للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

مجزرة الدم الأرخص ...

وزعامات الورق!

د. عبد الله عمر سلطان

في غمرة الفرح الطاغي وثنايا الانتصار الذي أعمى وأصم، خرجت يرقات

«السلام» الذليل تعلن للدنيا وتملأ الكون هتافاً أن أهلاً (بالعصر الإسرائيلي)

وأدواته، وأن عاش الذئب الصهيوني مادام أزلام القضية قد نجحوا في توقيع اتفاق

البيت الأبيض الذي ستتم بموجبه عملية جز الرقاب برعاية (الجزار الأمريكي)

«راعي السلام» ... نعم إنه السلام الذي لا حرب بعده أبداً والتعايش الذي لا يعكر صفوه «المتطرفون والأصوليون والمتعطشون للدماء» وما هي إلا بُرهة خاطفة من عمر الزمن حتى اكتسب «سلام الصَغَار» صفة القدسية وارتفع بهامته إلى مكانة المُشّرع الحكيم، فإذا فكر فلسطيني مشرد منذ نصف قرن عن موطئ قدم له في ظل (كانتون غزة أريحا) صرخ في وجهه غراب الصفقة «عدوي عدو السلام» ! وإذا ما تساءل مقدسي محروق القلب محطم الخاطر عن مصير القدس، تصدى له المتحدث الرسمي باسم معسكر السلام «إن هذا التساؤل حق يراد به باطل، يراد به تعكير جو السلام!» وإذا ما تحدثت المصادر الإسرائيلية المسيطرة على تنفيذ الاتفاق وتفسيره على هواها الضال عن تعاون مخابراتي وأمني لملاحقة كل من يعكر صفو أمن الصهاينة ونُقل هذا الاتفاق إلى العرب المنكسرين، لم يجد إنكشارية السلام الجدد من حرج في أن يبرروا هذا الاتفاق بأنه «لمصلحة العملية السلمية الجديدة» ! .

كل الخيانات وفقدان الذمة والحياء وإراقة ماء الوجه وكسر الظهور وهي

راكعة لعجل بني إسرائيل الجديد، كانت تتم في ضوء النهار بعد أن كانت حبيسة

الغرف المغلقة والاتصالات السرية، لم يعد هناك شك أو تساؤل في أن «سلام

الصهاينة» أصبح القاسم المشترك لكل من يريد أن يُطأطئ رأسه ليسير في جادة

(النظام العالمي الجديد) المشؤومة، ولم يعد هناك صوت يعلو فوق صوت

«السلام» أو قضية تحدد الولاء والبراء سوى مذهب السلام العاتي، إذا كنت من المشيدين بالسلام على الطريقة (الرابينية) فأنت واقعي معتدل بعيد النظر، وإن كنت ممن يبدي حوله أي تحفظ فأنت راديكالي رجعي بشع ... إن كنت قد شاركت في «الدبكة العرفاتية» ورقصت فيها طوعاً أو كُرهاً فأنت إذاً (شرق أوسطي) متفتح وعقلاني غير مؤدلج، وإن كنت اكتفيت بمشاهدة هذا (الصَرَع السياسي) فلا بد أنك (أيدلوجي شعاري إسلاموي محنط) ! !

المرحلة لا تحتمل القسمة على اثنين، المرحلة لا تعرف إلا رقماً واحداً

وعنواناً يتيماً «السلام» وأنصاره و «التعايش» مع اليهود ومؤيديه، حتى لو

حُشر في هذا الطابور المنافقون والمرتعدون والمنهزمون والشواذ والمتاجرون

والراقصون على كل جرح من جراح شعوبهم، فأمريكا أيها السادة لها وكيل اسمة

«إسرائيل» ، وإسرائيل يا رعاكم الله قد أصبح لها وكلاء محليون، فالسند متصل

لا انقطاع فيه، من ساند سدنة السلام العرب كان له حبل مودة مع سادة صهيون،

ومن ناصر هؤلاء فله قدم سبق مع السادة الكبار هناك خلف بحر الظلمات الأطلنطي، ومن هنا تتضح معالم المرحلة، مرحلة السلام الصهيوني الصليبي الذي أصبح

عجلاً يعبد، ووثناً تحرق بخور الباطل من حوله.

