للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لماذا يرفض أهل السنة مسودة الدستور؟

عبد الله الرشيد

مشروع مسودة الدستور وُلِد ميتاً على الرغم من محاولات إنعاشه من قِبَل الاحتلال، وأذناب الاحتلال، وبعض الممثلين في السلطة الانتقالية.

ومع أن هذا المشروع (سيُمَرر) من قِبَل الائتلاف والأكراد، وسيقر من الجمعية العمومية المكونة منهما كما هو معروف، إلا أنه سيصطدم بإرادة الأمة، وسيعمل شرفاء العراق من مختلف المكونات والطوائف ـ بإذن الله ـ على إحباطه ولو كره الكارهون.

نصت المادة (٦١) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية على الأمور التالية:

١ - على الجمعية الوطنية كتابة مسودة الدستور الدائم في موعد أقصاه الخامس عشر من آب ٢٠٠٥م.

٢ - عرض مسودة الدستور الدائم على الشعب العراقي للموافقة عليه باستفتاء عام.

٣ - يكون الاستفتاء العام ناجحاً ومسودة الدستور مصادقاً عليها عند موافقة أكثرية الناخبين في العراق، وإذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر.

فالكلمة الفصل هي ـ إن شاء الله ـ لهذا الشعب الجريح من خلال عملية الاستفتاء العام التي ستجري في ١٥/١٠ من هذا العام، والتي سيقول فيها الواعون من أبناء العراق كلمتهم.

وأهل السنة كغيرهم من أبناء الشعب العراقي عندهم من الثوابت العقدية والوطنية ما يؤهلهم لقبول أو رفض أي عقد اجتماعي أو سياسي يخصهم أو يشتركون بموجبه مع المكونات الأخرى في عراقهم الذي يحرصون على سيادته ووحدته ومصالحه.

فمصلحة الدين الذي هو سياج كيانهم، وسر حياتهم والمصلحة الوطنية العليا المتسقة مع أحكام الإسلام فوق أي اعتبار فئوي أو طائفي أو حزبي ضيق.

ولا يحق لأي جهة أو حزب أن يدعي تمثيل الشعب العراقي أو التحدث عن حقوقه بالنيابة عنه.

من هنا؛ ولأسبابٍ سنذكرها يعلن أهل السنة مع غيرهم رفض هذا الدستور وعدم القول بشرعيته للمسوغات التالية:

١ - إن هذا الدستور كُتب من قِبَل الجمعية العمومية الوطنية التي انبثقت عن الانتخابات السابقة والتي لم يشارك فيها أبناء السنة لاعتبارات مقبولة ومنطقية، ومن ثم فهو كُتب بمعزلٍ عنهم، وفي ظل غيابهم أو تغييبهم.

وحتى الوجود السني الهزيل في لجنة صياغة الدستور وما تلاه في جلساتِ الحوار بعد إعداد المسودة لم يكن بالقدر الكافي، وقد مُرِّرَت المسودة بمعزلٍ عنه وبإرادة الائتلاف والأكراد.

٢ - إن الطرف الآخر ـ المتحمس لإقرار هذا الدستور الناقص ـ لا يكترث بالآخرين والمخالفين، وهو ماضٍ فيما يراه صواباً بعيداً عن التعقل والموضوعية السياسية، والمصلحة الوطنية العليا، وإن بدا لوسائل الإعلام أنه طرف مفاوض ومرن ويقدم التنازلات.

أي تنازلات هذه التي يتخلى عنها المشاركون في الائتلاف أو الحزبين الكرديين؟ لقد فرضوا قائمة عريضة من البنود غير القانونية، ثم أخذوا يَمُنُّون على الطرف المغيَّب بالتنازل التدريجي عن بعضٍ دون بعضٍ آخر.

هذه لعبة سياسية ماكرة وليس تنازلاً من أجل إنجاح العملية السياسية كما يحلو لوسائل الإعلام أن تصوره.

٣ - إن هذا (الدستور) مليء بالتناقضات والنواقص والأخطاء القانونية، والبنود الخطيرة التي يُراد تمريرها على الشعب لإقرارها، وفيها «مقتل العراق» . ولا أدري كيف سمح من ينسب نفسه للإسلام ويسمي نفسه بالإسلامي كيف سمح لنفسه ـ وهو في أعلى هرم السلطة ـ أن يقبل بمثل هذا الدستور القاصر، والممهد لتفتيت العراق وتمزيقه عرقياً وطائفياً؟

لا نريد أن نقول إنه «لعبة أمريكية» مفروضة بإرادة احتلالية وبمباركة من بعض أبناء الوطن لتمزيق البلاد وإضعافها، وإثارة الصراعات والتصدعات الداخلية التي ستعمل على تقويض البناء الوطني وفيها لا نجد شيئاً في بلاد الرافدين يُبكى عليه.

