[حوار مع الدكتور: محمود الزهار]
القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية حماس
نائل نخلة
أكد د. محمود الزهار القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية حماس أن حركته ستواصل المقاومة والانتفاضة بكافة أشكالها؛ حتى تحقيق أهداف الانتفاضة المتمثلة بطرد الاحتلال، رافضاً كل الاتهامات التي توجه لصواريخ القسام؛ بأنها توجد الذرائع للاحتلال لتصعيد عدوانه، متهماً من يردد ذلك بأنه يبرئ الاحتلال من جرائمه.
وأوضح الزهار المختفي عن الأنظار منذ عدة أشهر لمجلة البيان أن المفاوضات مع إسرائيل أوصلت القضية الفلسطينية إلى طريق مسدود، وأنه لا بديل عن اعتماد طريق المقاومة، والتي أوضح أنها بدأت تؤتي ثمارها بعد اضطرار إسرائيل للتفكير جدياً في الانسحاب من القطاع.
وأجاب المسؤول البارز في حماس عن الكثير من الأسئلة والمحاور التي تهم الشأن الفلسطيني، وفيما يلى نص الحوار:
البيان: إسرائيل تقول إنها دخلت إلى شمال القطاع من أجل وقف إطلاق صواريخ القسام؛ فهل تعتقد أن قوات الاحتلال نجحت في مهمتها بعد ١٣ يوماً من العدوان؟
- إن وقف إطلاق صواريخ القسام يستدعي تدمير المصانع والمخزون، وقتل المجاهدين كلهم، والاستيلاء على المخيم لإبادة البنية التحتية للمقاومة، ولا شيء من هذا تحقق، وثلث الشهداء من الأطفال وأغلبية الباقين هم من المواطنين الذين سقطت القذائف على بيوتهم أو في الأسواق.. إن المتابع للصحافة الصهيونية يدرك بوضوح قناعة العدو أنه لم يحقق ذلك؛ فالصواريخ تقذف على المستوطنات، والدبابات الضخمة يتم تفجيرها بمجرد الاقتراب من المخيم، والجنود لا يجرؤون على الخروج من آلياتهم إلا بعيداً عن خط المواجهة كما أن خسائرهم كبيرة.
البيان: السلطة الفلسطينية وعلى لسان رئيسها ياسر عرفات طلبت منكم سحب الذرائع من يد إسرائيل، والتي تستخدمها الأخيرة لتسويغ عدوانها على جباليا أمام العالم؛ فما تعليقكم؟
- إن من يعتقد أن العدو الصهيوني يحتاج إلى ذرائع فهو واهم.. ما هي الذرائع لعدوانهم على فلسطين عام ١٩٤٨م، وعام ١٩٥٦م وعام ١٩٦٧م، وعام ١٩٨٢م في لبنان؟ ما هي الذرائع اليوم ضد سوريا ولبنان، وهم يضربون في العمق؟ الحقيقة أن العدو كما عود العالم على أكله الفطير المختلط بـ «دم الأغيار» فإن المائدة السياسية الإسرائيلية الداخلية اليوم تحتاج إلى دم الفلسطينيين في عيدهم لتحل مشكلة الليكود، ومشكلة رئيس بلدية «سديروت» ، ومشكلة «المستوطنين» .. لا توجد صواريخ في الضفة، وهم يكتسحونها صباح مساء، ولو كانت هناك صورايخ وعبوات ما دخلوا.. لندع السلطة وغيرها يقول ما يشاء، ونحن سندافع عن أنفسنا.
البيان: هل تتعرض حماس إلى ضغوط عربية لوقف إطلاق صواريخ القسام؟
- لقد عَوّدت حماس الدول العربية عبر علاقات بنتها بصورة متينة على ألا تخضع لضغوط، ولكن بالمشورة والنصيحة والفهم المشترك والحوار، ولو افترضنا أحداً سألنا فسنطلب منه الإجابة كيف ندافع عن أنفسنا..؟ أما أن يطلبوا منا الموت في الشوارع على نمط محمد الدرة فلا، لقد ذهبت تلك المرحلة.
