للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حوار

رئيس تحرير مجلة الشرق الأفغانية (عبد الصمد همت)

في حوار مع مجلة البيان

الأمريكيون يقلصون وجودهم العسكري في أفغانستان

وحكومة كرزاي في طريق صراع الأجنحة

الأوضاع في أفغانستان لم تستقر لصالح طرف معين، بعد أكثر من عامين

ونصف من الغزو الأمريكي، وهناك تفاعلات عديدة على الأرض، كان بشأنها هذا

الحوار.

البيان: مرحباً بضيفنا الكريم، نريد بداية أن نسأل: ما هو وضع الاحتلال

الأمريكي في أفغانستان بعد أكثر من عامين ونصف على سقوط كابول؟ وهل

يمكن القول بأن الاحتلال حقق أهدافه التي جاء من أجلها؟

- بالنسبة لوضع الاحتلال؛ فالحقيقة التي تعيشها أفغانستان؛ هي أن وضع

الاحتلال وضع سيئ من جميع النواحي، سواء من الناحية الأمنية، أو الناحية

الإدارية، أو من الناحية السياسية، أو من الناحية الاقتصادية، من جميع النواحي،

لم يحققوا شيئاً من الأهداف التي جاؤوا من أجلها؛ لأن دعاواهم التي كانوا يدعونها

أو التي كانوا يمنُّون الناس بها، سواء في أفغانستان أو في خارج أفغانستان، لم

يحققوا منها شيئاً، ومن ثم لم يحققوا أهدافهم، وحتى ما كانوا يسمونه: القضاء

على الإرهاب؛ لم ينجزوه. ولا شك أنهم كانوا يريدون القضاء على الجهاد في

أفغانستان وعلى المسلمين المجاهدين الذين كانوا يريدون تأمين بلادهم وتطبيق شرع

الله على أرضهم وفي بلدهم، لم يحقق الأمريكيون هذا الهدف إلى الآن، إنهم لم

يحققوا سيطرتهم حتى على كابول؛ فالجميع بمن فيهم القوات الأمريكية والقوات

الأفغانية المتمثلة في التحالف الشمالي وقوات حفظ السلام وقوات الناتو، جميع هذه

القوات وأيضاً استخباراتهم والدول المتساعدة معهم لم يستطيعوا القضاء على

المقاومة في أفغانستان؛ إضافة إلى ذلك لا يزال الوضع الأمني في كابول سيئاً؛

فالصواريخ تمطر عليهم، وعلى داخل كابول، والانفجارات في داخل مراكزهم

وفي داخل ثكناتهم.

أما خارج ثكنات القوات العسكرية حيث المدنيون والإدارات الحكومية أو

الشعب بشكل عام، فلم يتحقق شيء من الأمن؛ فكل همهم الآن وكل جهدهم

منصب على مدينة كابول، ومع ذلك ما استطاعوا تحقيق أمن هذه المدينة؛ فما بالك

وماذا تتوقع خارج كابول؟ إنه من بعد صلاة العصر لا يستطيع أحد أن يخرج أو

يستخدم الطريق السريع بين المدينة وبين القرية أو بين المدينة وبين المدينة، بل

قال لي مواطن أفغاني بين قريته وبين مدينة بكتيا قرابة ثمانية كيلو متراً وهي

مسافة قصيرة جداً قال: هذا الطريق يتعرض للقطع ونهب سيارات ولقتل الناس

الأبرياء مرات عديدة، وبمعدل حادثة يومياً أو أكثر، والله المستعان، هذه منطقة

واحدة وقس على ذلك المدن الأخرى؛ فهذه المدن الرئيسة: جلال أباد، قندهار،

مزار. أما إذا خرجت إلى المدن الفرعية فهي في الحقيقة فوضى، يعني ليس هناك

لا جيش ولا إدارة حكومية، ليست هناك قوات أمن مثل ما كان في السابق وقت

حكم حركة طالبان؛ لأنه سابقاً كان كل من يقوم بهذه الأعمال يحسب حساب الغد،

وأنه سيحاسب على ذلك ويحبس، ولكن الآن، إذا احتاج الحكوميون إلى شيء

يطلبون القوات الأمريكية ويستعينون بها فتأتي وتضرب دون تمييز.

