للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملفات

قضية القيم

بين الاقتصاد الغربي العلماني والاقتصاد الإسلامي

حسن الأشرف [*]

من أهم العلوم المعاصرة علم الاقتصاد؛ لأن المعاملات المالية من بيع وشراء

ورهن وإجارة وشركات ومصانع تعتبر عصب الحياة، وخاصة بعد ذيوع

الاختراعات الحديثة مثل الكمبيوتر وشبكة الإنترنت وغير ذلك. ويظل السؤال:

هل الاقتصاد علم أخلاقي أو هو علم غير مرتبط بالأخلاق؟ سؤالاً محورياً لكل

تحليل علمي منطقي ورصين، فلقد ارتبط الاقتصاد منذ قرون خلت بالمنهج

الوضعي الذي يعتبر الإنسان مصدراً أساسياً للمعرفة؛ ومن ثم لم يعد يرتبط هذا

العلم بالأخلاق، فالاقتصاد من المنظور الوضعي يبحث فيما هو كائن فعلاً، في

حين تهتم الأخلاق بما يجب أن يكون.

وانطلاقاً من هذه الرؤية «لا يمكن للاقتصادي أن ينسب لنفسه أي حق خاص

في تقرير القيم الأخلاقية التي ينبغي أن تسود في المجتمع، لهذا يقول العاملون

بالمنهج الوضعي إن علم الاقتصاد لا علاقة له بالأخلاق» !

إن صراع القيم لم يقتصر على الأخلاق فحسب، بل إنه صراع تعدى ذلك

ليتجسد أكثر وضوحاً وعالمية وشمولية في العلاقات الاقتصادية الدولية. فالاقتصاد

الوضعي الغربي والأمريكي يستمد وجوده من قيم خاصة به لا تراعي للأخلاق وزناً

ولا همّاً، فعين الفاعلين الاقتصاديين في الغرب تنكب على الربح باعتباره غاية لا

وسيلة؛ أما الاقتصاد الإسلامي فمنبعه فروض وضوابط مستقاة من النصوص

الدينية التي تعتمد على قيم الأخلاق الفاضلة. ولأن اقتصاديات الدول الغربية هي

الأقوى حالياً؛ فإنها بسبب ما يسمى بالعولمة والنظام الدولي الجديد؛ صارت تصدّر

قيمها الخاصة إلى بلداننا الإسلامية فلا نكترث لخطورتها أحياناً، ولا نهتم بها أحياناً

أخرى.

* القيم الاقتصادية الغربية والأمريكية:

إنها قيم تعتمد على القوة وحس المغامرة، وعلى القدرة والصمود في وجه

التقلبات المالية والدعايات الإعلامية والإشاعات والمضاربات التجارية، فهذه القيم

يسعى صانعوها العلمانيون إلى تصديرها وتثبيتها داخل الأمة الإسلامية؛ من أجل

السيطرة على مفاتيح اقتصادها ونهب خيراتها وثرواتها، وأهم ما يميز هذه القيم هو

ما اصطلح عليه من قبل الكثيرين بالعولمة أو الشمولية أو غيرها من المصطلحات

الدخيلة على مفهوماتنا الإسلامية البحتة. والعولمة هنا تحتمل أوجهاً عديدة، فهناك

عولمة الوهم أو تصدير الحلم بنقل التقنية إلى البلدان الإسلامية التي تنسى «أن

التكنولوجيا (التقنية) هي استثمار بالأساس؛ لذا سيكون هذا التفكير نوعاً من

الوهم» .

وهناك عولمة الازدهار والبؤس؛ فلقد أدت العولمة إلى تقدم ونماء اقتصاد

البلدان المعولمة وإلى بؤس البلدان النامية. ولقد استطاعت هذه البلدان الغربية

«أن تجعل العولمة الاقتصادية وقفاً عليها وحدها دون ما سواها؛ ما دام أن

هذه البلدان بفضل المنظرين والخبراء وعولمة أدائها عرفت كيف تتفادى أن

يكون ثالوث الفقر والمرض والجهل عالمياً - أي أوروبياً وأمريكياً -، وسخرت

مختلف تقنياتها ليكون الثالوث ملصقاً بالبلدان الإسلامية» .

