[وعند الصباح يحمد القوم السرى]
خالد محمد السبيعي
قال الفتى محدثاً صاحبه: ليتني مثل صلاح الدين الأيوبي، شجاعة، قوة،
وحنكة، وبصيرة، والأهم من هذا كله أنه حرر المسجد الأقصى، وهذه وحدها
تكفي، ثم إن الناس في عصرنا هذا يتمنون لو تلد نساؤهم رجلاً مثله، فقال له
صاحبه: وهل تظن يا أخي أن صلاح الدين قد حرر الأقصى في نزهة مترفة على
فرس أصيل، لا يا أخي لم يحدث هذا، ولا يعقل أن يحدث شيء كهذا، إن الأمور
الجليلة لا تتم لمجرد أن تمنيناها، إن وراء كل حدث عظيم أو شخص عظيم، بذل
وتضحية وجهود كبيرة، لا تنسى أن صلاح الدين قد أعد نفسه جيداً، كما أن جنده
قد أعدوا إعداداً مناسباً، ولم يستسلم هذا القائد لأي عائق، عرض له، بل سعى
لهدفه حتى النهاية.
إن أمنية الفتى طموحة وجميلة بل ومطلوبة إلى حد ما كسلاح فعال ضد اليأس
والفشل والقلق، وتتكرر مثل هذه الأمنية في كل مكان، وتتبدل فقط الأسماء
وأسباب الشهر.
اقرأ سير العلماء والمفكرين والقادة، الذين تركوا بصمات واضحة على
أوراق التاريخ تجد أن معظمهم - إن لم يكن كلهم - قد عاش ردحاً ممتداً من عمره
يعد نفسه لأن يكون ما صار عليه بعد.
إذاً فلا بد أيها المؤمن الطموح أن تكشف عن قدراتك مبكراً، ثم تحدد أهدافك
وتراعي ميولك، استشر في ذلك فما خاب من استشار، ثم انطلق في دربك بقوة،
وهدوء وصبر، ولا تنتظر ثمرة سريعة، بل اسع لها، ومن الله التوفيق، كما هي
الحكمة القائلة (بطيء ولكن أكيد) .
إن الأمور العظيمة، لا تحدث اعتباطاً، بل تسبقها جهود عظيمة، تصب -
كلها - في مصلحة الهدف، وبالتالي فإن طموح الفرد المسلم - أو الجماعة
المسلمة - في شيء كبير ينبغي أن لا يتأخر كثيراً، وكما قالت العرب (وعند
الصباح يحمد القوم السرى) .