للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من يشكّلُ وجدان أطفالنا ووعيهم بالحياة؟!

استطلاع أدبي للبيان

محمد شلال الحناحنة

أطفالنا براعم غضّة تحتاج منّا الكثير من الرّعاية والسقاية، وتحتاج أنْ نحنو عليها، ونقوّم أغصانها الصغيرة، وأنْ نحوطها بوعي العقول الراشدة، والقلوب الدافئة أمام العواصف العاتية؛ فهل استطعنا من خلال أدبنا أنْ نشكّل وجدانهم ووعيهم بالحياة، أم تركنا ذلك للفضائيات الهابطة، والبرامج المغرضة التي تحاول نزعهم عن هويتهم؟!

هذا السؤال وغيره كان مدار استطلاع أدبيّ للبيان من خلال حوارات مع عدد من الأدباء؛ وقد جاء لقاؤنا الأوّل مع القاص الكاتب (خليل الصماديّ) الذي نشر أكثر من مجموعة قصصيّة للأطفال، كما أنّه مهتمٌّ بتراثنا الإسلاميّ بكتاباته المتعدّدة في هذا المجال، وقد أجابنا عن تشكيل وجدان أطفالنا قائلاً:

- براعمنا الغضّة:

.... أطفالنا براعمنا الغضّة، وهم أوعية تتلقّى كُلّ يوم مؤثرات من البيئة المحيطة بهم، وهم بحكم سنّهم لا يميّزون بين الغثّ والسمين، وقد تكون هذه المؤثرات إيجابيّة وتربويّة، فتصقل عودهم على مكارم الأخلاق، وقد تكون سلبيّة، فتؤدي إلى الانحراف والميل عن جادة الصواب، ولا سيّما إذا اشتدّ عوده، وبلغ سنّاً لا يفيد معه الإصلاح والتهذيب، وكما قال الشاعر:

إنّ الغصون إذا قوّمتها اعتدلتْ ولا يلين إذا قوّمته الخشبُ

كان الأطفال فيما سبق قبل الفضائيّات يتلقّون ثقافتهم غير المنهجية عن طريق القصص، ومجلات الأطفال التي غالباً ما يختارها الأبوان أحدهما أو كلاهما، وأغلب هذه المطبوعات تربويّة وجيّدة، وضعها عددٌ من التربويين والحريصين على تنشئة الطفل بما لا يصادم ثوابتنا، أمّا قبل انتشار المجلاّت والقصص، وفي القرون الغابرة، فقد كان الآباء يحرصون على تلقي أبنائهم الآداب النافعة؛ فالقادرون منهم كانوا يحضرون لهم المربين، والمؤدبين، ويوصونهم بجملة من الوصايا حفلت بها كتب الأدب. أمّا اليوم في عصر الفضائيات الهابطة فقد تقلّص دور المجلّة والقصّة والمربّي والمؤدّب إلى حدّ كبير، وصار الاعتماد على الفضائيات جليّاً، وانعكس ما تبثّه على أبنائنا، فأثّرت فيهم تأثيراً واضحاً، ولا سيّما المولعون منهم بالبرامج الغريبة عن ديننا ولغتنا وعاداتنا وتاريخنا، حتى كادت تنزعهم عن أصالة مجتمعهم!

- متى نستثمر الأدب الأصيل؟!

وإذا كان القاص خليل الصمادي يرى تراجع الأدب الأصيل أمام برامج الفضائيات الكثيرة في عصرنا؛ فإنَّ الروائي الدكتور عبد الله بن صالح العريني يدعونا إلى استثمار أدبنا في توجيه أطفالنا، وتشكيل وجدانهم، رغم إقراره أنّ أدبنا الأصيل ما زال محدوداً في تأثيره من ناحية قلّة النصوص الموجهة للأطفال، وقلّة جودتها، وحين حاورناه أجاب قائلاً:

- فترة الطفولة فترة مهمّة في حياة الإنسان، وكما ذكرتم ففيها تتشكّل أكثر قيم الإنسان مدى حياته، ولا ريب أنّنا نجد ديننا القويم يستثمر هذه المرحلة، ويعمّق من خلالها واجبات الدين الإسلاميّ بالأمر بالصلاة، والتعويد على الصوم، وتصبيرهم عليه، والبعد عن الكذب، وغير ذلك.

وكانت الطفولة قبل زمن الإنترنت والفضائيات، والضغط الإعلامي المكثّف لا تجد تحدّياً صارخاً كالذي تجده الآن.

