للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأملات دعوية

[بطاقة الانتماء]

بقلم: محمد محمد بدري

إذا كنا نتطلع نحو ترشيد للعمل الإسلامي؛ فلا بد لنا من نظرة عميقة في

إمكاناته.. وفعالياته.. ونقائصه؛ حتى ندرك دون لبس، أو غموض، أو إيهام

أين ينبغي علينا إحداث التغيير في أنفسنا ليغير الله ما بنا: [إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا

بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ] [الرعد: ١١] ، فالتغيير إنما يحدث وفق سنن ربانية

ثابتة لا تحابي أحداً من الخلق مهما زعم لنفسه من مسوغات المحاباة! ! .

ومن سنن الله الثابتة التي لا يفيد معها (تعجّل) الأذكياء، ولا (أوهام)

الأصفياء، أنه حين يتوقف أفراد مجتمعٍ ما عن العطاء، ويكتفون بالأخذ: فإن هذا

المجتمع يسير من الشلل إلى الفناء.. الفناء البطيء الذي لا يراه إلا العارفون بسنن

الله في النفس والمجتمع! ! .

فأين نجد أنفسنا من هذه السنة الثابتة؟ .

إن منا من يؤكد انتماءه للعمل الإسلامي، بينما هو يقف في مواقع الأخذ

والاستهلاك دون أدنى عطاء أو عمل! ! .. فإذا ساءلنا أحد عن دورنا في إحياء

الأمة وعودتها إلى قيادة القافلة البشرية من جديد: أخرج كلّ منا بطاقة انتماء لهذا

الفصيل أو ذاك من فصائل العمل الإسلامي! ! .

.. هكذا، وكأن بطاقة الانتماء تغني عن العمل الجاد والتحرك الواعي! ! .

أو كأن فصائل العمل الإسلامي قاعات للنوم والخمول والكسل! ! .

فهل هذا هو الانتماء للعمل الإسلامي؟ ! .

.. إن الانتماء الحقيقي (وسيلة) إرضاء الرب وإنقاذ الذات.. فهو (بداية)

السير، وليس (دليل) اجتياز المراحل..

إن الانتماء الحقيقي ارتباط مصيري بالعمل الإسلامي.. ارتباط يغيرّ منهاج

حياة الفرد، بل وآماله وأحلامه [مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ

فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً] [الأحزاب: ٢٣] ، هذا

هو المفهوم الحقيقي للانتماء..

فإذا انطلقنا بهذا المفهوم من مجرد (التنظير) إلى آفاق (المعالجة) الواقعية

للعمل الإسلامي، فلا بد لنا من وسائل، منها:

١- توفير المناخ التربوي الذي يفسح المجال لنمو شخصية أفراد العمل

الإسلامي، ويتحول بهم من روح (القطيع) والعمل عبر (التقليد الأعمى) .. إلى

روح (الفريق) والعمل على (بصيرة) [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ

أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ] [يوسف: ١٠٨] .

٢- اختيار أساليب العمل القائمة على توجيه العلماء والدعاة الموثوقين ...

والمعروفين بصدق معتقدهم وحسن الإمساك بدفة القيادة، مع الأخذ بأكبر قدر من

المبادرات الفردية، فيصبح عملنا الإسلامي في إطار وصف النبي -صلى الله عليه

وسلم- للمسلمين: (يسعى بذمتهم أدناهم) .. وقبوله مبادرة امرأة من المسلمين: (قد

أجرنا من أجرت يا أم هانئ) .

.. وهكذا عبر هذه الوسائل وغيرها، يمكن إخراج المسلم الذي يتفاعل مع ما

حوله تفاعلاً حيّاً، ويعمل للإسلام وسط كل الظروف.. لأنه يدرك أن عمله إنما هو

ضمن إطار (عمل) وليس إطار (انتماء) ! .

إطار عمل محمود شرعاً [وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ وَيَاًمُرُونَ

بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] [آل عمران: ١٠٤] .

إطار عمل منصور قَدَراً (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم

من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله) [رواه مسلم] .

إطار عمل يجعل كل فرد في العمل الإسلامي (رِفداً) للعمل، وليس (عبئاً)

عليه.. هذا ما أردنا التأكيد عليه في هذه العجالة:

وليدرك كل فرد من أفراد العمل الإسلامي أن الانتماء للعمل الإسلامي بعد

تجديد الإخلاص لله وتجريد المتابعة لرسوله إنما يعني: العمل الجاد.. الصبر..

المصابرة.. المرابطة.. ذلك أن (العطاء) هو (بطاقة الانتماء) .