حوار
د. محمد حرب في حوار مع (البيان)
تشويه تاريخ العثمانيين..
تشويه لجزء من تاريخ الإسلام
أجرى الحوار:وائل عبد الغني
السيرة الذاتية:
حاصل على دكتوراه في التاريخ العثماني من جامعة استانبول.
أستاذ التاريخ التركي بجامعة عين شمس.
رئيس المركز المصري للدراسات العثمانية وبحوث العالَم التركي والبلقان.
عضو فخري في مجلس العلماء بأكاديمية العلوم في قازاقستان.
من مؤلفاته:
- مذكرات السلطان عبد الحميد.
- المسلمون في آسيا الوسطى.
- دور الكنيسة في هدم الدولة العثمانية.
- يهود الدونمة.
١- في البداية: أنتم متخصصون في العالَم التركي والتاريخ العثماني، ولكننا
لا نعرف حدود هذا العالم.
العالَم التركي عالم كبير - مثل العالم العربي - له وحدة دينية.. مذهبية..
جغرافية.. عرقية.. لغوية مشتركة؛ فهو عالم يدين بالمذهب السني في عمومه.
يمتد جغرافياً من حدود الصين شرقاً إلى حدود البوسنة والهرسك غرباً مروراً بآسيا
الوسطى والفولجا والقوقاز، وهو من جهة العرق واحد؛ فهو كله من سلالة العرق
التركي، وثقافته واحدة ولغته واحدة في مجمله، هذا العالم يحوي حوالي ٢٥٠
مليون نسمة.
٢- هناك سؤال كثيراً ما يلح على المرء منا: لماذا العثمانيون مكروهون
بشكل ملحوظ لدى بعض الأوساط؟ وهل هناك ما يدعو لكل هذا الكره؟
كلامك هذا ذكَّرني بمقولة أستاذي (نهاد جتين) : (العثمانيون يُشتمون في
كتب التاريخ العربي، وفي كتب التاريخ التركي، وفي كتب التاريخ الإيراني،
وفي كتب التاريخ الأوروبي، وفي كتب التاريخ الروسي) .
وربما نجد ما يسوِّغ هذا الكره لدى الأوروبيين أو الروس أو الشيعة، ولكن
المسوِّغ لدينا - نحن العرب - أو لدى الأتراك غير موضوعي ويجافي الإنصاف؛
لأن الإنصاف يقتضي أن دولة بلغت كل هذا المجد، وتحقق لها كل هذا التمكين
خلال أكثر من ستة قرون من الزمان، وامتدت رقعتها إلى ما لم تصل إليه دولة في
تاريخ الإسلام، وحفلت بما لم تحفل له دولة في التاريخ البشري كله - بعد الدولة
النبوية في المدينة - من حيث القوة والحضارة والعدل، ومع هذا يستحيل أن تكون
بكل هذا السوء! فالغربيون والروس والشيعة قد ورثوا هذا العداء وراثة طبيعية؛
أما العرب والأتراك فقد رضعوه من النظرة الأوروبية.
٣ - إذن المسألة مسألة مصادر؛ فأين هي المصادر السليمة؟
المصادر غير متوافرة ليس لعدم وجودها وإنما لأسباب أخرى؛ فقد كان
العثمانيون شديدي الولع بالتاريخ، مهتمين جداً بكتابة تاريخ دولتهم حتى إنه كان
هناك مؤرخ رسمي للدولة له تلاميذه وطريقته في الكتابة، ولكن عدم توافرها ناتج
عن عدم استطاعة الأجيال اليوم التعامل معها وقراءتها؛ لأنها مكتوبة بالحروف
العثمانية التي ألغاها أتاتورك وبدَّلها بالحروف اللاتينية، وبهذا نجد أن الحضارة
العثمانية لم تنل حظها من الدراسة لضخامة التعتيم العلمي والسياسي في الوقت الذي
تُدرس فيه الحضارات القديمة وتُفك رموزها! والأجيال اليوم ظُلمت من هذا الباب. ومن جانب آخر تأثرت بالنظرة الغربية التي نقلتها الدراسات الأكاديمية التي تربى
منظِّروها والمتخصصون فيها في الجامعات الأوروبية مثل أوكسفورد وكمبردج،
وهم لا يعلمون أن هذه الجامعات كانت عبارة عن مدارس أنشئت في الكنائس
لدراسة الحالة العثمانية - بعد أن توالت الهزائم الأوروبية أمام الجيوش العثمانية -
من أجل فتح القلعة من الداخل، وهذه المدارس كان لها رصيدها العدائي لا للدولة
العثمانية فقط وإنما للتاريخ الإسلامي كله، وإذا كانت قد نجحت في تشويه تاريخ
أكثر من ستة قرون من تاريخ هذه الأمة فمعنى ذلك تشويه ما يقارب من نصف
تاريخ الإسلام.
