للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقفة لُغوية مع معنى «الكوثر» ..

من معين إعجاز القرآن الكريم

سامي محمد هشام حريز

قال تعالى: {إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١] .

الكوثر في اللغة: هو من الكثرة، وهو المفرط في الكثرة. قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر: بِمَ آبَ ابنك؟ قالت: آبَ بكوثر، أي: بالعدد الكثير.

وهو كجوهر (الكثير من كل شيء) ، والكوثر: الرجل الخيّر المعطاء، كثير العطاء والخير وهو السخي الجيد. قال الكُمَيْت:

وأنت كثيرٌ يا ابن مروان طيّبٌ وكان أبوك ابْن العقائل كَوْثَرا

ويقال للغبار إذا سطع وكثر: كوثر (١) .

وأمّا معنى «الكوثر» في هذه الآية: فهو خاصٌّ بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد ذكر له المفسرون ستة عشر قولاً أو أكثر، ولا يسع المقام في ذكرها هنا.

والموقف الصحيح للاهتداء إلى مدلول هذا اللفظ القرآني أن نرجع إلى:

ـ استعمال اللفظ في أصل اللغة.

ـ وإلى المأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وبالنسبة لاستعمال اللغة: فهو ـ كما فهمنا ـ مشتق من الكثرة، فهو دالٌّ على الكثرة المبالغ فيها.

وبالنسبة للمأثور دلّ على أن معنى «الكوثر» : نهر في الجنة. حيث إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أتدرون ما الكوثر؟ إنه نهر وعَدنيه ربي ـ عز وجل ـ في الجنة عليه خير كثير» (٢) .

فلم يبينه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالنهر فقط، بل نهر عليه خير كثير، فيكون المعنى: أعطيناك الخير الكثير، الزائد في الكثرة على العادة، ومن هذا الخير الكثير ما ادخرناه لك في الجنة، وهو نهر الكوثر.

فالتفسير المأثور واللغة: تطابقا على أن المعنى: الخير الكثير. وهذا الفهم سبقنا إليه الصحابي ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال في الكوثر: «هو الخير الذي أعطاه الله إيّاه. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإنّ الناس يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنّة من الخير الذي أعطاه الله إياه» (٣) .

وإذا أراد أحد أن يتتبع هذا الكوثر الذي أعطاه الله لنبيّه -صلى الله عليه وسلم- فهو واجده حيثما نظر أو تصور، فمن ذلك:

١ ـ فضل الله عليه بالنبوة والرسالة.

٢ ـ فضل الله عليه بإظهار الإسلام.

٣ ـ فضل الله بالقرآن الذي أنزله عليه.

٤ ـ فضل الله عليه بما حصل على يديه من المعجزات.

٥ ـ فضل الله عليه بإجابته لدعوته.

٦ ـ نور القلب والحكمة التي آتاه الله إياها.

٧ ـ أولاده من أمته إلى يوم القيامة.

٨ ـ بقاء ذكره في الملأ الأعلى، الذي يصلي عليه، ويصلي على من يصلي عليه في الأرض؛ حيث يقترن اسمه باسم الله ـ تعالى ـ في الأرض والسماء.

٩ ـ سنته الممتدة على مدار القرون في أرجاء الأرض.

١٠ ـ وجوب شرعه؛ فدينه فريضة لا يخرج عنه إلا خاسر، وشرعه هو الصراط المستقيم، من تركه فإن له معيشة ضنكاً في الدنيا ويحشر يوم القيامة أعمى.

١١ ـ وما سوف يعطيه الله إياه في الآخرة ـ ممّا هو فوق علمنا ـ من المقام المحمود والشفاعة والوسيلة ...

١٢ ـ ومن جملة الكوثر: ما اختصه الله ـ تعالى ـ به من النهر في الجنّة، الذي طينته المسك، وآنيته عدد النجوم. وهذا النهر هو كوثر من الكوثر.

إنه الكوثر الذي لا نهاية لفيضه ولا حَدّ لمدلوله، ممتد من الدنيا إلى الآخرة.

فسبحان من اختار هذا اللفظ القرآني الْمُعجز في هذا الموضع الوحيد في القرآن العظيم!


(١) السيّد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي: تاج العروس من جواهر القاموس، مجلد (٣) ، حرف الراء، فصل الكاف من باب الراء.. (كثر) .. (الكوثر) ، ص ٥١٧.
(٢) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب: (الصلاة) ، باب: حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة، (٤٠٠/٥٣) .
(٣) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: كتاب: التفسير، (٤٩٦٦) .