البيان: ما حقيقة المبادرة التي أعلنتم عنها شخصياً لوقف إطلاق الصورايخ مقابل وقف الاجتياحات؟
- الحقيقة أنا لم أطرح مبادرات.. إننا نعلن موقفنا موحداً واضحاً.. كل أدوات الدفاع عن النفس هدفنا ضد العدوان وطرد الاحتلال، وعندما يتحقق لنا ذلك فستبقى أدواتنا البسيطة تحت حالة من تبادل الضرر بدلاً من سنوات طويلة كنا نتقبل الضرر وحدنا.. نحن الآن نصدره إلى عدونا إن المشكلة ليست واحدة بواحدة؛ فالاجتياحات يتكبد فيها العدو خسائر، ولكن هناك أرضاً محتلة عليها استيطان، وهناك طائرات بكل أنواعها تقتل، وهناك إغلاق وسجن كامل وتدمير للبيوت والأشجار.
البيان: لوحظ اختلاف وتناقض بين موقفكم من هذه المبادرة وموقف الذراع العسكري للحركة؛ إذ أكد الأخير على مواصلة إطلاق الصورايخ؟
- الحقيقة أن موقف الجناح العسكري هو موقف الحركة بكل أجنحتها، وهو موقف المواطن الفلسطيني المؤيد لحماس.. إنه قرار سياسي معلن، ولو تابعتم ما نشر في فضائيات العالم في الأسبوع الأخير من شعبان وبداية رمضان لرأيتم بوضوح ما قيل، ولكن هناك وكالة أنباء أجنبية قامت بتحريف تصريح أحد قادة الحركة السياسية في غزة، وقد تم توضيح ذلك على لسانه وفي بيانات الحركة الرسمية.
البيان: تسريبات صحفية تحدثت عن اتصالات سرية بين أطراف فلسطينية وإسرائيلية للوصول إلى تسوية في شمال القطاع، هل أنتم طرف في هذه الاتصالات؟
- نحن لسنا طرفاً في أي اتصالات مع العدو، ولقد نفت السلطة الفلسطينية هذه الاتصالات، نحن لا يلزمنا إلا مصلحة شعبنا، ومصلحته اليوم هي ألا تحقق هذه الاعتداءات على الشعب أي إنجاز، يجب أن يغرق العدو في دمائه، ويترك خلفه أشلاء جنوده ودباباته فلعلَّ ذلك يردعه.
البيان: أعلن رئيس بلدية «سديروت» عزمه لقاء خالد مشعل في القاهرة، هل وافقت حماس على مثل هذا اللقاء؟
- رئيس بلدية «سديروت» قال إنه سيدمر «بيت حانون» قبل بدء حملة ندم العدو على دخوله شمال قطاع غزة.. هذه نكتة يطلقها هذا المذعور ليبيع بضائع فاسدة في مجتمع فاسد، نحن لا ننظر إلى مثل هذه الأقوال، ولا نتعامل معها.
البيان: أعلن القيادي في حماس «نزار ريان» أن مهندسي القسام يعكفون على تطوير صواريخ أرض جو، ما حقيقة هذا الأمر؟
- نحن قلنا بصراحة إن علينا أن نجد معادلاً لكل أدوات البطش الصهيوني التي مورست علينا؛ فعندما دخل الجنود مترجلين عاد أكثرهم جثثاً، وركّعوا «المركفاه» الضخمة، وتم تفجيرها في الشجاعية، والزيتون، وبيت حانون، ورفح، وخانيونس، وأخيراً في جباليا. إن التحدي اليوم بعد إغلاق الحدود بالسياج هو الصورايخ، والتحدي المطلوب حَلّه هو الطائرات بأنواعها، ونحن لا نملك سوى الدفاع عن أنفسنا بكل الوسائل.
