شئون العالم الإسلامي
الانتفاضة في عامها الثالث
التحرير
كنا ولا نزال نعتقد أن الصراع الذي يدور على أرض فلسين المباركة إنما هو
صراع حضاري بين الإسلام واليهودية الصهيونية ومن ورائها أوربا وأمريكا، وهو
صراع طويل، تعرضت له بلاد الشام سابقاً خلال قرنين من الزمان (٤٩١-٦٨٩هـ) .
وفي هذا العصر استطاع اليهود تثبيت أقدامهم في فلسطين. واستطاعوا
بالتخطيط والإعلام جرّ شعوب وحكومات أوربا وأمريكا لمساعدتهم، ومقابل كل هذا
الدعم والزخم كان العجز والفشل والتفرق والتمزق ممن ادعى التصدي لإسرائيل،
وبعد الهزائم المتكررة وبعد الوعود والانتظار الذي لم يأت بطائل، وبعد المحاولات
الدائبة للمتاجرة بقضية من أعز القضايا عند المسلمين، بعد هذا قام الشعب
الفلسطيني بثورته ضد الاحتلال والقهر والذل، فهو- لا غيره- الذي يعيش المعاناة
اليومية، وكانت الشرارة الأولى من غزة ومن مساجد غزة، وكان الجيل الذي ولد
وعاش هذه المعاناة أقوى مراساً وأقدر على العطاء من الجيل الذي عاش معاناة
الإقامات ووثائق السفر والعمل في البلاد القريبة أو البعيدة، هذا الجيل هو الذي
وقف يتحدى إسرائيل، ولكن كوامن التضحية موجودة عند الجميع وخاصة إذا كانت
على أساس ديني، فعندما بدأت الانتفاضة، اشترك فيها الجميع، رجالاً ونساء،
صغاراً وكباراً، وبرز الشباب المسلم يعلم الناس أن القتال يجب أن يكون في سبيل
الله، حتى لا تتحول التضحيات إلى أهداف أرضية وتوقع الناس أن تستمر هذه
الانتفاضة أياماً أو أسابيع ثم تنتهي بالقمع الإسرائيلي، ولذلك فلا داعي للمخاطرة
والخسائر، وأخطأت التوقعات، فها هي المقاومة تدخل عامها الثالث، وقد سألنا
بعض القراء عن حقيقة هذه الانتفاضة، وهذا السؤال وإن كان غريباً ولكن نقول له: إن الشعب الفلسطيني هو الذي قام بها، وهو شعب مسلم، وكانت بدايتها من
مساجد غزة، والشباب المسلم في غزة والضفة من أعمدة الانتفاضة، وما يحدث
الآن في فلسطين هو جزء من صراع طويل، ونحن لا نتوقع في الظروف الدولية
الراهنة إزالة دولة إسرائيل - وإن كنا نتمنى ذلك - ولكن إضعاف هذا العدو هو
مقدمة لزواله إن شاء الله، وإذا كانت الانتفاضة تضم أصنافاً شتى من الناس وليست
راية الجميع راية إسلامية، إلا أنها أوجدت تغيرات إيجابية في بنية المجتمع
الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال ومن هذه الإيجابيات:
١ - ازدادت الألفة والمحبة بين الناس، وازداد التضامن والتكافل الاجتماعي، ونسي الناس الخصومات والمشاكل واشتغلوا بعدو واحد، بل إنهم في الخصومات
في كثير من الأحيان أصبح مرجعهم العلماء (مثل الشيخ أحمد ياسين فك الله أسره) .
٢ - تُركت كثير من العادات السيئة في الأقوال والأفعال.
٣ - رجع كثير من الناس إلى دينهم وامتلأت المساجد وبعضهم -خاصة من
الذين بقوا داخل فلسطين المحتلة منذ عام ١٩٤٩- لم يكونوا يعرفون عن الدين شيئاً، عادوا الآن إلى المساجد.
٤ - كسر حاجز الخوف من اليهود، بل إن ما يقوم به الشباب الصغار في
فلسطين يدل على شجاعة وبطولة تدعو إلى الإعجاب..
٥ - خسائر اليهود: أكدت إحصائية فلسطينية أن خسائر العدو هي قتل (٧٢)
جنديا و (٢١) مستوطناً وجرح وإصابة أربعة آلاف جندي، وإعطاب وإتلاف
٤٩٩٥ سيارة عسكرية و (٢٠٠٠) سيارة للمستوطنين، و (٢٥٠) مكتباً وإدارة.
وتقدر الخسارة التي تكبدتها إسرائيل خلال عامي الانتفاضة ب ١٧ مليار دولار.
٦ -توقف المد الاستيطاني الصهيوني فلم نعد نسمع عن إنشاء مستعمرات
جديدة في الضفة الغربية.
وكل هذا لا يعني أن الانتفاضة لا تعانى من سلبيات أو مشاكل، فمثل هذا
التحدي الكبير لا بد أن يوجد بعض السلبيات، فقد استخدمت إسرائيل سلاح
الاقتصاد، وحاصرت الناس بهذا السلاح، وإذا كان الشعب استطاع التعاون
والتكامل حتى الآن فهو لا يستطيع إلى ما لا نهاية، واستخدمت إسرائيل سلاح
التفريق بين الإسلاميين وغيرهم ولكنها فشلت، واستخدمت أصحاب النفوس
المريضة في التجسس وغير ذلك، ونجحت نوعاً ما وتصدى المسلمون لمن يتعاون
مع العدو بالمحاكمات العادلة.
وإذا كان في الانتفاضة العلمانيون وغيرهم فنحن نريد من الإسلاميين أن
يكونوا هم الأقوى ليقودوا الشعب الفلسطيني إلى العزة والكرامة، ولا يكون ذلك إلا
باتحاد كلمة المسلمين ووعيهم السياسي حتى لا تسرق الجهود وينصب نفسه لقيادة
الشعب من لم يُضَحِّ يوماً من الأيام.
وعلى الشعب الفلسطيني بشكل عام أن لا يسمح بسرقة جهوده ويحولها
لمكاسب رخيصة أصحاب السلام الهزيل.
إن ما يفعله أطفال الحجارة وشباب الإسلام في فلسطين هو مرحلة من
الصراع كما قلت، ويجب أن تستمر هذه المرحلة ولا تذهب هدراً