الصفحة الأخيرة
[باسم رب الغلام]
د. محمد الحضيف
اقتربتْ من صدره فاحتضنته، ثم تراجعت خطوة إلى الوراء، ويدها ما
زالت على صدره وقالت:
- ما هذا يا عبد الله؟
- درع أتقي بها ضرباتهم.
- أتخاف من الحجَّاج يا عبد الله.. أتخاف من الموت؟ !
قلت لها: لماذا لا تخافين أن يكون اسمك على ورقة، لماذا تطالبينني أن
أكون (عبد الله) ، ولا تحاولين أن تكوني (أسماء) ؟ سكتت وانتهى هذا الحديث.
ثم.. لما جنَّ عليَّ الليل أخذت أتأمل فيما قلت لها: هل قسوت عليها. هل
طالبتها بما لا تستطيع؟ ، لقد تحدثنا عن التضحية، عن كيف عانى - عليه الصلاة
والسلام - حتى يبلّغ الرسالة. إننا دائماً نتحدث عن الحاجة إلى الرواد الذين
يتقدمون الصغوف ليلتقطوا الراية أو يحملوا المشعل، وكثيراً ما نستخدم مثالاً سخيفاً، فنقول: (مَن يعلق الجرس؟) فتتبادر إلى أذهاننا قصة الفئران والقط. لهذا ...
السبب نعاني شُحاً في الرواد والرائدات.. ما دام المثال فئراناً وقططاً؛ فالمسألة لا
تستحق تضحية، فضلاً عن أن تكون هناك ريادة.
استبد بي الأرق وعافني مضجعي وأنا أتأمل فيما قلت. تذكرت حديث
صاحبي الذي قال: كنا في مجلس فحُدِّثنا عن صفة أهل النار فرانَ علينا صمت
كصمت مَن في القبور، وما تجد واحداً منا يلتفت إلى صاحبه. ثم حُدثنا عن صفة
أهل الجنة فارتفع بكاؤنا وعويلنا. تعجبت.. قال: لا تعجب، حينما كان يتحدث
عن أهل النار خفنا أن يسمينا لكثرة ما اقترفنا، فلزم كل منا الصمت خشية أن يقول
ها هو ذا. وحينما تحدث عن أهل الجنة، وتحدث عن أدنى أهلها والحوار الذي
دار بينه وبين الرب - جل وعلا - بكينا وكل واحد يؤمّل أن يكون ذلك الأدنى. ثم
أضاف صاحبي وقال: لكنه حدثنا حديث الغلام.
سرتْ في جسدي رعشة وأنا أردد: حديث الغلام. هل تذكرون حديث الغلام؟؛ هذا أعظم الرواد. ليتني قلت لها حديث الغلام. صحيح أنني حدثتها عن أم
المؤمنين خديجة وهي تدثره - عليه السلام - وتقول: أبشر، والله لا يخزيك الله.
كأني أقول لها كوني خديجة.
لكن ما حال الغلام؟ هل تريد أن تقتلني، قالها الغلام. اجمعِ الناس، وخذ
هذا السهم وقل: باسم رب هذا الغلام ثم أطلقْ السهم فتقتلني. جمع الناس وقال:
باسم رب الغلام وأطلق السهم؛ مات الغلام، وقال الناس: آمنا برب الغلام.
ومضت في التاريخ قصة أعظم الرواد. فمَن يكون مثل الغلام.. لا من يعلق
الجرس؟ ! .