[واجبنا تجاه أسرانا في فلسطين]
عبد الحكيم بلال
لعل ما تقدم في ثنايا الملف من وصف واقع إخواننا أسرى فلسطين وتحليله يخدمنا بشكل مباشر في رسم الواجب المنوط بالأمة تجاه أسراها، وهو الذي ينبغي أن يكون الغاية من طرح هذا الملف؛ إذ تبقى المعرفة كالطاقة المعطلة ما لم توظف في العمل، كما تبقى المعلومة مواتاً ما لم تسهم في التنفيذ.
نحتاج في مطلع المقالة إلى تذكُّر جملة أمور:
١ - الإنسان في ميزان الشرع قبل الأوطان، ولَزَوال الدنيا أهون على الله ـ سبحانه ـ من قتل امرئ مسلم. وعليه يجب أن يكون البذل لحماية المسلم ورعايته وتخليصه فوق ما يبذل لحماية الأرض وتحريرها، والعقل يقتضي هذا؛ لأن الديار إنما تحرر بالرجال.
٢ - امتدح الله ـ تعالى ـ من يحسن للأسير الكافر ويطعمه ابتغاء وجهه تعالى؛ فكيف بمناصرة مَنْ حُرْمَتُه عند الله فوق حرمة الكعبة المشرفة؟!
٣ - السعي في فكاك أسرى فلسطين واجب شرعي دعوي، لا يسع إهماله، وخاصة حين يبتلى به صفوة الأمة وعمادها من العلماء والدعاة والشباب الصالح. ويدخل في هذا الواجب صور كثيرة من التفاعل مع القضية، مما تضمنته هذه المقالة وغيرها.
٤ - يتنوع ما يمكن عمله لأسرانا في أرض الإسراء أنواعاً عدة؛ فمنها ما هو عامٌّ للأسرى، ومنها ما يناسب بعضهم دون غيره، ومنها ما يقدم لأهله وذويه، ولعل سردها في سياق واحد أليق بمقالة قصيرة كهذه.
ومن أبرز وسائل مناصرة الأسرى:
١ - الوعي بأبعاد الموضوع، وبيان الأمر بصورة واضحة للناس بشتى شرائحهم، وتعريفهم بأن المحتجزين وراء القضبان اليهودية هم من خلاصة الناس وفضلائهم، من معلمين ومربين ومفكرين وغيرهم ممن يتضرر المجتمع كثيراً بغيابهم، مما يحتم الواجب تجاههم على الجميع.
٢ - التأكيد على السبب الذي من أجله أقيمت المعتقلات في فلسطين، وأنه جزء من الحرب على الدين وتمكين المفسدين، وهذا الأمر يجب استصحابه في التعامل مع القضية؛ إذ الأمر أكبر من أن يكون قضية شخص معتقل، بل قضية إسلام في مواجهة الكفر، وإنما الأسر أحد محطات تلك المعركة وفصولها، والمعتقل حال اعتقاله هو في مرحلة من مراحل النصرة؛ حيث الثبات والمصابرة وإغاظة العدو، وشحذ الهمم. وهذا الأمر صمام أمان دون تحوُّل مسار أهالي الأسرى عن مناصرة الدين إلى الانحصار في قضايا شخصية خاصة فحسب.
٣ - الشعور بمعاناة الأسير الفلسطيني، وترجمة ذلك إلى جهد منتظم متواصل لخدمة القضية، والظن أن اتساع دائرة الاعتقال وكثرة المعتقلين في الأرض المقدسة ربما تجعل القضية من الواجبات العامة، على الرغم من تزاحم الأولويات في أرض الرباط، وأهلنا هناك أدرى بأولوياتهم.
٤ - بث التفاؤل بعودة الغائب، وفي تجربة يوسف الصديق عليه السلام، وأحمد بن حنبل، وابن تيمية، وأحمد ياسين، وكثير ممن عاش ردحاً من حياته سجيناً من رجالات الجهاد والعلم والدعوة رحمهم الله تعالى.. أمل كبير وثقة بالغة بأن الأسير حال أسره يؤدي دوراً لا يمكن له تأديته طليقاً، كما أنه يعود بعد خروجه أصلب عوداً وأحكم تجربة وأكثر نقاء، إذا ثبته الله تعالى.
