للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الورقة الأخيرة

[تكريس الفجور في صحافة الإنترنت]

د. محمد البشر

ليس من شأننا أن نتتبع مؤشرات الفجور الصحفي في الإنترنت؛ فقد كبرت

فقاعاته وتلونت، ولوثت رموزه قيم العمل الإعلامي وأخلاقياته.

وتخصيص الحديث عن ظاهرة (العهر الصحفي العام) في الإنترنت فيه

إجحاف وظلم للصحافة الصفراء المطبوعة؛ لأنها تحتاج إلى (بحث) مستقل،

ولأن هناك من القنوات الإعلامية الأخرى من تبوأ مكانة في الأسفلين، وهي قنوات

أمدت عقول الجماهير بجرعات مكثفة من الفجور صوتاً وصورة! !

أما أن تمتد حرية الفجور لتطال تاريخ الأمة وتنال من فكرها وثقافتها؛ فذلك

أمر يدق أجراس الخطر، وينذر بكارثة أخلاقية تستدعي اجتثاث جذورها،

وملاحقة أبالستها، وتضييق الخناق عليهم، وكتم أنفاسهم، ومحاربتهم في كل زمان

ومكان، وإنزال أشد العقوبات على أقطابها.

بين يدي مقالة نُشرت في صحيفة إلكترونية؛ يتتبع كاتبها ظاهرة انتشار

الخمر في أحد مجتمعاتنا الإسلامية المحافظة، بل المتدينة، ويدعي زوراً وبهتاناً

أن كثيراً من أفراد ذلك المجتمع (خمريون) حتى النخاع، وأن سوق الخمر فيه

مزدهرة، وموائده باتت من لوازم الضيافة بين فئام معينة فيه.

ويتتبع الكاتب (تاريخ) انتشار نوع معين من الخمر، ويقول إنه من

(الثقافة الشفهية) التي لم يكتب عنها أو (يؤصل! !) لها، وزعم (مؤرخ الفجور)

أن أول كتابة تناولت ظاهرة انتشار الخمر في المجتمع وردت في روايات

(العدامة) و (الشميسي) التي تحدث فيها كاتبها عن وجود هذه الظاهرة في عقد

الستينيات الميلادية؟ ! !

ويستدل كاتب المقالة على انتشار هذه الظاهرة في المجتمع بحقيقتين (! !)

هامتين هما:

١ - كثرة الكؤوس التي تباع في متاجر الأواني المنزلية!

٢ - كثرة من يشتري (الثلج) في عطلة نهاية الأسبوع!

هذه المقالة تنشر في الإنترنت، وقراؤها أكثر من قراء أية صحيفة عربية

مطبوعة، ومضمونها فجور يشوِّه ثقافة المجتمع ويقذف أفراده بمثل هذه الصفات

وغيرها.

لا نشك في أن (مقص) الرقيب يعجز عن منع نشر افتراءات فسقة الأمة

ودعاة الضلالة إذا كانت الإنترنت هي وسيلة النشر، ولكن الرقابة ليست فقط على

المضمون، بل على الأشخاص أيضاً.

لو أن هؤلاء كتبوا في السياسة، أو عن تجاوزات القيادات العلمانية؛ فما

عسى أن يكون مصيرهم؟ !

سيؤخذون بالنواصي والأقدام، وسيسامون سوء العذاب، وتُضيَّق الأرض

عليهم بما رحبت جزاءً وفاقاً.

أوَ ليس دين الأمة أحرى بأن يصان من دنس أهل الأهواء؟ !

أوَليست ثقافة الأمة جديرة بأن تصان من اللوث والتدليس والتشويه المتعمد؟!

ألا يستحق تاريخ الأمة أن يصان من سموم الأقلام؟ !

معاقبة هذه الزمرة المتمردة على دين الأمة وتراثها ضرورة، ومطاردتها لازم

من لوازم الأمن، لا فرق في ذلك بين الإرهاب الذي يتخذ من أوكار الثقافة المزيفة

كهوفاً وحفراً ينطلق منها، و (إرهاب) مغارات الجبال وخنادق الأودية! !

أليس كذلك؟ !