البيان: يديعوت أحرنوت ذكرت أن عناصر حماس أطلقوا صواريخ قسام مطورة وذات مدى أبعد تصل إلى ٩ كم، هل نجحت كتائب القسام في تحسين مدى صواريخها فعلاً؟
- إن قدرة حماس اليوم ـ ولله الحمد والشكر ـ أكبر من الأمس في موضوع تطوير الصواريخ المحلية الصنع، ونحن نعتمد سياسة ترشيد السلاح لتحقيق أقصى درجة من النتائج؛ فهذا من حقنا.
البيان: لم تنجح حماس في تكبيد القوات الغازية في جباليا أية خسائر جدية، ألا ترى أن هذا قد يشجع إسرائيل على إعادة احتلال القطاع كاملاً؟
- هذه مقولة غير صحيحة؛ إن الحديث عن قتلى وجرحى بالعشرات يؤكده المجاهدون، وشهود العيان في المخيم، وفلتات لسان إعلامية، وفي يوم الثلاثاء ١٢/١٠/٢٠٠٤م اعترف العدو ـ على سبيل المثال ـ بتدمير دبابة كبيرة بعبوة كبيرة، وقال: لم تحدث إصابات أو أضرار؛ فهل يعقل هذا؟ العدو يخفي خسائره لأسباب معروفة، وإلا لما توقف لحظة عن دخول القطاع كما دخل الضفة، إن ضباط الجيش يقولون صراحة: إن دخول القطاع مغامرة خطيرة.
البيان: هل صحيح أن السلطة أصدرت أوامر إلى عناصرها في الأجهزة الامنية بعدم المشاركة في التصدي للقوات الإسرائيلية في شمال القطاع؟
- السلطة لم تشارك في كل المواجهات التي حدثت في الزيتون والشجاعية ورفح وبيت حانون وجباليا ... إن الأجهزة الأمنية لم تشارك، ولكن هناك مجموعات محسوبة على فتح، ومنها شهداء الأقصى تشارك، وهذه تتبع فصيلاً وليس جهازاً أمنياً بعينه.
البيان: حماس قالت: إنها تتصدر الفصائل التي تقاوم قوات الاحتلال في جباليا؛ فكم عدد الشهداء من حماس الذين سقطوا خلال هذه المواجهات؟
- الأرقام ليست ثابتة؛ فهي في مواجهة يومية؛ فعندما يتم نشر هذه المقابلة ستتضح الحصيلة النهائية، وستقوم بالإعلان عنها وعن خسائر العدو أيضاً، ويجب أن أؤكد أن حماس تتبع سياسة مواجهة فعّالة، وقلصت من حجم الخسائر في صفوفها، وزادت في خسائر العدو، وهذا باعتراف الجميع، ونحن ندخل في حساباتنا خسائرنا في أيام المعركة الذين استشهدوا بعيداً عن خط المواجهة، وبسبب الطائرات.
البيان: يرى بعض المراقبين أن حماس باتت تكثر من الأقوال على حساب الأفعال، ويستشهدون بذلك بتهديدات حماس بتطوير صاروخ لضرب عسقلان أي بمدى يصل إلى ٢٠كم، وباستخدام صواريخ أرض جو، وبإيقاع خسائر بشرية فادحة في صفوف الجنود، ولكن أياً منها لم يحدث؛ ألا ترى أن هذا الواقع بات يهدد شعبية حماس التي اتسمت بالمصداقية والدقة في إعلاناتها وتهديداتها خلال سنوات عملها؟
- إن مصداقية حماس ازدادت بسبب ما قلته في سؤالك، لقد خسر العدو في السنوات الأربع الأخيرة أكثر من ألف قتيل، قتلت حماس أكثر من نصفهم، وزاد عدد جرحاهم عن خمسة آلاف، ولحماس نصف النسبة بينهم. حماس صاحبة الصواريخ التي تصل محيط القطاع، وليس لغيرها ذلك. وأما بقية ما ذكرت فإن المصلحة تقتضي عدم الإفصاح عما يفيد العدو ولا يخدم، وحماس ليست في حاجة لأن تقول ما لا تفعل، أو ما لا تملك.
