للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التيار الأنثوي تراجع الرموز.. بعد زمن التيه!!]

آي جي ويلكنسن

نشأ التيار الأنثوي أو ما يسمى بالإنجليزية feminism بسبب تردي أوضاع المرأة في القرن التاسع عشر في الغرب، وقد بدأت الحركة بالسعي إلى الحصول على حقوق المرأة وتحسين أوضاعها، ثم انتقلت بعد انتشار الفكر الاشتراكي من حركة لتحرير المرأة إلى الأنثوية أو التمركز حول الأنثى، ورفضت تقسيم عمل المرأة على أساس الجنس، وركزت على علاقات القوة في الأسرة والكنيسة في المؤسسات التي أسمتها: (تقليدية) . وتشككت في مضمون الذكورة والأنوثة؛ فأكدت أنها مفاهيم نسبية راجعة للبيئة والتنشئة لا لحقيقة قدرات الطرفين، وركزت على الصراع بين الجنسين، ورفعت شعارات مثل (الحرب بين الجنسين) و (الرجال طبقة معادية) و (القتال من أجل عالم بلا رجال) ، ونادت بتفكك الأسرة وانتقدت العلاقات داخلها، وحصر دور المرأة في الأمومة والإنجاب بأنه مجال بيولوجي وهو مجال خاص؛ في حين يعمل الرجل في المجال العام، واعتبرت أن قيم العفة والأمومة إنما هي لتزييف وعي المرأة لتقنع بالمجال الخاص، ونادت باستقلال المرأة مالياً لتتحرر من سيطرة الرجل، ودعت للشذوذ والتلقيح الصناعي كبديل لإقامة علاقة مع الرجل، ثم انتقلت بعد ذلك إلى أفضلية المرأة وطرحت الأمومة بدلاً عن الأبوة.

إن التساؤل الهام الذي يفرض نفسه هذه الايام في خضم مطالبة رائدات الحركة الأنثوية بحقوق المرأة هو: هل نجحت الفلسفة الغربية والحركة الأنثوية في تحقيق طموحات المرأة والتخفيف من معاناتها؟! الإجابة تتضح من خلال التجربة؛ ففي الغرب تخضع فلسفة الثورة الأنثوية إلى مراجعة خطيرة شاملة على ضوء تجربة التطبيق العملي، ومحور تلك الفلسفة كما عبرت عنها (بتي فريدان) في كتابها (سر الأنوثة الغامض) في عام ١٩٦٣ أن حصر عمل المرأة في البيت وما يتطلبه ذلك من طبخ وحياكة ونظافة، وخدمة زوجها وطاعته والعناية بتربية أطفالها، ضرب من العبودية واستغلال للمرأة وتعويق لقدراتها الفكرية والإبداعية يحولها إلى عالة على الغير وإلى مخلوق سلبي تعس. واستجاب لهذه الدعوة مئات الألوف من النساء خرجن ينشدن السعادة والحرية بعيداً عن مسؤولية البيت والزوج والولد. وبعد سنوات طوال من التجربة المريرة وخيبة الأمل ومحاولة تحقيق المستحيل، وفقدان مشاعر الأمومة، وتفكك الأسرة وتفشي الطلاق والفساد والعنف والانحلال الخلقي والجريمة والانتحار، يعود الغرب إلى مراجعة حساباته، ويبدأ موسم العودة إلى البيت والأسرة لا قهراً ولا إذلالاً، ولا تسليماً بتدني المرأة عقلياً وخلقياً، ولا إنكاراً لإنسانيتها ودورها في الحياة، ولا رفضاً لحقها في الاختيار وفقد خصوصيتها وظروفها، بل عن قناعة رسختها التجربة. وخرجت أفلام سينمائية تلفزيونية أبرزها (زوجة الأب) و (الشيء الحقيقي الوحيد) وكلها تمجد دور المرأة كأم وربة أسرة.

وبرزت كاتبات شهيرات منهن (كارولين جراقليا) و (دانييل كريتندال) يهاجمن الحركة الأنثوية، ويؤكدن أن استرجال المرأة لم يؤد بها إلا إلى التعاسة واليأس، وأنهن لن يحققن طبيعتهن وتطلعاتهن إلا من خلال رعاية أطفالهن وربط أسرهن؛ والعودة إلى البيت لا تقلل من شأنهن ولا تحرمهن حقاً دستورياً أو قانونياً من دون الرجل.

وقد تعرضت الحركة الأنثوية للهجوم في عقر دارها، وهناك منظمات كثيرة مناوئة لها شاركت في مؤتمر المرأة العالمي الرابع، منها على سبيل المثال لا الحصر (منظمة اتحاد المرأة والطفل) و (المنظمات الكاثوليكية) و (منظمة ميرج) ولكن الأمم المتحدة اختارت هذا الفكر في مؤتمراتها؛ لأنه يخدم مصالحها العالمية. وقد اعتمدت الأمم المتحدة في مؤتمرات المرأة المساواة الكاملة والتماثل التام بين الرجل والمرأة في العمل وفي كل شيء متجاهلين أن المرأة قد تحمل وتلد وترضع؛ زاعمين أنه إذا لم تخرج كل النساء للعمل فلن تتحقق التنمية؛ فإذا أُخرجت جميع النساء من بيوتهن للعمل المأجور، وتدرجن جميعاً في سلك الوظائف حتى وصلن إلى مراكز اتخاذ القرار فسيتضرر المسنُّون والعجزة والأطفال في الأسر، وستجد المرأة العاملة نفسها مضطرة إلى استخدام موانع الحمل للتقليل من نسلها لتَعارُض الحمل المتكرر مع التقدم في السلك الوظيفي نسبة لمعاناة الحمل ورعاية الأطفال في السنين الأولى من أعمارهم مع مهام المنزل ومسؤوليات العمل، وهذا ما توصلت إليه الأمم المتحدة في الإحصاء الذي أجرته في أربعين دولة نامية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. ولاحظت ان العاملات ينجبن عدداً من الأطفال أقل من المتفرغات، وأنهن لا يستخدمن الرضاعة الطبيعية كوسيلة لمنع الحمل لطول غيابهن عن المنزل، وأنهن يملن لاستخدام الموانع الصناعية التي تحتوي على مخاطر صحية كبيرة.