لكن عروقاً تنبض بالحق، وتأبى أن تُغَلف بالدولار الأخضر، وقفت تحذر

من هذا السلام الهزيل، وتلك الهجمة الباغية، وقف صوت يقول في يوم توقيع

الصك المخزي ليرسم لوحة مبصرة في وجه ضجيج وبريق وموسيقى صهيون

ومعسكرها الناطق باللغات الثلاث: العبرية والعربية والإنكليزية وقف وهو لا يملك

سوى قلماً خط قصيدة تقول

سينبت هذا السلام الدمار

ويوقد في كل ناحية ألف نار

حذار.. حذار

فإن يهود تعاهد في الصبح عهداً

لتنبذه في المساء

وتبرم ميثاقها في المساء

لتنقضه في الصباح

وما عرفت مرة بوفاء

وما عرفت ذات يوم بحسن الجوار

حذار من الإنهيار

بزيف انتشار، ووهم انتصار [١]

لكن القائد الهرم والمنتفش بالوهم والزيف أصر، وأقسم بأن يمضي إلى نهاية

الطريق الموحش، فأنبت لنا غابة من (هتافة التهريج) ، ومروجي التطبيع الذين

خلت لهم الساحة فأطلقوا العنان لألسنتهم الجبانة، وأقلامهم المأجورة وضمائرهم

التي طالما تقلبت في ولاءاتها في سوق النخاسة، خلا لهم الجو حيناً ثم فاجأهم هول

أتى من جهة الأرض المقدسة، فأخرسهم دوي الرصاص في فجر الخامس عشر من

رمضان ليصرخ دم المصلين في محراب (المسجد الإبراهيمي) ، فإذا المأجورون

عراة إلا من الخسة، وجوعى إلا من فتات الموائد، خائفين من شعوبهم التي

مارسوا في حقها الشعوذة السياسية والعقدية.

لقد كان معسكر «سلام الصَغَار» صَغَاراً حقاً، أمام حقائق رمضان ومشاهد

السجود والركع الغارقين في دمائهم، وشموخ المساجد التي انتهكها حلفاؤهم

الصهاينة بحماية الرصاص الأمريكي.

ماذا بقي لهم أن يدافعوا عنه، هذه حليفتهم أمريكا تبدوالشريك الكامل في «

الإرهاب البشع» الذي وصل ذروته في مجزرة الخليل، فالقاتل أمريكي وسلاحه

أمريكي، وتمويله أمريكي، أما الصهاينة بقيادة رابين فقد شاركوا في المذبحة

مباشرة من خلال جيشهم الذي حصد من أرواح المسلمين هناك عشرات بل مئات

القتلى الأبرياء والصامدين، وتحصن المعتدون بصياحهم أحياناً أخرى كثيرة

يمارسون الاغتيال حتى في حق الأطفال الذين سرقوا من عيونهم الفرحة وبراءة

الطفولة، لقد شاءت إرادة الله أن تُظهر المجرمين وأيديهم ملطخة بدم المصلين

الركع السجود، وقد حمل كل ضالع في هذا المشهد المقزز جرمه أمام العالم، ثم

أمام هذه الأمة المصابرة المذبوحة كل نهار، ولم يكن رصاص (باروخ جولدشتاين)

سوى المشهد الأخير من مسرحية السلام الصهيوني ورايته السوداء الموغلة في

الخسة، وما أحرانا أن نقف أمام بعض دلالات الجريمة وتداعياتها بعد أن عرفنا

تفاصيلها السردية، وبعد أن استشعرنا حجم «الاستغفال والاستنذال» الذي مُورس

على الجماهير العربية والمسلمة والذي أطلق عليه «عملية التطبيع» ، هذه

الجريمة التي قادتها مجموعات وقوى معينة تسعى إلى تمكين الاختراق الصهيوني

من عمقنا الجغرافي والشعبي، وبدا واضحاً أن هذه القوى التي تطبعت تريد أن

ترى سواد الأمة قد تطبع وهم يمنون أنفسهم بالواقع الذي تصدق عليه المثل «بال

حمار فاستبالت أحمره» .

