[«الحرية الدينية» ... رأس الحربة الجديدة]
د. عبد العزيز كامل
لم يكد العالم الإسلامي يفيق من إحدى صدمات صِدَام الثقافات، وأكثرها استفزازاً واستغضاباً، وهي قضية الرسوم الفاجرة التي تطاول بها الدانماركيون، ومعهم معظم الأوروبيين والغربيين على شخص رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- حتى تفجرت قضية أخرى لا تقل خطورة في مدلولاتها، وإن كانت أقل في تفاعلاتها، وهي قضية الهجوم على شريعة الإسلام تصريحاً أو تلميحاً من معظم دول الغرب باسم «الحرية الدينية» ، بمناسبة تفاعل قضية الرجل الأفغاني الذي ارتد عن الإسلام، ودخل في النصرانية.
لقد كان من الممكن أن تمر قضية هذا المرتد عن الدين، كقضايا العديد ممن يرتدون بأشكال وأنواع من الردة كل يوم دون أن يأبه بهم أحد، ولكن تلك القضية أخذت أبعاداً أخرى عقائدية وحضارية وقانونية وسياسية؛ لا ينبغي أن تمر مرور الكرام. وملخص قضية ذلك المرتد ويدعى: (عبد الرحمن عبد المنان) هو أنه كان يعمل مع إحدى المؤسسات الإغاثية التنصيرية في مدينة بيشاور بباكستان عام ١٩٩٠م، أي في ذروة الجهاد الأفغاني ضد الروس، فتنصر راغباً عن التوحيد إلى التثليث، ثم سافر بعد ذلك بثلاث سنوات إلى ألمانيا، محاولاً الحصول على لجوء سياسي لينجو من ملاحقة المجاهدين، لكنه لم يفلح في الحصول على هذا اللجوء، ولم يفلح أيضاً في الحصول عليه من بلجيكا، وبعد عشر سنوات من الإقامة كافراً بين الكفار، عاد إلى أفغانستان عام ٢٠٠٣، بعد سقوط حكومة طالبان، وبدأ يُعلن ردته، فطلبت زوجته الفراق منه، واحتدم الخلاف بينهما حينما طالب المرتد بضم بناته إليه ليكُنَّ معه في دينه ودنياه الجديدة، وظل الخلاف بينهما مدة ثلاث سنوات، ثم رفعت الزوجة أمرها للقضاء الأفغاني، الذي لا يزال بعض قضاته متوهمين أنه يمكن لهم الرجوع لأحكام الشريعة في القضاء والحكم في ظل الاحتلال.
حتى تلك المرحلة؛ كان الأمر يبدو وكأنه مجرد مقاضاة في قضية أشبه بالأحوال الشخصية بين زوجين، إلا أن الدول الغربية أعطتها بُعداً آخر، بعدما قرر القاضي الأفغاني محاكمة المرتد على شأن الردة الذي هو أخطر من المظلمة الزوجية، لكن الرجل أصر على أنه التحق بالنصرانية مختاراً، ولن يتحول عنها ... ومن حينها؛ خرجت القضية إلى العالم، على أنها اعتداء على «الحرية الدينية» وشاء بوش وحلفاؤه أن يجعلوا منها سلاحاً حديثاً في الحرب العالمية على الإسلام.
تحت هذا العنوان «الحرية الدينية» التي تعد الوجه الاعتقادي في الليبرالية الغربية؛ بدأت الولايات المتحدة ومعظم دول الغرب في خوض حملة مكثفة للإفراج عن المرتد، قبل أن تبدأ محاكمته أو حتى استتابته!
وبدأ الرجل يظهر في وسائل الإعلام الغربية وبيده نسخة خاصة من الإنجيل، مكتوبه بلغة محلية لأغراض التنصير، وبدأت في موازاة ذلك حملة عالمية لنصرة ذلك المرتد، احتفت بها وسائل الإعلام الدولية، ولم تحفل بها كثيراً وسائل الإعلام العربية والإسلامية رغم خطورتها وحساسيتها، ولا ندري لماذا كان هذا التجاهل؟!
الحاصل أن الحملة بدأت بسرعة كبيرة، ولكنها انتهت وطويت بسرعة أكبر، لا لأن الغرب أراد حسمها عاجلاً لتفادي المزيد من (صدام الثقافات) ؛ ولكن لأن «الخصم» رفع الراية البيضاء مبكراً، قبل أن تحتدم المباراة الأحدث داخل حلبة الصراع الحضاري!