وهناك محاولات في العالم الإسلامي تحذو حذو الأفكار السائدة في الغرب على تغيير اجتماعي يقود إلى آثار سلبية منها:

١ ـ رفض حقيقة وجود اختلاف أو تمايز بين الرجل والمرأة والدعوة إلى القضاء على مثل هذه المفاهيم.

٢ ـ تحقير دور الأم المتفرعة لرعاية أطفالها والزوجة المتفرغة لعمل البيت وتسميتها بـ (الأدوار التقليدية والنمطية) والدعوة إلى القضاء عليها.

٣ ـ الدعوة إلى التعليم المختلط، وعدم السماح بوضع مستويات تعليمية خاصة بالذكور، والمناداة بتدريب المرأة في المجالات الصناعية، والنص على التلمذة الحرفية والتدريب المهني المتقدم والمتكرر في مادتي التعليم والعمل على قدم المساواة مع الرجل.

٤ ـ وصف الأمومة بأنها وظيفة اجتماعية، والدعوة إلى وضع نظام إجازة للآباء لرعاية الأطفال، وإنشاء شبكات من دور رعاية الأطفال حتى تتفرغ الأمهات للعمل.

٥ ـ عدم توجه المرأة إلى عمل المرأة التقليدي، والدعوة إلى وضع أنماط ثقافية واجتماعية بديلة تجعل المجتمع يقبل وجود المرأة في مهن مختلفة كثيرة أسوة بالغربية التي قادت التاكسي والشاحنة.

٦ ـ الدعوة إلى تعميم استخدام موانع الحمل والترويج لها والدعوة إلى التثقيف بها ضمن مناهج التعليم، والدعوة إلى تحديد النسل ووصفه بأنه حق من حقوق المرأة.

وفي ما يلي عرض لشيء من كتابات بعض المفكرات والكاتبات الغربيات اللاتي خضعن لأفكار الحركة الأنثوية وتأثرن بها لمدة من الوقت ثم تركنها عندما تبين لهن أن هذه الأفكار تجر وبالاً على المجتمع بكل فئاته، وتأتي بمصائب وأزمات نفسية واجتماعية وصحية لا حدود لها؛ سائلين المولى ـ جل وعلا ـ أن ينفع بها.

١ ـ روز ميري تشادويك:

تقول (روز ميري تشادويك) : «لقد نجحت رائدات الحركة الأنثوية في إقناع المرأة والرجل على حد سواء بأن تكريس الجهد للبيت والأطفال تضحية عظيمة بحياة الحرية، وسعي عديم الجدوى لا يعطي أية فرصة لاستعمال الطاقات والذكاء حتى عند المرأة العادية، وأقنعت المرأة بأن الزواج اتفاق قاسٍ وظالم بالنسبة للفتاة التي تتزوج في سن المراهقة أو في بداية العشرينيات من عمرها، ودائماُ ما يذكّرونها وباستمرار بالفرص التي ستفوتها إذا ما أقدمت على الزواج؛ ونتيجة لهذا فقد أصبحت كثيرات من النساء أنانيات ومنهمكات في شؤونهن الذاتية إلى حد يعزين أسباب كافة مشكلاتهن إلى الرجال أو المجتمع أو الزواج. لقد فطنت النساء في الغرب إلى زيف هذه الأقوال والادعاءات، وأُلفت كتب كثيرة، كما ظهرت مقالات كثيرة في هذا المجال لكشف حقيقة هذه الشبهة» .

٢ ـ كارولين جاركليا:

هذه المرأة محامية مؤهلة، ولكنها تركت وظيفتها لتكون ربة بيت باختيارها؛ لصرف اهتمامها لزوجها وأطفالها الثلاثة. وتبين في كتابها «الراحة المنزلية» زيف خرافة القول بالمساواة بين الجنسين. تقول (كارولين) : «إن البقاء في البيت ليس في حقيقة الأمر تضحية بحياة الحرية. إن التضحية الحقيقية هي التضحية بالأطفال والزوج؛ وذلك عندما تقصر في العلاقة الحميمية بينها وبين أطفالها. لقد أجبَرَنا أطفالُنا على المكوث معهم في البيت بسبب الجاذبية العاطفية القوية التي يمارسونها علينا. إن قضاء حياتنا في الاهتمام بالأطفال مفيد لنا نحن أيضاً. والمجتمع يكنّ لنا كل التقدير والاحترام بسبب قيامنا بهذا العمل الجليل الذي لا يُقوَّم بمال. لقد حطمت الحركة الأنثوية ثقة المرأة بنفسها عندما اتهمتها بكونها زوجة صالحة وأماً» .

٣ ـ دانييل كريتندن:

تقول الكاتبة (دانييل كريتندن) في كتابها «الأشياء التي لم تطلعنا أمهاتنا عليها» (ص ٣٥) :

«لقد كانت لجداتنا حياةٌ جنسية نظيفة ومستورة عن طريق الزواج، وفي الوقت ذاته قمن بمنع الاختلاط الجنسي من الحدوث. فقد قمن بوضع قواعد للمارسة الجنسية، وذلك بممارسته في إطار الزوجية فقط، وكل من تسوِّل له نفسه خرق هذه القواعد من الرجال أو النساء فإنه يتعرض لدفع ثمن غال مقابل ذلك بفرض عقوبة عليهم سواء بإجبارهم على الزواج أو نبذهم وحرمانهم من الصحبة الجديرة بالاحترام. تؤدي القواعد الجنسية إلى خلق تضامن جنسي بين النساء. ولهذا إذا وجد الرجال الفرصة مهيأة لهم للانتقال من امرأة إلى أخرى فإنهم سيفعلون ذلك لا محالة، وسوف يتمتعون بنا ما دُمنا متاحات وميسرات لهم ويستغلوننا استغلالاً فاحشاً لتحقيق مصالحهم. ولكن إذا تضامنت النساء وبدأن يطالبن بالالتزام الحقيقي المتمثل في الزواج بدلاً من ممارسة الجنس مع كل من هب ودب، عندئذ فقط ستتغير الأمور لصالح النساء» .