٤ - معلوم أن الاشتغال بالتاريخ يورث المشتغل خبرات واسعة، ومعارف
كثيرة؛ وها أنت قد قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال؛ فما هي أبرز النتائج التي
يمكنك أن تهديها للقارئ؟
يمكنني أن أوجز ذلك في أمرين:
الأول: هو: من أين نستقي تاريخنا الإسلامي؟ أو ما هي مصادر الاطلاع
عليه؟ لا بد أن يكون ذلك من مصادر موثوقة؛ لأن التاريخ الإسلامي على امتداده
وامتلائه بكل عناصر القوة والسمو والإبداع نجد أن معالجاته المتأخرة قد ملأته
بالتشكيك والتشويه، هذه المعالجات تأثرت بمنهجين منحرفين أو بأحدهما وهما:
المنهج الشيعي، والمنهج الأوروبي.
أما الشيعة فبرزوا في تشويه أكمل فترات التاريخ الإسلامي بعد عصر النبوة؛
حيث أوّلوا الأحداث تأويلاً شيعياً أضر بعلاقات المسلمين بالمسلمين وأفسدها، وهي
إلى اليوم فاسدة!
وأما الغرب فقد أثَّر ميراث عداوته للإسلام على منهجيته في دراسة تاريخنا
الإسلامي؛ هذه المنهجية هي التي امتدت إلى جامعاتنا وباحثينا، ومن خلالها يُقَدَّم
لنا التاريخ الإسلامي، والعثماني منه بالذات.
ولهذا أقول: إنه متى استطعنا إبعاد أثر الشيعة والغرب على دراسة التاريخ
استقامت كل أمورنا.
أما الأمر الثاني: فهي تجربة شخصية تتعلق بكيفية تقديم التاريخ للناس؛ فقد
وجدت أن التناول الأدبي للتاريخ وقضايا المسلمين يؤثر تأثيراً أقوى مما كنت
أتصور، وأبلغ في إيصال الفكرة للجمهور من الدراسة الأكاديمية والبحثية.
٥ - في تاريخ أي دولة هناك نقاط تحوُّلٍ - صعوداً وهبوطاً - أثَّرت في
شكل الدولة وقوتها ووجودها. نريد أن نعرف أبرز هذه النقاط في التاريخ العثماني؟
هذا سؤال يعجبني؛ لأنه يركِّز على أعظم النقاط خطراً في تاريخ الدول
ويضيف إلى حصيلة الباحث تجارب كبيرة وعميقة.
أما بالنسبة للتاريخ العثماني فنجد نقاطاً من هذا النوع مثل:
- هجرة القبائل التركية من وسط آسيا والتحاقهم بالدويلة العثمانية، وقد
استفاد القائد عثمان من هؤلاء المهاجرين في تنظيم إمارته على أساس شرعيٍّ سنِّي.
- توحيد الإمارات العثمانية في الأناضول وجمعها في دولة واحدة مستقلة.
- عبور أورخان بن عثمان إلى أوروبا - وكان ذلك في وقت مبكر من عمر
الدولة - حيث استفاد من اشتداد الصراع الأوروبي - الأوروبي في فرض إثبات
وجودهم على الساحة الأروربية.
- كذلك فتحه لمدينة (أزنيق) التي كانت تحوي المجمع الكنسي الأوروبي،
وتحويل المؤسسات الدينية إلى مدرسة عثمانية.