صدر الكثير جداً من الكلمات والتصريحات على ألسنة الزعماء السياسيين والكتاب والمفكرين في الغرب باسم (الحرية الدينية) مع القليل جداً أو النادر من جانب الزعماء السياسيين والكُتَّاب والمفكرين في الجانب العربي والإسلامي، مع أن جوهر القضية متعلق بأصل التحاكم إلى الشريعة الإسلامية، وليس مجرد الحكم على مارق عنها خارج عليها يعلم الجميع أنه لن يُنفذ.
٣ تدخَّل جورج بوش ـ شخصياً ـ بوصفه رئيساً للولايات المتحدة «زعيمة العالم» ، ليثبت مرة أخرى أن الولايات المتحدة ماضية في حربها للإسلام عقيدة وشريعة، وقال في خطاب له في ولاية فرجينيا: «إنني منزعج جداً لسماعي أن شخصاً تحوَّل عن الإسلام قد يعاقَب على ذلك، هذا ليس بالتطبيق العالمي للقيم التي تحدثنا عنها» .. «من المزعج للغاية، أن بلداً ساعدناه على التحرر يعاقب شخصاً لاختياره ديناً آخر» .. «إن لدينا نفوذاً في أفغانستان وسنستعمله، لنؤكد لهم أن هناك قيماً عالية يجب احترامها» !!
هذا بعض ما صرح به بوش، لكن الذي لم يصرح به؛ هو أن «التحول عن الإسلام» على حد وصفه هو أحد الأهداف الرئيسية التي لأجلها فتحت أبواب التنصير في أفغانستان وفي غيرها، في الوقت الذي أغلقت فيه الأبواب أمام الجمعيات الإسلامية الخيرية الإغاثية في كل مكان.
وما لم يصرح به أيضاً.. هو أن ما سماه «التطبيق العالمي للقيم التي تتحدث بها أمريكا» يهدف إلى أن تمنح الدول الإسلامية كل الحق لأي مسلم ـ من ناحية قانونية ـ أن يعتنق أي دين غير الإسلام، وأن يدعو إليه، وألا تعرقل أي حكومة جهود أي ملة أو نِحْلة تريد أن تنشط بدعوتها بكامل حريتها في أوساط الشعوب الإسلامية تحت حماية القانون الدولي والمحلي.
٣ أما كوندليزا رايس التي تعتبر نفسها وزيرة خارجية العالم، فقد ذهبت أبعد مما ذهب إليه بوش وقالت: «لن أتوقف عن ممارسة الضغط حتى يفرج عن عبد الرحمن» .... «إن هذا أمر مقلق للغاية.. لقد اتصلت بكرزاي، وأثرت معه الموضوع بأشد لهجة ممكنة، لكي تؤكد أفغانستان تمسكها بالدستور الجديد الذي ينص على احترام حقوق الإنسان» .. «الحرية الدينية مبدأ أساسي من مبادئ الديمقراطية» .
٣ وأما الصحافة الأمريكية، فقد وجدت في الموضوع فرصة لإثارة قضية تراها أهم، وهي قضية تضمين الدساتير في الدول الإسلامية إشارات تعتبر الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر التشريع، وتساءلت: هل يتناسب هذا مع الهدف الذي لأجله تسيِّر أمريكا جيوشها وتضحي بشبابها ... ؟!
٣ قالت صحيفة نيويورك تايمز في مقالها الافتتاحي في ٣ مارس ٢٠٠٦ تحت عنوان (سخط على أفغانستان) : «يجب على الولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان مراجعة القوانين المعمول بها هناك» .. «إن أفغانستان ليست الحليف الوحيد الذي يطبق قوانين دينية قاسية» .. «إذا كانت أفغانستان تريد العودة إلى أيام طالبان فلتفعل، ولكن من دون مساعدة أمريكية» .