ولعل أبرز مكامن الخلل ومواضع الإشكال في «مسودة الدستور» المنشور نصها في موقع جريدة الصباح بتاريخ ٢٥/٨/٢٠٠٥م ـ وهو في تغيير مستمر على ما يبدو ولكن من سيئ إلى أسوأ كما يرى المراقبون.

أقول: أبرز هذه الأخطاء ما يلي:

أ - ديباجة الدستور:

وقد وُصِفَت بأنها بيان سياسي لحزب مضطهد، لا مقدمة لدستور سيحكم البلاد لقرون طويلة.

ومما يؤخذ ويؤشر على الديباجة:

- أنها وصفت النظام السابق بالطائفية و «القمع الطائفي» وهذه لغة طائفية، والنظام السابق لم يكن طائفياً في ممارساته القمعية؛ بدليل أنها شملت أهل السنة وبوحشية منقطعة النظير، كما شملت غيرهم من الأكراد والشيعة والتركمان وغيرهم.

- أنها أشارت إلى أن الإرهابيين وحلفاءهم أخذوا أهل المنطقة الغربية رهينة ومنعوهم من المشاركة في الانتخابات السابقة؛ وهذا خلاف الواقع، وهو مستل من الخطاب الإعلامي الحكومي المُسيس؛ فعدم المشاركة في الانتخابات السابقة هو خيار معظم أهل السنة بكل تياراتهم وحركاتهم إلا القليل منهم. وهو قرار هيئة علماء المسلمين والحزب الإسلامي العراقي وقوى المعارضة الشرعية، والعبارة السابقة تصفهم بحلفاء الإرهاب؛ فهل يجوز مثل هذا في دستور ينبغي أن يتوافق عليه كل العراقيين ولضمان جميع حقوقهم؟

- جاء فيها: «إن الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً وأرضاً وسيادةً» .

ولفظ «اتحاده» غير لفظ «وحدته» وهما في القاموس السياسي معنيان متغايران، ومفهومان متقابلان.

ونحن نصرُّ على حذف مفردة «اتحاده» وإبدالها بـ «وحدته» .

ب - صُلب الدستور:

- المادة (٢) من المبادئ الأساسية: أولاً: الإسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر أساسي للتشريع. أ. هـ.

وهذه صياغة زائفة عن الحق والعياذ بالله؛ فالإسلام المصدر الأساسي للتشريع بـ «أل التعريف» لأنه يعطي مفهوماً مغايراً فيما إذا جُرد من «أل التعريف» .

وقد كان كتب في «المسودة التي قبلها» : المصدر الأساسي ثم غُيِّرت الصياغة مجاملة لغير المؤمنين بالإسلام، ومن قِبَل أحزاب تدعي أنها إسلامية وأنها ناضلت في سبيل الله، فهل هذه هي ثمرة نضالهم الطويل؟!

- المبادئ الأساسية: المادة (٢) :

أولاً: فقرة (أ) لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام.

فقرة (ب) لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

فقرة (ج) لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور. أ. هـ.

وهي عبارات ينقض بعضها بعضاً ولا يفهمها الفقيه أو السياسي إلا إذا كان واقفاً على رأسه.

فثوابت ألإسلام شيء والديمقراطية شيء آخر. وهو ما فهمه أحد بطارقة النصارى ـ في لقاء تلفازي ـ ولم يفهمه المشرعون من الأكاديميين وأصحاب العمائم.

فإذا أراد أنصار الديمقراطية سن قانون يسمح ببيع وشراء الخمور؛ فحينئذٍ يُعترَض عليهم بالفقرة (أ) فيقال لهم: لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام بنص الدستور.

وإذا أراد الإسلاميون سن قانون يفرض الحجاب في الجامعات والمعاهد والمدارس مثلاً، عارضه الديمقراطيون والعلمانيون بالفقرة (ب) و (ج) وبنص الدستور أيضاً؛ بأن هذا من تقييد الحريات ويتعارض مع الديمقراطية. وهكذا دواليك. وقد أشار بعض المراقبين للملف العراقي ولكتابة مسودة الدستور أن الفقرة (ب) و (ج) أضيفتا بمقابلة إصرار الإسلاميين على منع سن أي قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام، وأن أمريكا أوعزت إلى بعض أذنابها بذلك.

