الافتتاحية
رمضان.. موسم المراجعة
بحلول شهر رمضان المبارك من هذا العام؛ تكون مجلة (البيان) قد أشرفت
على نهاية عامها الأول، وفي هذه المناسبة الكريمة - مناسبة حلول هذا الشهر
الكريم - يستطيب للمسلم أن يجعل من رمضان علامة يقف عندها في مسيرته،
فيحاسب نفسه، ويضع خطة العمل للمستقبل.
وإنها لعادة حسنة، وعرف طيب للمسلمين، أن يتخذوا من رمضان
مغلاقاً لفترة مضت، ومفتاحاً لفترة أقبلت، فعلى حين يختم غير المسلم سنة من عمره ويفتتح سنة أخرى بالعربدة، والاستغراق في الشهوات والمعاصي، ومحاربة الله تعالى، وتعدي حدوده ومحارمه فإن المسلم شأنه شأن آخر: خشوع وإخبات، وقيام بحق الله من العبادة والشكر، وتضرع إليه تعالى ليتقبل الطاعات، ويتجاوز عن السيئات، ويسدد الخطا، وينير السبيل لعباده فيما يستقبلون من أيام.
وقد كان رمضان - ومازال - موسماً من مواسم الخير يغتنمه الأتقياء
للاستزادة من صالح العمل، ويلقي بظله الظليل على العصاة والغافلين، فيتوبون،
ويعاهدون ربهم على الإقلاع عما هم فيه، وقد يصدقون العهد، وقد يفشلون ويقعون
في مهاوي الغفلة والنسيان، فالسعيد السعيد من جعل رمضان مجدداً للعزم والطاعة، وحافزاً للتمسك بحبل الله، وفرصة يتزود فيها بزاد التقوى، والشقي الخاسر من
مرَّ به رمضان كغيره من الشهور، لم يُعِرْهُ التفاتاً، ولم يتعرض لنفحات الله -عز
وجل- فيه.
وكما وعدنا قراءنا الكرام، عند صدور العدد الأول من هذه المجلة، فإننا
نريد أن نشركهم في تجربتنا، ونطلعهم على طرف من معاناتنا.
وانطلاقاً من ذلك فإننا سنبوح لهم ببعض الصعوبات التي واجهتنا،
وتواجهنا.
١- أول هذه الصعوبات أننا نعمل في ظروف غير طبيعية، حيث لم
نستكمل بعد كثيراً مما يتطلبه مثل هذا العمل.
٢- إن مخاطبة القارىء العربي من وراء الحدود، تربو في صعوبتها
على مخاطبته من داخل الحدود في مثل هذه الظروف الشاقة التي تحيط بنا، حيث قد وضعنا نصب أعيننا هدفاً، هو الحرص على أن تصل (البيان) إلى كل عربي، وتخاطب كل معنِيٍّ بالدعوة الإسلامية أينما وجد.
وقد حاولت تحقيق الغاية المرجوة قلباً وقالباً، شكلاً ومضموناً، ولذلك فقد
مارسنا رقابة ذاتية مضنية لتجنب مواقع الخلل ومواطن الضعف، حتى تصل
الكلمة المخلصة النظيفة التي تكون لبنة بناء لا معول هدم.
٣-إن حمى الفرقة والانشطار قد ضربت كل شيء في العالم الإسلامي، ولم
ينج منها [إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ] ، وانعكس هذا الداء الخطير على العاملين في حقل
الدعوة الإسلامية، وذلك بسبب غياب المنهج الصارم، والنظرة الواضحة المحددة
التي تقوّم بها الأمور، فما يكاد صوت يرتفع بهذه الدعوة حتى تتعالى الصيحات
والاستفسارات مشككة أو مشاغبة دون دليل أو برهان.
قد وجدنا - وسنجد - صعوبة واضحة وبسيطة، وهي: أننا لسنا دعاة
تعصب وتحزب، وليس من همنا مهاجمة هذه الجهة، أو تلك، ولا نعتقد أن
إضاعة الجهود في مثل ذلك مما يعود على المسلمين بالعزة والمنعة، وأن مجال
عملنا هو الدعوة إلى الله على بصيرة متمثلة بمنهج أهل السنة والجماعة الذي نعتقده
أنه هو المنهج الوسط الذي لا إفراط فيه، ولا تفريط، لا تطرف، ولا تهاون،
وكل دعوة أو منهج - بخلاف ذلك - فهو حائد إلى إحدى الجهتين: غلو، أو تحلل.
وإننا - على الرغم من كل الصعاب والمشكلات التي تواجهنا - ماضون
بعون الله في طريقنا، تحدونا آمال كبيرة، ويدفعنا التفاؤل إلى الأفضل، ولعل
القارئ الكريم يلحظ أن هناك تطوراً ملموساً في المجلة شكلاً ومضموناً، ونسأل
الله أن يأخذ بيدنا كي تصدر المجلة كل شهر، فالساحة الإسلامية تدعو إلى ذلك، وعلى الرغم من سوء الواقع، وكثرة المشاكل التي يرزح تحتها الجسم الإسلامي؛ فإن هناك ما يدعو إلى مضاعفة الجهد من أجل بث الوعي الإسلامي
والتعريف بالإسلام.
فالحضارة الغربية بشقيها -الرأسمالي والشيوعي- تبدو مفلسة لا معنى لها،
والمؤمن الذي يبصر بنور الله يرى ذلك ماثلاً للعيان، فشبح الزوال يحيط بهذه
الحضارة التي تفننت في ابتكار وسائل الرخاء المادي تفننها في ابتكار وسائل
التدمير، ولكنها لم تكتف أن عجزت عن تقديم شيء يداوي الروح المريضة،
ويبعث في النفس القلقة السكينة والراحة؛ بل قتلت هذه الروح، وعاشت جسماً
ضخماً يبعث الرهبة والفزع، ويحيط به العبث والخواء.
ومن جهة أخرى، فالعالم الإسلامي يتطلع إلى البديل الذي ينقذه مما عانى -
ويعاني- في ظل الأفكار غير الإسلامية، فقد مل الكبت والقهر الذي فرض عليه
من قِبل القوى الغاشمة ورموزها، وأدرك أن الأمم التي تستورد الأفكار مصيرها أن
تستجدي الغذاء والكساء وأسباب البقاء ممن لا يجود به لله، بل ابتغاء مطامع
ومكاسب، وإلا فمصيرها الاندثار والزوال، وأنه لا عاصم لهذه الأمم من هذه
النهاية البائسة، إلا أن ترجع إلى ربها، تطلب منه العون والسداد، وتثوب إلى
عقيدتها المهجورة، تستمد منها دليل العمل.
وإننا لنرى أصداء العودة تتردد في كل الجهات: على لسان الأصدقاء،
مشجعين مستبشرين، وعلى لسان الأعداء، محذرين ومتذمرين. [وإن تَصْبِرُوا
وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وإن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا
يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ] [ال عمران: ١٢٠] .