٥ - الدعاء للأسرى الفلسطينيين بالثبات والصبر والفرج، وبخاصة في مبتدأ اعتقالهم؛ إذ قد تشغلهم الصدمة وكثافة التحقيقات عن الضراعة. وقد ذكر بعض الأسرى أن العذاب ربما كان يهدأ أحياناً داخل السجن، بلا سبب ظاهر ولا وضع مألوف، فلا يجدون له تفسيراً إلا دعوات إخوانهم، والله أعلم.
٦ - السعي في فكاك الأسرى ومفاداتهم.
٧ - إعداد البرامج العلمية والدعوية المناسبة للأسرى في السجون، وتوفيرها عبر الشبكة العالمية المتوفرة في بعض السجون، كسجني: مجدو، وعسقلان.
٨ - السعي إلى إدخال الكتب التي تعينهم على مواصلة بناء النفس، وإصلاح الآخرين، وغير ذلك من البحث والتأليف ومواصلة الدراسة.
٩ - قيام عرب ٤٨ برفع الدعاوى تلو الدعاوى للمطالبة بحقوق الأسرى في المعاملة الإنسانية، من حيث: الإدانة والتبرئة، وممارسات المحققين، وأوضاع السجون، وأحوال النساء والأطفال. ولئن كان لهذا الأسلوب بعض الجدوى لدى بعض حكومات التسلط فلعله لدى دولة يهود أكثر جدوى. وكم يحجم المرء عن استثمار بعض الفرص؛ جهلاً بها، أو وهماً وتخوفاً لا مسوِّغ له!
١٠ - تكوين لجان مختصة لمتابعة قضاياهم الإنسانية، وفضح الممارسات البشعة التي ترفضها الأديان والفطر والعقول والأعراف كلها، ومراسلة الجهات المهتمة بالتقارير والأخبار، ولا ضير في مشاركة غير المسلمين في تلك الأعمال، وقد أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- حلف الفضول الذي تشكَّل لحماية الضعيف ونصرة المظلوم، وأخبر أنه لو دعي لمثله في الإسلام لأجاب. ويمكن التنسيق مع محامين دوليين لتوكيلهم بالدفاع عنهم، أو استشارتهم في ذلك، وبخاصة في قضايا الرموز من الأسرى.
١١ - استثارة الجمعيات الحقوقية والشخصيات الناقمة على السياسات الصهيونية في الغرب، وحثها على الزيارات التفقدية التي تكشف الحقائق وتعري الفضائح.
١٢ - التذكير المستمر بقضيتهم، على المنابر، وعبر وسائل الإعلام المختلفة، لتقوم فئات الأمة كل فئة بما تستطيع.
١٣ - استمرار المتابعة الإعلامية لقضاياهم حتى تثمر كما وقع أول الأمر مع قصة (الأمعاء الخاوية) التي شكلت نموذجاً لتكتل الأسرى وتنسيقهم وتصميمهم، لولا المحاذير الشرعية للإضراب عن الطعام؛ وذلك يعني ضرورة تفتق الأذهان عن أساليب مشروعة مؤثرة.
١٤ - التواصل مع أهالي الأسرى بالزيارة والمواساة المستمرة، بل كفالة أهله وتبنيهم، وحسن رعايتهم بشكل شمولي، لإعفافهم عن السؤال، وحفظهم من الابتزاز، ومن أجل إكمال مسيرة الأسير في تربيتهم وإعدادهم. ويمكن السعي في تدبير أمر أهل الأسير المادي بواسطة بعض أقربائه، بشكل يهدف إلى كفايتهم أولاً، ثم إيجاد عمل ومورد مادي للأسير بعد خروجه. وكم تهون على الأسير مصيبته، حين تقر عينه بصيانة ذريته، وقيامهم بحمل رسالته التي أصيب من أجلها.
١٥ - إصرار أهالي الأسرى وذويهم على تتبع شأن أسراهم، ونيل حقوقهم، والحرص على زيارة الأسرى من قِبَل كل من له أدنى علاقة قربى، ما وجد إلى الأمر طريقاً.
١٦ - استثمار وقت الزيارة بشكل يركز على طمأنة الأسير على أهله وولده وإزالة الأوهام المتعلقة بذلك؛ حيث يظن المعتقل أن أهله جميعاً في المعتقل، وكذا التركيز على تقوية قلبه وبث التفاؤل في نفسه، وعزله عن أخبار بعض المشكلات الخارجية التي لا تزيده معرفتها إلا هماً وغماً وحزناً.