- المادة (٣) من المبادئ الأساسية:

العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب وهو جزء من العالم الإسلامي والشعب العربي فيه جزء من الأمة العربية. أ. هـ.

وهذه مكيدة ظاهرة، ولعبة مكشوفة!!

لماذا يراد للعراق أن يفصل من امتداده العربي؟ وهذا البند «تكريس قانوني واضح» لمبدأ الانفصال الكردي عن عموم العراق، أو هو تمهيد لذلك. وهما أمران أحلاهما مر.

للعلمانيين وغير المسلمين أن يعترضوا على عبارة: «وهو جزء من العالم الإسلامي» لهم أن يقولوا: «والشعب المسلم فيه جزء من العالم الإسلامي» إذ ما كل الشعب مسلم.

وهذا البند الركيك والهزيل يذوِّب الهوية والامتداد الحضاري والتاريخي، ولو تعرض كردستان العراق لا سمح الله لاعتداء عسكري فإن الدول العربية غير ملزمة بالدفاع عنه، لأنه ليس جزءاً من الأمة العربية.

الأكراد لا ينظرون إلى أبعد من أنفسهم، ويريدون تحقيق مكاسب قومية عاجلة تمهد لهم سبيل الانفصال والاستقلال التام وفي ذلك تحقيق لما يحلمون به، وهم مخطئون في تقديرهم المصلحي، ومصالح الدول الكبرى قد تحول دون تحقق ذلك، إضافة إلى ممانعة دول الإقليم كسوريا وتركيا وإيران وتخوفهم من هذا المشروع المشبوه.

- المبادئ الأساسية: المادة (٥) :

السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات. أ. هـ.

هذه صياغة وضعية لا إسلامية، لأن مصدر السلطات والتشريع هو (الإسلام) وليس (الشعب) ، والعبارة تمر على كثير من أهل النظر من غير أن يلتفتوا إلى تعارضها مع دستورية القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بوصفهما مصدرين أساسيين للتشريع في أي مجتمع مسلم يدرك حقيقة الإسلام.

- المبادئ الأساسية: المادة (٧) :

أولاً: يحظر على كل كيان أو نهج أن يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له.. إلخ أ. هـ.

هذه المادة غير أصولية وغير قانونية، وهي من املاءات الواقع السياسي المرير الذي يمر به العراق، ولا يمثل حالة ثابتة أو دائمة أو أصيلة.

والذي يهمنا هنا: هو خطر النهج التكفيري أو التحريض على التكفير أو التمهيد أو التمجيد أو الترويج أو التبرير له. وهي مادة غريبة جداًً؛ إذ قد يكون (التكفير) حكماً إسلامياً قائماً على نصوص قطعية من الكتاب السنة فكيف يمنع بالدستور؟

ثم إن المذاهب من سنة وشيعة فضلاً عن الأديان الأخرى يوجد فيها تكفير كما في تراثها؛ فهل نلغي التراث بجرة قلم خطها رجل يشكو من «عقدة التكفير» ؟

ثم ما الذي أقحم «قضية التكفير» في الدستور، وهل لهذا نظير في كل دساتير العالم.. وما الذي ألجأ المشرعين إليه؟

كثير من أعضاء الجمعية العمومية يتبنى «منهج التكفير» للمخالفين له في المذهب أو الرؤى الأساسية، وليس فيهم من لا يكفر النصارى أو (اليزيدية: عباد الشيطان. وبناء على دستورهم ينبغي عليهم أن يتخلوا عن «نهج التكفير» وفي ذلك الضلال المبين.

- المبادئ ألأساسية: المادة (٧) :

ثانياً: تلتزم الدولة محاربة الإرهاب بجميع أشكاله.. إلخ. أ. هـ.

وهنا وقفات مهمة:

ينبغي: أولاً: تحييد معنى الإرهاب وصوره وأشكاله شرعاً وقانوناً، وأن لا يقتصر على العبارات الإنشائية العامة والمصطلحات غير المعرَّفة.

وإذا كان القضاء في الغرب متخبط في تعريف الإرهاب وتحديده؛ فما بالك بالمشرع العراقي وهو مأسور بقيود الاحتلال وإملاءات الانحياز المذهبي أو العرقي أو الطائفي؟

هل مقاومة المحتل من الإرهاب الذي ستلتزم الدولة محاربته نيابة عن قوات الاحتلال؟

هل ضرب الاقتصاد الأمريكي ومنشآته ومراكزه وقواعده ومن يمكِّن له من الشركات والمؤسسات من الإرهاب؟ مما يلزم تحديد المصطلحات بشكل دقيق.