وحين نوازن بين دور الأدب الأصيل، ودور الفضائيات، ومثلها المجلاّت المصوّرة، والألعاب الإلكترونية نجد أنّ دور الأدب الأصيل ما زال محدوداً جدّاً في التأثير من ناحية (الكم والكيف) معاً.

لكن ذلك لا يعني عدم جدوى الأدب الأصيل في تشكيل وجدان الأطفال، بل له دوره متى ما استثمر بشكل تتابعي متصل؛ بحيث لا يتيح (لغول) الفضائيات والألعاب الإلكترونية أن تستقطع مساحة كبيرة في البرنامج اليومي للطفل.

- أين كان المسلمون ومعاول التهديم تعمل؟!

أمّا الشاعر الدكتور (عدنان علي رضا النحوي) في لقائنا معه، وسؤالنا له عن تشكيل وجدان أطفالنا اليوم، فقد فتحتْ إجابته الكثير من الجراح والمواجع، وبدل أنّ نسأله أضحى يسألنا بمرارة وأسى:

- أين كان المسلمون خلال السنين الماضية، ومعاول التهديم تعمل؟ فما نهضت الأمّة، ولا وعت حقيقة مشكلتها، حتى أصبح دورها الواقعي الاستسلام في الميدان السياسي والعسكري، والاقتصادي والعلمي، حتى في الميدان الأدبي، حققت عوامل التهديم خطوات ليست بالقليلة.

إنَّ المسؤولين عن تشكيل وجدان الطفل ووعيه هما الوالدان، حسب حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه» ، ثم تمتدّ المسؤولية إلى كُلّ عنصر عامل في المجتمع، مؤثر في حياة الطفل، ونذكر أهمّها: المسجد، المدرسة، وسائل الإعلام، الرفقة، وتمتدّ المسؤولية في حياة الطفل إلى كُلّ مسلم مسؤول عن حماية المجتمع من تسلّل الفساد ووسائله، وكذلك حسب حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم -: «كُلّكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيّته» .

ولكن المشكلة اليوم ليست فقط في تحديد المسؤول عن تشكيل وجدان الطفل ووعيه، فيه وحده، ولكن المشكلة تتضّح حين نسأل: متى بدأت، وكيف امتدّت إلى يومنا هذا؟! لقد مرّ العالم الإسلاميّ في مراحل وصلت به إلى ما نراه عليه اليوم: الفضائيات والبرامج الهابطة دخلت العالم الإسلاميّ بعد أن دخلته عوامل أخرى كثيرة من الفساد امتدّت فيه، وانتشرت ولعبت دوراً خطيراً في إفساد الأجيال، فتعاونت كلّها مع الفضائيات.

وليست الفضائيات وحدها مسؤولة عن إفساد البناء والإعداد والتربية، ولكن الواقع كلّه يشهد ظروفاً صعبة تساهم في ذلك.

والسؤال المهمُّ لدينا: من هو الطفل الذي نريد تشكيل وجدانه ووعيه؟! أهو طفل فلسطين أم العراق أم أفغانستان أم الأطفال المشرّدون الذين ينامون على الأرصفة يتضاغون جوعاً، أم أولئك الذين يعيشون في بيوت من الزنك في أجواء تهدّدهم بالأمراض والموت، أم الأطفال الذين يخطفون ويباعون أو يقطّعون لتباع قطعهم في جنون التجارة؟!

إنّنا بحاجة إلى خطّة شاملة، ونهج متكامل ينقذ الإنسان المسلم طفلاً وفتى، رجلاً وشيخاً وامرأة..! وكخطوة مبدئية يجب أنْ ينهض من يفيق من الآباء فيلتزم هو وأسرته بأمرين أساسين، ندعو إليهما من خلال منهج أوسع، هما: جلسة العائلة، والمنهاج الفرديّ لكلّ بيت مسلم، ولكلّ مسلم.

جلسة العائلة هي التي يلتقي فيها الأب مع أسرته، زوجته وأولاده في لقاء منهجيّ يحمل منهجاً محبّباً للأبناء، يتدّرج في مادته مع الأيّام، ينطلق من آيات كريمة، وأحاديث شريفة، وقصّة ممتعة، ولمحة عن الواقع، وقاعدة لغوية على قدر استيعاب الأبناء، وعلى قدر أعمارهم، على أن يكون اللقاء شائقاً، لا تطول مدّته إلا بقدر ما يأنس به الأبناء.

