للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصيدة

[دمعة على شهيد]

خالد بن سليمان القوسي

لم يكن ذلك الصمت، وذلك النور ليوهب إلا للصادقين أمثال: مصعب

العوشن، لله درُّك يا مصعب، ما أفصح صمتك، وما أبلغ هدوءك، لم تكن تريد

الشهرة [في زمن الاستماتة لنيل الشهرة] ، ولم تكن لتنالها لولا استشهادك، فلله

درك، كتبت أحرفك بدمك، وأن يكتب الإنسان تاريخه بدمه فذلك قمة المجد في

الدنيا.. والآخرة.

خطبوا فجادوا بالبيان وأطنب ... فأبنت أنك بالمواضي أخطبُ

ما كل من ركب البيان يسوسه ... عجُمت قوافيهم وأنت المُعْرِبُ

" يا مصعب " أوّاه كم نطقتْ بها ... شفتاي.. قلبي.. أدمعي " يا مصعبُ "

إيهٍ نديَّ الصوت أنشدتَ الربى ... شعراً فروحاً للمعالي تدأبُ

طاب القعود لنا فأما أنتمُ ... فرأيتم أن الشهادة أطيب

عذبت لنا الدنيا وأما أنتم ... فرأيتمُ أن القَضيَّةَ أعذبُ

بسمتْ لنا الدنيا ضحىً وازَّيَّنَتْ ... ما كنتَ تنعمُ والجنان تثوِّبُ

نُعمى الحياة سحابةٌ صيفيَّةٌ ... والباقيات سحابُهُنَّ الصيِّبُ

بعتَ الحياة رخيصة لما عشق ... تَ الباقيات وعشقهنَّ المكسبُ

من ذا يقود المرء من نعمائه ... من ذا يشوِّقه لكي يتغرَّبُ

من ذا يقود الناس نحو حتوفهم ... راح الصبيُّ وراح قَبْلُ الأشيبُ

عجبٌ -وربِّك- بذلُهم لنفوسهم ... لكنَّ ما يرجون منها أعجبُ

في ليلة يخشى الأبيُّ مصابها ... لم تثنه أغوالها والأذؤب

لقي المنون مشمراً متفانياً ... في ساعة منها العقول تغيب

بيمينه قرآنه، وسلاحه ... بشماله وفؤاده متوثب

يتلو كتاب الله يكسوه التقى ... ويلفه الصمت " الشتاء " الغيهب

عينان لا يصلاهما حرُّ اللظى ... عين بكت لله دمعاً تسكب

وحسيبة جفت المراقد تمتطي ... شم الجبال وللعدا تترقب

تخذ البسالة منهلاً لحياته ... أكرمْ به من منهلٍ لا يجدب

كفكف دموعك يا محبُّ فإنه ... لو قيل ماذا تشتهي يا مصعب؟

لوجدته يهوى الشهادة مرةً ... أخرى فبحر يقينه لا ينضب

ستراه بين جنانه فدع البكا ... ما مات من نحو الجنان سيذهب