- المبادئ الأساسية: المادة (٩) : فقرة (هـ) :

تحترم الحكومة العراقية وتنفذ التزامات العراق الدولية الخاصة بمنع انتشار وتطوير وإنتاج واستخدام الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية، ويُمنع ما يتصل بتطويرها وتصنيعها وإنتاجها واستخدامها مع معدات ومواد وتقنية وأنظمة للاتصال. ا. هـ.

هذه الفقرة كأنها فقرة من لوائح «مجلس الأمن» كتبت ووضعت هنا لتكون دستوراً للعراقيين ولقرون مؤبدة كما يتصورون.

طرحنا واقعي.. فيجب الإشارة إلى إلزام العدو الصهيوني ودويلة إسرائيل المسخ بهذا القرار لكي يشمل كل دول المنطقة. أم أنه حرام على العراقيين وبنص الدستور وحلال على اليهود؟

لماذا يُضاف هذا البند إلى الدستور؟ لقد منعوا وبشكل مؤبد حق العراق في شراء أو إنتاج أو تطوير الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية وكل ما يتعلق بها. وهذا بلا ريب من الأهداف الاستراتيجية لأمريكا في احتلالها للعراق؛ فهل سنبقى أسرى لأوامر من لا يرقبون فينا إلاًّ ولا ذمة؟

- المبادئ الأساسية: المادة (١٠) :

العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق كيانات دينية وحضارية، وتلتزم الدولة تأكيد وصيانة حرمتها. ا. هـ.

لم تُذكر المساجد والجوامع، والبند عبارة عن اجتهاد مذهبي شيعي لا داعي لإقحامه في أصل الدستور!

وعلى الدولة تأكيد وصيانة حرمة المساجد (بيوت الله) التي يُذكر فيها اسمه ـ تعالى ـ قبل القبور والمشاهد والمقامات والعتبات.

- المبادئ الأساسية: المادة (١١) :

بغداد عاصمة جمهورية العراق. ا. هـ.

كانت هناك (محاولات مشبوهة) لتغيير العاصمة كما في المسودة السابقة «ويجوز اتخاذ عاصمة أخرى بقانون» ثم ألغي بعد المناقشات على ما يبدو فالحمدُ لله.

- المبادئ الأساسية: المادة (١٣) :

أولاً: يعد هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق. ا. هـ.

عبارة فيها (مضاهاة للقرآن الكريم) يجب أن تحذف وتشطب، ولا أدري كيف رضي بها من ينعتون أنفسهم بـ: (الإسلاميين) ؟!

إن القانون الأسمى والأعلى في العراق هو القرآن لا الدستور المتناقض الذي ينطبق عليه قول الحق ـ جل وعلا ـ: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] .

- الباب الثاني (الحقوق والحريات) : الفصل الأول: الحقوق:

أولاً: الحقوق المدنية والسياسية: المادة (١٤) : العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي. ا. هـ.

نسأل رئيس لجنة صياغة الدستور الدكتور همام وهو حوزوي معمم: ما هو حكم المرتد في نظركم وبحسب دستوركم؟

المسلم الذي يتحول إلى الكفر والإلحاد: ما حكمه؟

بحسب هذه المادة. لا شيء عليه! وهذا يتعارض مع ثوابت الإسلام وأحكام القرآن. {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}

[الصافات: ١٥٤] ؟!

- المادة (٤٠) : أولاً: أتباع كل دين أو مذهب أحرار في:

أ- ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية. ا. هـ.

لماذا هذا التنصيص والتخصيص؟!

من يسمى بالسلفي له أن يقول: «والشعائر السلفية الثابتة في الإسلام» كإعفاء اللحى وتقصير الثوب. فإن قيل: الشعائر الحسينية مستهدفة. قيل لهم: كذلك تلك الشعائر، وعلى الدستور أن يكفل الكل، أو يعدل. يبدو أن كتبة الدستور مأسورون بعقدة النظام السابق.

[يريدون أن يراعوا أحقية الشيعة فقط أم أنها إشارة دستورية يراد منها شرعية تلك الشعائر] ؟

- الحريات: المادة (٤٣) :

ثانياً: وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان. ا. هـ.

ينبغي أن يضاف إليها: والتشريع الإسلامي.

