تأملات دعوية
[نقد نقد الخطاب الدعوي]
محمد بن عبد الله الدويش
[email protected]
في الآونة الأخيرة شاعت ظاهرة نقد الخطاب الدعوي والمراجعات، ولا شك
أن النقد في أصله ظاهرة صحية، وأن الخطاب الدعوي عمل بشري لا يوصله
للعصمة صفاء نية أصحابه وسلامة مقصدهم.
كما أن الخطاب الدعوي استفاد كثيراً من المراجعات والقراءات النقدية، وهو
بحاجة إلى المزيد.
لكن القراءات النقدية للخطاب الدعوي هي الأخرى عمل بشري، وسلامة
مقصد أصحابها لا يلزم منها بالضرورة سلامة النتيجة.
وها هنا بعض الوقفات حول هذه الظاهرة:
١ - من يتأمل هذه الظاهرة يجد أنها في حالات كثيرة تنطلق من ردة فعل
وتتجاوز الاعتدال، فتكون فيها مبالغات غير مقبولة؛ إما في تصوير حجم الخطأ،
وإما دائرة انتشاره.
٢ - مما تثيره القراءات النقدية للخطاب الدعوي غياب العقلانية
والموضوعية، وهذا لم يسلم منه الخطاب النقدي نفسه؛ فهو كثيراً ما يطلق ألفاظاً
عامة، ويتحدث عن انطباعات شخصية يعتبرها تقويماً للواقع الدعوي، ولو بحثت
عن دراسة نقدية علمية موضوعية تحلل محتوى الخطاب الدعوي بعيداً عن الذاتية
والتحيز؛ فسيندر أن تجد ذلك، وأولى الناس بتقديم هذه الدراسة هم المنتقدون.
٣ - كثير من القراءات النقدية تنظر بعين واحدة، وتصور الخطاب الدعوي
بمجموعه على أنه سطحي وساذج وعاطفي ومندفع وإقصائي ... إلخ.
وأعتقد أنه بقدر ما توجد هذه الظواهر، فالواقع العملي ونتائج الخطاب
الدعوي وقدرته على التأثير أمور لا ينبغي أن تُغفل، وإذا كان الخطاب النقدي يتهم
الخطاب الدعوي بغياب الموضوعية فليكن موضوعياً في نقده، وليذكر الصور
الإيجابية والمشرقة.
٤ - يتهم الخطاب النقدي الخطاب الدعوي بأنه لا يملك مشروعات عملية،
فهو لا يملك مشروعات سياسية ولا برامج اجتماعية ولا مشروعات في قضية المرأة!
وهو حديث نسمعه من سنين، ومع الإيمان بوجود خلل في ذلك، إلا أن كثيراً من
محترفي انتقاد الخطاب الدعوي هم الآخرون لم يقدموا شيئاً سوى إسقاط الوضع
القائم، فهم ينتقدون الوسائل الدعوية بسطحيتها وسذاجتها دون أن يقدموا برامج
عملية واقعية تتجاوز السذاجة والسطحية، ويتهمون الخطاب الدعوي بعدم التجديد
وهم لم يأتوا بجديد، وخير وسيلة لإقناع الناس بأفكارنا أن نقدم مشروعات عملية
واقعية يرونها بأعينهم.
٥ - حين نقوِّم الخطاب الدعوي؛ فلا يسوغ أن نتعامل معه على أنه مجرد
ظاهرة فكرية، بل هو مشروع إصلاحي لا يمثل الجانب الفكري إلا أحد جوانبه،
وهو يسعى إلى مخاطبة الناس جميعاً العامة والخاصة، المتعلم والجاهل، ومن هنا
فليس بالضرورة أن يكون كل هذا الخطاب الدعوي نخبوياً، بل لا بد أن يبقى قدر
منه لا يستهان به يتناول الجماهير والعامة.
والخلاصة أننا بحاجة إلى نقد الخطاب الدعوي وتقويمه ومراجعته، لكن هذه
الحاجة لا تعفينا من الاعتدال، ولا تكفي وحدها لتعطي المشروعية لأي لون من
ألوان النقد.