وتقول الكاتبة في كتابها آنف الذكر: «لن تدرك المرأة حقيقة الحرية حتى تقوم بوضع طفلها الذي من أحشائها بين ذراعيها، ولن تحرز شعور الثقة بالنفس الذي تتوق إليه حتى تصمد أمام ثقل المسؤولية الذي تضعه عليها الأسرة وتتفوق عليها، وهو ثقل يجعل الأعمال التي تقوم بها في المكتب تبدو خفيفة للغاية وليس لها أهمية تذكر. وينطبق الشيء نفسه على الرجل. إننا نعمل على تقوية عضلة من العضلات باستعمالها، وهذا صحيح أيضاً بالنسبة للحب والعاطفة؛ فإنه بطول الانتظار وبدون نتيجة للاقتران بشخص وإظهار المودة له تضمحل قوة الحب والعاطفة وتتلاشى. وهذا لا يعني بأية حال من الأحوال أن يقوم الرجل أو المرأة بالزواج من أي شخص يريد الزواج، أو الاقتران بشخص لا يبعث شكله ومظهره على الحب؛ ولكن ينبغي أن ندرك في سن مبكرة من حياتنا خطورة ضرب المواعيد للِّقاء بشخص من الجنس الآخر ونشرع في الاستعداد للاستقرار في ظل الحياة الزوجية؛ لأنه بلعب الأدوار التي تعلمنا من الصغر تفاديها أو تأخيرها، أي أدوار الزوجة والزوج والأم والأب، سنقيم هويتنا الذاتية، ونقوم بتوسيع مجال حياتنا وتحقيق الشخصية الكاملة التي نرنو إليها.

«ولكن ما زال النقاد يحاولون البرهنة على أن الطريقة التقليدية في التعامل مع الجنس ـ أي بالزواج ـ ليست بحال أفضل مما هو عليه الأمر اليوم من التسيب والحرية الجنسية غير المقيدة، وأن الخسارة الفادحة التي تتعرض لها المرأة بسبب تأخير الزواج أو الأمومة أرجح وزناً من فداحة الخسارة التي تتعرض لها المرأة بإقدامها على الزواج المبكر. إن إعادة النظر في الزواج على أنه عقد ظالم وقاس بالنسبة للمرأة عادةٌ راسخة في المجتمع حتى وسط النساء اللاتي لا يدعين أنفسهن من القائلات بالمساواة بين الجنسين، وقد رأيت عرائس وقد بدا عليهن منظر السعادة والابتهاج يعتذرن إلى ضيوف حفلة الزفاف عن استسلامهن للتقاليد وكأن بعضاً منهن لا زلن يشعرن بالارتباك والضعف عند موافقة امرأة ذكية وطموحة على الزواج. ولكن هل هذا الشعور حقيقي أم أنه عذر سلمته لنا الأجيال السابقة من النساء لتبرير حياة العنوسة المريرة وغير السعيدة؟

وقد كتبت (دي بوفوار) بخصوص المرأة التي تنفق كل شيء في سبيل أنوثتها «بأنها في مرحلة من مراحل عمرها سترسم خطاً عبر الصفحة لتحسب حساباتها؛ وذلك برصد الحساب والمقارنة بين جانبيه السلبي والإيجابي؛ وعندئذ سترتاع عند معرفة القيود الضيقة التي فرضتها عليها الحياة. ولكن الحياة ليست أقل ضيقاً إذا قمت بتضيق كل شيء لمحاولة الهروب من قيود التكوين البيولوجي كما اكتشف هذا الجيل من النساء. وفي آخر المطاف ستشعرين بالاستعداد لتصبحي أماً في سن الأربعين، وسترتاعين بأنك لن تصبحي أبداً كذلك، أو قد تطلّقين زوجك في سن الخمسين، وسترتاعين بأنك لن تتمتعي برفقة حميمة مع رجل آخر ثانيةً. أو قد تحرمين أطفالك من صُحبتك عندما يكونون في طور النمو وذلك لمزاولة وظيفة من الوظائف، وعندئذ سترتاعين عندما يعاملونك باللامبالاة وعدم الاكتراث أو حتى العداء والكراهية عندما تلتمسين صُحبتهم وأنت امرأة عجوز. ولعل هذه أسوأ نتيجة تتعرض لها المرأة عندما تحاول تجاهل أهمية تكوينها البيولوجي. إن محاولة المرأة تجاهل أهمية تكوينها البيولوجي لن يعرض حياتها إلا للمزيد من الخطر والتهديد كلما تقدم بها السن» .

وتقول في الصفحة ١٣٥:

«على الرغم من ادعاء رائدات الحركة الأنثوية بأن زمن مكوث المرأة في البيت ولى إلى غير رجعة فإن الحقيقة التي تفرض نفسها هي أن النساء أنفسهن يتمنين البقاء في البيت مع أطفالهن إذا تيسر لهن ذلك؛ فقد جاء في استفتاء أن ثلثاً واحداً فقط من مجموع ٧.٢ ملايين امرأة متزوجة لهن أطفال يقل سنهم عن ثلاث سنوات يعملن طوال ساعات الدوام. كما أظهرت نتيجة استفساء (روبر ستارتش) حول وجهة نظر المرأة بخصوص العمل أن الأغلبية الساحقة من النساء المتزوجات يفضلن البقاء في البيت إذا تيسر لهن ذلك، وأن هذه الأغلبية في تزايد مطرد منذ عام ١٩٨٥م» .

وتقول في الصفحة ١٤٠:

«تحكي الكاتبة (آن رويف) في كتاب لها عن الأمومة يحمل عنوان Fruitful الذي نُشِرَ عام ١٩٩٦ القصة التالية: «في مدرسة بنات خاصة ومعروفة بالامتياز الأكاديمي في الجهة الشرقية العليا من (جزيرة مانهاتن) الأمريكية قبل عدة سنوات، عقدت مديرة المدرسة لقاءً خاصاً لتتمكن الطالبات من لقاء محامية شهيرة كانت شريكة في مؤسسة قانونية رئيسية في أمريكا، وكان قد طُلب منها حديثاً العملُ في لجنة مدينة مهمة ... وقد تحدثت هذه المحامية إلى الطالبات عن عملها، وتدريبها في مجال المحاماة واهتمامها بالمواضيع التي تطرقت إليها التعديلات الأولى في الدستور الأمريكي. وعندما انتهت من حديثها كان أول سؤال وُجّه إليها عن الساعة التي تصل فيها إلى البيت عائدة من العمل. وكان السؤال الثاني عمَّن يتولى أمر الإشراف على تربية أطفالها أثناء النهار، وكان السؤال الثالث عمَّا يمكنها القيام به إذا تعرض أحد أبنائها للمرض، غير أن الطالبات اللاتي كان معظمهن بنات نساء عاملات ومهنيات تُرِك أمر رعايتهن لخادمات من جامايكا وترينداد لم يُظْهِرْن وداً ولا إعجاباً بهذه المحامية أو بإنجازاتها، ولكنهن بدأن يهمسن بإجاباتها على هذه الأسئلة على سبيل التهكم والسخرية» .