- الباب الثالث: الفصل الأول: السلطة التشريعية:

المادة (٤٩) صيغة اليمين الدستورية لأعضاء مجلس النواب.

لم يتضمن القسم «الحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً» وهو أمر مريب. ويبدو أن هناك (طبخة) لتفتيت العراق (*) !

تنبيه: لم يتضمن (نقد مسودة الدستور) الباب الثالث (السلطات الاتحادية) وكل ما يتفرع عن الفيدرالية؛ لأنها مرفوضة من قِبَل أهل السنة وبعض من يتفق معهم من مكونات الشعب العراقي جملة وتفصيلاً.

وموقف أهل السنة من الفيدرالية بيَّنه الدكتور حارث الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في حديثه لقناة المجد الفضائية مساء ٢٨/٨/٢٠٠٥م. ويتلخص بالآتي:

١ - إن مشروع الفيدرالية قنطرة لتقسيم العراق.

٢ - إن لم يكن التقسيم؛ فتفتيت وحدة العراق وإضعافه.

٣ - إن فيدرالية الأكراد قائمة على أساس عرقي وهو أمر مرفوض! [مع الاعتراف بخصوصية الوضع في شمال العراق] .

٤ - إن الفيدرالية التي يطالب بها بعض الشيعة من الأحزاب السياسية قائمة على أساس طائفي وهو أمر مرفوض.

٥ -إن غالبية الشعب العراقي يرفض الفيدرالية بهذا الشكل.

٦ - المفهوم من التجارب الاتحادية أن ثمة دويلات أو كيانات متفرقة تتحد فيدرالياً في دولة اتحادية، وهؤلاء يريدون من العراق وهو دولة واحدة عبر تاريخه أن يفتتوه إلى أقاليم وفيدراليات ضعيفة! [يجزئونه عرقياً وطائفياً، ثم يوحدونه فيدرالياً] !!

إذن: المشكلة هي الطائفية.

وقد أشار إلى ذلك (عادل العامري) رئيس منتدى العراق الإعلامي في حديثه لإحدى الفضائيات بقوله: «المشكلة في لجنة صياغة الدستور؛ إنها بنيت على أساس المحاصصة (العرقية والطائفية) . وهذا هو مكمن (الخطر) » .

وإضافة إلى ما ذكرناه عن الدستور من الأخطاء القانونية والثغرات والنواقص الواضحة؛ فقد أشار بعضهم إلى الخطوط العريضة الآتية:

أ - لم تشر مسودة الدستور إلى طبيعة النظام الاقتصادي المستقبلي للعراق.

ب - لم تشر إلى الموارد والثروات: هل ملك للشعب، أم الدولة؟

ج - مع التسليم بالفيدرالية: ما هي الضمانات الدستورية للحكومة الاتحادية لتوفير استحقاقاتها من الثروة القومية؟

[بحسب الشائعات التي تطلقها وسائل الإعلام ستقوى الأقاليم ويضعف المركز] !!

د - لم تشر إلى قوات الاحتلال وواقع الاحتلال وقواعد الاحتلال مطلقاً.

خلاصة موقف أهل السنة في العراق من مسودة الدستور الحالية.

في الخامس عشر من ديسمبر (تشرين الأول) سيزحف كل شرفاء العراق إلى صناديق التصويت وسيُجمِعون على كتابة (لا) في الموضع المحدد لها في ورقة التصويت، ويبقى قانون إدارة الدولة على رفض مسودة الدستور وعدم إقرارها إذا رفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر.

إن الاستفتاء سيتضمن سؤالاً واحداً هو: هل توافق على مسودة الدستور، أم ترفضه ولا توافق عليه؟

والاستفتاء هنا يتضمن الإجابة بنعم أو لا بالنسبة لجميع الأحكام الواردة في الدستور، إذ ليس للناخب أن يوافق على بعض أحكام الدستور ويرفض بعضه، وإنما عليه الموافقة على جميع أحكام الدستور أو رفضها بأجمعها؛ فليس له التفريد أو التفريق أو اختيار الجزء ورفض الجزء، والموافقة هنا يشترط فيها الموافقة الأغلبية البسيطة وهي موافقة (٥٠%+١) من الناخبين، فلو فرضنا أن عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في الاستفتاء ١٤ مليون ناخب، وكان عدد من قال (نعم) أكثر من سبعة ملايين فإن الدستور يعتبر مصادقاً عليه من قِبَل الشعب لأن هذا العدد يزيد على نصف الناخبين؛ مع ملاحظة أن الموافقة تتم على جميع الدستور وليس على بعض أحكامه؛ لأن الإجابة تكون (نعم) للكل أو (لا) للكل.

