للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

مستقبل اللغة الروسية في آسيا الوسطى والقوقاز

وارتباطه بالمصلحة الإسلامية

د. محمد حرب

يبدو أن هيئات الإغاثة الإسلامية العاملة في العالم التركي (وهو عالم يمتد من

الصين إلى البلقان، ويشمل آسيا الوسطى والقوقاز) تتركز توجهاتها الثقافية والدينية

في هذه المنطقة عبر الاهتمام باللغة الروسية فقط. إن النية الطيبة مطلوبة، ولكن

هذه الجهود ناقصة ومهدرة لأموال المحسنين المسلمين، إذا افتقدت التخطيط العلمي.

قد يكون هناك امتداد مستقبلي للغة الروسية في (تاتارستان) مع أنها جزء

أساسي في العالم التركي، وقد يكون لها مثل ذلك داخل بعض الولايات المقهورة

داخل (روسيا الاتحادية) ، لكن الأمر جد مختلف في الجمهوريات الإسلامية المستقلة: (أوزبكستان، تركمانستان، قيرقيزستان، أذربيجان، وطاجيكستان) ، ومن أجل

هذه البلدان قامت إحدى المنظمات الإسلامية الخيرية وبدون سند علمي بتخصيص

مبلغ ضخم من المال لترجمة (معاني) القرآن الكريم إلى اللغة الروسية، ظنّاً منها

دوام الحال للغة الروسية، فعهدت إلى ناشر عربي بهذا الأمر، فاعتمد هذا على

ترجمة (ج، س، سابلوكوف) لمعاني القرآن الكريم في اللغة الروسية، ثم وجد

المتخصصون أن هذه الترجمة لا تروي ظمأ أحد، ولما كثر انتقادها توقفت هذه

المنظمة عن مواصلة طبعها، والمشكلة هنا: أن المترجم الروسي (كَنَسِيّّ) قدم في

نشرة مطبوعة على أنه مسلم حسن الإسلام، لكن هناك ترجمة يمتدحها

المتخصصون صدرت حديثاً في موسكو، قامت بها (فاليري بوروهوفا) في تسع

سنوات، وطبع من هذه الترجمة لمعاني القرآن الكريم (٠٠٠ر٣٠) نسخة.

والمترجمة عضو بالمركز الإسلامي الروسي في موسكو، لكنها كانت واعية؛ إذ

وجهت هذه الترجمة لمسلمي روسيا الاتحادية على اعتبار أنهم تحت السيطرة

الثقافية الروسية.

ومع ذلك: فإن الاكتفاء بترجمة معاني القرآن الكريم دون توضيح لم تَعُدْ هي

التوجه الأسمى في خدمة القرآن الكريم، وأُقدّم مثالاً على ذلك بالترجمة الأيغورية

للقرآن؛ لقد أحدثت الترجمة الأولى للقرآن إلى اللغة التركية بلهجتها الأيغورية

(لهجة مسلمي تركستان الشرقية) رد فعل غريب لدى المثقف التركستاني، الذي ما

إن اطلع على الترجمة حتى قال لم نكن نتصور أن القرآن هكذا، ولم يكن هذا

إعجاباً، بل العكس! ! ؛ فقد كانت ترجمة حرفية، ويبدو أن هذا ما حدا بالمجلس

الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر بترجمة (المنتخب) وهو تفسير لطيف سهل

للقرآن الكريم إلى اللغة الروسية؛ ليستفيد منه الناطقون بالروسية، وكان هذا عملاً

رائعاً، فقد بدأ بالتخطيط ودراسة الاحتياج إليه، وتولته الأدوات المصرية بالتنفيذ،

وكنت أرجو أن يأذن لي المجلس الموقر بأن أضع بين يديه وأيدي المهتمين: هذا

الحديث عن مستقبل اللغة الروسية في الجمهوريات الإسلامية المستقلة حديثاً عن

الاتحاد السوفييتي، وأبدأ بهذا السؤال: تُرى، هل ستظل اللغة الروسية لغة

مشتركة بين المسلمين في بلدان آسيا الوسطى والقوقاز؟

لننظر أولاً إلى هذه المعلومات عن المتحدثين بالروسية في بلدان العالم التركي، بما فيه منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، وهي منطقة حية من مناطق هذا العالم

التركي.