أمّا المنهاج الفردي فهو نظام دراسة منهجيّة مخطّط لها، تشمل مواد القرآن الكريم في تلاوة يوميّة، وتدبّر وحفظ ومراجعة، وسنة، ولغة عربيّة، وأحداث واقعيّة، وعلوم مساعدة من خلال نماذج متعدّدة، تتدّرج حسب نموّ الطفل المسلم على تحمَّل المسؤولية، والتعلّم الذاتي تحت الإشراف والتوجيه والمراقبة.

ويجب أنْ يتمّ تنفيذ هاتين القاعدتين في جوّ من الحنان والحبّ والاحترام، وجوّ من المتعة والرغبة والتدرّج.

وبهاتين القاعدتين يتدرّب الطفل على تحمّل المسؤولية، ومعرفة واجباته التي يُسأل عنها بين يدي الله، وكذلك نضع بيد الأب وسيلة تعينه على القيام بمسوولياته، مسؤوليات القوامة التي شرعها الله سبحانه وتعالى.

وترتبط هاتان القاعدتان بالمنهج الأوسع، والنظرية العامّة للدعوة الإسلاميّة ومنهاجها ونماذجها، ووسائلها وأساليبها، ممّا يوفّر الفرصة الكبيرة أمام الإنسان المسلم ليجابه بعزم ووعي وإيمان أجواء العلمانيّة، والعولمة الفكرية والثقافيّة، وممّا يوفّر فرصة التعاون واللقاء بين جميع القوى والمستويات في الأمة، وممّا يعالج كثيراً من أمراضنا.

- الفضائيّات النظيفة:

ويأتي حوارنا مع الأديب (عبد الرزّاق ديار بكرلي) ليوجهنا إلى الفضائيات النظيفة على قلّتها فيقول:

لا شك بأنَّ أول من يشكّل وجدان أطفالنا هما الوالدان: «فأبواه يهوّدانه أو يمجّسانه أو ينصّرانه» ، وعليهما العبء الأكبر، والأساس في هذا الشأن، ممّا يتطلّب تنمية قدرات الوالدين للقيام بالمهمة خير قيام. أمّا الفضائيات فهي جزء من كُلّ، ذلك أنّ الحياة المعاصرة بكلّ معطياتها تسهم في بناء الوجدان وتشكيله من إعلام، وقصّة، وإذاعة، ومدرسة، وبيئة اجتماعية، وأصحاب، وما إلى ذلك ... !

ونظراً لأهميّة الفضائيات اليوم وتأثيرها الكبير والهائل على وجدان أطفالنا فإنَّ الواجب على الأبوين توجيه أبنائهم إلى الفضائيات النظيفة والأصيلة، وتجنيبهم مشاهدة الفضائيات الهابطة، مع التوعية التامة والمناسبة لعقلية الطفل بذلك كُلّه؛ حتى لا يصبح كُلّ ممنوع مرغوباً، وأن ينزلا إلى مستوى عقله وإدراكه، وإيصال الفكرة إليه، وتحبيبه بهذه، وتنفيره من تلك، وبأسلوب شفاف هادئ غير مباشر ما أمكن ذلك.

- ما لا يُدْرك كله لا يترك جلّه:

ولعلّ إجابة الأديب (عبد الرزاق ديار بكرلي) تثير سؤالاً لا بدّ منه: كيف ننقذ هذا النشء من الإعلام الموبوء؟! تُرى أنحمي أطفالنا ممّا يحاك لهم ولمستقبلهم بعزلهم أم بإيجاد البديل الذي يخاطب عقولهم، وأصالتهم، ويبني شخصياتهم على المنهج الإسلاميّ القويم؟!

وقد جاءت مُداخلة القاص خليل الصمادي تحملُ إضاءة متميّزة، لا سيّما أنّه ممّن يكتبون للأطفال، ويدرك الأساليب المؤثّرة في نفوسهم، فيقول: الحلّ كما أرى هو إيجاد عدد من برامج الأطفال التي تشدّ أطفالنا إلى القيم، ومكارم الأخلاق عن طريق البراعة في الإنتاج والإخراج والعرض، ربّما يكون الأمر صعباً في هذا الزّخم الفضائيّ المخيف، ولكن يجب العمل والاجتهاد بتضافر جهود كُل من له علاقة بتربية الأطفال على مبدأ القاعدة الشرعية: «ما لا يدرك كُلّه لا يترك جلّه» . ولا تكفي النوّايا الحسنة والأعمال المتواضعة وحدها، بل قد تضرّ أكثر ممّا تفيد، فالطفل الذي ينتقل حول العالم من محطّة لأخرى، ويرى ما يسلب لبّه، ويذهل عقله، أصبح يقلع عن البرامج الإرشاديّة التي تحكم في طيّاتها الحكم والمواعظ، والتي يتمّ إنتاجها وإخراجها بشكل مباشر، ومتواضع دون إثارة وتشويق.