المحور الثاني: تصعيد عمليات الاغتيال للقادة الفلسطينيين في الخارج:
البيان: أعلنت حماس أنها تجري تحقيقاً داخلياً في جريمة الاغتيال الجماعي التي تعرض لها عناصر من الحركة في ملعب الشيخ أحمد ياسين عقب عملية بئر السبع المزدوجة، هل انتهى التحقيق؟ وما هي أهم النتائج التي توصلتم إليها؟
- نعم! انتهى التحقيق والنتائج أشارت إلى اضطرار المجاهدين التواجد في ملعب واحد، ولكن على مسافات لوجود فصيل آخر كان يتدرب في الملعب المقرر لهم؛ بحيث لا يجتمع عدد كبير، ولانشغال بعض الأماكن المغلقة المعدة لذلك، وقد اتخذت إجراءات بحق بعضهم واستخلاص العبر مما حدث؛ حتى لا تتكرر هذه المصيبة.
البيان: بالرغم من الحذر الشديد الذي اتسم به الدكتور الشهيد الرنتيسي ـ رحمه الله ـ إلا أن إسرائيل تمكنت من اغتياله، ربما من خلال ثغرة أمنية ما، أو اختراق في الدائرة الضيقة المحيطة به، هل شكلتم لجنة تحقيق للوصول إلى حقيقة ما جرى، وهل وجدتم إجابات شافية على كل الأسئلة التي طرحت حول عملية الاغتيال، والنجاح الأمني الإسرائيلي في الوصول إلى الدكتور تقبله الله من الشهداء؟
- إن الخلل الواضح كان في المرافق الذي جاء إلى مكان تواجد الشهيد الدكتور «عبد العزيز الرنتيسي» ، والخلل الثاني هو خروج الشهيد وطائرات التجسس في الجو وفوق المنطقة، وحدث النزول من سيارة لسيارة أخرى تحت هذه الأجواء؛ وهذا ما توصلنا إليه، وأكدته العديد من المصادر، ولم يكن اختراقاً كما يحلو لبعضهم أن يصفه، علماً بأن كل هذه الإجراءات قد تم الاتفاق عليها من قبل، ولكن ما شاء الله كان.
البيان: أنتم على رأس قائمة المستهدفين في الداخل، هل أنتم مطمئنون إلى طبيعة الاحتياطات والإجراءات الأمنية المحيطة بتحركاتكم وحياتكم؟
لقد مررت بتجربة القصف للبيت من طائرة F١٦، وذهب ابني خالد، أسأل الله له القبول. وفي الحقيقة نحن نأخذ بكل الأسباب المتاحة، وحتى الآن تسير الأمور بصورة مرضية، علماً بأنني احتاج في بعض الأوقات الاطلاع على الإعلام، وبعض اللقاءات الهامة مع جهات فلسطينية وإعلامية، والله خير حافظاً.
البيان: كيف تنظرون إلى اغتيال الشيخ عز الدين خليل في دمشق؟
- العدو الصهيوني باغتيال الشهيد «عز الدين الشيخ خليل» قد وجه عدة رسائل في اتجاهات متعددة، في تصوري السكوت عليها لمن يهمه الأمر سيغريه أكثر، وليس معنى أن أمريكا والعالم أطلق للعدو الصهيوني اليد ألا ندافع عن أنفسنا، ولكن المسالة معقدة، وتحتاج إلى حسابات دقيقة، ومن هذه الحسابات ضرورة حماية ما يجب حمايته من إنسان أو أرض أو سيارة.
