للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الورقة الأخيرة

أدوات النفي.... لم تعد نافية! !

بقلم: حسن قطامش

أدوات النفي.. للنفي، وهذا معلوم في لغة العرب، لغة الذكر المبين، وما

علمنا شكّاً أو يقيناً أن أدوات النفي تثبت ما تنفيه في الوقت ذاته.

لكن في بعض قواميس العرب الآن تتبدل اللغة حسب تقلب متحدثيها، الذين

يظهرون ما لا يبطنون، ويبطنون غير الذي يظهرون، فإذا انقلب حال المتحدث

فلا حرج من (انقلاب) الحديث.

ولعل أبرز القواميس (المنقلبة) تلك: القاموس السياسي، وفيه يظهر الخطاب

المنقلب جليّاً، ويصير النفي للإثبات، والإثبات يضحى نفياً.

ولقد برز ذلك واتضحت معالمه، وظهرت رؤاه في التعامل مع يهود، وإن

كان ظاهراً في سواه كثيراً، ولكنه هنا أظهر وأبين.

كانت مفردات الخطاب الثوري إثر الاحتلال اليهودي لفلسطين: (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض) (وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة) .

وظلت تلك الشعارات الرنانة تخترق الأسماع عبر أبواق (الصمود والتصدي) من مرئي ومسموع ومقروء، ثم ما لبثت الأيام تمضي حتى أخذ حملة تلك

الشعارات يؤبنونها، ثم ما لبثوا كذلك أن تقاطروا زرافات ووحداناً يلهثون وراء

(سلام الشجعان) ، فمن (أرض السلام البارد) إلى (مملكة السلام الدافئ) إلى (سلام

أبناء العمومة) ثم (سلام الأُسود) ، والبقية ... آتية، والأيام حبالى بكل عجيب.

وكأن كل هذه (الإثباتات) من عداوة وبغضاء واحتلال ديار وانتهاك حرمات.. إلى غير ذلك: صار (واقعاً) ولا وجود له.

ولعلنا نستعرض بعض التصريحات في الآونة الأخيرة، التي ظهرت فيها

أدوات النفي، لغير النفي! ! :

يرتع اليهود في (أرض الكنانة) بأفكارهم وبذورهم على أنهم خبراء ... زراعيون، ولا يخفى على أحد ما أصاب الزراعة من (خبراتهم) ! ! وإذا ... بوزير الزراعة يخرج علينا ليقول: (لم نستورد بذوراً من إسرائيل! !) .

ويجيء وزير الخارجية، ويقول: (لن نوقع على معاهدة منع الانتشار

النووي إلا إذا وقعت (إسرائيل) ويومها قيل: ليخفف من حدة خطابه حفظاً لماء

الوجه، لأنه موقع لا محالة، وهو ما حدث بالفعل دون أن توقع إسرائيل.

ويأتي وزير الاقتصاد ليقول: (لا نخشى من دخول إسرائيل اقتصاديّاً إلى

المنطقة، ولا للهيمنة الاقتصادية، نعم للمساواة) وإذا به مع آخرين يقومون بجولة

من (التطبيع الساخن) لإسرائيل لعقد اتفاقيات، ومشاريع اقتصادية! !

ونعرج على لبنان ليصرح لنا أحد وزرائها بأن: (إسرائيل غير قادرة على

سرقة مياه الليطاني) ، وإذا بأحد رؤسائها السابقين يؤكد أنها تسرق وتسرق، ولديه

الأدلة، ونقول: لقد سرقت إسرائيل كميات إضافية من المياه المتفق عليها من وادي

عربة في الأردن! ! ، فالذي يسرق من المتفق عليه، أليس بالأحرى أن يسرق ما

لا اتفاق عليه؟ !

ثم هل نشكك في كلام وزير خارجية الجزائر حين قال: (الجزائر لن تحذو

حذو الساعين للتطبيع مع إسرائيل) ؛ إذ إننا تعلمنا أن قاموس النفاق السياسي نفيه

إثبات، وإثباته نفي.

... وحسبنا الله ونعم الوكيل.