ويدعونا الرّوائي الأديب الدكتور عبد الله العريني أنْ نتجاوز مرحلة التنظير، وأنْ نثق بأنفسنا وقدراتنا لصالح مستقبل الطفولة فيجيبنا:

علينا أن نثق أنَّ الأمر ما زال بأيدينا، وأنَّ بالإمكان أنّ نقوم بدور لصالح الطفولة المستهدفة، ومتى ما شعرنا بأنَّ الأمر قد أفلت زمامه من أيدينا؛ فنحن حينئذٍ لن نستطيع أن نقدّم شيئاً، أمّا ما الذي نقدّمه بالضبط؛ فهو كُلّ ما نقدر عليه، وأنْ نعمل في كُلّ جوانب التربية الممكنة، وذلك بوقف تأثير التربية السلبيّة، وإعطاء البديل الذي يبني شخصياتهم على المنهج الإسلامي القويم. المهمّ أنْ نتجاوز مرحلة التنظير والحديث عن بعد إلى الاقتراب من واقع مشكلات الطفولة، والبدء بحلول مرحلية جزئية، تتطوّر شيئاً فشيئاً إلى أن تشكّل بمجموعها الحل الشامل للمشكلة.

- المنهج المترابط:

أمّا شاعرنا الدكتور (عدنان النحوي) فيجد أنَّ حماية أطفالنا من هذا الإعلام يكون وفق منهج إسلاميّ مترابط، ولا يقف عند حدّ عزلهم عنه، فنصغي له قائلاً:

لا شك أنّه من الضروري حماية أطفالنا، وبذل الجهود لذلك وفق منهج إسلامي مترابط لا يقف عند حدّ عزلهم عن الفضائيات؛ وذلك خيرٌ لمن يفعله، ولا عند إيجاد بديل عن الفضائيات. إنّه النهج الذي يجمع الجهود كُلّها في صفٍّ واحد، يقوم فيه كُلّ فردٍ بالوفاء بالمسؤوليات الجادة الملقاة على عاتقه.

إنَّ الآباء والأمهات يجب أنْ يستيقظوا ويدركوا خطورة ما نحنُ فيه، وما نحنُ مقبلون عليه، ليعرفوا مسؤولياتهم التي وضعها الله في أعناقهم، والتي سيحاسبون عليها بين يدي الله يوم القيامة، ويجب على المدرّسين والمربين أن ينهضوا كذلك، ويوفوا كلّهم بالأمانة التي خلقوا للوفاء بها، والتي سيحاسبون عليها.

كُلّ مسلم مسؤول ومحاسب في ميزان الإسلام! ولكن هل يعرف المسلم اليوم حقيقة مسؤولياته وجوهر التكاليف الربانيّة التي تنهض كُلّها على قاعدة متينة هي الأركان الخمسة: الشهادتان والفرائض؟! وإذا لم يكن يعرفها فلِمَ جهلها؟ ومن كان يفترض فيه أنْ يعلّمه إياها؟!

- التعاطي مع الحياة:

ويتساءل الأديب (عبد الرزاق ديار بكرلي) بدهشة: هل نستطيع عزل أبنائنا عمّا يحيط بهم؟! ثمّ يجيب باستغراب:

إنَّ عزل أبنائنا عمّا يحيط بهم أمرٌ عسيرٌ جدّاً في ظل حياتنا الجديدة، وفضلاً عن ذلك فإنَّ العزل أسلوبٌ غير نافع أصلاً، لأنّنا يجب أنْ نشكّل شخصيات أبنائنا بما يجعلهم قادرين على التعاطي مع الحياة بكل معطياتها خيرها وشرّها على حدّ سواء؛ بحيث يملكون القدرة على تمييز الغث من السمين، والخير من الشرّ ولكوننا مسلمين، وعرباً، وشرقيين؛ فإنّنا نبني في شخصيات أبنائنا كُلّ ما هو سليم من قيم ومبادئ وعادات وعبادات، ونزرع فيهم حبّ ربّهم، وقرآنهم، ورسولهم -صلى الله عليه وسلم -، وأوطانهم، وتاريخهم، وكذلك حبّ الخير له، ولأهله ولمجتمعه، والسعي من أجل العمل الصالح على الدوام، بحيث يكونون مسلمين على المنهج القويم بإذن الله.