أما المحتلون فهناك صواريخ تطلق على ثكناتهم، ودورياتهم التي انخفضت

بنسبة ٥٠%؛ وذلك لخوفهم وهلعهم، وتتعرض قواتهم الآن للهجمات، لكن ذلك

للأسف ليس مخدوماً من الناحية الإعلامية، كما هو الوضع الآن في العراق التي

فيها مندوبون ومراسلون إعلاميون ينقلون كل شيء يومياً، لكن في أفغانستان لا

يوجد شيء من ذلك، حتى بعض المراسلين الذين كانوا يتبعون بعض الجهات

الإعلامية غير المحسوبة على أمريكا؛ أُخرجوا من هناك، حتى بعض المؤسسات

الإسلامية الخيرية التي كانت تعمل وهي قليلة تُضايَق حتى لا تكتب شيئاً ولا تُخرج

بيانات. فالأمريكيون الآن حقيقة يتعرضون للهجمات والقتل سواء في المدن أو

أثناء سير قوافلهم ودورياتهم خارج المدن، ولهذا فهم غالباً ما يكونون في ثكناتهم،

وعندما تخرج قافلة منهم تخرج أيضاً بقوة كبيرة سواء على الأرض أو بغطاء جوي،

بحيث تكون الطائرات على رأسها حتى تحافظ على أمنها وتحافظ على وصولها

إلى المكان الذي تريده. ويتكرر هذا في خوست وفي جلال أباد وفي قندهار وفي

هرات وفي روزجان، قواتهم تتعرض بشكل شبه يومي لهجمات إما بالصواريخ

وإما بانفجارات وإما بكمائن في الطريق.

وأيضاً هناك مشكلة اقتصادية كبيرة لدى حكومة كرزاي تجعل توفير

الاستقرار صعباً؛ فمن يدفع لهم تكاليف هذه العملية الآن؛ والأمريكيون لا يريدون

أن يدفعوا شيئاً؛ لأنه ليست هناك أي فائدة لهم من دخل البلاد. في العراق مثلاً

يمكن أن يطمعوا في البترول، لكن هنا لا شيء من ذلك. ونفقات كثيرة يتحملونها

حتى الحكومة بكاملها على عاتقهم، وقوات الجيش وقوات حفظ السلام تطالبهم بذلك

وقوات الناتو تطالبهم والشعب يريد منهم كذلك.. حتى دول الجوار مثل باكستان

الآن تطالبهم بثمن للعمليات التي يقومون بها على الحدود. فهي عملية اقتصادية

ضخمة لا يريد الأمريكيون تحملها كلها. ومن ناحية سياسية هناك تشويه لسمعتهم

بسبب القتلى؛ فهم وما يسخرونه من ناحية الأفراد والطائرات كثيراً ما يخسرون

بسبب المقاومة، هذه كلها خسائر سياسية واقتصادية وعسكرية ومن جميع النواحي،

والأهداف لم يحققوا شيئاً منها لا الأمن ولا التعمير الذي كانوا يأملون به ولا

القضاء على ما يسمونه بالإرهابين؛ فهم لم ينجزوا إلا خسائر من جهة القوات

الأمريكية، وخسائر على البلد عموماً، ولهذا فهم في ورطة بسبب المقاومة

المستمرة.

البيان: هل المقاومة قاصرة على طالبان فقط؟

- لا؛ فالآن العمليات توسعت، يعني كانت في البداية تنسب لطالبان فقط،

العمليات الآن توسعت لتشمل بعض المنظمات الأخرى من المجاهدين السابقين،

وهناك أيضاًِ مسلحون من الشعب أدركوا أن وعود أمريكا ظهر أنها سراب، ولا

أمل يمكن أن يأتي من الناحية الاقتصادية ولا السياسية والأمنية، في أيام طالبان

كانوا على الأقل آمنين في بيوتهم، في تجارتهم، آمنين في زراعتهم، آمنين في

أعمالهم ولكن الآن فقدوا هذا، ولم يحصلوا على شيء آخر غير الخسارة. ومع

ذلك أيضاً - في الحقيقة - فإن طبيعة الشعب الأفغاني تدرك خطر المحتل وتعيش

مرارة الوضع هناك؛ فهناك تعدٍ وهناك قتل عشوائي؛ فالطائرات أحياناً تأتي

وتضرب المدنيين وتضرب الأبرياء؛ والناس لم يعودوا يحتملون ذلك، وينفد

صبرهم فيتحركون سواء من ناحية دينية أو من ناحية إنسانية أو من ناحية وطنية،

الناس الآن يتحركون إجمالاً ويتعاونون مع المجاهدين سواء بالإيواء أو بالمال أو

بأنفسهم أو بالسلاح الذي معهم.

