نص شعري
[ما عذري؟]
د. عبد الغني بن أحمد التميمي [*]
(١)
أيجدي الدمع يا شيشان في تخفيف ما يجري
أيجدي أن تذوب قلوبنا جزعاً
لهول الهم والوزرِ
وما زلنا نعيش الصمت من قطرٍ إلى قطرِ
وما زلنا نَعيش الأسر أحراراً
ملايين تئن بذلك الأسرِ
(٢)
نسوّق هذه الأشعار كاسدةً
لنلحق آخر السعرِ
وأين يكون يا شيشان عند القصف
ديوان من الشعرِ
وماذا تدفع الكلمات من غزوٍ
يدكُّ الجوَّ بالبرِّ
وأين صقور أمتنا فما في الجوّ من صَقْرِ
وماذا تصنع الأقلام بالألغامِ
تنسف جامد الصخرِ
أسطرٌ واحد بالشجب منتضخٌ
نتيه بذلك السطرِ
ولو شعرت محابرنا
ولو عقلت منابرنا
لقاءت ذلك الكابوس
من شعرٍ ومن نثرِ
ولكن أضعف الإيمان أن نشكو
لمن نشكو
لذابحنا وطابخنا وساكبنا من القِدْر
(٣)
دعوني أقتلع يوماً
جذور الجبن من صدري
أحيل حروفيَ الخرساء في شفتي
إلى بحرِ
دعوني أرفع التكبير في الدنيا
فهذا مطلع الفجرِ
لماذا أخنق الكلمات في جوفي
وأدفن في عيوني الشمس من خوفي
لماذا أُخضع الأقلام تحت وصاية الحرف
وأنكر كل ما يجري
ولكن ذاك في سري
فما عذري؟
(٤)
إذا لم أبتذل روحي فِدا ديني
وأُرخص دونه عمري
وأقبض باليدين الجمر
لم أجزع من الجمر
إذا لم أطلق الكلمات حارقة
بملء فمي
فما عذري؟
(٥)
خذوا هذا الرصيد الضخم من لحمي
ومن عظمي ومن شعري
خذوا لحماً من الأكتاف
والأطراف والظهرِ
وصوغوا منه قنبلة
تفجّر ساعة الفجرِ
(٦)
أيا شيشان. معذرة
أعيرونا مدامعكم تعيد اللون في دمنا
فقد جفّت مدامعنا
أعيرونا مدافعكم تحيل ثلوجنا ناراً
فقد صدئت مدافعنا
أعيرونا شواظاً من بسالتكم يفجرّ نبعنا ماءً
فقد نشفت منابعنا
أعيرونا مراضع تنجب الأشبال
قد عقمت مراضعنا
أوانٍ نحن من شمع
نسيم الحرب يصدعنا
تقلُّبنا على الديباج يوجعُنا
أعيرونا عيوناً تعشق الأهوالَ
آذاناً تصيخ السمعَ
قد ثقلت مسامعُنا
وسوس الوهن ينخر في عزائمنا
أعيرونا لبعض الوقت بعضَ العزمِ
بعضُ العزم يرفعُنا
أعيرونا من الإيمان عشق الموتِ
حسن الظنّ، شيئاً من دواء الجبنِ
إنا أيها الشيشان يصلحنا تبرعكمْ
ويفسدكم تبرعُنا
أعيرونا لعل الله ينفعُنا
(٧)
أجل يا أيها الشيشان تشغلنا قضايانا
فتكفيكم ضحاياكم وتكفينا ضحايانا
وما للفقر؟
نسحق كلّ من يشكو من الفقرِ
وغيرُ النشر للأخلاق والأعناقِ
ممنوع من النشرِ
أجل يا قدس مشغولون في «هندامنا» العصري
وملء دفاتر التوفير أرقاماً
وعدّ الراتب الشهري
وماذا أنت يا شيشان، بل يا قدسُ
في قاموسنا المزري
ألم نكنسْ معاجِمَنا سوى من أحرف الجر
ونستبدلْ بأحرفنا حروف المعجم العبري
(٨)
أنا أدري
بما يجري، ولم أرفع به رأساً
فما عذري؟!
(*) أستاذ مشارك في الحديث الشريف وعلومه، عضو رابطة الأدب الإسلامي - الأردن.