- ما مدى نجاح إعلامنا في أداء رسالته؟

ولكن إنْ كنّا لا نستطيع عزل أطفالنا عن الإعلام بشكل عام، فأين إعلامنا البديل؟ وما مدى تأثير وسائلنا الإعلاميّة، ونجاحها في تلبية حاجات أبنائنا؟

وما الدور الذي ينبغي أنْ تقوم به في ظلّ عولمة الفكر والثقافة؟

وتتناول إجابة القاص خليل الصماديّ جوانب كثيرة وعميقة في هذا المجال، ومنها قوله:

أمّا مدى تأثير وسائلنا الإعلاميّة في النشء، فنرى أنَّ وسائل الإعلام المقروءة نجحت إلى حدّ ما في اجتذاب الأطفال، والتأثير فيهم قبل عصر الفضائيات؛ فهناك العشرات من دوريات الأطفال، والسبب أنَّ الإعلاميين الإسلاميين نجحوا في الإعلام المقروء، وما زالوا في بداية الطريق بالنسبة للإعلام المرئي والمسموع لعدّة أسباب يضيق المجال لذكرها؛ فالإعلام المرئي بحاجة لإمكانيات ماديّة باهظة يعجز عنها أصحاب النّوايا الطيّبة والتربويون الحريصون على تنشئة الأجيال.

والمتتبع لهذه الأعمال الجادة خلال مسيرة البث التلفازي يجدها قليلة، وأمّا الجيّد منها فهو نادر، لا يستطيع جلّ أطفالنا مشاهدته؛ بسبب عدم عرضه على شاشات التلفاز، لمحاربة هذه الأعمال من قِبَل بعض القائمين على المحطات التلفازية، ومنها بسبب احتكار الشركات المنتجة لمثل هذه الأعمال لمدة طويلة، وبيعها على أشرطة فيديو أو أقراص مدمجة، بحجّة أن المحطات التي توافق على عرض مثل هذه الأعمال لا تدفع أسعاراً مناسبة، وهذه مشكلة بحدّ ذاتها يتفرّع عنها مشكلات أخرى تصب في النهاية إلى الإعراض عن إنتاج مثل هذه الأعمال وتطويرها، والمشكلة كما يبدو أنّها مشكلة ماديّة بالدرجة الأولى، فلو ربح القائمون على إنتاج مثل هذه البرامج لتشجعوا، وتشجّع غيرهم، ولامتلأت الفضائيات بما يفيد أطفالنا، ولكن كيف يربحون والمحطات التلفازية التي توافق على عرض الأعمال الجيّدة لا تدفع إلاّ القليل؟ في الوقت الذي تغدق فيه على البرامج الخبيثة والسطحية آلاف الدولارات!!

وليت الأمر يقف على ما تبثّه المحطات التلفازية من برامج للأطفال، فالخطر ما نراه اليوم؛ إذ صار كثير من أطفالنا في هذه الأيّام، ومع الانفتاح الفضائيّ، وعدم وجود رقابة أسريّة متأثرين ببرامج فاسدة تبث للكبار؛ فهل نستيقظ على هذه الأخطار العظيمة؟!

- «المجد» القناة التربويّة الراشدة:

ويركّز الروائيّ الدكتور (عبد الله بن صالح العريني) على دور الأب والأمّ في توجيه الأطفال إلي الإعلام التربويّ الراشد، ولذلك فهو يرى أنَّ تأثير وسائلنا الإعلاميّة الإسلاميّة في النشء ناجحٌ بشرط أن يعي الأب والأم وأفراد الأسرة أهميتها، والدليل على ذلك أنّ قناة الأطفال التي تصوغ المادة المقدّمة صياغة إسلامية جذبت الاهتمام، وشدّت انتباه الأطفال، وجعلتهم على سبيل المثال يفضلون (قناة المجد للأطفال) على غيرها من قنوات الأطفال التي تملك إمكانات أكثر؛ وذلك لأن ربّ الأسرة فتح مجالاً للتأثير الإيجابي من خلال تهيئة فرصة التعامل مع قناة تربوية راشدة. والأطفال من قبل ومن بعد أمانة في أعناقنا، وكما نحرص على أن نقدّم لهم الغذاء الصحّي الخالي من الأمراض، فعلينا أن نقدّم لهم الثقافة الخالية من شوائب الانحراف والضلال. إنّ استراتيجية العمل في مواجهة العولمة في الفكر والثقافة تقتضي منّا فهم أبعاد هذه العولمة، ثمّ تقديم الطرح الثقافي الذي يأخذ الاتجاه المناسب في هذه المرحلة، وهو الطرح الذي يقوم على أساس تأكيد الهويّة الثقافية الإسلامية.

- البنيان المرصوص:

ولمْ يغادر الشاعر الدكتور (عدنان النحوي) الرؤية الإسلامية في ضرورة جمع العاملين للإسلام في الفكر والأدب والإعلام ليكونوا صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص، وقد بذلت وسائل الإعلام الإسلاميّة اليوم جهوداً طيّبة ـ كما يقول ـ ولكنّها تفقد كثيراً من ثمارها وجهودها إذا لمْ تلتقِ على نهج مُوحّد على صراط مستقيم، بيّنه الله لنا وفصّله، وأمرنا باتباعه والتزامه، ليجمع المؤمنين صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص، وأمّة مسلمةً واحدة، كما أمر الله سبحانه وتعالى.

إنّ أوّل أمرٍ يجب أنْ يسعى إليه الإعلام الإسلامي صحافة وكتباً، ودعاةً، ونثراً وشعراً: هو دعوة الجميع إلى التخلّي عن التمزّق الذي يعيشونه، وأن يتوبوا إلى الله توبة نصوحاً، عسى الله أنْ يهدي القلوب إلى اللقاء، والعزائم إلى التلاقي.

والأمر الثاني هو أنَّ على المسلمين أنْ ينهضوا ليبلغوا رسالة الله كما أنزلت على محمد -صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافّة، ويتعهدوهم عليها في جهودٍ مترابطة: ربّ واحد، ودين واحد، ودعوة واحدة، يجب أنْ يمضي ذلك على نهجِ موحّد.

وأتساءل اليوم أمام أحداث الواقع الذي صرنا لا نأمن فيه فساد أطفالنا وشبابنا، أتساءل: أين كان المسلمون خلال السنين الطويلة الماضية التي وصلت إلى ما نحنُ عليه، بالرغم من البذل الكثير:

يا أمّتي! كمْ من دماء قد صَبَبْتِ ومن صريع في الديّار مجدّلِ

قد جدتِ بالمال الوفير وبالدّماءِ بكلّ غصن من شبابك مخْضَلِ

يا أمّتي! مهلاً! قد بذلتِ مع السنيـ ـنَ تطول! أين جنى العطاء المجزلِ

يا أمّتي! لِمَ بعدَ بَذْلِكِ لِمْ نجدْ إلاّ الهزائمَ؟! هل وقفتِ لتسألي

- الهمّ الإسلاميّ:

ويأتي لقاؤنا الأخير في رحلتنا وحواراتنا هذه مع الأديب (عبد الرّزاق ديار بكرلي) ليحدّثنا عن ضرورة إيجاد قنوات فضائية نظيفة تحمل الهم الإسلاميّ والقيم الإسلاميّة، وهو يجد أنَّ تأثير الإعلام كبيرٌ وكبيرٌ جدّاً على أطفالنا؛ إذْ لا يخلو بيت من تلفازٍ وقنواتٍ فضائيّة تقريباً في هذا العصر، فهي تقرّب كُلّ بعيد، وتصلك بالعالم لحظة لحظة. وفي خضمّ تفشّي القنوات الفضائية الهابطة من كُلّ حدب وصوب، فضلاً عن القنوات صاحبة الفكر الهدّام والتنصير، ومختلف المذاهب والأديان، فإنَّ الواجب علينا يحتمّ إيجاد قنوات نظيفة تحملُ الهمّ الإسلاميّ، والقيم الإسلاميّة، وتوجيه أنظار أبنائنا إليها لينهلوا منها، وينصرفوا عن غيرها؛ فالكأس إذا لم تملأها بالخير ملأها غيرك بالشرّ والفساد والانحلال والضلال.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.