٣ وقالت صحيفة الواشنطن بوست في مقال لها في ٢٣ مارس ٢٠٠٦، تحت عنوان (أطلقوا سراح عبد الرحمن) : «من الناحية النظرية، ينص الدستور الأفغاني على ضمان الحرية الدينية، ولكن في الوقت نفسه ينص على أن الشريعة الإسلامية قانون البلاد، ولم يمض وقت طويل حتى ظهر ضرر هذا التعارض» .. «لقد أمضى الرئيس كرزاي وقتاً طويلاً لتفادي أزمة دستورية بسبب التعارض بين مبدأ الحرية الذي يكفله الدستور، وبين مبدأ العمل بالشريعة» ... «ما جدوى أي إنجاز للجنود الأمريكيين إذا لم ينجحوا في إنهاء تلك الحقبة الهمجية المنتمية إلى القرون الوسطى» .
٣ وأما مجلة ناشيونال رينيو الأمريكية الصادرة في ٢٢ مارس ٢٠٠٦، فقد قالت في مقال لها بعنوان: (نحن وأفغانستان ومشكلة الشريعة) : «نحن نحصد ما زرعناه في أفغانستان، ما يحصل هناك هو ما جلبناه على أنفسنا حين شاركنا في صياغة دساتير لا تفصل فصلاً تاماً بين السلطتين الدينية والمدنية» ... «لقد جعل هذا الدستور الإسلام دين الدولة، جاعلاً للشريعة قوة مهيمنة على القانون، وناصّاً على ضرورة «دراسة» الفقه الإسلامي، وبعد كل هذا نأتي لنحتج على ذلك كنتيجة لهذا التداخل.. إن هذا يعد احتجاجاً فارغاً» !
٣ وفي صحيفة (ببتسبيرج تريبيون) صحفي يهودي من المحافظين الجدد، وهو باتريك بوكانان، علق على قضية المرتد في مقال له بعنوان: (أي ديمقراطية هذه؟) قال فيه: «أي ديمقراطية هذه التي يفاخر بها الرئيس بوش، هل هذا شيء يستحق أن نرسل شبابنا الأمريكي للحرب أو الموت من أجله؟ إذا كان الشعب الأفغاني متقبلاً محاكمة ومعاقبة عبد الرحمن لتركه الإسلام؛ فما هي الرسالة التي نستشفها عن مدى تسامحهم مع المسيحية ومدى التزامهم بالحرية الدينية؟» ومما قاله أيضاً: «لا يبدو أن المسيحية في وضع أفضل في تلك الديمقراطية الجديدة الأخرى في العراق» .. «إن المسيحيين يهربون إلى سورية فراراً من الاضطهاد في العراق، وإن المحافظين الجدد الذين يتوقون إلى تحرير سورية كما حرروا العراق؛ إذا نجحوا في ذلك فليتولَّ الله المسيحيين في سورية حينئذ؛ لأنهم سيعاملون مثلما يعامَل المسيحيون في العراق» .
٣ انتقل التصعيد إلى أكثر من بلد أوروبي، بل إلى كل دول أوروبا ممثلة في الاتحاد الأوروبي، حيث ألقى هذا الاتحاد بثقله وراء حملة «الحرية الدينية» وأعلن على لسان وزيرة الخارجية النمساوية التي تترأس بلادها الاتحاد الأوروبي في دورته الحالية أن: «على الاتحاد الأوروبي أن يبذل ما بوسعه للإفراج عن الأفغاني الذي اعتنق النصرانية» .. «إن رئاسة الاتحاد الأوروبي ستتابع الوضع عن كثب، وستقرر الخطوات التالية حسب تطور القضية» .
٣ وقد هددت معظم الدول الأوروبية بوقف المساعدات عن أفغانستان إذا لم تفرج عن الأفغاني المرتد، ودخلت على خط المطالبة الرسمية بالإفراج عنه كل من بريطانيا وفرنسا وكندا وهولندا والنمسا والدانمارك وألمانيا التي هددت بسحب قواتها العاملة لحماية نظام كرزاي في أفغانستان المحتلة، وتبعتها في التهديد بلجيكا. أما إيطاليا فقد أرادت أن يكون لها دور يليق بموقعها كدولة راعية للنصرانية الكاثوليكية في العالم؛ فقد دعا البابا الجديد (بندكيت) إلى الإفراج الفوري عن الأفغاني المرتد وطالب باستعمال الرأفة معه، واستدعت إيطاليا سفيرها في أفغانستان وأعلنت ـ بعد مطالبتها بالإفراج عن المرتد ـ أنها مستعدة لاستضافته كلاجئ سياسي، وهو ما حدث بالفعل؛ إذ آتت تلك الحملة العالمية النصرانية لمناصرة المرتد ثمرتها العاجلة بالإفراج السريع عنه رغماً عن الدستور الأفغاني والقضاء الأفغاني والبرلمان الأفغاني والشعب الأفغاني، بالرغم من ثبوت الاتهام ضده، واعترافه به وإصراره عليه!