وتقول الكاتبة ما بين صفحتي ٦٩ و ٧٠: «عندما تؤجل المرأة الزواج أو الأمومة فإن هذا التصرف لا يمنعها من صرف تفكير أقل في موضوع الحب كلما تقدم بها السن، بل إن هذا التفكير في هذا الموضوع يكون في ازدياد مطرد يصل في بعض الأحيان إلى حد تسلط هذا الشعور عليها تسلطاً مقلقاً غير سوي. وتتساءل قائلة: لماذا لا زلت وحيدةً؟ لماذا لا أستطيع أن أجد أحداً يكون مرافقاً لي في درب الحياة؟ ما هي مشكلتي بالضبط، وأين الخلل؟ أما صديقاتها اللاتي تزوجن فقد حصل لهن تقدم في حياتهن: فقد بدأن في ادخار ما يكفي لشراء السيارات والبيوت، والأطفال ملؤوا البيت بهجةً وسروراً. قد لا تحب زواج بعض صديقاتها؛ فقد تظن أن زوج أقرب صديقاتها غبي أو أحمق، أو أن تصرف إحدى صديقاتها تغير إلى الأسوأ منذ أن تزوجت، ولكن مع ذلك ستكون متأكدةً بأن حياتهن تقدمت إلى الأمام على الأقل؛ أما حياتها هي فتوقفت تماماً. وكلما تقدم بها الزمن كلما أصبحت أكثر انشغالاً واهتماماً بنفسها وبالعيوب المحتملة في أعين الرجال لتفاديها حتى تكسب ودهم إلى درجة تصير لا تكاد تفكر في شيء آخر غير ذلك» .

٥ ـ الأنوثة الساحرة للكاتبة هيلين آندولين:

تقول هذه الكاتبة في كتابها «الأنوثة الساحرة» (ص ٢٨٦) :

«ألقى نجم الأوبرا ومدير الفرقة الشهير (بيفيرلي سيلز) كلمة أمام خريجات كلية برنارد بنيويورك جاء فيها: لقد تم إقناع المرأة بأنها تستطيع أن تحصل على كل شيء: على الوظيفة والزوج والأطفال. إن الذي تحتجن إليه لتحققن آمالكن هو التعهد والالتزام. لِتُلْقِ إحداكن نظرة وجيزةً على أطفالها. إن أطفالكن لا يريدونكن أن تكنّ ذكيات أو موهوبات أو أنيقات، أو أي شيء آخر من هذا القبيل؛ إنهم فقط يريدون منكن الحب. وسوف يكون هؤلاء الأطفال هم الذين يدفعون الثمن غالياً؛ لأنكن ترغبن في الحصول على كل شيء. فكّرن جيداً في إنجاب مثل هؤلاء الأطفال الذين سيتعرضون للحرمان بسبب بحثكن عن أشياء لا طائل من ورائها. ثم إن عدم الرغبة في الإنجاب ستكون خسارة كبيرة، وتأخير الإنجاب سيزيد من الخطورة على صحتكن وصحة أطفالكن، كما أن إنجاب الأطفال دون تحمل المسؤولية الكاملة تجاههم ستكون مأساةً كبيرة» .

وتقول الكاتبة نفسها (ص ٢٨٥) وهي تقدم نصيحة للنساء:

محاولة التخفيف من أعباء الزوج:

«عندما ترين زوجك يعاني من وطأة الضغوط والإجهاد، همه في ذلك العمل على تحمل مصاريف الأسرة المتنامية، فإنه قد يخطر ببالك أنه من واجبك البحث عن عمل لمساعدته. لكن على الرغم من أن هذه النية طيبة وتهدف إلى النفع العام على ما يبدو إلا أنه ليس من الضرورة القيام بذلك وليس هناك تبرير لهذا العمل. لقد حبا الله الرجل بالقوة والقدرة على التحمل والبنية العاطفية ليقوم بعمله على أحسن وجه، ولهذا بدلاً من محاولة القيام بمشاركته هذه الأعباء قدمي له العون ليقوى على تحملها. قدّري ما يقوم به حق قدره؛ لأن هذا سيقوي ثقته بنفسه وسيساعده على النجاح في عمله. خفّفي أعباءه في البيت، وذلك بالتقليل من كثرة الطلب على وقته وماله وكذلك بتوفير جو هادئ وخالٍ من الاضطراب يمكّنه من الشعور بالانتعاش» .

وفي حديثها عن أدوار المرأة والرجل كتبت (هيلين آندولين) في كتابها آنف الذكر (الصفحات ١٠٠، ١٠١، ١٠٢ و١٠٣) :

«دور الرجل والمرأة:

دور الرجل:

القائد، الحامي، العائل.

دور المرأة:

الزوجة، الأم، مدبّرة المنزل.

وعلى الرغم من اختلاف دور المرأة والرجل من حيث الوظيفة إلا أنهما يتساويان من حيث الأهمية. ويشبّه (هنري بومان) في كتابه (الزواج للمعاصرين شراكة الزواج بين المرأة والرجل بالقفل والمفتاح اللذين يلتحمان تماماً لخلق وحدة وظيفية) . يقول هنري بومان: «يمكنهما (المفتاح والقفل) معاً تحقيق شيء لا يمكن لأحدهما أن يحققه بمفرده، ولا يمكن بأية حال من الأحوال تحقيق الشيء نفسه باجتماع قُفلين أو مفتاحين؛ فكل واحد منهما مختلف ومتميز عن الآخر ولكن لا يرقى إلى درجة الكمال وحده إلا بوجود الآخر. فدورهما ليسا متشابهين ولا متعاوضين بحيث لا يمكن استعمال أحدهما مكان الآخر. كما أنهما لا يتفوقان على الآخر؛ لأن كلاهما ضروري. كلاهما يحظى بالأهمية نفسها، وكل واحد منهما يمكن الحكم عليه من خلال الوظيفة المنوطة به. إنهما يكمّل بعضهما بعضاً» .

