منتدى القراء
حرية الفكر المفترى عليها..
أسامة طه
إن بعض المحترفين له براعة فائقة في استخدام مصطلح (الحرية الفكرية)
وذلك حين يجعلها سياجاً واقياً لتزوير التاريخ أو إخفاء معالم الدين وتشويه حقائقه؛
فحرية الفكر كما نفهمها هي إعمال العقل في بحث المقدمات وتمحيص واستخلاص
النتائج، أو هي إعمال العقل في فهم القاعدة أو النص، وهذه الحرية بمفهومها
الصحيح هي (اختراع إسلامي) .
لكن هذه الحرية المظلومة كثيراً ما تستخدم للأسف لخداع الأجيال، وصرفها
عن أصلها، وليّ زمامها عن وجهتها، وتشكيك العوام في مواريثها؛ فكما ينقل
مجرى المياه ليصب في مكان آخر؛ يريد أصحاب الحرية المزورة تشكيل أفكار
مخصوصة كي تبدد رسالة الأمة، لتتلاشى مع الأيام.
ومن هنا نفهم السر في الدفاع عن رموز التشكيك وإحياء أفكار ماتت ودفنت
مع أصحابها.
لقد طبع كتاب (الإسلام وأصول الحكم) ، لعلي عبد الرازق رغم أن صاحبه
تبرأ منه بعد ما واجهته مشيخة الأزهر بأخطائه؛ لكن الكتاب الذي وضع في أوائل
القرن الحالي يعاد طبعه مراراً باسم حرية الفكر!
وقل مثل ذلك عن كتاب: (من أين نبدأ) مع تغيير الأشخاص والملابسات.
والأمر لم يقف عند ذلك، بل أخذ (الحلاج) بعض الفصول في هذا المسلسل
البغيض، والمرء يدهش حين يرى المقالات والمسرحيات تُعَنْوَن باسم هذا الرجل
شهيد الحرية! !
وهنا نصل إلى أكثر الكتب لجاجاً وأخطرها ضِراماً، أعني كتاب: (في
الشعر الجاهلي) الذي تغير عنوانه إلى كتاب: (في الأدب الجاهلي) وقد تراجع عنه
مؤلفه وهو (طه حسين) ، وهو كتاب يستبشر به كثير من العلمانيين؛ لأنه
متخصص في التنكيل بالإسلام ولمز أحكامه، ولأجل الترويج لأفكاره زعم أصحابنا
أن المؤلف طه حسين يؤمن بمذهب (ديكارت) ؛ وهو أشد الناس خروجاً في كتابه
على هذا المذهب؛ فإنه لا يكتب إلا لغرض واحد يبتغي له وسائله وأسبابه بكل ما
استطاع: وهو توهين أمر الدين وصدعه من مفاصله.. أما ديكارت صاحب مذهب
الشك فإنه يقول: إنك تستطيع أن تشك في كل شيء، إلا في الدين، والأخلاق،
والعلاقات الاجتماعية! ؟
ومن أراد المزيد فعليه بكتاب الأديب الفذ مصطفى صادق الرافعي: (تحت
راية القرآن) ليرى انهزام الباطل تحت مطارق الحق.
مما سبق يلاحظ الإنسان الحصيف أن حرية الفكر تصل عند الانهزاميين إلى
الأوج إذا كان الكاتب ينال من الدين وثوابته؛ لأن الغرض هو دحرجة الأديان من
الأرض كلها، وهذا ما حدث إبّان سخافات (سلمان رشدي) أو (تسليمة نسرين) .
إن تباين الأفكار واشتجار الآراء ضرورة فكرية ولا شك، ولن يخلو منها
تاريخ الإنسانية إلا إذا أصبح الناس أمة واحدة، وهذا مستحيل: [وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ
لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ] (هود: ١١٨) ، ولكن أن تصل
الفوضى الفكرية إلى هذا الدرك؛ فذاك هو عقاب الأمم حين يهبط مستواها.
ألا وإن مثل هؤلاء الفتّانين المفتونين في الأمم: كمثل ما يكون من الوباء يمر
بالبلاد فيصيب منها، ولكنه يترك في أيدي أطبائها وعلمائها المصل الواقي أبد
الدهر: [وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ] [الأنعام: ١١٢] .