الصفحة الأخيرة
[قارة العنف والتعصب]
محمد الحسيني
ألمانيا أكثر حواضر أوربا تقنية ومدنية يلفها الرعب العنصري، ويحيط بها
الخوف من النازية الجديدة، من شباب لم يعرفوا من النازية إلا شعار: (ألمانيا
فوق الجميع) وطريقة هتلر في تحية الجماهير. ولم يشهد أحد منهم مقتل عشرات ...
الملايين في الحرب العالمية الثانية ذهبوا ضحية الفكر العنصري من الألمان ...
وغيرهم. تعود اليوم النازية، وتتجه نحو المسلمين الأتراك وغيرهم من الجاليات
التي تعيش في ألمانيا، وقد تجاوزت الحوادث في أقل من عام ألفي حادثة عنف قتل
فيها سبعة عشر شخصاً منهم عائلة تركية. ويخيم رعب النازية الجديدة على الألمان، مما دعا المناوئين برئاسة رئيس الجمهورية إلى المشاركة في المظاهرات ضدهم.
ويرى المراقبون أن أوربا التي تحاول الوحدة يتهددها خطر العنصرية الذي
قامت من أجله له مدراس وكتب وأفكار خالدة في ثقافتهم، حيث يسود القارة
الأوربية الحقد العنصري اللاهب والكراهة المتبادلة. والحروب العنصرية والقومية
هي روح تاريخ أوربا، فحرب المئة عام وحرب الأربعين عام، والحرب العالمية
الأولى والثانية كلها كان ميدانها أوربا، وأكثر الشرور العنصرية في العالم مصدرها
من هناك، فهل تستطيع هذه الدول إيقاف هذا الخطر القادم؟ وهل تستطيع
الديمقراطية الألمانية إيقاف ذلك؟ وهي التي جاءت بهتلر على أعناق الجماهير
العاطلة التي رأته منقذها من البطالة، فأوجد للعاطلين العمل، وأخذهم إلى مصانع
الأسلحة ثم إلى الجندية ثم إلى القبور.
بقي أن نعلم - أن وقوع أوربا تحت طائلة الحروب والأحقاد لا تعني دعوة
الكسالى والسلبيين الممزقين إلى سيادة العالم، وأن حركة العالم من حولنا لا تتأثر
بالجموع الجاهلة الغافلة التي لا تعمل لقضية، ولا يحركها دين، ولا تطمع في حياة
عزيزة، ولا في جنة عرضها السموات والأرض، إذ الحقوق لا تهدى، والصراع
والمدافعة سنة دائمة من سنن الله في الارض.