٦ ـ تايلر كالدويل:

تعد (تايلر كالدويل) من الكاتبات الذائعات الصيت اللواتي ألَّفن كتباً باللغة الإنجليزية، وقرأ لها الكثير من الناس. وقد كتبت التصريح التالي في الصحافة: «لا يوجد البتة إرضاء تام في أية وظيفة مهما كانت لامرأة مثلي. ليس لديَّ بيت ولا حرية حقيقية ولا أمل ولا سعادة ولا تطلُّع للمستقبل ولا قناعة. إن الأحرى بي أن أطبخ وجبةً لرجل وآتي له بحذائه وأشعر بحماية ساعديه في مقابل ذلك على الحصول على كل الإنجازات التي حققتها والجوائز التي حصلت عليها في الكثير من بقاع الأرض بما في ذلك وسام جوقة الشرف الذي حصلت عليه وأملاكي وكافة حساباتي البنكية. إن هذه الأشياء لا تعني شيئاً بالنسبة لي، وأنا فقط واحدة من ملايين النساء اللاتي يشعرن بالحزن والأسى مثلي» .

ü تقسيم العمل:

من الملاحظ أن تصميم الأسرة الإنسانية يقوم على تقسيم العمل، ومن الملفت للنظر حقاً أن البحوث التي أُجريت في العصر الحديث أثبتت أن هذا التصميم التقليدي هو أفضل طريقة يمكن للذين يعملون معاً أن يتبنوها. فقد شاركت مجموعة من الشركات الصناعية الكبيرة في أمريكا في السبعينيات في القيام بمشروع بحث للتوصل إلى معرفة أفضل نظام للعمل في مجموعات وصولاً إلى حصول الانسجام مع الآخرين في المجموعة وتجنب الخلافات. وقد أُجري جزء من هذا البحث في مجموعات (الهبيز) التي كانت قد ظهرت كحركة في فترة سابقة في الستينيات. يجب الإشارة إلى أن مجموعات (الهبيز) المثالية هذه لا تعتمد على مبدأ تقسيم العمل ولكن على ما يسمّونه: المساواة. ولهذا تجد المرأة تشارك الرجل في كافة المهام اليومية، وتعمل جنباً إلى جنب مع الرجل في الحقول والمصانع، ويشارك الرجل المرأة في أعمال البيت والاهتمام بتربية الأطفال.

والنتيجة المشوّقة التي أسفرت عنها هذه الدراسة هي أن المساواة لم تتلاءم والفروق الموجودة بين الرجال والنساء. فقد برعت النساء في بعض الأعمال في حين برع الرجال في أعمال أخرى. فقد ثبت أن النساء قمن بأعمال الإصلاح والخياطة وتثبيت الأزرار على أحسن وجه وبشكل أفضل بكثير من الرجال بسبب التكوين الرقيق لأيديهن، في حين ثبت أن الرجال قاموا بأعمال خشنة كالدفع والسحب على أحسن وأفضل من النساء. إلا أن الاكتشاف الأكثر إثارة هو أنه عندما عملت النساء جنباً إلى جنب مع الرجال في مجموعات تبين بأنهم لم ينسجم بعضهم مع بعض إطلاقاً؛ فقد ظهر الشقاق بينهم وظهرت العداوة بل الضغينة، وأدى هذا الشقاق في آخر المطاف إلى سقوط تقسيمات إدارية بكاملها.

ويمكن أن نستنتج من هذا البحث أن أفضل طريقة لنجاح العمل في مجموعات هو تقسيم العمل؛ وذلك لأن هذا التصميم تصميم إلهي كامل لا يرقى إليه النقص.

ويُكتب للحياة الزوجية النجاح عندما يقوم الزوج والزوجة بأدوارهما المنوطة بهما بكل تفان ٍوإخلاص؛ كما أن المشاكل الزوجية المستعصية الحل تحصل عندما لا يقوم أحدهما بالأدوار المنوطة به أو عندما يقوم أحدهما بتجاوز حدود أدواره ويقوم بدور الشريك الآخر، أو عندما يُظهِر مبالغة في القيام بهذه الأدوار أو عدم القيام بها إطلاقاً.

ü ثلاث حاجات رجولية:

ولتحقيق المزيد من النجاح في حياتِكِ الزوجية، ساعدي زوجك ليقوم بدوره؛ وذلك بتفهّم ثلاث حاجات رجولية؛ هذه الحاجات الرجولية وما تتطلبه هي الآتي:

ـ حاجته للقيام بدوره الرجولي كقائد وحامٍ وعائل.

ـ حاجته للشعور بأن أسرته تحتاج إليه للقيام بدوره هذا.

ـ حاجته بتفوقه على المرأة في القيام بهذا الدور.

١ ـ حاجته للقيام بدوره الرجولي: يحتاج أولاً: إلى أن يؤدي عمل رب الأسرة وإلى إجلال ودعم أسرته أثناء قيامه بهذه الوظيفة. ويحتاج ثانياً: إلى النجاح في الحصول على لقمة العيش وإلى سد الحاجات الأساسية لأسرته وإلى القيام بهذا العمل بمفرده دون الحاجة إلى مساعدة الآخرين. ويحتاج ثالثاً: إلى القيام بدور الحامي؛ وذلك بتوفير الأمان لأسرته من كل أذى أو خطر أو صعوبة.

٢ ـ حاجته للشعور بأن أسرته تحتاج إليه للقيام بدوره: يحتاج للشعور بأن أسرته تحتاج إليه فعلاً كقائد وحامٍ وعائل. وعندما تصبح المرأة قادرةً على إعالة نفسها ومستقلةً عن زوجها فإنها تفقد الشعور بالحاجة إليه، وهذا بالنسبة إليه خسارة فادحة.

