افتتاحية العدد
رسالة مهمة: فهل نعيها؟ !
الدولة التي ترعى الإرهاب ... وصف يكون مقدمة، بل حجه لممارسة أنواع
من الضغوط السياسية والاقتصادية ضد الأنظمة والحكومات التي يشم منها مواقف
استقلالية ضد هيمنة القطب الأوحد في النظام العالمي الجديد ومصالحه؛ حيث تقف
دولة القطب الأوحد دائماً موقف الخصم والحكم، وغالباً ما يكون توصيف الحيثيات
واستعراضها على نسق ما ورد في قصة الذئب والحمل.
وتستخدم (راعية السلام) منظمات الأمم المتحدة ولا سيما مجلس الأمن أداة
لتقرير الحكم ولتمريره وتنفيذه؛ وذلك من منظور مصالحها، ومن منطلق هيمنتها،
بل إنها لتستعدي الدول الغربية، ويصل الأمر أحياناً إلى الضغوط عليها للمشاركة
في الممارسات التي تكون غالباً قاسية، وأحياناً متشنجة؛ وتلك قاعدة مضطردة تنفذ
بحرص وتُتابع بحزم.
إلا أنها قاعدة ذات استثناء واحد؛ حيث تتحول راعية حقوق الإنسان إلى
راعية لإرهاب دولة ضد شعب، وغطرسة جيش ضد مدنيين عزل.
فكم من قرارات رفضت إسرائيل أن تلتزم بها؛ ورفضت الولايات المتحدة أن
يوجه إليها اللوم، وكم من مجازر ارتكبتها عصابات اليهود ورفضت الولايات
المتحدة أن تدان.
لقد ظل الإرهاب الصهيوني يصول ويجول مختالاً وقحاً في ظل عناية وحدب
العم سام، حيث يشكل حبل المدد ومظلة الحماية التي تتسع باتساع سماء العالم،
وتتخلل شتى محافله.
ولقد استتر الخطاب الأمريكي خلف تأويلات اعتذارية، وتفسيرات تميل كل
الميل إلى الجانب الصهيوني، وما يزال.
ولكن الأمر تجاوز كل حد؛ حيث جاءت مؤخراً (أولبرايت) ، إلى الشرق
الأوسط تتحدث بلسان (نتنياهو) وتلوِّح بقبضة أمريكا. لقد بكت أولبرايت مع
اليهود، ولكنها كانت حازمة وصارمة مع أطراف السلام الآخرين على الرغم من
أن الاستقراء لحوادث سابقة يثبت أن القوة القاهرة لا تفرض على الشعوب حتى
ولو كانت مستضعفة إلا إذا استكانت هذه الشعوب.
وستظل تجارب أفغانستان وفييتنام والشيشان ولبنان، والصومال، وغيرها
شاهدة على ذلك.
ونجد أن أمريكا لا تنجح في فرض ما تريد إلا عبر عملائها الذين يروِّجون
لها، فقد أخفقت في لبنان وفي الصومال، رغم تواضع إمكانات المليشيات في كلا
الحالتين إلا أن القاسم المشترك بينهما عدم وجود عملاء نافذين تتوكأ عليهم في
تحقيق مآربها، ولذلك خرجت من هذه البلاد تجر أذيال الخيبة، فهل ذلك هو
السبب في إلحاح أولبرايت على ياسر عرفات في القضاء على ناشطي حركتي
(حماس، والجهاد الإسلامي) ؟ وهل ذلك المطلب هو مظهر جديد لترسيخ الإرادة
الأمريكية ضد الأمم والشعوب؟
إن ذلك الظن يؤكده ضلوع أمريكا في التغيرات التي حدثت في إفريقيا
وخاصة في زائير الديمقراطية؛ وضلوعُها في الأحداث الأخيرة هو التفسير القريب
لانتصار (كابيلا) في فترة زمنية قصيرة جداً.
فهل وعت تلك الأيادي حقيقة ما تشتهيه وتبتغيه أمريكا منهم؟ وهل وعوا
على الأقل أنهم بقطعهم العرق الإسلامي النابض في الأمة يكونون بذلك قد جاروا
على أنفسهم وأمتهم، وفقدوا شرفاً لا بد آت ببشارة النبي -صلى الله عليه وسلم-
بنصر أمة الحق على يهود.
ومن بين ذلك الركام يستطيع المرء أن يلتقط جذوة الأمل، ويعلن بيقين أن:
وعد الله آت، وأن الجمع سيهزم ما دام قد عثر على مثل الصخرة التي وقف عليها
من ازدادوا إيماناً ويقيناً عند رؤية الأحزاب فقالوا: [حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ]
[آل عمران: ١٧٣] .
إن الحقيقة المرة التي باتت واضحة للعيان تشير إلى أن الغطرسة الصهيونية
والمواقف الأمريكية ما هي إلا صدى للتمزق العربي والخنوع والاستسلام والهرولة
البلهاء وراء وهم السلام.
وإننا لنلتقط من تاريخ عزة ديننا الخالد موقفاً لمعاوية رضي الله عنه حينما
علم أن هرقل عظيم الروم أعد جيشاً لغزو الشام مستغلاً ما بين معاوية وعلي رضي
الله عنهما من أحداث، فأرسل معاوية رسالة إلى هرقل فحواها: (إن شئت اتفقتُ
مع ابن عمي (يعني: علي بن أبي طالب) وبايعته، ثم تفرغت لحربك) فما أن
وصلت رسالة معاوية حتى أقلع هرقل عن الحرب.
لقد أكد ذلك الموقف معاني عدة، ليس أقلها أهمية ما بات معلوماً ومقرراً أن
أعداء المسلمين ليس لهم قوة إلا في تفرق المسلمين وتناحرهم.
فهل وعى كل ذي سلطان وأمر تلك الحقيقة؟ وهل تابوا وأنابوا فربحوا عز
الدنيا ونعيم الآخرة!
فإن لم يكن ذلك.
فليَثبُتْ كل مجاهد نذر أن يقف في وجه الصلف الصهيوني ... ليثبُتْ رغم أن
الثوب بالٍ والبطن خالٍ، والسلاح حجارة، ليثبتوا ... فقد يكون لهم نصيب من
التجارة الرابحة وحظ من الكرامة، ليثبتوا ... فقد يكون لهم شرف القلة الصابرة،
في زمن الغربة ...
لقد استخف كسرى بالرسالة والرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما أرسل
بضع رجال يأتونه بالرسول في الأصفاد لما علم برسالته، ولكنْ، في الوقت ذاته
كانت البشارة بنصرة الإسلام تملأ جنبات نفسه، وتسري في عروق أصحابه حتى
خرجت مواكب النور، ليراها كسرى عين اليقين ويتعلم الدرس المبين من ربعي
بن عامر: (جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان
إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة) .
ولكن يبدو أن الأعداء قد وعوا جيداً رسالة معاوية، فأخذوا يعملون على كل
ما من شأنه تفريق المسلمين، وأن يشيعوا بينهم الفتن على اختلاف ألوانها وأنواعها.
وكثيراً ما يقف المرء لا سيما وهو يطالع تخرصات بعض من أبناء جلدتنا
الذين يتكلمون بألسنتنا وهم يخوضون في مثل معاوية ويقول: يا ليت لنا مثل
معاوية.
وختاماً: هل وعينا رسالة معاوية؟ !