شعر
[جزائر الخير]
د. عبد الرحمن صالح العشماوي
جزائرَ الخير أين الرائح الغادي أين «ابنُ باديسَ» أين الغصن والشادي
جزائرَ الخير تاه اللحن في شفتي وضاق عن حسراتي ثغرُ إنشادي
ووثَّق الحزن في قلبي روابطه وقد رأى من جراحي خيرَ إمدادِ
جزائر الخير لا ظلٌ ولا ثمرُ ولا خُزامى ولا فُلُّ ولا كادي
تصَّحرت أرضُ أحلامي، فقافلتي تسير فيها بلا ماءٍ ولا زادِ
نام الخليُّون في أحضان رغبتهم ونحن في أرقٍ مُضنٍ وتَسهادِ
نخشى على أَّمةِ الإسلام حين نرى قوافل الخير تمضي دونما حادي
نخشى من الراكبين الوهمَ، ما قطعوا شوطاً، ولا فتحوا باباً لإنجادِ
تعمى بصائرهم عن كلِّ منحرفٍ ويرصدون ذوي التقوى بمرصادِ
ما بالهم سلبوا عينيكِ نورَهما وكبَّلوكِ بأغلالٍ وأصفادِ
ما بالهم جعلوا الأبواب مشرعةً للغرب مغلقةً في وجه أجدادِ
ما بالهم جعلوا باريس قدوتهم ووجَّهوا نحوها وجدانَ منقادِ
ما للصحافة تجري في أعنّتها على مساحاتِ أوهامٍ وأحقادِ
ما بالُها لا ترى إلا الظلامَ ولا ترى معالم إنقاذٍ وإرشادِ
جزائرَ الخير ما بال الربيع شكا موت الزهور وصَمْت البلبل الشادي
ما لي أرى تلمسان الحبِّ واجمة وفي الجنوب أرى إطراقةَ الوادي
تدفُّقُ النور من كفيك أفزعهم والنور يُفزع من يَسعى لإفسادِ
وأبصروا من شباب الحقِّ همّتَه ما بين حافظ قرآنٍ وسَجَّادِ
فاستوقفوكِ على أبواب حيرتهم وحرَّكوا ألفَ كوهينٍ وحدَّادِ
تسعين في طرق الإيمان جاهدةً وتشرئبّين في شوقٍ إلى الهادي
وتنشدين لنور الفجر أغنيةً تسجلين بها تاريخَ ميلادِ
وهم يغنون ألحان الضياع وقد ملَّت ترانيمَهم أوتارُ أعوادِ
جزائرَ الخير ما هانت روابطُنا ولا خضعنا لأعداءٍ وحُسَّادِ
ولا خُدِعْنَا بأقوالٍ ملفقةٍ تُدار ما بين خرَّاز وزرَّادِ
بين المشاعر جسرٌ من عقيدتنا وبين أفواهنا جسرٌ من الضادِ
ما زلتُ أذكر مليوناً جماجهم شواهدُ العزِّ في تاريخِ أمجادي
روت دماؤُهم الأرضَ التي كسرتْ طَوْقَ الخضوعِ لأمر الغاصب العادي
جزائر الخير، هذا نَهْرُ صحوتنا ما زال ينبع من قافٍ ومن صادِ
ما زال يغلسنا من كل منقصةً فينا، لبسنا بها أثوابَ إخلادِ
غداً - بإذن إله العرش - سوف نرى كتائب الحق تمحو كلَّ إلحادِ
وسوف نمسح عن أجفان أمتنا ما خَلَّف الدمع من آثار إجهادِ
جزائرَ الخير، إني سوف أُعلنها صريحة ذات إبراقٍ وإرعادِ
الظالمون سواءٌ كيفما اختلفتْ أوصافُهم، كلَّهم «جزَّارُ بغداد»
تعدّدتْ رتب الأقوام واختلفوا وجمَّعتْ بينهم أوصافُ جلادِ
هذا ندائي فيا دنيا اسمعي وخذي وبلِّغي، وافهمي معناه وازدادي:
يا ساسةَ القمع: هذا صوت أمتنا يقول: لا تقتلوا بالظلم أولادي