- قصة أخرى ... ومواقف أخرى:
مرت في السنوات الأخيرة قصة أخرى بتفاعلات مختلفة أعطت معنى إضافياً للحرية الدينية في فهم أنصارها من النصارى، حينما تتعلق تلك الحرية بالدخول في الإسلام لا الخروج منه، والقصة تتعلق بامرأة مصرية مارست حقها في «حرية الاعتقاد» التي ينادي بها الغرب، وغيَّرت دينها من النصرانية إلى الإسلام بكامل حريتها وإرادتها؛ فماذا كان موقف المسؤولين وغير المسؤولين من المسلمين وغير المسلمين؟ وماذا كان موقف دعاة حرية الاعتقاد وحرية التدين..؟!
تبدأ القصة بمشاهدة المرأة برنامجاً في التلفزيون المصري، يتحدث عن الإعجاز العلمي في القرآن، حيث تأثرت به، وبدأت تسأل زملاءها في العمل عن هذا الموضوع الذي أهمها كمهندسة زراعية، فزودها بعضهم بإفادات ومصادر عن الموضوع، فزاد تعلقها وشغفها بالاطلاع على أسرار القرآن، وقادها ذلك إلى الهداية، وانشرح قلبها بالإسلام، فدخلت فيه سراً خوفاً من أسرتها، ومن زوجها الذي كان يعمل كاهناً في إحدى الكنائس المصرية، ولها منه ابن وابنة كلاهما جامعيان. وظلت المرأة على إسلامها سراً تصلي وتصوم وتقرأ القرآن، حتى حفظت منه سبعة عشر جزءاً، ثم عرفت ابنتها بالأمر، ومع الوقت عُرف أمرها من قِبَل أسرتها وزوجها.. وأهم من ذلك.. من قِبَل الكنيسة!
لقد كان من الممكن أن يمر الأمر كعشرات الحالات من الدخول في الإسلام سواء كان من مصريين أو أجانب، وهو ما يقره القانون المصري، إذا لم يكن عن قسر وإكراه، إلا أن المناخ الدولي المغاير، وجد من يريد استغلاله، وشاءت زعامة الكنيسة أن تصعِّد الأمر، وتصنع منه سابقة تجعل من دخول النصارى في الإسلام مشكلة، ريثما يأتي الوقت الذي يسوِّغون فيه دخول المسلمين في النصرانية بلا أي معضلة، لهذا اعتصم راعي الكنيسة في ديره حتى تُسلَّم المرأة المسلمة لكنيسته. وأخذت القضية أبعاداً خارجية، وبدأت الجاليات النصرانية المصرية في الغرب تولول على المرأة التي يمكن أن يفتح إسلامها الباب أمام المزيد من الدخول في الإسلام، باعتبار أن زوجها الكاهن لم يفلح في اقناعها بالردة عن الإسلام.
لقد تفاعلت الأحداث بابتزاز داخلي، وضغط خارجي، حتى سُلّمت المرأة للكنيسة دون أن تقوم لنصرتها حملة عالمية ولا محلية رسمية ولا شعبية، حتى أعلن النائب العام المصري بعد مدة من الحجز الكنسي (خارج إطار القانون) أن المرأة عادت إلى النصرانية ولم يبين كيف ولماذا؟!
إلى هنا انتهت قصة المرأة التي أسلمت ثم أُجبرت على التنصر، والتي وإن انتهت حكايتها كقصة مأساوية، إلا أنها لم تنته كقضية اعتقادية، تماماً مثل قضية الأفغاني المرتد عن الإسلام، التي يمكن أن تكون قد انتهت كقصة محلية، لكنها لن تنتهي كقضية دولية.