الدم الأرخص:

كأن النظام العالمي الجديد قد حدد تسعيرة الدم الإنساني ونجح في ذلك أيما

نجاح، الدم المسلم بلا ريب هو الأرخص والروح المسلمة هي المستهدفة في

مسلسل العدوان المحتدم منذ انهيار الحرب الباردة، ولابد للعالم المتحضر

ولحضارته الغربية أن يذرف دموع التماسيح ويتظاهر بالاهتمام حينما تقع المجازر

المروعة لتأكيد تحضره وأصوله المهذبة، فمذابح سراييفو وكشمير وفلسطين

وبورما والصومال وطاجيكستان تلقى اهتماماً صوتيا/إعلامياً قصير المدى ثم يوأد

بانتظار المجزرة المقبلة، إن هذا الاستهتار بهذا الدم المسلم يبرز من خلال ممارسة

الأمم الصليبية المتحدة التي يرأسها البطرس العربي اللسان النصراني الجنان،

ويكفي أن نستعرض آلية عمل هذه الهيئة تجاه مجزرة الخليل التي استمرت

مناقشات مجلس الأمن الظالم حولها أسابيع دون إصدار حتى قرار يدين مجزرة هي

الأبشع في التاريخ الإنساني المعاصر، ثم تَحّجُم هذه المؤسسة «الإنسانية جداً»

عن إدانة الهند عن ممارساتها في كشمير بالرغم من أن الهند دولة محتلة لهذا الإقليم

بموجب قراراتها الشكلية التي لا تعرف التطبيق الفوري والحرفي إلا على أجسادنا

وفوق أراضينا المستباحة.

أزهد الأرواح عندها أرواحنا، وأبخس الدماء دماؤنا، وأثمن الرصاص هو

المزروع في أجسادنا نبالماً وقنابل إنشطارية وأخرى «ذكية» ، أما إذا كان

المستهدف على أرضنا عصابة مسلحة ومليشيا تمنع الطعام حتى عن مناصريها،

فإن هذه الأمم المتحدة ضدنا تشمر عن ساعد الجد والنشاط فتصدر القرارات في

ظرف ساعات لأن الضحية نصراني مزروع في خاصرتنا كما هو الحال مع

الصليبي (جون جرنج) الذي أرسلت الأمم المتحدة مبعوثاً دولياً لمراقبة «حقوق

الإنسان الصليبي» فلم يجد بأساً من مهاجمة الإسلام «البربري» الذي يميز بين

البشر حسب معتقدهم (كما يرى) بينما تميز شرعة الغاب وذراعها المرعب بين

الأجساد المسلمة وتلك الكافرة فترمي الأولى بالمجازر وتلاحق أبرياءها بقرارات

الحصار والتجويع والرعب! ! وتشجع الأخرى بالمال والسلاح والدعم الإعلامي

المستمر.

لقد تحولت بوصلة الصراع في عمقنا الشعبي من صراع أوطان ونزال

عناصر إلى الحقيقة الذاهلة الشاردة حيناً من الزمن، فإذا بالشعوب تدرك مع مطلع

كل مجزرة وأنباء كل حصار أنها مستهدفة لإسلامها وعقيدتها، وأن القائمة التي

كانت تستهدف حدودها الشرقية اليوم ستنال من نواحيها الغربية غداً أو عمقها

الأوسط بعد غد، فالهجمة مستعرة ولا تعرف لدمويتها حداً، أرخص الدماء اليوم

سيكون له ثمن غداً، حينما يسيل في بقاع لم تكن تعرف من دينها سوى مظاهر

شكلية أو مناسبات موسمية، فتنقلب الدماء إلى وقود والأجساد الهائمة إلى شموع

توحيد، والمجازر المتتالية إلى صواعق كهربائية تبث في الأوصال الميتة ذرات

الإيمان المتوهج.

الغرب اليوم في ظل هجمته الشرسة يستخدم أسلحة المقاطعة الاقتصادية

والحرب النفسية، ويبرمج لإحداث زلازل سياسية وأزمات اقتصادية خانقة تصب

في النهاية في مصلحته، ولا يمكن أن نجد سائلاً أرخص من الدم المسلم هذه

اللحظة سوى «النفط العربي» الذي وصل سعره إلى أدنى مستوى منذ حرب

(٧٣ م) ، أليس من المستغرب حقاً أن تكون ثروة الأمة البشرية والمادية هدفاً مستباحاً ومباشراً في ظل هذا التردي المفجع؟ !

كلهم جولدشتاين:

أظهرت تحقيقات (اللجنة الصهيونية المُشَكّلَة) للتحقيق في المجزرة الوجه

البشع لهذه الصهيونية المغروسة دولياً المدعومة من قبل الدول الكبرى المتكالبة على

القصعة المستباحة، حاكم الخليل «الجنرال جولدشتاين» قال: إن هناك توتراً

أمنياً متصاعداً منذ أكثر من عام وأنه نبه إلى ضرورة ضبط «المستوطنين» حتى

لا يحدث ما لا تحمد عقباه.