- ثم فتح سليم الأول للبلاد العربية هذا الفتح الذي تصوِّره لنا الكتب اليوم
على أنه استعمار.
- ثم انتصاره على الشيعة وهي نقطة حيوية في التاريخ العثماني بعد أن
أسس لمبدأ: (حسم الجبهة الداخلية مقدم على فتح جبهات جديدة مع أوروبا) .
كل النقاط السابقة تمثل عناصر تحوُّل نحو القوة.
- أما فتح القسطنطينية فقد كان نقطة تحول في اتجاهين:
إيجاباً: لأن الدولة حققت بشارة النبي صلى الله عليه وسلم وفتحت الباب إلى
قلب أوروبا.
وسلباً: كان في تغيُّر النظام السلطاني بعد محمد الفاتح تأثراً بأوروبا؛ فانعزل
السلطان عن حاشيته؛ حيث كان يجلس خلف ستار يراقب مجلسهم وهم لا يرونه
هذا فضلاً عن انعزاله عن الرعية مما أضعف أثر السلطة وفتح الباب أمام
الانحراف.
- اختراق الشيعة للطريقة البكتاشية التي تربت عليها الانكشارية مما أدى إلى
الانحراف في العقائد والسلوك، وكانت النتيجة هي الانهيار الداخلي للجيش
العثماني.
- موقف السلطان عبد الحميد من اليهود وتضحيته بكرسيه في سبيل الحفاظ
على الأرض الإسلامية.
هذه المواقف مما ينبغي الوقوف عندها وتأملها للاستفادة منها باعتبارها
تجارب يبقى أكثرها في دائرة التأثير حتى اليوم.
٦ - بسرعة نقفز من الماضي إلى المستقبل، ونتحول من الإمبراطورية
المسلمة إلى أحد أقاليمها (البلقان) ونسأل عن كوسوفا وعن توقعاتكم؟ [١]
أوروبا لن تسمح باستقلالٍ لألبان كوسوفا، على عكس ما يريدون، وهي
تسعى لتهميش الوجود الإسلامي هناك بأن يبقى المسلمون على الأقل تحت حصار
صربي يمكن أن يضمن عدم التطور نحو الإسلام، وهو الخطر الذي تخشاه أوروبا.
٧ - وهل يمكن للبلقان أن تفجر حرباً جديدة، أعني عالمية؟
من الصعب إن لم يكن من المستحيل؛ لأن أوروبا اليوم موحدة وهي تملك
زمام الأمور، وهي تتبنى مبدأ كول: (الثقافة الأوروبية ثقافة نصرانية) .
أوروبا وقفت ضد استقلال البوسنة والهرسك ذات الهوية الإسلامية، وحين
أرادوها دولة أرادوها علمانية، وهي اليوم ضد استقلال كوسوفا؛ لأنها باستقلالها
تشكل مع ألبانيا دولة (ألبانيا الكبرى) . وبالمناسبة فإن عدد الشعب الألباني خارج
أرضه أكبر من عدده في الداخل، وهناك أقاليم ألبانية أخرى تطمح إلى الاستقلال
مثل السنجق ومقدونيا والدول المحيطة بها، وهي حين تتجمع لا بد أن تقيم دولة
إسلامية ممتدة تاريخياً وحضارياً إلى حيث تخاف أوروبا؛ لأنها ذهلت من ظهور
جيل ألباني متمسك بالإسلام رغم النحت الأيديولوجي الذي قام به أنور خوجة.
٨ - وكيف ترى مستقبل البوسنة والهرسك؟ وإلامَ يتطلع المسلمون هناك؟
نظام دايتون المطبق الآن نظام غريب وجديد على العالم؛ لأن الحكم يتم
بصورة غير معهودة من قبل؛ إذ تتعاقب الطوائف الثلاث على الحكم: فترة
الرئيس عزت بيجوفيتش الأولى، ثم إلى صربي، وبعده ينتقل الحكم إلى رئيس
كرواتي وهكذا ...