وبعد موافقة أكثر من نصف الناخبين في جميع العراق فإن (المادة ٦١/ج) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية تشترط عدم رفض الدستور من (ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر) فلو فرضنا أن عدد الناخبين في المحافظة (أ) تسعمائة ألف ناخب فإن عدم موافقة ثلثي الناخبين يشترط أن يقول ستمائة ألف ناخب (لا) في صناديق الاقتراع، ولا يقبل أقل من هذا العدد حتى ولو كان جميع من أدلى بصوته في صناديق الاقتراع.

فلو فرضنا أن عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم ٥٩٩ ألف ناخب وجميعهم قالوا (لا) فلا أثر يترتب على قولهم هذا وإن كان يمثل نسبة ١٠٠% من عدد المصوتين، ولكن لا يحقق ثلثي الناخبين؛ لأن القانون أخذ بالاعتبار عدد الناخبين (electors) وليس عدد المصوِّتين (voters) . والأمر نفسه يقال على عدد الناخبين في المحافظة (ب) التي يبلغ عدد الناخبين فيها ٦٠٠ ألف ناخب؛ فإن الأمر يتطلب ٤٠٠ ألف صوت (لا) باعتبارهم الثلثين، والأمر نفسه للمحافظة (ج) الذي يبلغ عدد الناخبين فيها ٤٥٠ ألف صوت فإنه يشترط وجود ٣٠٠ ألف (لا) في صناديق الاقتراع.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن حق ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات يكون لمرة واحدة فقط وفق الفقرة (ج) من المادة (٦١) من قانون إدارة الدولة العراقية؛ لأنه في حالة عدم موافقة أغلبية الشعب أو عدم موافقة ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات فإن الاستفتاء سيتم وفق أحكام الفقرة (٥) من المادة نفسها وهذه الفقرة لم تمنح ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات هذا الحق مرة ثانية، ولأن هذا الحق استثناء من القاعدة العامة والاستثناء لا يجوز التوسع في تفسيره أو القياس عليه، كما أن هذا الحق (النقض) الممنوح لثلاث محافظات يخالف المبدأ الديمقراطي ـ بحسب ما يراه واضعوه ـ والذي يجعل قول الأغلبية له السيادة (أي أغلبية محافظات العراق الأخرى) .

ما يترتب على عدم الموافقة على الدستور؟

في حالة عدم موافقة أغلبية الناخبين العراقيين (أي أكثر من نصف من أدلى بصوته) أو في حالة رفض الدستور من ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات فأكثر (وهذا ما نعول عليه) فإن الجمعية الوطنية الحالية يتم حلها وتتم الدعوة لإجراء انتخابات لجمعية وطنية جديدة، وبعد إكمال الكتابة يتم طرح مسودة الدستور للاستفتاء العام على أن يتم إجراء انتخابات الجمعية الجديدة قبل نهاية هذه السنة وفي جميع الأحوال لا بد أن يتم إكمال الكتابة والاستفتاء والموافقة على الدستور وإجراء انتخابات جديدة وفقاً لأحكام الدستور الدائم الذي حصلت الموافقة عليه، وليس وفقاً لقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الذي يعتبر منتهياً بدخول الدستور الجديد حيز التطبيق، ويتم تشكيل حكومة جديدة وفق الدستور الدائم الجديد.

وبعد: فأهل السنة ليسوا وحدهم في خيارهم المصيري الوطني هذا؛ فهناك قوى وحركات ومكونات تقف الموقف ذاته الرافض للدستور لما ترى فيه من الغبن والتهميش فضلاً عن البنود المشبوهة، وما المظاهرات ومظاهر الاعتراض التي شهدها الشارع العراقي مؤخراً من التركمان والتيار الصدري العريض والنخب المثقفة ووجوه العشائر وبعض الطوائف والأديان إلا دليل صارخ على الوعي السياسي والوطني لهذا الشعب العظيم.

وإن محاولات (التمرير) لمشاريع الاحتلال والوصفات الأمريكية الجاهزة لا يمكن أن تنطلي عليه أو أن تمر عليه بسذاجة مفرطة؛ فالأوراق مكشوفة، ودعاة السلام والوطنية من أهل السنة مع مؤيديهم لمنصورون بإذن الله.

وما ذاك على الله ببعيد.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: ٧] .


(*) كاتب عراقي.