٣ ـ حاجته بتفوقه على المرأة في القيام بهذا الدور: لا يدرك الرجل دائماً حاجته إلى التفوق على المرأة إلا عند ظهور ظرف يهدده، كأن تتفوق عليه امرأة بذكائها في مجال تخصصه أو عند ارتقائها إلى منصب أعلى أو حصولها على راتب أعلى، أو تتفوق عليه في أي عمل يتطلب القوة أو المهارة أو الكفاءة أو القدرة التي عند الرجال.

ü الفشل الاجتماعي:

مما يُؤسف له أن نرى هذه المبادئ مهجورة بل ومُنتهكة في عصرنا الحاضر؛ فهناك أجيال من الأمّهات الموظفات اللاتي يتنافسن مع الرجال من أجل تحقيق إنجازات أكبر أو مناصب أعلى أو مرتّبات أفضل.

ويبدو الوضع في البيت بنفس الدرجة من السوء تقريباً. فتجد المرأة تتحكّم في الأمور وتحاول إدارة الأمور بطريقتها الخاصة. والشيء المفقود في البيت هو الزوجة التي تثق بزوجها وتتوق إلى توجيهاته الرشيدة وساعده القوي الذي يمكنها الاعتماد عليه. فالساعد الرجولي موجود ولكنها لا ترغب في الاعتماد عليه. فتراها تقوم بالكثير من الأعمال الرجولية بنفسها؛ ولهذا فإن استقلالها بذاتها يجعل من الاهتمام والحماية الذكورية أمراً غير ضروري، وهذا في الحقيقة يعتبر خسارةً لكليهما معاً.

وإذا حُرِم الرجل من وظيفته الذكورية داخل البيت فإنه يشعر بأن أسرته في حاجة أقل إليه كما يشعر أيضاً بأن هناك خللاً مَّا في رجولته. وعندما تقوم المرأة بأعمال رجولية فإنها تنتحل خصائص ذكورية من أجل القيام بهذا العمل على أتم وجه. وهذا يعني فقدانها لأنوثتها ونعومتها. كما أن المسؤولية الرجولية التي تتبناها تزيد من إجهاد حياتها وإلى المزيد من التوتر والقلق. وينتج عن هذا كله فقدان خاصية الهدوء والسكون النفسية التي تحتاج إليها لتقوم بتدبير أمور بيتها بنجاح تام. كما أنها عندما تقضي وقتها وتفني جهدها في القيام بأعمال الرجل فإنها تُهمِل وظائف مهمة في الدور الخاص بها كامرأة.

ü رسائل نابعة من القلب من متخصصين:

وجاء في مقال مطول للكاتبة (كاثي ميرز) ظهر عام ١٩٩٨ بعنوان (رسائل نابعة من القلب من متخصصين) :

في عشية مؤتمر رعاية الأطفال الذي عُقد في البيت الأبيض، نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية مقالاً يحمل عنوان «أسباب اعتمادنا على دور الحضانة بشكل أخف» بقلم (الدكتور ستانلي جرين سبان) وهو طبيب نفساني وطبيب أطفال وكاتب. وكان آخر كتاب صدر له هو «نمو العقل ومصادر الذكاء المعرّضة للخطر» الذي أصدرته دار إيدسن ويزلي عام ١٩٩٧م. وفيما يلي مقتطفات مما جاء في هذا المقال:

«في الوقت الذي نسعى فيه لتحسين الرعاية بالطفولة وزيادتها فإننا في الحقيقة نتجاهل حقيقةً أساسية وهي أن معظم محاولات الرعاية بالطفولة المتوفرة في هذا البلد ـ ببساطة ـ ليست جيدة لهم ... فبدلاً من زيادة الاعتماد على دور الحضانة يجب علينا الشروع أساساً في إعادة النظر في طريقة تنظيم العمل والرعاية بالطفولة.

ولقد شاهدنا في أرقى دور الحضانة كثيراً من الأطفال الذين يبلغون ثمانية شهور ييأسون من رؤية المربية، وبدلاً من استقبالها بوجه بشوش يُعرضون عنها وينظرون إلى الجدار؛ ذلك أنها ما إن تمر على أسِرّتهم حتى تتركهم سريعاً لتستجيب لبكاء طفل آخر.

والأسوأ من ذلك أن المربيات في هذه الدور لا تتمكنّ من إنشاء علاقات طويلة مع الأطفال الذين يشرفن عليهم، والسبب في ذلك تغيير المربيات كل سنة في معظم هذه الدور عندما ينتقل الرضع إلى حجرة أخرى. كما تستبدل المربيات بشكل مستمر في دور الحضانة التي تتوفر على تدريب أقل وأجور متدنية، والعدد الكبير للأطفال الذين يلتحقون بهذه الدور.

قام (المعهد الوطني لصحة الطفولة ونموها) بدراسة لدور الحضانة، وقد أظهرت نتائج الدراسة التي لا تَدْعو إلى التفاؤل والارتياح أن الأطفال الرضع الذين يلتحقون بدور الحضانة بكامل ساعات الدوام نسبياً معرضون لفقد الصلة بآبائهم وفقد مودتهم إذا لم يهتم آباؤهم بحاجاتهم ومحاولة إدراك الإشارات العاطفية في المساء عندما يجتمعون بهم، أي إذا لم يوفروا لهم أنواع التجارب التي افتقدوها في دور الحضانة.

إننا في حاجة إلى إعادة تقييم أهمية الأطفال التي ندّعيها. يجب أن يحظى الأطفال بالرعاية والنظر إلى ذلك بالأهمية القصوى وإعطاء الأولوية لهذا الأمر، على نطاق الأسرة والمجتمع على حد سواء.

لقد ثبت لنا أن التفاعلات المستمرة والمتواصلة بين الأطفال وآبائهم أساسية لنمو سليم وصحيح لدماغ وعقل الطفل. وتؤدي أنواع التفاعلات هذه إلى إيجاد مواطنين تأمليين بالإضافة إلى إنشاء روح التناغم والانسجام التي توفر الأجواء للمجتمعات للقيام بعملها بنجاح» .