البيان: صحيفة عربية سربت خبراً يفيد بأن بلداً عربياً سلّم الموساد ملفاً أمنياً دقيقاً عن قادة حماس في الخارج، مما سهل من عملية الاغتيال الأخيرة، ما هو تعقيبكم على هذا النبأ، وهل لديكم تفاصيل أخرى تضيفونها، ومن هو البلد العربي المقصود؟
- إن التعاون الأمني في المنطقة العربية عموماً وفي بعض البلدان على وجه الخصوص ليست سراً، ليس فقط ضد حماس، ولكنه ضد دول ومصالح إقليمية، وأعتقد أنه لا توجد أسرار في هذا العالم، وما لا يكشف للعلن اليوم سيفضحه الغرب نفسه غداً. إن المتضرر الأول لهذا التعاون في أي مكان وعلى أي مستوى هو المتعاون نفسه. إنها خيانة بكل المقاييس الدينية والوطنية والأخلاقية، ولا أريد أن أضيف.
البيان: لماذا الشيخ «عز الدين خليل» تحديداً هو من اغتالته إسرائيل؟ هل لأنه هدف سهل أم لدور جهادي ريادي كان يقوم به في الخارج؟
«لعز الدين الشيخ خليل» دور مشرف في المقاومة المسلحة ضد العدو الصهيوني في الانتفاضة الأولى، وقد أبعدته قوات الاحتلال في عام ١٩٩٣م، ولا أعرف ما هو دوره في الخارج، ولكنه شخصية محترمة في الشجاعية، وغزة.. نسأل الله له القبول.
البيان: الشيخ «عز الدين الشيخ خليل» كان يتحرك بأسماء وهمية، وفي دائرة ضيقة جداً، وبالرغم من ذلك وصل إليه الموساد، كيف حصل هذا؟
- هذا الأمر مطروح للتحقيقات في الخارج، والتي لم تنته حتى الآن.
البيان: إسرائيل قالت عبر وسائل إعلامها إن الشهيد كان مسؤولاً عن شراء ونقل السلاح إلى القطاع والضفة، هل من تعليق؟
- العدو الصهيوني يحاول دائماً أن يسوغ جرائمه، إذا كانت هذه الأقوال صحيحة؛ فهذا شرف وجهاد، أما تفاصيل نشاط الإخوة في الخارج فلا نعرف عنه شيئاً.
البيان: هل تربط بين الاستهداف الإسرائيلي لقيادات حماس في الخارج وبين الاتصالات التي تجريها الحركة مع أطراف إقليمية لترتيب الأوضاع في القطاع بعد الانسحاب الإسرائيلي منه؟
- إن إعلان حماس واتصالاتها مع أطراف إقليمية ليست جديدة، وترتيب الأوضاع في الأراضي المزمع الانسحاب منها ضرورة إقليمية وفلسطينية.. ومن مصلحة العدو أن يفسد هذه العملية، ولكن الاستهداف الصهيوني ضد حماس عملية متعددة الأغراض؛ فالحركة موجودة في الداخل وفي الخارج، واستهداف أي من هذه القيادات لن يؤثر في دور الحركة الوطني والإقليمي.
البيان: ماذا لو نجح الموساد في الوصول ـ لا قدر الله ـ إلى السيد «خالد مشعل» أو أي من قادتها البارزين في الخارج؟ فكيف سيكون رد حماس على مثل هذه الجريمة؟ وهل ستغيرون من استراتيجيتكم في عدم تصدر الصراع إلى خارج أرض فلسطين؟
- لقد تم استهداف الأخ «خالد مشعل» قبل ذلك، وأخفق العدو. إن جهاد حماس ليس رد الفعل العشوائي. إن كل عملية يتم دراسة كل أبعادها وسلبيات وإيجابيات وتصدير العمل إلى خارج الساحة الفلسطينية يخضع لحسابات متعلقة بالساحة، وهذا أمر ليس للنقاش في وسائل الإعلام.