ولهذا يصعب الحكم إلا بعد فترة من استمرار هذا النظام؛ فهل سيستمر أم لا؟ هذا مما يصعب التنبؤ به الآن، خاصة إذا تغير الوضع الأوروبي.
أما تطلعات المسلمين هناك فهي إقامة مجتمع مسلم وليس دولة مسلمة.
التيارات الإسلامية هناك في تنامٍ وهي رغم إيجابيتها قد ورثت نوعاً من التحزب
من تيارات الجهاد التي جاءت من أفغانستان، ومع هذا فعامة الناس يحبون الإسلام، والسلوك العام زاد اقتراباً من الإسلام.
في زيارتي الأخيرة كنت أصلي الفجر في مسجد (الشهداء) بموستار فأشعر
بسعادة غامرة لامتلاء المسجد عن آخره بالمصلين الذين أكثرهم من الشباب.
الجمعيات الخيرية لها دور مشكور في مجال التعليم والتوعية والتأهيل المهني، ومما أثر في نفسي كثيراً ما حكته لي إحدى موظفات جامعة موستار عن المذابح
والجرائم الصربية فلما رأت تأثري قالت لي: نحن لسنا نادمين على ما جرى؛ لأن
هذه الفترة بكل مرارتها أعادتنا إلى شيء جميل جداً اسمه (الإسلام) .
٩ - عفواً سأعود للوراء بسؤال عن الفتوحات: في رأيك ما سر بلوغ
العثمانيين كل هذا النجاح في فتوحاتهم التي نجحت في غرس الإسلام ورسوخه في
بلاد مثل البوسنة؛ ورغم رحيل العثمانيين عنها منذ وقت بعيد وتعرُّض المسلمين
هناك للتصفية إلا أنهم ما زالوا على إسلامهم؟
هناك عدة أسباب منها:
أن الدولة كلها كانت تتبنى المذهب السني بالإضافة إلى الإبداع العسكري
المتمثل في إنشاء جيش نظامي متمثل في الانكشارية الذين تربَّوْا على الزهد وحب
الجنة والجهاد في سبيل الله، وبذلك ارتفعت الروح لدى الجنود مما كان يرهب
الجيوش المعادية.
وهناك سبب يمثل بذاته عنصر إبداع قوي، وهو أن الدولة كانت تخطط لفتح
المدن قبل فتحها بسنوات طويلة وتتخذ لذلك ترتيبات من أهمها:
أنها كانت ترسل دعاة مسلمين فرادى وبعض عائلات مسلمة تستوطن تلك
المدن وتقيم الإسلام في ذاتها، وتعامل الناس على أكمل وجه، فكان الناس ينبهرون
بالإسلام مما يعزز من قبول الناس للفتح، ومن أعظم ما رسَّخ للحكم الإسلامي إقامةُ
الدولة للعدل وترك الناس أحراراً، وإيجاد حل للمشاكل المستجدة من خلال ما
يعرف بـ (قانون نامة) ، وهذا كان يدفع الناس إلى ترك حكم الكنائس والتحاكم
إلى المحاكم الإسلامية.
وهناك وثيقة مجرية تشيد بحكم الإسلام. والغريب حقاً أن كثيراً من سكان
المجر والدول المحيطة ما زالوا يحبون العثمانيين ويعتزون بمآثرهم الحضارية التي
ما زالت شاهدة على روح الإسلام التي استقرت في حس تلك الشعوب.
١٠ - نعود إلى البلقان وأزمته الراهنة: هل هناك بؤر أخرى مرشحة
للانفجار سيأتي دورها؟
المسلمون عرفوا النتيجة مسبقاً، أوروبا تتركهم يقتلون ويقتلون ويقتلون، ولا
تبدأ في حل المشكلة إلا بعد أن تضمن تدمير المسلمين أو تحقيق أدنى الحلول خطراً
على وضعها وحساباتها.
هناك أقليات في السنجق، والجبل الأسود، وفي بلغاريا، ولكن البلغار
سمحوا أخيراً بإقامة حزب لهم، هذا الحزب جاء في المرتبة الثانية في الانتخابات
رغم أن المسلمين هناك من الصعب أن يحلوا مشاكلهم من خلال الديمقراطية.