ويقول الدكتور (جوزيف زنكا) الذي عُين مؤخراً رئيساً للأكاديمية الأمريكية لأطباء الأطفال:

«ليس من المهم الوقت الذي نقضيه ـ نحن أطباء الأطفال ـ مع الأطفال، بل المهم في نهاية الأمر هو الوقت الذي يقضيه الوالدان مع أطفالهما، وأقصد بالوقت هنا الوقت الحقيقي لا الوقت الذي يقضيانه معهم في نهاية اليوم بعد عودتهم من الحضانة. فقد بدأ يظهر للعيان وبشكل واضح أن توفير أفضل البرامج في دور الحضانة لرعاية الطفولة لا يمكن أن يحل محل الوقت الذي يحتاجه الطفل من أبيه وأمه.

نسمع كثيراً هذه الأيام عن حقوق الأطفال، ولكن على الرغم من أهمية ضمان هذه الحقوق لهم إلا أن الشيء الذي نادراً ما يطرح على بساط النقاش هو حقهم في آباء ملتزمين بتحمل مسؤولية تربيتهم تربية كاملة.

يعتبر أطفال اليوم صحياً وبدنياً أفضل من الأطفال في الماضي بكل أنواع المقاييس، إلا أن صحتهم النفسية سيئة وتزداد سوءاً، وهذا انعكاس واضح لسوء معاملة الأطفال وإهمالهم واستخدام العنف في سلوكهم معهم، ولانتشار الأمراض الجنسية والحمل غير الشرعي والمبكر للفتيات المراهقات.

لقد أظهرت نتائج استبيان دوري أُجرِيَ قبل بضع سنوات على أعضاء الأكاديمية أن معظمنا يعتقد وبشدة أنه من المهم جداً أن يتفرغ أحد الوالدين للبقاء مع الأطفال في البيت، وتشتد الحاجة مع صغر سن الأطفال.

وتتحدث الدراسات الواحدة تلو الأخرى في نشرات العلوم الطبية والاجتماعية عن أهمية دور الوالدين الحيوي في تربية الأطفال ...

لا حاجة للاعتذار، فالأمهات غير الموظفات سعيدات بالبقاء في البيت.

تقول (هايدي برينان) الرئيسة السابقة لـ (جمعية الأمهات المختارات البقاء في البيت) : «الأمهات اليوم متعلمات ومنجزات أكثر من نساء الأجيال السابقة من الأمريكيات، وبعد قضاء ما يقرب من عقدين من الزمن في محاولة الموازنة بين البيت والعمل اتجهت الكثير من هؤلاء الأمهات إلى وظائف بساعات عمل أقصر من السابق حتى يتاح لهنَّ قضاء أكبر وقت ممكن مع أطفالهن. وبعكس ما يعتقده الكثير من الناس فإن الأمهات اللاتي اخترن البقاء في البيت بدلاً من الالتحاق بالعمل خارجه اكتشفن أن تربية أطفالهن جهد حسن وعمل معطاء. كما لوحظ أن سبعة ملايين امرأة اخترن ترك العمل والتفرغ لتربية أطفالهن، وهذه النسبة في تزايد مستمر.

وفي الوقت الذي يولي فيه الرأي العام اهتماماً أكثر بالبيت والأسرة؛ حيث يقرر الكثير من الأمهات قضاء وقت أكثر في البيت، تعتقد (جمعية الأمهات المختارات البقاء في البيت) بأننا لا نزال نعيش في مجتمع يجعل الأمر صعباً للنساء من ناحية مالية ونفسية لاختيار البيت. وعلى الرغم من أن العديد من استطلاعات الرأي التي اُجريت في الآونة الأخيرة تشير إلى أن الآباء والأمهات في طول البلد وعرضه يرغبون في قضاء وقت أطول مع أطفالهم، إلا أنه لم يتم الاعتراف ولا دعم اتجاه العمل لساعات أقل وقضاء وقت أطول مع الأطفال في حلبة السياسة العامة. بل حقيقة الأمر أن تشريعات رعاية الطفولة المقترحة تتجاهل اتجاه معظم أولياء الأمور إلى تفضيل توفير كافة الرعاية اليومية لأطفالهم أو معظمها.

ü الإيجابيات قصيرة الأجل وطويلة الأجل للتربية في البيت:

أصدرت (شبكة الأسرة والبيت) مقالاً بعنوان «الإيجابيات قصيرة الأجل وطويلة الأجل للتربية في البيت» جاء فيه:

يمارس الوالدان أكبر تأثير في تشكيل الجانب الأخلاقي لأطفالهم:

لقد تلقينا خطابات من آلاف الأمهات في كافة أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام ١٩٨٤، وجاء في هذه الخطابات قناعات الأمهات التالية:

وبعد:

إن عدم زواج المرأة سواء أكانت مطلقة أم لم تتزوج أصلاً يعتبر تعطيلاً لها عن وظيفة هامة من وظائفها. ومن المعلوم أن الزواج هو أكبر وظيفة للمرأة بعد عبادة الله جل ذكره، وزواجها عبادة، والإنسان خُلق لعبادة الله بدليل قوله ـ تعالى ـ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] .

وعلى الفتاة ألا تمتنع عن الزواج بأسباب غير مقنعة، وألا تجعله مستحيلاً بشروطها الواجب توفرها في فارس أحلامها، ومن المشاهَد الملموس أن هناك بعض الفتيات لا يرغبن في الزواج متذرعات بأعذار واهية أو غير مقنعة؛ فمثلاً هناك من تمتنع عن الزواج حتى تكمل تعليمها الجامعي فإذا حصلت على الجامعة رفضت الزواج إلا بعد الحصول على الماجستير وربما الدكتوراه؛ مما يجعل قطار الزواج المبكر يفوتها فينظر على أنها كبيرة في السن فلا يميل إليها أحد فتلتحق بركب العنوسة، وهي السبب الرئيسي؛ حيث كان يمكنها أن تتزوج ثم تشترط مواصلة تعليمها الجامعي أو العالي.

أما إذا كان تعليمها سيصبح سبباً في عنوستها فإنه والحال هذه يصبح غير ضروري؛ لأنه قد يؤدي إلى مشاكل لا تحمد عقباها؛ وهذه المشاكل يعلمها الجميع: انحرافات عن الطريق السوي، والإصابة بالأمراض العصبية والنفسية والحرمان من الأبناء الذين هم زينة الحياة الدنيا.