المحور الثالث الأخير: محصلة الانتفاضة ومستقبلها بعد أربعة أعوام:
البيان: دخلت الانتفاضة عامها الخامس، هل أنتم مصممون على أن المقاومة هي الخيار الوحيد لاسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني؟
- لقد جربت منظمة التحرير المفاوضات؛ فمنذ مدريد مروراً بأوسلو وصلت القضية الفلسطينية إلى طريق مسدود، إضافة إلى دماء وفساد؛ فكان لا بد من اعتماد خيار آخر؛ فكانت المقاومة، وهي وسيلة هدفها طرد الاحتلال. واليوم بدأنا نسمع عن نية الاحتلال الرحيل عن القطاع وشمال الضفة؛ فإذا تحقق ذلك فستكون المقاومة قد حققت جزءاً من أهدافها. لقد عاش الشعب الفلسطيني حالة استقبال الموت والضرر، والانتفاضة صدرت في المقابل نفس الحالة إلى العدو. وهذا خلق حالة من التراجع الأمني والاقتصادي والسياحي والهجرة القادمة وتشجيع الهجرة والمعاكسة. وليس المهم حجم الخسائر في الطرف الأخر، ولكن قيمة الأثر الذي أحدثته المقاومة، ولقد كبدت المقاومة العدو خسائر ١٣مليار دولار خسائر في ٤ سنوات، وهجرة ٧مليارات دولار إلى الخارج، وهذا ما نلمسه اليوم في الصراخ في كل مكان من تراجع أهم أسباب الهجرة.
البيان: الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني لقاء استمرار الانتفاضة كان باهظاً، ويعزى بعض ذلك إلى العمليات الاستشهادية التي أصرت حماس على استخدامها، وما يتبعها من ردود أفعال إسرائيلية قاسية ضد الشعب الفلسطيني، ما تعقيبكم على ذلك، وهل حماس مصرة على العمليات الاستشهادية وإطلاق الصواريخ؟
- إن أحد أهم إنجازات الإعلام الصهيوني هو اختراق أفكار بعض المنهزمين؛ ولذلك حمَّلوا حماس مسؤولية المجازر التي ارتكبها الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني؛ فهل إزالة ٤٥٠ قرية ومدينة في عام ١٩٤٨م، ومذابح كفر قاسم، وصبرا، وشاتيلا، وخان يونس، ومذابح ١٩٥٦م و١٩٦٧م و١٩٨٢م كلها بسبب حماس؛ إن هذا الطرح يحمِّل الضحية مسؤولية استفزاز الجزار.. ما نسمي قصف الطائرات الـ F١٦ لبيوت وأسواق ومدارس؟ كل ذلك رد فعل. إنه لشرف عظيم أن نملك مثل هذه الأدوات الحربية لمهاجمة المجرمين، وإن لم يتوفر لنا ما ندافع به عن أنفسنا فنستمر في إبداع المقاومة.
البيان: بعد سنوات الانتفاضة هذه وضع شارون خطة الانفصال عن غزة، حماس ترى أنها انتصار للمقاومة إلا أن أقوال مدير مكتب شارون سابقاً دوف فايسغلاس كشفت أن هدف الخطة الحقيقي هو تجميد عملية السلام، ووضع مسألة إقامة الدولة الفلسطينية على الرف لسنوات طويلة، كيف ترى هذا؟
- هل تجميد عملية السلام جاء بناء على الانتفاضة أم أنها بدأت في عهد رابين، ثم في عهد بيريس ونتنياهو وباراك وشارون؟ ألم تتوقف المسيرة بعد «كامب ديفيد» قبل الانتفاضة الأخيرة؟ ومن قال إن عملية السلام كانت ستأتي بدولة؛ فهذه خدعة إعلامية، ونحن على قناعة أن طرد الاحتلال من أي شبر من الأرض الفلسطينية هو الذي يقرب من الاستقلال.