البيان: هل المستهدف من المقاومة القوات الأمريكية أو القوات الدولية؟

- الآن القوات الأمريكية لا تتحرك ولا تخرج إلا إذا بُلّغت بشيء معين في

مكان معين وبنقطة معينة، ففي ذلك الوقت يتحركون، فإذا تحركوا أيضاً - كما

ذكرت لكم - فإنهم يتحركون بقوة كبيرة وأحياناً تكون مع غطاء جوي، لكن مع

ذلك فإن المجاهدين أيضاً يتعاملون مع هذه القوات غالباً بوضع كمين لهم في

الطريق، وبهجوم على الطريق الذي يصلون إليه، يعني تكون عندهم أخبار

بتحركات الأمريكيين، ولهم اتصالاتهم داخل الحكومة، ولهم عيون؛ فلذلك فهم

يتعرضون لهم بين حين وآخر.

وأما قوات حفظ السلام فليست كبيرة، وقوات الناتو التي وصلت أخيراً في

العام الماضي تدفعهم أمريكا دفعاً للخروج من كابول وكرزاي يطالبهم بأن يخرجوا

خارج كابول ويؤمِّنوا المدن والولايات الأخرى، لكن مع ذلك في الحقيقة ما

استطاعت هذه القوات ولم تجرؤ على الخروج خوفاً على رجالهم.

البيان: وما هي أوضاع الحكومة الأفغانية في ظل ذلك كله؟

- ليست هناك حكومة، هي فقط حكومة بالاسم، لا توجد حكومة، الحكومة

الموجودة الآن ليست حكومة كرزاي فقط، فكل وزارة حكومة، فوزارة المالية

والبنك المركزي يقولون على الملأ نحن من بداية العام نطالب كل وزارة أن تقدم لنا

على الأقل تكاليفها وأي ميزانية لها، حتى نستطيع أن نأخذ بياناتها مما تأخذ أو

تعطى في الميزانية، يعني ماذا يقدم لهذه الوزارة وماذا تقدم هذه الوزارة، لكن أي

وزارة لم تتقدم بشيء. طالبوا وزارة الدفاع بأن تقدم ما هي تكاليفهم، ما تكاليف

جيشهم، ولكنهم وغيرهم لم يقدموا أي شيء، تريد كل وزارة أن تصرف ما تشاء

وتصرف على من تشاء، وزير المالية الأمريكي في العام الماضي زار كابول قبل

رمضان فصارت بينه وبين وزارة المالية أزمة كبيرة، والسبب أن ما يقارب ٥٠

مليون دولار أنفقت خلال فترة قصيرة وهي خارجة عن البنك المركزي وليس لها

أي سند على أي شيء صرفت.