ولنا على القصتين أو القضيتين وقفات وتعليقات:
أولاً: ما حدث في أفغانستان، قابل لأن يتكرر في أي مكان من العالم الإسلامي، يرتد فيه شخص أو عدة أشخاص عن الإسلام، وسيفتح هذا باب التشجيع لكل من أراد أن يكون محوراً لحديث العالم واهتمام الغرب واحتفائه وتكريمه، والمشكلة هنا ليست في تعطيل حد الردة، فهو معطل منذ زمن، ولكن في إباحة تلك الردة وإتاحتها في ظل حماية قانونية محلية عالمية.
ثانياً: كل الحجج والمسوِّغات التي استند إليها الغرب في القيام بحملته ضد حكم الردة في الإسلام (مع أنه لا يُطبق أبداً) يمكن أن تستخدم ويُستند إليها في بقية أحكام الشريعة في الجزاءات المتعلقة بجرائم شرب الخمر والسرقة والزنا والفواحش، وغيرها من الكبائر التي تجرِّمها وتحرِّمها الشريعة، وهذا مكمن خطر مستقبلي، ومدعاة لتكرار الحملة الدولية على شريعة الإسلام في وقائع أخرى وأحكام أخرى، بذرائع مشابهة مثل: «الحرية الشخصية» .. «قسوة العقوبة» .. «ضرورة الاحتكام إلى قوانين لا دينية مدنية» .
ثالثاً: هناك حملة قادمة ضد الدساتير في العالم الإسلامي لحذف كل ما يتعلق بالشريعة منها برغم علمانيتها، والدستور الأفغاني في ظل الاحتلال، قد أشرف الأمريكيون على صياغته؛ بحيث يستبعد حاكمية الشريعة بالمرة، إلا أن بعض «الثغرات» التي تشير إلى «احترام الشريعة» من الناحية الشكلية بقيت، فثارت على أثرها هذه الضجة الدولية، وطالب الثائرون بعد حادثة المرتد بـ «تنقية» الدساتير في العالم الإسلامي من أية إشارة إلى الشريعة، وعلى هذا فإن هذه الدساتير التي وضعت، والتي ستوضع أو تعدل، ستظل قنابل موقوتة، تتفجر كلما طالبت جماهير الأمة بحقها وواجبها في الاحتكام إلى شريعة الإسلام الذي تدين به.
رابعاً: أي سيادة للدول تبقى، وأي إرادة واستقلال للشعوب يصدُق، عندما يصل «القهر الديمقراطي» ، إلى حد إجبار الحكومات على تعديل دساتيرها وتسليم رعاياها لدول أجنبية في الخارج، أو لأقليات متسلطة في الداخل، حيث يُجَرَّمُ بريء، أو يُبَرَّأُ مجرم؟ وهل نحن دخلنا بالفعل في عصر «الحكومة العالمية» التي لا تعترف إلا بمن يعترف بسيادتها وقيادتها وشريعتها؟
خامساً: عندما نقارن بين مستوى حملة النصرة التي قام بها الغرب كله «رسمياً» ، على المستوى السياسي والإعلامي للرجل الذي خرج عن الإسلام نابذاً القرآن وحاملاً الإنجيل، بالموقف «الرسمي» المتخاذل والمخزي عربياً وإسلامياً، داخلياً وخارجياً من المرأة التي أحبت القرآن حتى دخلت في الإسلام، ندرك الفارق بين منزلة الإسلام والقرآن عند قوم، ومنزلة النصرانية والإنجيل عند آخرين.
سادساً: بعض الجهات الإسلامية المحسوبة على الفقه الإسلامي «الأوروبي» انبرت تدافع عن «حق الردة» إي واللهِ.. «حق الردة» ! مرددة مقالة ضالة تزعم أن الإسلام كفل لأتباعه أن يخرجوا منه وقتما شاؤوا دونما أي مساءلة أو عقاب، وأن هذا من «حقوق الإنسان» التي أعلنها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع!!
وهذا القول الساقط، الذي تجاوزته ثقافة العوام، يجد اليوم من يردده باسم الفقه والدين؛ فإلى الله المشتكى من هؤلاء الذين يسوِّغون للطغاة طغيانهم، وللكفار كفرهم.
سابعاً: أسوأ ما في الموقف (شبه المتعاطف) مع المرتد الأفغاني، كان ذلك التصرف الذي صدر من بعض المحسوبين على العلم في مصر أثناء أزمة المرأة التي أسلمت؛ إذ صدرت وقتها تصريحات تقول: «وماذا سيستفيد المسلمون من دخول امرأة جديدة في الإسلام؟! وهل نحن في حاجة إلى مسلمين جدد، والعالم الإسلامي يزيد سكانه عن مليار مسلم..؟!!