جميلة هذه الديموقراطية الإسرائيلية الخائفة على دماء بني الإسلام في الخليل، ورائعة هذه الشهادات الإنسانية للدولة الديموقراطية الوحيدة وسط قطيع العرب

الهمج! !

ما لا تحمد عقباه، ترجمه جنود «جولدشتاين» الثاني قائد منطقة الخليل

بأكثر من اثنتي عشر صفحة سقطوا وهم في ريعان الشباب بعد المجزرة، أما أرقام

الضحايا الذين سقطوا قبل المجزرة بقيادة «جولدشتاين العاقل» فلا تقل قطعاً عن

عدد ضحايا ذلك المأفون المجنون.

وبين «العاقل» و «المجنون» علينا أن نصالح «الجنون» اليهودي الذي

يريد رابين ومن خلال مؤسسته الصهيونية أن يصنع سلاماً معنا، بموجب «روح

السلام» وقوانينه يجوز لجيش رابين وجولدشتاين الثاني أن يمزق أجساد النساء

والشيوخ والأبرياء بلا تحفظ، فالضحايا هم من الأصوليين المتطرفين أعداء السلام، ... ويجوز لجولدشتاين الأول وزمرة المستوطنين أن يصطادوا ضحايا «جيش

الدفاع» حين يستفز المصلين في حرم الأقصى، ويطلق رصاص رشاشه تجاه أي فلسطيني لا يروق له مظهره، ويمتهن كرامة المصلين، ويقوم على تحطيم سياراتهم وقلب بسطات الخضار المتواضعة لمزارعي الخليل، وبموجب قوانين «جولدشتاين» الأول والثاني ... والعاشر، فإن إزهاق روح مستوطن مجرم جريمة تحتل عناوين الأخبار، ويندد بها العالم القذر المتواطئ، وتصبح بضاعة الدمية العرفاتية الذي شاءت الأقدار أن يكون آخر تصريحاته الاستسلامية قبل المذبحة أن يندد بقتل مستوطن إسرائيلي على أيدي المجاهدين الذين لم يزالوا يتمسكون بحقوقهم، ويدافعون عن مقدساتهم حتى ولو بسكين أو ساطور.

«قانون جولدشتاين» الذي ابتكرته الصهيونية السياسية بقيادة «جولدشتاين

الأكبر» الذي يتولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية يقتضي توزيع الأدوار بين الحمائم

والصقور والمعتدلين والمتطرفين، ورصاص جيش يهود ورصاص المستوطنين،

وفي كل الأحوال تبقى الضحية هي الضحية والهدف هو اجتثاث الوجود العقدي

والبشري لأهل الإسلام في البقعة المباركة، ومحاصرة المد الإسلامي المنتشر مع

كل هجمة شرسة وكل سقوط درامي لقيادات العلمنة والتطبيع، هذه القيادات وخلفها

الحيات والعقارب الإعلامية التي تريد أن تفرض على الشعوب السلام مع أعداء الله

من اليهود، وتصر على أن المغضوب عليهم أبناء عمومة، وأن قتلة الأنبياء شرق

أوسطيون مثلنا، وأن أخوة القردة والخنازير شركاء لنا في الآلام والآمال.

القضية هنا أن المؤسسة الإعلامية والسياسية العربية تريد أن تمارس الكذب

وغسيل الأدمغة بمحاليل مغشوشة ومنتجات رديئة، تجعلها في نظر الساذج البسيط

قليلة الحياء، عديمة الذمة، فنص الكتاب وصحيح السنة لا ينالهما عشرات

المهرجانات التطبيعية أو الحملات المتصهينة، مهما قبض القائمون عليها من ثمن

ثم زعموا لسادتهم أنها ناجحة!

وإذا الشعوب سئلت:

ونحن نعيش هول المأساة ومع حالة الذهول التي عمت عالمنا العربي

والإسلامي، خرجت الشعوب المسلمة لتقول كلمتها دون رتوش وفي غياب مقص

الرقيب، لقد كانت الغضبة الشعبية العارمة رسالة أخرى، تؤكد هوية الصراع،

وتُذكّر بمضامين المواجهة، فالمسلمون في أقاصي الأرخبيل الأندونيسي وفي قرى

سومطرة خرجوا في تظاهرات عارمة ليقولوا أنهم لايزالون أحياء وأن ما يحركهم

هو جرح الإسلام النازف، بالرغم من كل محاولات التنويم المغناطيسي والتطبيع

الإعلامي الذي يحاول أن يمهد لعملية الاستسلام الكبير، وما كانت هذه المظاهرة إلا

واحدة من عشرات المشاهد المتتالية في أكثر من موقع وفي أكثر من بلد، وقد

خرجت لتقول وتعبر عن حجم الفاجعة، كما عبرت عن وحدة المسلمين في بقاع

الأرض وتكوينهم العقدي وأن آيات الكتاب وبشارات الرسول-صلى الله عليه

وسلم-هي التي تحرك المسلم للهم المشترك وتدعوه لرفض التطبيع وكأن قائلهم

يصرخ:

«حذار.. حذار

فإن بشارتنا في الكتاب

الذي يريدون

أن يطمسوا نوره من قلوب الصغار

ويلغوا أحكامه من حياة الكبار

فيغدو تما تم للمائعين

ويعوذ تعاويذ للخائفين

وما كان إلا العقيدة، إلا الشريعة

إلا الشعيرة.. إلا الشعار

برغم التقول، رغم التأول، رغم الحصار!»

لقد عم الشارع المسلم عموماً والعربي خصوصاً حالة من «القرف» من هذا

الوضع المزري، فقامت الشعوب لتقول كلمتها، قامت السيدة الفلسطينية لتقول

لمراسل المحطة الأمريكية: «أين عرفات؟ هل استطاع أن ينال أريحا أو غزة

كما وعدوه؟ هل يستحق أن أهتف باسمه حتى اليوم؟ لقد رأى اليهود أنه باع

القدس، وصمت في خزي فتجرأوا على الخليل، القدس والخليل لن تتحرر بعرفات

و ( ... ) إنها لن تتحرر إلا بالإسلام» .

كانت العجوز الفلسطينية تقول بلسان الحال لهذا المراسل:

حذار.. فلو أنكم للسلام دفعتم أعز ثمن

وسقتم عليه الثرى والثريا شهوداً

وأجلب إبليس بالجند ينعق:

«عشنا..

وعاشت يهود

وعاش الوطن»

ولو أنكم للسلام سعيتم

بتقتيل كل غيور وتقطيع كل أغر

بتعقيم كل النساء

بتجفيف كل البحار

ستخرج هذي المحار

جنوداً، يقدون من وهج الشمس

فجر نهار

ويعقب هذا السلام دمار

ويرقد في كل ناحية ألف نار

ويرجع للصابرين الوطن

ويصرع سيف الجهاد الوثن

ويعذب ماء

وتزهو ظلال.. بأهل ودار

نعم.. لقد خرجت جماهير فلسطين داخل حدود ١٩٤٨م وهي تنادي بإسلامها

وأنها جزء من الكيان الكبير، فقتل مواطن في النقب التي ثارت لأول مرة، كما

شهدت مدن الناصرة وأم الفحم (أم النور) ومناطق الجليل أوسع انتقاضة شعبية

معبرة عن الذي يجول في نفوس الشعوب التي أقحمت في أتون التطبيع مع أعدائها، ويراد منها أن تكون الدواب التي تركبها بني إسرائيل كما هو المفهوم الصهيوني

الذي لا يوجد من ينازله ويصده سوى آيات الكتاب التي في الصدور المؤمنة والتي

ترفض هذا التعايش التعس الذي تصر قيادات العلمنة على وصفه بأنه تعايش رائع

يلخصه الكاهن الذي أبن المجرم جولدشتاين بقوله «إن مائة مليون عربي لا

يساوون ظفر يهودي واحد» ، وهذا ما ترجمه مئات من الذين شيعوا جثمانه بقولهم

«كلنا جولدشتاين» ، أما شعوبنا فقد قالت بصوت واحد «ألا لعنة الله على

المستسلمين.

زعامات الورق:

المأزق الذي تعيشه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مؤشر لمدى الإنحدار في

أسلوب القيادة وحجم القطيعة بين القمة والقاعدة، والذي يصلح للتطبيق في أكثر

النماذج العربية، وإن كان نموذج القيادة الفلسطينية جديراً بالتأمل كونها قيادة حركة

تحرير شعبي تدّعي تمثيل الدولة وممارسة شؤونها ولو من باب الإدعاء، لقد لخص

الكاتب الأمريكي (شومسكي) موقع القيادة الحالية بأنه» أسوأ وضع لحركة تحرير

وطني في العصر الحديث «، أو بعبارة معلق أمريكي آخر» إن مجزرة الخليل

مؤشر هام لمرحلتين: المرحلة الأولى كانت مشكلة قيادة المنظمة مع أمريكا

وإسرائيل، والثانية تتمثل في مشكلة المنظمة مع شعبها الفلسطيني الذي أحرق

صور عرفات وداس عليها ... «.