هناك وجود إسلامي في تراقيا الغربية، وهو إقليم تركي لغة وعرقاً تخلت
عنه تركيا لليونان، المسلمون هناك في حالة صعبة جداً، ويعاملون معاملة مواطنين
من الدرجة الثالثة، الحكومة استولت على أوقافهم، وتمارس ضغطاً عليهم بشكل
واضح، وإن كانوا قد استطاعوا أخيراً أن يوصلوا صوتهم للعالم.
١١ - هل لك أن تحدثنا عن جمهوريات آسيا الوسطى، وهل ماتت الشيوعية؟ وماذا كسب المسلمون، وماذا خسروا؟ وكيف ترى الوضع هناك؟
الشيوعية ولَّت؛ ولكن لصالح العلمانية، وإن كان المسلمون كسبوا هناك
الاستقلال والحرية، إلا أنهم ما زالوا تابعين في حساباتهم السياسية لموسكو
واستراتيجياً للولايات المتحدة.
المنطقة هناك واعدة من حيث الطبيعة والسكان؛ بل من حيث الاقتصاد؛
حيث تسمى (خليج المستقبل) .
هناك صراع أيديولوجي، وصراع اقتصادي وسياسي، هناك صراعات
تركية أمريكية إسرائيلية خليجية إيرانية قوية. الكنائس لها أنشطة قوية، وإيران
تلعب دوراً خطيراً، وإن كان المردود ضعيفاً من كليهما، والجامعات الأوروبية تقيم
هناك مؤتمرات سنوية.
إيران تقدم نموذجها الشيعي، ودول الخليج تقدم نموذجها السني، وتركيا
تروِّج لتجربتها العلمانية بتأييد أمريكي.
وإسرائيل تحقق مكاسب اقتصادية، ودبلوماسية قوية بمشاركة أمريكية - ...
تركية. ونتيجة للنفوذ الأمريكي المبكر فقد سارعت الحكومة هناك بإعلان العلمانية على الطريقة التركية.
١٢ - ولماذا كانت (إسرائيل) أسبق إلى هناك؟
لإخفاق المسلمين والعرب من جهة؛ لأنهم لم يتبنوا استراتيجية ثابتة أو
سياسات قوية لعدم شعورهم من قبلُ باحتياجهم إلى تلك المنطقة في المستقبل.
ومن جهة ثانية: لأن (إسرائيل) نجحت في التسلل إلى هناك؛ لتكسر
الحصار حولها وتقيم علاقات كاملة، هناك سفارات وتمثيل دبلوماسي، هناك تواجد
للخبرة الإسرائيلية، هناك تبادل تجاري، و (إسرائيل) سارعت إلى إقامة خطوط
طيران مباشرة إلى هناك بينما لا يوجد خطوط طيران بين تلك العواصم والعواصم
العربية. وإلى هذا وذاك فإن هذه الدول تتقرب من (إسرائيل) ؛ لأنها أقرب طريق
موصل إلى الولايات المتحدة.
١٣ - وماذا عن النفوذ الروسي؟
النفوذ الروسي يضعف يوماً بعد يوم في مقابلة ازدياد النزعات العرقية
والوطنية على سبيل المثال: في أوزبكستان تتبنى الحكومة هناك سياسة استقلالية
بتوطين اللغة الرسمية ضمن خطة تمتد حتى عام ٢٠١٦م؛ لإزالة جميع آثار
الاحتلال الروسي.
١٤ - وماذا عن إقليم (أبخازيا) ؟
(أبخازيا) هو النطق الأوروبي أما النطق العربي الصحيح هو: (أباظة)
هذا الإقليم المسلم يعاني من تسلط جورجيا النصرانية، ولهذا يجاهد أهله من أجل
الاستقلال، ولكن الوضع مؤرجح نتيجة لضعف الحكومة الجورجية من جهة،
ولضعف إمكانات المسلمين وقياداتهم من جهة أخرى.