الوزارات في الحكومة تابعة للأحزاب المختلفة. وزارة التخطيط تنتقد كرزاي

في إذاعة لندن، وزارة الزراعة الآن يشغلها حزب الوحدة الشيعي وله حساباته،

ودوستم نائب وزارة الدفاع لم يحضر إلى كابل للآن؛ فلا يزال جالساً في مزار

شريف، ومحمد فهيم وزير الدفاع لم يسلم للآن قائمة الأسلحة للحكومة، يعني

الحكومة لا تعرف ما هي قائمة الأسلحة الموجودة في وزارة الدفاع؛ ولو لم يكن

التهديد الأمريكي مباشراً فوق رؤوسهم، لرأيت الوزراء يتقاتلون خلال أسبوع؛

فهل هذه حكومة؟

البيان: لكن هذه الأوضاع تضر بالمصالح الأمريكية نفسها؟ وتضر بحكومة

كرزاي، أليس كذلك؟

- نعم! فهناك لدوستم حكومة مستقلة، وحزب الوحدة حكومة مستقلة،

إسماعيل خان جالس الآن في هرات وهو حكومة مستقلة، وبجانب كل ذلك توجد

الآن منافذ في أفغانستان ليس لها دخل قومي أو مساعدات خارجية أمريكية أو من

هنا أو هناك، ولهذا فهي تفرض إتاوات أو جمارك، هي دخلها؛ فهذه المداخل أو

المنافذ كلها لها جماركها، كل ولاية تأتي بالدخل الذي تأخذه وتصرفه في نفس

الولاية بدون علم البنك المركزي ولا الحكومة المركزية، وقد طالب كرزاي الآن

بهذه الأموال وقال هذه ملك الحكومة المركزية فينبغي أن تسلم للبنك المركزي، ثم

توزع من الحكومة المركزية على الولايات. ولكنهم لم يحققوا إلى الآن هذا الهدف،

ولم يصلوا إليه. في العام الماضي ذهب وفد أمريكي لإسماعيل خان وهدده لكي

يدفع الأموال للحكومة واستطاعوا بعد بذل المحاولات أن يأخذوا منه ٢٠ مليون

دولار. هناك المنفذ التركماني والمنفذ الإيراني الذي تأتي عن طريقه أغلب التجارة

الأفغانية، تأتي من هذا الطريق تقريباً نحو خمسة ملايين دولار أسبوعياً، يكون

دخلهم، ومعنى ذلك أن عشرين مليوناً تأتيهم في الشهر.

من الطرائف في ذلك أن إسماعيل خان رئيس حزب الوحدة الشيعي ووزير

الزراعة ضرب رئيس البنك ورئيس الجمارك المسؤول عن الجمارك في هرات

ضربه ضرباً أمام الناس بسبب تسليمه مبلغاً للحكومة المركزية بطلب من تلك

الحكومة بدون معرفته وبدون علمه، فلما علم إسماعيل خان أنه سلم المبلغ جاء

وضربه بين الناس، وصارت أزمة، وصار خان يقول إنه اختلس هذا المبلغ

ورئيس الجمرك يقول إنه ضربني من أجل أن سلمت شيئاً من المبلغ للحكومة

المركزية. يعني هذه الفضائح التي تخرج الآن تعكس أوضاع الشعب تحت نيران

الاحتلال والحكم التابع له.

البيان: وأين ظاهر شاه من كل هذا، وكذلك تحالف الشمال؟

- جناح ظاهر شاه الآن يعمل ولكن سيذهب، وليس هناك بديل غير كرزاي،

فهو الرجل المناسب رجل الاستخبارات الذي ربوه من وقت أبيه من ثلاثين سنة،

هذا الرجل هو الذي يطمئنون إليه، فإذا ذهب فبمن يأتون؟ تحالف الشمال؟ دوستم

وأمثاله؟ إسماعيل خان؟! الحقيقة لم يطمئنوا إليهم ولا لأي واحد من ذلك لأن

التحالف الشمالي لا يزال مرتبطاً بروسيا وإيران، وإن كان يتعامل مع أمريكا،

ولكنهم يقولون إن مصالحنا المباشرة مرتبطة بروسيا وإيران أكثر من أمريكا؛

فأمريكا بعيدة عنا لا تستطيع أن تحمينا، ولا تستطيع أن تنفق علينا، ولا تستطيع

أن تحافظ علينا فهي ذاهبة ذاهبة، إما اليوم أو غداً أو بعد غد؛ فلماذا نحن الآن

نخسر الجانب الروسي والجانب الإيراني وهم جيراننا وعلى الحدود معاً، وعلاقتنا

مرتبطة بهم ومستقبلنا مرتبط كذلك؟ لذلك لا يزالون يتعاملون مع أمريكا ولكنه

تعامل مثل ما نقول ظاهري وقلوبهم ما زالت مع روسيا وإيران.