فالزواج ليس سجناً بل هو قمة السعادة؛ حيث تصبح المرأة ربة أسرة وتملك بيتاً وأبناءً وشريك حياة يحقق لها من الراحة والسكنى ما لا يحققه الوالد أو الأخ. يقول الله ـ تعالى ـ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} فأين كانت ستجد السكنى والرحمة والمودة؟!

يظهر داء العنوسة وينتشر في مجتمعنا المسلم بسبب الانحراف عن الطريق السوي؛ حيث انتشرت هذه الظاهرة بين بناتنا؛ وكما هو معروف أن الإسلام يحث على الزواج في سن مبكرة ويحارب العزوبة؛ لأنها تتعارض مع الفطرة السليمة، ومن المؤكد أن لها آثاراً سيئة؛ حيث إنها إذا انتشرت في المجتمع فإن هناك أمراضاً ستطل برأسها، أمراضاً نفسية، وأمراضاً عصبية، وأمراضاً أخلاقية وغيرها من الأمراض التي تؤثر على الصحة العامة للأفراد والمجتمعات.

ومن المعلوم أن الوالد إذا انشغل عن تربية أبنائه، وكذلك إذا أدى عمل المرأة إلى انشغالها عن الأولاد؛ فهذا بلا شك سيحرم الطفل من عطف أبويه ورعايتهما له وحنانهما عليه، وسيكون مثل اليتيم؛ فهل هناك مبرر يجعل الأمور تصل إلى هذه الدرجة؟!

يجب على الأم ألا تترك تربية الأولاد «وهي مهمة جليلة» للخادمات والمربيات من أجل خروج المرأة للعمل الذي تحفه محاذير كثيرة ينبغي عليها أن تتحرز منها، وترجع إلى كلام أهل العلم الذين أسهبوا في التحدث عنها.

وقد ظهرت في الآونة الأخيرة لدى عديد من الرجال عدم الرغبة في الزواج من الطبيبات وبعض الموظفات؛ وذلك لأنهم ينظرون إلى الطبيبة على أنها لا يمكن أن تحقق الاستقرار الزوجي المطلوب؛ نظراً لمشاغلها في وظيفتها وما يترتب على ذلك من مناوبات ليلية ونهارية مما يضطر الزوج للجلوس في البيت وحيداً، وكذلك متاعب الأزواج في إيصال الزوجات إلى أعمالهن ذهاباً وإياباً وقد يكون ذلك في أوقات غير مناسبة بالنسبة للزوج، وإذا خرجت الزوجة لعملها الليلي وتركت الأطفال والزوج فإن الزوج سوف يصاب بخيبة أمل؛ لأن الزوج لا يصلح للتربية كما تصلح الأم، وقد يقول قائل: إن هذه المسألة يمكن أن تحل بواسطة الخادمات؛ ولكن هل الخادمة مثل الأم؟ وهل كل خادمة مخلصة؟

إننا رأينا المرأة في أحيان كثيرة تمسكت بحقها في العمل، وخرجت تبحث عن نفسها وزاحمت فيه الرجال، وبحثت عن أم بديلة لأولادها، وأقنعت نفسها بأنهم في يد أمينة، حتى لا يتكدر صفوها ولا يحول شيء دون خروجها، وأجادت تحسين مظهرها وضيَّعت في ذلك كثيراً من وقتها ومالها، وتباهت بأنها عاملة ناجحة، وأم ناجحة أيضاً، وانطلى ذلك الكلام عليها وعلى أمثالها؛ وذلك لأنها اعتبرت عملها أسمى غاية وأعظم حق لها لا ينبغي التفريط فيه أو الرجوع عنه.

يقول «هبرت مونتاجنر» العالم الفرنسي المهتم بسلوكيات الأطفال: «وقد لاحظت أن الأطفال الذين يتمتعون بروح قيادية هم في معظم الأحوال أطفال من أسر متفاهمة تسودها روح الحب، تقوم الأم دائماً بالتحدث مع طفلها بلطف وحنان، ولا تقوم بأي عمل عدواني نحوه إن هو أخطأ، بل تعرف كيف توجهه بحزم، ولا تدلله إلى حد التسيب» ، ويوجه نصيحة للأم فيقول: «إن طفلك يردد اللغة التي تعلمها منك، فأي لغة تلقنينه..؟» .

أجريت في أمريكا دراسة عن انحراف الأحداث، اشترك فيها علماء في التعليم وبعض أعضاء الكونجرس ومسؤولون حكوميون، وقد أشارت هذه الدراسة إلى أن أحد أسباب انحراف المراهقين هو أن الوالدين يقضيان أوقاتاً طويلة في العمل، كما أشارت أيضاً إلى أن عدد الأسر ذات العائل الواحد أصبح كبيراً مما يعني قضاء وقت أقل مع الأطفال، وقد أجريت الدراسة على عدد من المراهقين تتراوح أعمارهم بين الثامنة والرابعة عشرة، وقال (٢٥%) منهم إنهم تناولوا مشروبات كحولية، كما أن أكثر من (١٨%) منهم يدخنون السجائر، و (١٣%) يدخنون الحشيش، وأثبتت الدراسة أن واحداً من كل أربعة أشخاص اشترك في نوع ما من الأعمال المؤذية قبل بلوغه السابعة عشرة.

فالأسرة التي يعمل فيها الرجل والمرأة تحطمت؛ لأنها فقدت رباطها العاطفي والوجداني الذي كان يمسك بالأطفال في ترابط، ويبذر في قلوبهم الحب والمودة.

إن لنا في الإسلام ما يغنينا عن كتابات هؤلاء الغربيين بهذا الموضوع، ولكن نود أن نعرِّف بأن الكثير من النساء الغربيات اللاتي كن ينادين بالمساواة بين الجنسين ويتبنين أفكار الحركة الأنثوية الهدامة، بل إن بعضهن كن منظّرات لهذه الحركة، قد ثُبن إلى رُشدهن وعرفن حقيقة هذه الحركة المفلسة؛ فهل فكرت بعض نسائنا ممن تأثرن بهذه الحركة في العودة إلى دينهن ونبذ أفكار هذه الحركة الهدامة؟

آي. جي ويلكِنسُن (*)


(*) مسلمة بريطانية مقيمة في المملكة العربية السعودية.