أما عولمة التبعية فيلخصها بشكل واضح الصحافي الأمريكي المعروف

«فريدمان» ، حيث يقول: «ينبغي على المسلمين والعرب أن ينتبهوا

لتغير الميزان الدولي، وحتمية تقبلهم التغيير سياسياً واقتصادياً وتقنياً وثقافياً، لكي

يلحقوا بالركب وإلا ظلوا خارج العولمة وبالتالي ينتهون» .

وهو قول بليغ يوضح كيف يفكر العلمانيون، بل كيف يرغبون في أن تصير

الأمة الإسلامية تابعة لهم، لا هوية لها ولا شأن ولا قيم أخلاقية يسيرون على هداها؛

لكن سيخيب مسعاهم بإذن الله عز وجل.

يقول الأستاذ برهان غليون: «العولمة عبارة عن ظاهرة ثورية تقنية علمية،

قائمة على تطور تقنية الاتصالات والكمبيوتر، وعلى خلفية التغير الكامل في جل

العلاقات الدولية» ، ويضيف: «بينما توفر العولمة فرصًا للتنمية والتعاون

والتكافل؛ فإنها في المقابل تهدد بضرب حضاراتنا ومجتمعاتنا الإسلامية، وهنا

بالذات يُطرح التساؤل حول كيفية التأقلم» .

إنه تساؤل تصعب الإجابة عنه، خاصة عندما نعلم مدى الضغوط المتعمدة من

طرف (اللوبيات الغربية العلمانية) على كل فكر اقتصادي إسلامي طموح. فمن

أبرز الأمثلة على الضغوطات التي تمارسها القوى الاقتصادية الأجنبية على الأفكار

الاقتصادية الناجحة، هناك المؤسسات المصرفية أو البنوك الإسلامية التي أنشئت

بسبب الربا الذي عمّ جميع المؤسسات المالية في العالم، لهذا لاحت فكرة مشروع

البنوك الإسلامية، لكن حملات الحقد زادت على الإسلام وأهله ومحاربة المسلمين

في مؤسساتهم وأسلوب حياتهم؛ بإلصاق تهم التأخر أو الجمود أو الرجعية أو

الإرهاب بهم، وليس هذا الحقد الدفين سوى وجه آخر من وجوه الغل الصليبي

واليهودي للمسلمين؛ ولقد قال الله عز وجل مشيراً إلى ذلك الغل والحقد بقوله:

[وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] (البقرة: ١٢٠) .

إن النظام الربوي المعمول به في البنوك العالمية يكرس مظاهر الاستغلال

والبطالة والظلم الاجتماعي. لهذا صار لازماً أن يتسع إشعاع المؤسسات المصرفية

الإسلامية لتضحى هي البديل الحقيقي للاستثمار الربوي الشائع بكثرة، والذي يعتمد

أساساً على مبدأ الاقتراض الزمني الذي يعود تقديره على العامل الزمني وحده،

ومن ثم تنشأ علاقة استغلال وإجحاف بين أطراف التعاقد الاستثماري؛ على عكس

نظام الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي المرتكز على توزيع الربح بين هذه الأطراف

على أساس من الواقعية في فرص الربح وحصوله؛ مما تنشأ معه علاقات عدل

وإنصاف بين مجموع الأطراف. وهكذا فالإسلام قد حقق التصور الصحيح الذي

ينصف أطراف العملية الإنتاجية أو الاستثمارية، وهو الشيء الذي يغيب عن

التشريع الاقتصادي الغربي.

* القيم الاقتصادية الإسلامية:

من المعروف لدى الفلاسفة والمفكرين أن الفكر لا ينبع من فراغ، وإنما

ينبغي أن يستند إلى معلومات صحيحة ودقيقة ومتفق عليها. والفكر الإسلامي يوجد

له أساس واضح وسليم يرتكز عليه هو النصوص الشرعية التي أوحى الله تعالى بها

إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وشرحها علماء الإسلام على مر العصور.