البيان: يردد الأمريكيون والموالون لهم في أفغانستان الحديث كثيراً عن

التوجه نحو إنشاء جيش نظامي؛ فهل يؤخذ هذا الأمر بجدية؟ وهل يمكن أن

يؤثر إيجاده على استمرار المقاومة؟

- الجيش النظامي لم يتحقق للآن شيء بشأنه، لقد أعلنوا وشاوروا ولكن

المشكلة الكبيرة أنه لا توجد ثقة الآن بين تحالف الشمال وبين كرزاي من جهة،

وبين دوستم وحزب الوحدة من جهة ثانية، وبينهم وبين أمريكا من جهة ثالثة،

فوزارة الدفاع التي يسيطر عليها فهيم، هناك تفكير بتحويلها إلى كيان عسكري

يجمع بين كل المجاهدين السابقين، وهؤلاء لا يريدون لكرزاي وجماعته أن

يستمروا في السلطة، وحكومة كرزاي في الوقت نفسه ليست لها كوادر جديدة، بل

الأفراد الذين يأتون بهم من نفس أفراد التحالف الشمالي أو أفراد دوستم، أو

مجاهدين آخرين قد يكون منهم أفراد من طالبان، وحاولوا مرة إنشاء فرقة جديدة

من بعض الضباط والجنرالات القدامى السابقين من أيام ظاهر شاه، وأعادوا تأهيلهم

لتدريب مجندين، ودربوا بالفعل سبعة إلى ثمانية آلاف جندي، ولكن أكثر هؤلاء لم

ترق لهم الأوضاع عندما طلب منهم أن يقاتلوا إخوانهم، فهربوا وتركوا وظائفهم،

فصارت فضيحة للحكومة وورطة أيضاً؛ لأن بعضهم انضم بسلاحه بعد التدريب

إلى المجاهدين من طالبان وغيرها من المعارضين، وقد زاد الأمر تعقيداً أن تكوين

جيش قوي يحتاج إلى إجراءات مكلفة، تتطلب ميزانية كبيرة، وقوات التحالف

تطالب كرزاي بمائة ألف جندي، وهذا العدد يحتاج تدريبه وتسليحه ورواتبه

وملابسه وعلاجه إلى ملايين الدولارات التي لا يسهل توفيرها من دخل الحكومة،

ولا من الإعانات التي تقدم لها.

البيان: يلاحظ أن هناك محاولات لتهميش رموز التحالف الشمالي، ظهرت

من خلال مناقشات الليوجيرجا التي أجريت مؤخراً، فماذا كان رد فعلهم على هذا

التهميش؟

- لم يفعلوا شيئاً، ولن يفعلوا شيئاً ما داموا باقين على وضعهم وفي مناصبهم.

طبعاً هم غير راضين عن التهميش، ولكن ما داموا في الوزارات وأموالها

تصرف عليهم والنفقات تأتيهم فلن يفعلوا شيئاً، وهم يعلمون أن كرزاي ليس له

بديل غيرهم الآن؛ لأنه ليست له قوة سياسية وليس وراءه تنظيم ولا قوة عسكرية

تغنيه عنهم.

البيان: هل معنى ذلك أن أطراف التحالف الشمالي مستفيدون من الاحتلال؟

- أكثر من يستفيد من الاحتلال هم أطراف التحالف الشمالي، وإن كانوا

يعلمون جيداً أن أمريكا غير راضية عنهم وتريد التخلص منهم، ولكنها لا تجد بديلاً

عنهم، فإذا وجدت أمريكا البديل؛ فإنهم سيتحركون للدفاع عن مصالحهم، ولكنهم

الآن صامتون ولا يريدون مواجهة قواعدها الموجودة في طاجيكستان، وباكستان،

ولكن أمريكا أيضاً تريد أن تستفيد من قوى تحالف الشمال الآن على الآقل، وتريد

في الوقت نفسه أن يظل هذا التحالف غير قوي، بل مخترقاً ومتفرقاً إلى حين

تستطيع الاستفادة من عناصر تتربى في داخلهم، وبخاصة أن كثيراً من عناصر

تحالف الشمال لا يزال موالياً لروسيا، وعلى رأسهم وزير الدفاع محمد فهيم ربيب

الاستخبارات الروسية سابقاً.

البيان: أعطنا نبذة عن مواقف قادة أحزاب الجهاد القديمة.