١٧ - إبراز الشخصيات السجينة وحياتهم داخل السجن وخارجه، وأسلوب أهليهم في التعامل مع القضية بشتى جوانبها. وخيراً فعلت مجلة البيان الفتية حين قابلت الأستاذ: رائد صلاح، وهو في معتقله، وقد كانت قابلته قبيل اعتقاله أيضاً.
١٨ - استكتاب الأسرى لتوجيه رسائلهم العامة والخاصة إلى الأمة خاصتها وعامتها.
١٩ - تشجيع الأسرى الفلسطينيين والمطْلقين من الأسر على تحرير تجاربهم وكتابة خبراتهم وقصصهم داخل المعتقل.
٢٠ - توجيه الرسائل بكل طريق إلى الأسرى الفلسطينين بشكل دوري وفي المناسبات، وبخاصة من رموز الأمة العلمية والدعوية والفكرية.
٢١ - مبادرة علماء ودعاة فلسطين إلى التعامل مع الأسير ساعة خروجه بما يناسبه، لتخفيف آثار ردة الفعل التي قد تطرأ، سواء في خاصته وأهله، أم في المجتمع وتقلباته التي قد تؤثر عليه سلباً.
٢٢ - تلخيص أحكام الأسر، وبثها للأسرى وأهلهم وللعامة، وإبراز منهج الإسلام في التعامل مع الأسير، مع النماذج التاريخية، ونشرها في المجتمعات الغربية والأمريكية.
٢٣ - التركيز على قضية الأسيرات، والأطفال، ومنحها أولوية.
تلكم بعض ما فتح الله به، وغيره كثير، يدركه من يعاني ويقرب من المأساة أكثر.
غير أن فكرة واحدة يسير بها المرء نحو العمل خير من ألف فكرة تبقى حبيسة الورق تُبقي الأمةَ غير قائمة بواجبها تجاه الأسرى.
- توزيع الأسرى حسب مناطق سكناهم:
عدد الأسرى ٧٤٠٨ أسرى بينهم ٥٣٧١ من الضفة الغربية، و٦٠٢ من قطاع غزة، و٩٣ أسيراً من فلسطينيي الـ ٤٨، والباقون غير موثقين حسب مناطق سكناهم.
وطبقاً للإحصائية السابقة فإن ٨٨.٦% هم من الضفة الغربية و ٩.٩% من قطاع غزة والبقية من مواطني المناطق الفلسطينية المحتلة عام ٤٨، هذا باستثناء الأسرى غير الموثقين والذين يفوق عددهم ١٥٠٠ أسير في سجون الاحتلال الصهيوني.
- الأسرى المرضى:
ييلغ عدد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال حوالي ١٠٠٠ مريض، يحتاج منها لعلاج عاجل حوالي ٣٠٠ أسير، ولا يستوعب مشفى السجن الوحيد منهم سوى ٢٥ مريضاً منهم ١٥ مقيمون بشكل دائم.
- ١٤٥ أسيراً يعانون من مرض الغضروف، وبعضهم يعانون من أمراض القلب والمفاصل وضعف النظر.
- ٨٢٨ أسيراً يعانون من أمراض مزمنة، ومنهم من اعتقل بعد إصابته بالرصاص ولم يقدم له العلاج اللازم حتى الآن.
أسيران مصابان بشلل نصفي.
- أساليب التعذيب:
- ٩٨% تعرضوا للتعذيب خلال عملية اعتقالهم والتحقيق معهم.
- ٨٦% في غرفة باردة «الثلاجة» .
- ٨٧% تعرضوا لعملية الشبح، وهي ربط اليدين للخلف وقوفاً.
- ٨٨% للوقوف لفترات طويلة، مع كيس في الرأس ذي رائحة كريهة.
- ٩٢% للحرمان من النوم، خلال فترات التحقيق الأولى.
هذا بالإضافة لأكثر من ١٥٠-١٨٠ أسلوب تعذيب محرمة دولياً تستخدمها سلطات الاحتلال ضد الأسرى لانتزاع الاعترافات منهم، مع العلم أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تقر التعذيب؛ فهي تقر أغلب الأساليب السابقة قانونياً لمحققيها، وبتصديق من الحكومة الصهيونية.