وهو كلام لا يصدر إلا ممن لا يعرف حقيقة أن الأمة كلها مسؤولة أمام الله ـ وعلى رأسها علماؤها ـ إذا تسببوا في انتكاس إنسان عن الحق، حتى يكون مصيره مع الكافرين في النار.
ثامناً: الموقف الإعلامي في العالمين العربي والإسلامي، لم يكن له حضور يذكر في أزمة الهجوم على الشريعة المتزامن مع قضية الردة، مثلما كان الأمر أثناء أزمة الهجوم على العقيدة المتزامن مع قضية الرسوم المسيئة، والسبب فيما يظهر أن الوعي بخطورة الهجوم على الشريعة قد تضاءل لدى الشعوب من كثرة إهمالها في بلاد المسلمين في ظل الهيمنة العلمانية، وهو ما يوجب على علماء المسلمين ودعاتهم أن يعيدوا الاعتبار إلى مفهوم الشريعة بمعناها الواسع المرادف للدين، كما دل عليها قول الله ـ تعالى ـ: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: ١٨] .
تاسعاً: في الوقت الذي يحارب فيه الغربيون الأعمال الإغاثية الإسلامية وأنشطة الجمعيات الخيرية ويطاردونها في كل مكان؛ فإن أعمال التنصير من خلال المنظمات التبشيرية التنصيرية، تنشط في معظم بلاد المسلمين بلا حسيب أو رقيب، وقد كان ذلك الضال المرتد أحد ضحاياها، عندما أتيحت لها «الحرية» لتعمل على إخراج المسلمين من دينهم، أو على الأقل تشككهم فيه، باسم «الحرية الدينية» ، و «حرية التعبير» عن المعتقد.
ومن المؤسف هنا ـ بل من المفجع ـ أن نرى بعض المحسوبين على حماية الدعوة ونشرها، يسمحون بما يسمى بـ «حرية التنصير» في بلد الأزهر؛ وذلك من خلال التوقيع على وثيقة تدعو إلى ذلك، كبرهان على «سماحة الإسلام» وأنكى من هذا وأشد، أن يسمح في ذلك البلد ذاته، الذي تزيد نسبة المسلمين فيه عن ٩٠%، بقبول النِّحْلة (البهائية) كديانة معترف بها لمن اعتنقها من المواطنين، بحيث تُثَبَّت في البطاقة الشخصية أو بطاقة الهوية مع أن تلك النِّحْلة الضالة تقوم على إنكار عقيدة (ختم النبوة) بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وادعاء أن خاتم الأنبياء، هو (المرزا حسين علي) الملقب بـ (البهاء) . وقد جاء القرار بقبول واعتراف بتلك الديانة المسخ استجابة لضغوط أمريكا من خلال تقريرها السنوي عن الحرية الدينية في العالم، والذي وبخت فيه الحكومة المصرية على عدم قبولها بالحرية الدينية، وامتناعها عن الاعتراف بالطائفة البهائية!
عاشراً: كان المسوِّغ المعلن للإفراج عن المرتد من طرف دولة أفغانستان «المستقلة» أنه تبين (لعدالة المحكمة) فيها أن المتهم مختل عقلياً..!!
وهو تسويغ ربما رأى القضاة الأفغان فيه حسن تخلص من الورطة التي دخلوا فيها؛ باعتبار أنه لا يمكن أن يخرج من الإسلام مختاراً، إلا من سفه نفسه، وفقد عقله، ومع هذا فالأمر لا يخلو من مفارقة مضحكة؛ إذ كيف ثارت كل هذه الضجة في الغرب، حتى صارت أشبه بمقدمات إعلان الحرب، من أجل «مجنون» ؟!
ألأجل هذا (المجنون) هُددت أفغانستان بقطع المعونات، وإغلاق السفارات وسحب القوات وفرض العقوبات؟!.. ولأجل جنونه وسواد عينيه تبرع «العقلاء» في إيطاليا بمنحه (حق اللجوء السياسي) قبل أن يعود إلى عقله، بعودته إلى دينه؟!
أحقاً كل هذا من أجل مجنون؟!
اللهم احفظ علينا عقولنا..!