إن التحليل الاقتصادي باعتباره من الفكر الإنساني يقوم على محاولة فهم ما

يحكم الواقع الاقتصادي من أسس وركائز؛ وفي حالة الاقتصاد الإسلامي لا بد أن

يرتكز التحليل الاقتصادي فيه على الضوابط المستفادة من النصوص الدينية، وبذلك

يأتي التحليل بنتائج صحيحة.

من المنظور الإسلامي؛ يعد موضوع الاقتصاد والأخلاق موضوعاً لا يُتنازع

حوله، فلا اقتصاد بدون أخلاق. إن الاقتصاد الإسلامي تفريع على كل قيم الإسلام،

فهو اقتصاد قيمي.

إن الكثير من آيات القرآن الكريم عندما يكون الحديث فيها عن أمور اقتصادية؛

تكون الإشارة دائماً إلى القيم الإسلامية السمحة، مثال قوله تعالى: [أَرَأَيْتَ الَّذِي

يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ] (الماعون: ١-٢) ، ففي الآيتين إشارة

عظيمة إلى قضية التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، وضرورة إعطاء اليتيم

والمحتاج ما يعينه على نوائب الدهر. وكذلك الأمر في قصة أصحاب البستان

المذكورة في القرآن الكريم؛ وأيضاً قصة قارون، إن قارون (وما أكثر أمثاله في

عصرنا) كان مالكاً للمال الوفير، فهو بالتالي خاضع لأحكام قيمية. لقد كان قارون

يتصرف في ماله استهلاكاً وإنفاقاً وادخاراً؛ لكن القرآن الكريم سجل عليه عدة

انحرافات؛ منها: التعالي عن الناس - عدم مساعدة المحتاجين والفقراء والمساكين -

استخدام المال من أجل الطغيان وقهر العباد والسيطرة على البلاد.

إن هذا المال الذي طغى قارون بسببه؛ جعله الشرع الإسلامي محاطاً

بضوابط تبين طرق وأسباب وقواعد الحصول عليه وحفظه. إن الإسلام يعتبر

التنمية حقاً مشروعاً من حقوق الإنسان، فدعاه إلى استثمار كل عناصر الإنتاج

المشروعة في العمل ورأس المال والموارد الطبيعية، يقول الحق سبحانه: [هُوَ

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ]

(الملك: ١٥) . ولقد جاء علماء الاقتصاد المسلمون بخمس وسائل تفيد في حفظ

المال؛ أهمها أن لا ينفق المرء أكثر مما يكسب، وهنا تظهر العلاقة بين الإنفاق

والدخل؛ وأن يكون الرجل سريعاً إلى بيع تجارته، بطيئاً عن بيع عقاره؛ كما حدد

ذلك الإمام الدمشقي - رحمه الله -. أما القواعد الأخلاقية لحفظ المال وصونه

فتتمثل في القناعة، وشهامة النفس القوية، وفي طلب العلم وجمع المال، يقول

لقمان الحكيم لابنه: «يا بني! شيئان إن حفظتهما لا تبالي ما صنعت بعدهما: ابدأ

بدينك لمعادك، ودرهمك لمعاشك» . كما يلزم إنفاق المال في أبوابه؛ أي في

مجالات الخير والإحسان، وكل ما يعود على الشخص بالنفع في الآخرة، لكن مع

حسن تدبيره هذا المال. أما أسباب إضاعة المال فتكمن في كثرة المعاصي؛ لأن

المال تُخربه المعصية، وهذا حال قارون وأمثاله، وأيضاً في تبذيره، ولقد نهانا

الله عز وجل عن ذلك؛ لأن المبذرين إخوان الشياطين.

أما الغرب الكافر والعلماني؛ فإنه لم يضع أي ضوابط لكسب المال، فكل

شيء يجوز من أجل الحصول على حفنة مال، ويشجع قيم الاستهلاك السلبي،

وإضاعة المال في التفاهات، وإمساكه عن أبواب الجميل والمعروف والبر

والإحسان، والانهماك في اللذات والشهوات. إنها قيم خطيرة ما فتئ الغرب يدعو

إليها ويعمل على أن تعم بلداننا الإسلامية بشتى الوسائل ومختلف الأساليب.

