لقد مثَّلت مطالب عبد العزيز الحكيم أثناء التجمعات الشيعية الحاشدة بمناسبة مرور سنتين على اغتيال محمد باقر الحكيم بإقامة إقليم شيعي في جنوب ووسط العراق على غرار الإقليم الكردي، وتأييد موفق الربيعي مستشار الأمن القومي العراقي ـ مثَّلت بروز الوصفة الأمريكية الرابعة للتحكم في العراق حيث؛ تحولت هذه المطالب إلى محور أساسي في نقاشات الدستور الجديد الذي تم طرحه على الرغم من اعتراضات السنة المشاركين في لجان الصياغة. لقد طبقت أمريكا في العراق مبدأ (فن الممكن) والانتقال من وسيلة لأخرى؛ فقد حاولت حكم العراق عن طريق اعتبار الأمم المتحدة أمريكا وبريطانيا محتلين مما يمكنهما من النهب القانوني لثروات العراق، وتم تعيين حاكم أمريكي، ومع تطور المقاومة أضيف مجلس حكم عراقي لمعاونة الاحتلال، ومع تزايد العمليات تم تحويل هذا المجلس إلى حكومة مؤقتة، ثم أجريت انتخابات ليتم تشكيل حكومة موالية للاحتلال؛ مع ملاحظة ان الشخصيات المشاركة في الهياكل السابقة لم تتغير كثيراً. لقد تصورت أمريكا أن حكومة يديرها زعماء الميليشيات الشيعية والكردية مع شخصيات سنية تم تعيينها قادرة على تقديم دعم حقيقي لإدارة الاحتلال، ولكن هذا الخيار أحبط؛ لأن السنة كان خيارهم هو المقاطعة أو المقاومة.
لقد تزامن في وقت واحد تلميحات الإدارة الأمريكية بالانسحاب عندما يصبح العراقيون الموالون لها قادرين على الإمساك بزمام الأمور بتصريحات متكررة من وزير خارجية الحكومة ثم من رئيس الوزراء بأن الانسحاب يجب أن يكون بالتنسيق مع الحكومة العراقية وكأنهم يقولون: لا تتركونا إننا عاجزون عن الوقوف بدونكم. إن مسألة الانسحاب هي مجرد مسألة وقت مع تزايد الخسائر الأمريكية، وقد يحدث ما يجبر أمريكا على انسحاب متعجل تكون فيه الحكومة الحالية لقمة سائغة للمقاومة. إن الطرح الحالي يتلخص في أن العراق يُقَسَّم بصورة يمكن فيها لمن تعاون مع الاحتلال أن يكون أكثر قدرة على الثبات؛ حيث يتم تقسيم العراق إلى أقاليم حكم ذاتي، ويتوقع ان تكون على النحو التالي:
١ - إقليم كردي في الشمال.
٢ - إقليم شيعي أو أكثر في الجنوب والوسط.
٣ - يمكن للسنة أن يبقوا على محافظاتهم ويرتبطوا بالمركز أو يكوِّنوا إقليماً أو أكثر.
ويلاحظ هنا أن الشيعة والأكراد يسيطرون على مواطن الثروة في العراق، وإذا طبقت الخطة فإن محافظات الشيعة والأكراد تتولى إدارة شؤونها وحماية نفسها، ويتم حصر السنة في محافظات مهمشة فقيرة ويدخل فيها العراق في دوامة صراع لا نهائي من أجل البقاء، وسيتم نهب خيرات العراق من أجل الحصول على أدوات الموت. إنه مشهد قائم في أفريقيا ومجرب: خذ منهم البترول والأحجار الكريمة وأعطهم البندقية. إنها فكرة شيطانية ولكن إخفاق مسعاها محقق؛ لأن جو المقاومة السنية لن يتيح لهذه الخطط أن تجد طريقها للتطبيق، إنها خطة جميلة على الورق مثل ما سبقها، وهي لن تنجح؛ لأنها لم تضع تصوراً لتطبيقها في ظل الظروف الحالية. ولمن عاصر حرب فيتنام وشاهد كيف تعلق العملاء بالطائرات الأمريكية المغادرة لسطح مبنى السفارة الأمريكيه بـ (سايجون) ، أقول: هل هو بعيد ذلك اليوم الذي يتكرر فيه المشهد ولكن في المنطقة الخضراء؟
(*) أستاذ مساعد في كلية الهندسة، جامعة الملك سعود، الرياض.