* المتحدثون بالروسية في آسيا الوسطى والقوقاز يمثلون جزءاً مهماً من أهل

الحضر في القطاع الحديث من اقتصاديات المنطقة حتى الآن.

* المتحدثون بالروسية في آسيا الوسطى والقوقاز يشكلون ١٠% فقط من

سكان المنطقة.

* المتحدثون بالروسية هناك يقترب عددهم من عدد السكان الآسيويين

الأصليين في (قازاقستان) ، وقد بدأ عدد منهم بالفعل في الهجرة إلى (روسيا)

و (أوكرانيا) .

* المتحدثون بالروسية هناك قد استعداهم صعود الإسلام السياسي، فانزوى

بعضهم، وواكب بعضهم الصحوة الإسلامية هناك، وهي صحوة تنتشر في المنطقة، وتتخذ شعارها: معاداة الروس وثقافة ولغة الروس.

* وأخيراً: فالمتحدثون بالروسية في العالم (٢٦٠) مليون نسمة منهم (٦٠)

مليون مسلم داخل إطار روسيا الاتحادية.

وتواجه اللغة الروسية في آسيا الوسطى والقوقاز عداءً ثقافيّاً من شعوب

المنطقة: في (أوزبكستان) مثلاً يكوّن الأوزبك رابع مجموعة عددية من سكان

الاتحاد السوفييتي غير الروس، وأكبر مجموعة إسلامية داخل حدوده قبل الانهيار،

والقومية التركية مشتعلة في (أوزبكستان) متحدة مع الإسلام في مفهوم عقائدي واحد

هو (تورك إسلام) ، والموجة القومية الإسلامية الصاعدة جعلت الأوزبك يتخذون

لغتهم التركية بلهجتهم الأوزبكية لغة رسمية للدولة بدلاً من الروسية، كما أخذت

المدارس تتخلص من الروسية هناك، بل وصل الأمر بأوزبكستان أن أسرعت في

محاولة تدمير الحروف السكيولية (الروسية) واستبدالها بحروف لاتينية! ، وبدأ

النشء هناك يتعلم اللغة القومية، ورويداً رويداً تأخذ المدارس والجامعات الأوزبكية

في التترك، وترك لغة المستعمر السابق، وهي الروسية.

وهذا المثال ينطبق بحذافيره على (قازاقستان) ؛ فالشعب القازاقي يعتز

اعتزازاً شديداً بقازاقيته وبلغته التركية في لهجتها القازاقية، وينفر من الروسية،

بل أخذت الروسية في التراجع ثقافيّاً.

وينطبق هذا المثال أيضاً على (أذربيجان) كبرى الدول القوقازية، من حيث

اعتزازها بلغتها التركية في لهجتها الأذرية، والمثال ينطبق على (تركمانستان) ،

و (قيرقيزستا) ، وحتى على (طاجيكستان) ذات الثقافة غير التركية.

وأخيراً: فيزيد قتامة مستقبل اللغة الروسية في آسيا الوسطى والقوقاز: ما

تعرضت له شعوب المنطقة من الاضطهاد الروسي، ومن عداء الروس للإسلام،

ومن إلغاء الروس للحروف العربية التي كانت المنطقة تكتب بها لغتها قبل الاحتلال

الروسي، إذن: فليس أمام التوجه الدعوي لآسيا الوسطى والقوقاز إلا أن يضع في

تخطيطه أن اللغة الروسية مؤقتة الأهمية، وتضعف أهميتها رويداً حتى تنتهي في

عام ٢٠١٦م، عام تتريك لغة المدارس والجامعات ودواوين الحكومة، ومن

المعروف أن عام ٢٠٠٠م، هو عام تتريك أبجدية المنطقة والتخلص من الحروف

الروسية، ومن ثم: اللغة الروسية والثقافة الروسية. وعلى التوجه العربي أن

يتعامل بواقعية مع اللغة التركية بلهجاتها المحلية في المنطقة، ومن ثم: يبدأ تنمية

العلاقات العربية ببلدان العالم التركي، خاصة دول آسيا الوسطى والقوقاز منه،

والذي يحلو لي وصف شعوبها بأنهم: (فقراء اليوم، أثرياء الغد) .