لكن الإسلام الحكيم جاء بما يكفي، لقد جاء بما يمكن أن يحل المشكلات

المالية لكثير من المسلمين الفقراء، حيث إن الزكاة تغيث المسلم وتبعد عنه خطر

التشرد والجوع، تقول الدكتورة نعمت مشهور من جامعة الأزهر: «والآثار

الاقتصادية للزكاة تلقي بظلالها على كل من الفرد والمجتمع، يقول الله سبحانه

وتعالى: [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا] (التوبة: ١٠٣) . وهذا

خطاب عام لكل حاكم وليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم» ، يقول الدكتور

محمد عمر مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر لمجلة الوعي

الإسلامي: «الواجب على الحكومة طبقاً للأمر الإلهي القيام بشؤون الزكاة جمعاً

وتحصيلاً، وهو ما قام به الخلفاء الراشدون ومن تبعهم من الحكماء في عصر

الحضارة الإسلامية؛ إذ إنهم أنشؤوا المؤسسات لإدارة الزكاة مثل ديوان الزكاة

وبيت مال الزكاة، وفي الوقت المعاصر توجد كثير من الدول الإسلامية التي تطبق

الزكاة من خلال مؤسسات حكومية تشرف عليها، مثل المملكة العربية السعودية

واليمن وماليزيا ... » . وليست الزكاة وحدها التي تجب على المسلم لبلوغ قيم

التكافل والتضامن الاجتماعي الغائبة عن الأهداف المسطرة لاقتصاديات البلدان

العلمانية.

لقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزكاة، فقال: «إن في المال

حقاً سوى الزكاة» ، ثم تلا قوله تعالى: [لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ

وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى

المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ

وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ] (البقرة: ١٧٧) [١] ، فلقد جاء ذكر إيتاء المال مرتين: مرة عند إيتائه للمساكين، والثانية عند إيتاء الزكاة.

* أزمة القيم:

يعرّف الدكتور طه عبد الرحمن الفيلسوف المغربي «العولمة» بأنها:

«السعي إلى تحويل العالم إلى مجال واحد من العلاقات الأخلاقية عن طريق

سيطرة الاقتصاد الغربي والأمريكي في التنمية، وسيطرة التقنية في العلم، وهيمنة

الشبكة في الاتصال» .

وبهذه السيطرة يكون الاختراق الغربي العالمي للاقتصاد الإسلامي وقيمه

النابعة منه؛ قد أدى بشكل أو بآخر إلى خلخلة توازن مبادئ أخلاقية كثيرة، وقيم

إسلامية فاضلة.

يقول الدكتور طه عبد الرحمن في إحدى الندوات الفكرية: «على مستوى

التنمية الاقتصادية؛ يتم الإخلال بمبدأ التزكية، وعلى مستوى العلم يتم الإخلال

بمبدأ العمل، وعلى مستوى الاتصال يتم الإخلال بمبدأ التواصل» .

وللخروج من أزمة القيم والأخلاق التي أدت إليها العولمة والتغريب أيضاً فهما

وجهان لعملة واحدة يشترط هذا المفكر المغربي شروطاً ثلاثة:

أولاً: البحث عن نظام آخر غير نظام العولمة.

ثانياً: تحديد مصدر للأخلاق أقوى من المصدر الذي تعتمد عليه.

ثالثاً: الكونية بقصد إيجاد مجتمع كوني واحد.

إن القيم الإسلامية، إذاً، هي الكفيلة وحدها فقط بإخراج الإنسان المعاصر من

الأزمة الأخلاقية الفظيعة التي يعيش فيها، وذلك من خلال مفهومات التزكية وابتغاء

التعارف، ومن خلال قيم التسامح والتضامن والتكافل والتعاون على البر والتقوى

كقيم خلقية لنفي القيم المستوردة الآتية إلينا عن طريق سلوكات اقتصادية أجنبية

علمانية.

إن الفكر الاقتصادي العلماني هو فكر وحداني لا يقبل أن يشرك به فكر آخر،

وهو فكر اتباعي لا يحتمل الإبداع من الأفراد، وفكر تمجيدي لا يمارس النقد على

ادعاءاته، وفكر هرمي لا يجيز الاستواء بين عناصره، وفكر مصلحي لا يخدم إلا

أغراض القوى المهيمنة، وفكر مصنّع لا يقوم إلا على وضع الأفكار وتسخير أهل

الفكر.

