المنتدى
[مشاركة]
أحمد بن محمد أشرف بن أمين
إن الصحوة الإسلامية اليوم في مرحلة نضوج وإيناع؛ فهي قد اجتازت
مراحل الضعف التي مرت بها سابقاً، والتي كان لها أسبابها، ولست بصدد الحديث
عنها الآن؛ لأنني إنما أردت أن أكتب عن مشكلة تواجهها الصحوة، وهي بالطبع
ليست المشكلة الوحيدة، لكنها تستحق الاهتمام، وذلك لأنها تمس الوتر الحساس كما
يقولون وإني وإن لم أكن من الدعاة الذين عملوا من أجل الوصول بالصحوة إلى هذا
المستوى، أو من المربين الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل الرقي بجيل الصحوة
إلى هذا القدر؛ إلا أني أحببت أن أدلي بدلوي من حيث إني فرد من المسلمين الذين
تسرهم ظاهرة الرقي والرفعة، وتسوؤهم هذه الظاهرة أو المشكلة التي أنا بصدد
الحديث عنها، وهذه الظاهرة وهي ظاهرة خطيرة حقاً هي: (عدم الثبات على
المبدأ والتغير المفاجئ في الأفكار) ، ولست أعني بذلك التغير الناتج عن التصحيح
أو التصويب، إنما أقصد بذلك التغير إلى الخطأ.. وفي الحقيقة فهذه ظاهرة
أصبحت واضحة جلية للعيان، والعجيب في هذه الظاهرة أنها تحدث كلمح البصر
أو أقل من ذلك ولا أكون مبالغاً فيما أقول، فتجلس مع شخص من أولئك الذين هم
في الحقيقة ضعاف النفوس من الذين ساروا على الطريق مدة ليست بالقصيرة،
وتشبعت أفكاره بالأفكار الصحيحة المؤصلة، وإذا به عندما يتحدث ذو فكر معتدل
لا يحيد ولا يميل قد وافق بفكره نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة،
وعندما تقابله مرة أخرى بعد شهر أو حتى أسبوع أو أسبوعين فإذا هو شاهر سيفه
ينقض كل ما قاله، ويستند إلى أحداث ووقائع ومواقف، ربما يكون هو أحد أبطالها، ويجتهد اجتهادات باطلة لا أصل لها، ولا يقف عند هذا الحد، بل ويبدأ
بالمواجهة العمياء، فيتتبع العثرات والأخطاء، ويقول: أنتم فيكم كذا، وفيكم كذا،
وعندكم من الأخطاء كذا وكذا، ويبدأ يعدّ ويعدّ، ويتكلم ويُشهِّر، وما إلى ذلك مما
يقوم به أمثاله، وإذا حاولت معرفة سبب ذلك تجده إما تعصباً لشخص مَّا قد أخذت
الصحوة منه موقفاً لضرره، وإما تشدداً في أمر مَّا، وإما لأنه قرأ كتاباً منحرف
الفكر فتأثر به، وإما لأنه جلس مع فلان ممن هم أمثاله فأخذ يلعب بأفكاره يمنةً
ويسرة، أو لفهم خاطئ لشيءٍ مَّا، أو للبعد عن واقع الصحوة مدة معينة لسبب ما؛
حيث تأخذ الوساوس الشيطانية وخلجات النفس الشهوانية مسارها فيتأثر ويرى أن
فكره السابق إنما هو خطأ في خطأ، وهذا من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى ذلك في
الوقت الحالي، ولنذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما يأكل الذئب من
الغنم القاصية) [١] ، وهكذا، فإن هذا شيء يستدعي أن لا يُهمل حتى وإن كان في
زاوية ضيقة؛ فهل النار إلا من مستصغر الشرر؟ ولعل من المظاهر التي يتميز
بها هؤلاء التذبذب في الأفكار، فتجده يعجز عن المواجهة إذا ناقشته مناقشة عقلية،
وإن حاول الهروب من هذا العجز، فسيكون عجزه أكثر عند مناقشته بنصوص
القرآن والسنة ومعتقدات أهل السنة والجماعة، وسيحاول تأويل النصوص لكنه في
الحقيقة لن ينفك عن الاحتجاج بأي حجة على أنه لا يستطيع الكلام لسببٍ ما، أو
أنه يحتفظ بذلك لنفسه، وما إلى ذلك.
ولعل العلاج لمثل هذه الظاهرة موجود لدى المربين والدعاة وعلماء النفس
المعتدلين، ومتوفر في كتبهم، ولعل العلاج أيضاً من وجهة نظر خاصة يختلف من
شخص لآخر، إلا أنني أنادي المختصين من المربين وغيرهم بأن يبذلوا ما في
وسعهم لعلاج هذه الظاهرة المتفشية التي ربما كان لخصوم الصحوة دور كبير فيها،
وليس هذا إسقاطاً، ولكن لا بد أن تتوخى الأمة الحذر، وأن تعرف أعداءها
الحقيقيين، والذين من أخطرهم المنافقون لعنة الله عليهم.
(١) رواه النسائي، ح/ ٨٣٨.