وهذا التوصيف بالضبط هو ما يستخدمه المحللون السياسيون للقيادات المفلسة. إن مجزرة الخليل كانت بمثابة المشهد الأخير الذي تختتم فيه هذه القيادة المتخبطة

آخر خطواتها إلى المجهول، فحتى جل كوادرها تخلت عنها، أما القيادة فقد فقدت

حتى هيبتها الشكلية، ولم يستطع عرفات أن يجمع اللجنة التنفيذية قبيل المجزرة

للمصادقة على اتفاقه مع بيريز في القاهرة، فاكتفت إسرائيل بتوقيع (الزعيم!)

عليه! !

إن المتتبع لردود فعل عرفات وقيادته يرى أن أرخص ثمن كان يفكر فيه هو

دم شعبه، لذا فقد سارع لتلبية نداء كلنتون لاستئناف المفاوضات، ودماء شهداء

المذبحة لم تجف بعد، ثم فوجئ بحجم الغضبة الشعبية وتضاؤل التأييد له فقلب له

ظهر المجن، وأصر على الحماية الدولية لسكان الأراضي المحتلة والتي كانت

إحدى المثالب الصارخة لاتفاقه المشؤوم.

لقد أيقن الشعب الفلسطيني أن هذه القيادة أعجز من أن تقود نفسها وتحل

خلافاتها الداخلية المتتالية والناتجة عن تهالك المسؤولين على المناصب والأموال

والنفوذ، وأيقن الشعب الفلسطيني عبر ما صدر عنه بُعَيد المذبحة أن اتفاق أوسلو

المر لن يحصد سوى الحصرم، وأصبح رد الفعل الشعبي بمثابة كرة الثلج التي

تكبر مع كل تدحرج، وترفض مع كل مجزرة هذه القيادة التي أحرقت كل مراكبها

على شاطئ العجز والاستسلام للعصر الصهيوني/الصليبي الذي صرح رابين بعد

الواقعة بثلاث أسابيع» أن قيادة المنظمة لم تعد قادرة على إقناع الشعب الفلسطيني

بالحل السلمي، لذا فإن وزارته ستبحث عن السلام على الجبهة السورية بدلاً من

الفلسطينية «.

إذن أين أطنان السواد الكتابي الذي سطر عن السلام؟ أين الصديق المخلص

الذي وجده عرفات في زيارته المشؤومة لواشنطن في البيت الأبيض؟ أين منظروا

السلام ودعاة وأنصار عرفات المهذب والمستسلم لقوانين النظام العالمي الجديد ... ؟

لو كان لدى الزعيم تقدير فعلي لم حدث لتوارى عن كرسي القيادة وموقع المسؤولية، فمنذ أن تسنم مقاليد الأمور والقضية الفلسطينية وهي من شفا جرف هار إلى ...

هاوية، ومعظم الانتصارات التي تحققت لها كانت من صنع أطفال الحجار ...

وجنرالات المولوتوف ويافعي الإسلام الذين يدفعون كل يوم من دمهم دفعة تذكر

بجهاد عزالدين القسام ورفاقه الأبطال.

إن المجزرة بالفعل ستمايز بين الصفوف والاتجاهات والمواقف أرادوها

مجزرة الدم الأرخص، وكانت شرارة الفجر التي لامست زعامات الورق فأحرقتها، هناك» بعل سهى الطويل «وشركاه، وهنا» إخوان أحمد ياسين « ...

وتلاميذه، وهذا الفريق يرسم وينظم المواقف البطولية. أما الفريق الأول فكان

انعكاساً لحالة الترهل والانكسار التي تترجمها الأبيات الشعرية التي تتلمس معالم

مرحلة المجزرة وما قبلها وما بعدها:

» مقتل ستين فتى في مسجد الخليل

تضارب الأنباء حول موتهم

قال.. يقال.. قيل..

حمامة السلام مرت من هنا..

هذا الرصاص بيضها

وصوته الهديل

عقد اجتماع عاجل لمجلس التنكيل

البحث ينتهي إلى ضرورة التعجيل

في طلب التأجيل

قصف مركز على أجهزة التسجيل

مستفعلاتن فاعلن مستفعل فعيل

هذا هو الموجز من أنبائنا

إليكم النشرة بالتفصيل:

تعيش إسرائيل! «


(١) قصيدة سلام الدم للشاعر سعد عطية الغامدي.