- سياف ورباني وما تبقى من جماعة سميع الله، هؤلاء يعتبرون جزءاً من

حكومة كرزاي، وهؤلاء لم يبتعدوا عن عملاء الاحتلال، ولم يصدروا تصاريح أو

فتاوى علنية تصرح بأن أفغانستان محتلة وأنه يجب تخليصها من الاحتلال. أما

بالنسبة لرباني، فوضعه شديد التودد للحكومة، ولا يزال يأمل أن يكون رئيساً

للدولة مرة أخرى في الانتخابات القادمة، ولذلك فهو يوزع الأموال والسيارات

بسخاء من الأموال التي تأتيه من إيران علٍى زعماء القبائل وعلى بعض الناس

الذين لهم تأثير لكي يكسب صوتهم في تلك الانتخابات. وسياف ورباني يتقربون

كذلك كثيراً من ظاهر شاه الذي كانوا يعلنون وقت الجهاد السابق أنهم سيقتلونه في

المطار إذا وطئ أرض أفغانستان، وكلٌ من رباني وسياف يظهران الآن في

التلفزيون الأفغاني لافتتاح المؤتمرات والتحدث في المناسبات باسم حكومة كرزاي،

لإعطائها مظهر الحكومة الإسلامية.

البيان: نعود إلى وضع المقاومة في أفغانستان، والتي يظهر أن طالبان ما

زالت في مقدمتها: هل هناك استراتيجية معينة تنتهجها طالبان في مواجهة

الاحتلال الأمريكي، وخاصة أن أمل العودة للإمارة والحكم أصبح أمراً صعباً؟

بتعبير آخر: على أي شيء يراهنون الآن؟

- لا شك أن الطالبان عانوا معاناة كبيرة جداً بعد خروج قواتهم من المدن،

فقد صاروا في شتات، ولكنهم بدؤوا يخرجون من هذا الشتات ويعيدون تنظيم

صفوفهم، سواء في مجلس الشورى، أو في المجلس العسكري، وسعوا إلى تنظيم

وسائل دعم لنشاطهم. والحاصل أن ظروفهم تحسنت كثيراً رغم الظروف القاسية

التي مرت وتمر بهم من الحصار والمطاردة من كل الجهات ومنع الدعم لهم من كل

الأطراف، وأما عن أمل العودة لحكم أفغانستان، فهذا ليس قضية طالبان الآن، ولا

يسعون إلى ذلك، ولا يتحدثون عنه، هم يريدون أولاً إخراج المحتل، يريدون

تأمين أفغانستان من الأمريكيين، وتطهيرها من حكم العلمانيين، وهم يعلمون أن

المعادلات الدولية لن تسمح لهم بالعودة، ومع ذلك فهم ينشطون في المقاومة بكل ما

يستطيعون، ويتحملون التضحيات الباهظة، وهذا أكبر دليل على أنهم ليسوا طلاب

سلطة لمجرد السلطة، ولكنهم يريدون رفعة الدين، ولو على أيدي غيرهم.

البيان: سؤال أخير: هل هناك طرح أن تعود طالبان بدون الملا عمر، أي

بوجه آخر؟

- باكستان تسعى لهذا؛ لأنها تضررت كثيراً من سقوط طالبان، وتسعى

بطرق غير مباشرة للوصول إلى هذا الأمر، وهم يعرفون أن أمريكا لا تريده،

ولذلك يطالب الباكستانيون أن تعين طالبان قائداً آخر بوجه مقبول، وفي الحقيقة أن

بعض القادة السابقين في طالبان من الوزراء والمسؤولين الحكوميين لا يستبعدون

هذا، ولكن الحقيقة أيضاً أن الأمر ليس في يدهم، وإنما في يد القادة العسكريين

الذين لا يزالون ملتفين حول القيادة نفسها، وهم يرون الآن أن الوقت في صالحهم،

ولهذا لا يستعجلون النتائج، بل قرروا أن يسيروا في المقاومة بطريقة لا تنهك

المجاهدين ولا تكبدهم الخسائر الكبيرة؛ لأن الأمريكيين بدؤوا يقلصون قواعدهم؛

فقد كانت لهم ١٢ قاعدة، فقلصوها إلى ثمانٍ، وأما الحكومة نفسها فهي تمضي في

طريق صراع الأجنحة، والأمور داخلها تسير إلى الأسوأ؛ بينما تسير أمور

المجاهدين إلى الأحسن بإذن الله.