها الحزب في الجولة الأولى من الانتخابات

الرئاسية الفرنسية في عام ١٩٨٨ هي واحد إلى سبعة.

ولقد ارتفعت في فرنسا - كما هو الحال في باقي دول أوربا - نسبة حوادث

الاعتداء على المسلمين، إلا أن نسبة المواليد بين المسلمين ارتفعت هي الأخرى.

يقول الدكتور ج. بيتش المتخصص في حقل الهجرة وإحصاء السكان في جامعة

أوكسفورد: (إن نسبة المواليد بين المهاجرين تفوق إلى حد كبير نظيرها بين

السكان الأصليين، والواقع هو أن تعداد المهاجرين سوف يستمر بالنمو حتى في

حالة إقفال الباب أمام هجرات مستقبلية) .

وعلى الرغم من إقفال تلك الدول الأوربية أبواب الهجرة أمام العمالة الأجنبية

منذ فترة طويلة، إلا أن الهجرة غير القانونية ما زالت مستمرة وبمعدلات تنذر

بالخطر، وتشكل أسبانيا وإيطاليا المحطة الأولى للهجرة غير القانونية القادمة في

غالبيتها من شمال أفريقيا، وذلك لسهولة الدخول نسبياً إلى هاتين الدولتين، ومنهما

يواصل المهاجرون رحلتهم شمالاً باتجاه دولة أوربية أخرى.

وعلى الرغم من النمو المطرد في تعداد المسلمين في أوربا فإن بروز تيار

إسلامي أصولي متعصب في أوربا الغربية غير وارد ولا يتنبأ به إلا عدد قليل من

المتخصصين في حقل الاجتماع والجغرافية، كما يرى آخرون أن النهضة الإسلامية

التي تشهدها أوربا اليوم هي نتيجة صياغة سيئة لقوانين الهجرة التي كانت قد

صيغت قبل عدة عقود من الزمن.

وبغض النظر عما إذا كان الأمر في صالح أوربا أم لا ? فإن أوربا الغربية قد

باتت خليطاً معقداً من المجتمعات المختلفة عرقياً وحضارياً، وقد وصلت الشعوب

الأوربية بذلك إلى نقطة اللاعودة.

إن الطريق الأمثل لإيجاد مجتمع متجانس مستقبلاً يكون في دمج مسلمي أوربا

في المجتمع على نطاق واسع [٤] . إن استمرار تواجد الأحياء التي يتمركز فيها

أبناء الدين الواحد أو العرق الواحد لا يؤدي إلا إلى انكماش وانزواء هذه الأقلية

المتنامية الحجم وإلى إبراز التوترات بين شعوب أوربا المتعددة الخلفيات الحضارية

مجلة الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية كانون أول/١٩٨٩م


(١) يقصد الكاتب فتح االمسلمين لأسبانيا.
(٢) لا نعتقد أن هذا الكلام دقيق، فإذا كان اكثر المهاجرين مسلمون فلا بد أن يوجد التمايز الثقافي.
(٣) هذا نظرياً وأما عملياً فالتعصب في فرنسا أشد منه في بقية الدول.
(٤) هذا ما يرغبه الأوربيون، أن ينصهر المسلمون في الثقافة الغربية ولكن الواقع أن كثيراً منهم لم ينصهر، وبعضهم عاد إلى وعيه بالهوية الإسلامية، والغربيون يطالبون بما ليس من حقهم فما الذي يضرهم من محافظة المسلمين على انتمائهم؟ وليس صحيحاً أن بقاء المسلمين على دينهم يوجد توترات بين شعوب أوربا، وهذا تهويل وتحذير من المجلة إلى الحكومات الغربية.