للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جراح ما زالت نازفة]

عائلة فلسطينية قدمت أروع صور الصمود في مجاهدة العدو

مصطفى صبري

نماذج التضحية والعطاء في ظل الاحتلال الصهيوني للأرض والمقدسات أخذت أشكالاً وألواناً من العذاب يصعب على الإنسان تخيله، إلا أن صور الصمود الفريد للمواطن الفلسطيني أصبحت منقوشة في الذاكرة وسجل الواقع.

عائلة الشوابكة وهي عائلة فلسطينية شردها الاحتلال الصهيوني كغيرها من العائلات الفلسطينية في فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨م؛ فبعد أن كانت آمنة في موطنها بالقرب من منطقة هرتسيليا وسط فلسطين المحتله كانت على موعد مع التشريد والتشتت في محافظات الضفة الغربية في قلقيلية ونابلس والخليل وجنين.

لم تتوقف معاناة تلك العائلة بالتشريد عام ١٩٤٨م، بل كانت محطة المقاومة في النكبة والنكسة والأسرى في انتفاضة الأقصى ممن نحسبهم شهداء والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحداً.

عاهد الشوبكي ٥٥ عاماً يعمل مدرساً وهو أب لأسيرين، يقول وهو يصف محطات الشهادة والأسر لعائلته: في ٢٢/١١/١٩٤٧م كانت العائلة القاطنة في منطقة هرتسيليا عام ١٩٤٨م على موعد مع قدرها بعد أن قامت عصابات الصهاينة، وهي منظمات شتيرن والهاغاناه، بإعدام خمسة من أفراد العائلة وهم: بديع سلمان شوبكي وكان عمره ٢٤ عاماً وترك طفلين وشقيقه سامي ٢٢ عاماً وكان متزوجاً، وابن عمه وديع أحمد الشوبكي ٢٢ عاماً وله طفلان، وصابر أحمد الشوبكي ٢٤ عاماً وله طفل واحد.

يتوقف عاهد عن الكلام بعد أن تذكر أشقاءه وأبناء عمه كيف ذُبحوا كما تذبح الخراف أمام اعين العائلة التي كانت تحاول التشبث بأرض الأجداد والآباء. ويواصل الحديث قائلاً: بعد هذه الحادثة كانت محطة التشريد إلى المناطق المجاورة وهي منطقة بيار عدس ومسكة والطيرة، ومن ثم إلى قلقيلية ونابلس والخليل وجنين، وقسم هاجر مضطراً إلى الأردن.

وفي عام النكسة ١٩٦٧م كانت العائلة على موعد مع القدر، حيث ارتقى ثلاثة من أفراد العائلة ممن نحسبهم شهداء عندما أعدمهم الجيش الصهيوني أثناء احتلاله للضفة الغربية، وهم: أحمد سلامة الشوبكي الذي استشهد شرق نابلس، ومحمود شوبكي استشهد شرق قلقيلية، وأحمد محسن محمد شوبكي استشهد في منطقة نابلس. وقال عاهد وهو يتذكر أبناء العمومة الشهداء والأسرى: لم تكن محطة التشريد والمعاناة آخر المطاف للعائلة، بل كانت محطة الأسرى من أشد المحطات تاثيراً على واقع العائلة؛ فبعد احتلال الضفة الغربية بأشهر اعتقل كل من سامي شوبكي وشقيقه طالب؛ حيث أمضيا داخل السجن ١٨ عاماً وخرجوا في عملية التبادل في منتصف الثمانينيات.

` محطة الانتفاضة:

في انتفاضة الأقصى الحالية كانت العائلة على موعد مع الاعتقال للأبناء الصغار؛ فبعد الشهداء في النكبة والنكسة كانت محطة الاعتقال في انتفاضة الأقصى حيث تعرضت منازل العائلة الكائنة في شرق قلقيلية شمال الضفة الغربية للمداهمة والاعتقال الجماعي للجميع بما فيهم النساء والأطفال وكبار السن بحثاً عن شباب العائلة المتهمين بضلوعهم في عمليات مقاومة ضد الاحتلال الصهيوني.

ويضيف المواطن عاهد: في هذه الانتفاضة خمسة أفراد من العائلة داخل الأسر وهم: عمار عاهد شوبكي ٢٢ عاماً في سجن جلبوع، وشقيقه ربيع ٢٤ عاماً محكوم ست سنوات في سجن النقب، والأشقاء الثلاثة وهم سامح سمير شوبكي ٢٤ عاماً في سجن مجدو، ومحمد ٢٥ عاماً موقوف، ومؤيد ٢٤ عاماً في الاعتقال الإداري، وابن عمهم رياض حلمي شوبكي في سجن النقب.

وبالرغم من هذه الجراح النازفة لهذه العائلة الصابرة منذ النكبة إلى يومنا هذا يضيف المواطن عاهد بمعنويات عالية: عند زيارتي للأسرى في السجون شاهدت وقابلت العديد من أبناء الشعب الفلسطيني ممن سجلوا أروع صور الصبر والتحدي؛ فخلال زيارتي لسجن جلبوع شمال فلسطين وجدت شخصاً فقد ثلاثة اولاد شهداء وهدم منزله، ولديه ثلاثة أبناء داخل الأسر، ومعنوياته عالية، بل يحاول مواساة الآخرين وحثهم على الصبر والإيمان بقدر الله وقضائه.

واستذكر المواطن عاهد موقف أحد الأسرى وهو داخل محكمة صهيونية تزامنت محكمته مع محكمة أنجاله عندما حكم على ذلك الأسير بالحكم المؤبد، إلا أن رد الأسير على هذا الحكم كان الهدوء والطمأنينة، وطلب الأسير من القاضي طلباً بحيث يسمح له بالحديث مع أسرته التي كانت موجودة عندما قال لهم بعد أن صدر الحكم: هذا حكم الله وليس حكم القاضي الصهيوني؛ إنما هذا القاضي أداة، وسياتي اليوم الذي نحكم فيه هؤلاء الصهاينة، وستكون الكلمة للمؤمنين؛ لأن العاقبة للمتقين. عندها ضجت المحكمة بالتكبير، وجُن جنون القاضي الصهيوني الذي بادر بإخراج الأسير من المحكمة بعد أن تغيرت ألوان وجهه بعدد ألوان الطيف الشمسي من شدة الموقف


(*) صحفي فلسطيني.