يقول الدكتور طه إن هذا الفكر تبلور في ثلاث حلقات تشكل سلسلة واحدة،

وهي الحلقة الإعلامية التي تقدم الجانب السياسي على الجانب الاجتماعي، كما

تعمل على إضفاء المشروعية للقوى السياسية الحاكمة، والحلقة الاقتصادية التي

تقدم الجانب الاقتصادي على الجانب السياسي، وتعمل على جلب المشروعية للقوى

الاقتصادية المهيمنة، وهي حالياً القوى الغربية والأمريكية؛ وأخيراً الحلقة

المعلومية التي تقدم الجانب المعلوماتي على الجانب الاقتصادي.

إن الحلقة الاقتصادية في الفكر الاقتصادي العلماني لا تقوم على الأخلاق؛

حيث إنها تقع في ثلاث آفات، وهي: آفة اختزال الأخلاق في المنفعة والمصلحة

الذاتية، وتقديمها على أي مبادئ أو قيم إنسانية، وآفة تعميم مبدأ التسليع؛ حيث إن

كل شيء في هذا الاقتصاد الغربي معرّض لمقياس السلعة والعرض والطلب، ثم

آفة الانقياد لمسار العولمة؛ عولمة البؤس وعولمة الاستهلاك وعولمة القيم الغربية

المادية البحتة.

إن الاقتصاد الغربي العلماني يعاني هو أيضاً حسب ما ذكره الدكتور طه من

أزمة الصدق؛ أي إحداث الشرخ بين القول والفعل أو بين العلم والأخلاق، وأزمة

القصد أي غياب الهدف والمقصد، وهو يتبنى السببية والآلية في التفسير.

لكن يظل الحل هو التخلق الديني والتمسك بالقيم الإسلامية التي جاء بها

القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؛ بحيث تزود هذه القيم الاقتصاد بالأسباب

التي تؤهله لنفع وإفادة الناس.

* خاتمة:

يقول مفتي مصر السابق الدكتور نصر فريد واصل: «إن الغرب يركز على

القيم المادية والاقتصادية، ويهمل القيم الدينية والمعنوية، فضعفت مكانة الدين،

كما ضعف تأثيره في حياة الناس في المجتمعات الغربية. ولا شك أن نقل هذه

الأفكار إلى البلدان الإسلامية يعتبر من التيارات الفاسدة الوافدة التي يجب التصدي

لها بكل حسم وقوة ... لأن الإسلام يحتفظ بنقاء الإيمان وصفاء العبادة وقوة التأثير

... ففي مجال الاقتصاد في ديار المسلمين؛ يجب على علماء الإسلام أن يؤصلوا

موقف الإسلام من الاقتصاد بما ييسر على المسلمين معاملتهم، ويفتح لهم طرق

الاستثمار المشروع لأموالهم» [٢] .

وأضيف أنه على الأمة الإسلامية أن تحذر من خطر القيم التي ينتجها

الاقتصاد الغربي والأمريكي، والتي تهدف إلى التفرد بالمسلمين وأموالهم والعبث

بها، أو على الأقل استنساخ مجتمعات إسلامية على شاكلة المجتمعات العلمانية التي

لا تراعي لمسألة القيم إلاًّ ولا ذمة.

ويبقى في الأخير الجزم بأن القيم المعتبرة في الاقتصاد الإسلامي؛ هي أوسع

وأشمل من الأحكام القيمية المعتبرة في الاقتصاديات الغربية؛ بمعنى أن علم

الاقتصاد الإسلامي هو علم أخلاقي يرتكز على قيم إسلامية فاضلة، وجب على

المسلمين التمسك والتحلي بها؛ بغية الثبات والصمود في عالم معولم بشكل رهيب.


(*) ماجستير في الاقتصاد، المغرب.
(١) رواه الترمذي، وقال: إسناده ليس بذاك.
(٢) مجلة الوعي الإسلامي، العدد ٤٤١.