تأملات دعوية
[بين المنهج والرموز]
بقلم: عبد الله المسلم
الدعوة السلفية بين سائر الدعوات بأنها دعوة لا تتمحور حول شخص من
الأشخاص، بل تتمحور حول المنهج المستقى من الكتاب والسنة الصحيحة وآثار
السلف الصالح؛ ولهذا عرّف الإمام مالك أهل السنة بأنهم الذين ليس لهم لقب إلا
أهل السنة.
بخلاف سائر الطوائف؛ فكثير منها تعلو درجة ارتباطها بالشخص لدرجة أن
يرتبط اسمها باسمه فتنسب إليه، ويعتقد بعضهم العصمة في شيوخهم وأئمتهم، وأن
الراد على الشيخ كالراد على الله، وأن التلميذ يجب أن يكون بين يدي الشيخ
كالميت بين يدي من يغسله. أما أهل السنة فإنهم يعتقدون أنه ما من بشر إلا ويؤخذ
من قوله ويرد إلا محمد، ومع ذلك فلهم أئمة منزلتهم ومكانتهم ليست كغيرهم،
ولأقوالهم وتقريراتهم قيمة وقدر، ومنهم من هو كما أخبر عنه أنه: (على رأس كل
مئة سنة يبعث الله لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها) .
وثمة هفوات تصيب بعض الأخيار من أهل السنة تجاه هذا؛ فالقضية قد
تخدش صفاء المنهج، وقد تطول فتؤذن بنوع من التعصب المقيت المشين.
١- فمن ذلك أن يُربط الناس بالرجال، وأن يكون الحديث دائماً حول منهجهم
أكثر من الحديث حول نصوص الوحيين، وأن تكون المخالفة لرأي أحدهم أشد
وأشنع من المخالفة لنصوص الوحي الصريحة، ومن ذلك: أن أحد الأفاضل كان
يتحدث عن ضرورة ارتباط الدعاة إلى الله بمنهج فلان من المجددين وأساليبه،
فعقب أحد الحضور بأن الأوْلى ربط الناس بمنهج النبي -صلى الله عليه وسلم-،
فاستدرك آخر على المعقِّب بعد أن وصمه بألقاب لا تليق بأنه ما من وسيلة
استخدمها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا واستخدمها هذا المصلح المجدد! وَهَبْ
أن ذلك حق! أفليس الأصل الاقتداء بالمعصوم؟
٢- قد سلك دعاة الضلالة في سبيل الحرب على أهل السنة أسلوب وَصْمِ
دعاتهم بالسوء والانحراف، ولبّسوا في ذلك على العامة، فما أن يسمعوا اسم فلان
إلا عنى لديهم الانحراف. وإزاء هذه الظاهرة كان لا بد من منهج أسلم في التعامل
معها بالأساليب التالية:
أ- لا داعي لإقامة معارك مع العامة ولا أمامهم حول شخص فلان خاصة حين
نعلم أن ذلك سيصطدم باقتناعات راسخة لديهم قد يصعب تغييرها، فَلِمَ لا نجعل
قضيتنا الكبرى معهم هي قضية المنهج، وقضية نصوص الوحيين؟ وهب أنهم
تركوا الضلال والبدعة وماتوا وهم يسيئون الظن بفلان من علماء المسلمين لأنه
لُبِّسَ عليهم شأنه وأمره؛ فالخطب حينها أيسر من الموت على الضلالة والبدعة.
ب- ولماذا الإصرار على ربط الدعوة بهؤلاء من خلال التركيز على توزيع
كتبهم وترديد أسمائهم، أو تسمية المشاريع والمدارس بها؟ فتقيم الدعوة ابتداءاً
حاجزاً بينها وبين الناس! ألا يمكن لدعاة السلفية أن يكتبوا كتابة جديدة للناس
تخاطبهم بنصوص الوحيين التي لا يجرؤ أحد على رفضها؛ وذلك كله ليس رغبة
في تجاوزهم وإنكار فضلهم، إنما لسلوك أفضل سبيل لإنقاذ الناس من الضلال.
٣- الإمامة لا تستلزم العصمة عند أهل السنة، فقد يستدل هذا الإمام الجليل
بحديث ضعيف أو يستشهد برواية باطلة، أو يتبنى رأياً مرجوحاً في مسألة ما،
فهل من حرج في الاستدراك عليه وبيان خطأ اجتهاده؟ وهب أن أحداً اجتهد فبان
خطؤه في مسألة من المسائل ورأينا أن في ذلك فتح باب للطعن وإساءة الظن:
أيعالج هذا الخطأ بخطأ آخر؛ فنكابر في السعي لتصحيح حديث أو ترجيح قول
ضعيف لمجرد أن فلاناً قال به؟
مرة أخرى: الأئمة والمجددون لهم قيمتهم ومكانتهم، ولا ينبغي الحط من
شأنهم وتجرئة صغار الطلبة على انتقادهم، لكن هذا كله لا ينبغي أن ينسينا أنهم
بشر ليسوا معصومين، وأن الإمامة الأساس هي للوحيين، وأن أهل السنة هم:
من كانوا على مثل ما كان عليه محمد وأصحابه، لا من كانوا أتباعاً لفلان من
الناس.