البيان: العام الأخير من الانتفاضة كان دموياً وقاسياً على حركتكم التي فقدت مؤسسها الإمام الشهيد أحمد ياسين وقائدها الدكتور «عبد العزيز الرنتيسي» ، هل تجاوزت حماس هذه الضربات؟
- إن المراقب للواقع الحالي للحركة يقول عملياً: إن الحركة استمرت تكسب على كل المستويات؛ فالانتفاضة لم تتراجع، والدعوة تكسب في كل لحظة موقعاً جديداً، والحركة موحدة والسياسات واضحة، والتواصل الحركي في الداخل والخارج وعلى كل المستويات يسير بيسر؛ والحمد لله.
البيان: كل استطلاعات الرأي ترجح فوز حماس في أية انتخابات، وأنها تحظى بشعبية متزايدة في الشارع الفلسطيني، فكيف ستحافظ حماس على زخمها في الشارع؟
- هذه واحدة من علامات تقدم حماس حتى بعد الخسائر الكبيرة في العام الأخير. إن حماس كما تخدم القضية الوطنية بالمقاومة، وتضحي من أجل ذلك فإن الحركة وبعد طرد الاحتلال ستقوم بالإصلاح عبر التغير. إن نجاح برنامج المقاومة في المستقبل يعتمد على تقوية البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية، وهذه كلها روافد العمل المسلح حتى استرداد كامل الحقوق الفلسطينية.
البيان: حماس محاصرة مالياً وأمنياً وعسكرياً وسياسياً، فهل تستعصي الحركة على الاستئصال؟ وما هي مقومات صمودها بما يضمن لها الاستمرارية؟
- الواقع العملي يقول بأن حماس لم تتأثر بكل هذه الوسائل التي شاركت فيها دول أجنبية ـ وعلى رأسها أمريكا ـ ومع ذلك فإن المساعدات الداخلية للحركة وللجهاد بالذات كانت مذهلة للعديد من المراقبين. إن شعبية حماس تزداد كل يوم، ولا بد من الحفاظ على هذا الدعم عبر حمل هموم هذا الشعب المعطاء، وتخليصه من كل القيود التي تعيق انطلاقته، وأهمها الدفاع عنه كما يحدث اليوم في منطقة مواجهة، ويستدعي ذلك الدفاع عن مصالحه الخدماتية، وهذا يأتي بالمشاركة في الانتخابات إن حدثت بعد استيفاء الظروف المناسبة كالسقف السياسي، وضمانه الشفافية والنزاهة.
البيان: ما هو مستقبل الانتفاضة الحالية؟
- إن ما نتمناه ونخطط له هو أن تحقق الانتفاضة أحد أهدافها وهو طرد الاحتلال من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، ثم استمرار المقاومة في كل شبر حتى يتم التحرير، وفي نفس الوقت إعادة ترميم ما خلفه الاحتلال في مناحي الشعب الاجتماعية.
البيان: متى ستكون حماس مع وقف الانتفاضة والتهدئة؟
- فقط بعد طرد الاحتلال من كل شبر احتُل. إن هدف الشعب الفلسطيني هو أن يعيش ككل شعوب الأرض، ولن يتحقق ذلك دون التحرير، واستكمال كل مظاهر السيادة.
البيان: كلمة توجهها إلى العالمين الإسلامي والعربي عبر مجلة البيان؟
- أريد أن أذكر أن في الشعب الفلسطيني الآلاف ممن فقدوا رزقهم، ودمرت بيوتهم ومزارعهم، وفقدوا أحب الناس إليهم: أبناءهم وآباءهم وإخوانهم وجيرانهم..؛ ومع ذلك فهم على رباط، وأقول ما قاله الرسول #: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله» ، وحتى لا تضيع هذه التضحيات فإن أهم ما نحتاجه منكم وخاصة من رجال الفكر أن يحافظوا على ثقافة المقاومة؛ فهي ضرورة للأمتين العربية والإسلامية ضد الهجمة الغربية على تراثنا وحضارتنا وديننا.
(*) مراسل المجلة في فلسطين.