١٥ - اقترنت المقاومة الإسلامية للشيوعيين بمناطق وشخصيات كان أبرزها
الشيشان، وقائدها التاريخي الإمام (شامل) ، وقائدها المتأخر (دوداييف) فإلى أي حد
يُظلل الإسلام التجربة الشيشانية اليوم؟
الشيشان هي الدولة الوحيدة القوقازية ذات الاستقلال الداخلي في روسيا
الاتحادية وتتوق لأن تكون إسلامية ١٠٠% شعباً وحكومة، وعندما جاء دوداييف
إلى السلطة استدعى بعض الإسلاميين العرب وقال لهم: أنا لا أفهم الإسلام بالقدر
الكافي؛ لكني أعدكم إذا ما شرحتم لي ما هو الإسلام جيداً أن أطبقه. وكان هذا
إيذاناً بإنشاء معهد الإمام الشافعي لتخريج الدعاة وتأثيره في واقع الحياة هناك،
والمفتي العام لدولة الشيشان جعل مسخادوف عند توليه الرئاسة يقْسم على القرآن
بإسلامية دولة الشيشان. وها هم الداغستانيون قد تحركوا أيضاً للسبب نفسه رغم
تعدد لغات داغستان وأعراقها. ولن يكون عجباً إذا قام شعب أنجوشيا المجاور
للشيشان ولداغستان بنفس العمل: إعلاء الإسلام.
في الحقيقة التجربة الشيشانية تجربة فريدة؛ فبعد فراغ السلطة بمقتل دوداييف
اختلف الناس حول مسخادوف حتى كادت أن تقع فتنة، وهنا بادر شيخ الإسلام في
الشيشان لحل تلك الأزمة، فاشترط على الشعب - قبل الانتخاب - تأييد الرئيس
الذي تختاره الأغلبية على إقامة الإسلام في البلاد، وأقسم الشعب على الولاء له
شرط أن يطبق الإسلام، ولكن مسخادوف باعتباره رئيساً للبلاد لا يُعتبر في أعلى
منصب؛ لأنه عضو في المجلس الرئاسي، هذا المجلس يرأسه شيخ الإسلام - هذا
الرجل عنده أمل في أن يُكتب تاريخ الشيشان بأقلام إسلامية، وأن يُعَد مشروع
تعليمي متكامل باللغة العربية لتعميمه في المدارس الشيشانية.
١٦- لعلك سبقتنا إلى الكلام عن دور الحركات الإصلاحية والدعاة هناك:
كيف ترى دورهم؟
المؤسسات الإسلامية محجمة عن التعامل مع دول آسيا الوسطى. نعم! هناك
تعامل ولكنه محدود إذا ما قورن بالمؤسسات الأوروبية والأمريكية والإسرائيلية.
المؤسسات الإسرائيلية هناك واضحة الهوية، وهناك شريك تركي أمريكي
محلي. ولا ننكر الدور المشكور الذي تقوم به بعض المؤسسات الخيرية؛ ولكن
ينبغي أن تتميز الأنشطة ذات التأثير القوي والمردود الفعال وتتلافى سلبيات
التجارب الماضية.
مجال الاستثمار هناك واعد ويحتاج لرؤوس أموال إسلامية ترسخ للتواصل
والانتماء، وعلى المؤسسات الدعوية هناك أن تعي المدخل السيكولوجي لهذه
الشعوب وتصدير احتياجاتها الفعلية؛ فبعض المؤسسات وزعت ما يزيد على ربع
مليون نسخة عربية من أحد كتب العقيدة مع أن هذا الرقم لو وُزع نصفه في تبسيط
المفاهيم الإسلامية باللغات المحلية لرأينا لذلك تأثيراً قوياً.
هناك عقبة قوية تعترض طريق الدعوة هي استعداء بعض الدعاة للحكومات
وللصوفية هناك قبل أن تمهِّد لنفسها الطريق.
وفي رأيي إذا نجح الدعاة في تقديم الإسلام بصورة ميسرة وقوية فلا أستبعد
أن تنطلق الصحوة من هناك.
(١) كان هذا الحوار قبل توقف الحرب في كوسوفا.