للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مرحلة جديدة في المسألة:

[الدعوة إلى جماعية التطبيع مع الدولة العبرية]

طلعت رميح

كل المؤشرات، والشواهد في التطورات الجارية حالياً تعطي إشارات ودلالات على أن الاعتراف بالكيان الصهيوني، والدخول في علاقات «طبيعية معه» تدخل الآن إلى مرحلة جديدة تتميز بالتوسع المضطرد في أعداد الدول المطبِّعة، أو الجاهزة لهذه الخطوة، وفي تحوُّل العلاقات الانفرادية (السياسية والاقتصادية) بين الدول العربية والكيان الصهيوني إلى علاقات تشمل دولاً متعددة في المجال الواحد من مجالات التطبيع وإلى تحول علاقات التطبيع الجديدة إلى نمط مستقر دائم، ووفق اتفاقيات تشمل قطاعات اقتصادية واسعة، ومؤثرة ترتبط بها أعداد واسعة من أصحاب المال ومن العمال ... إلخ، حتى يمكن القول: إن عملية التطبيع قد دخلت قفزة نوعية تفوق كل ما حدث في مرحلتها الأولى أو الأولية عند نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي، بما يجعل حصاد الماضي مجرد مؤشرات مبسطة على ما يجري الآن وعلى ما هو مقبل.

المؤشرات الجديدة تتمثل فيما صرح به وزير الخارجية «الصهيوني» سيلفان شالوم، من أن هناك عشر دول عربية سوف تقيم علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني خلال العام الحالي، وهو تصريح يَلْقى مصداقية ـ للأسف ـ مما جرى، ومما أعلن عنه رسمياً في الفترة الأخيرة، ومما تتناقله وسائط الإعلام وسط صمت، أو رفض علني رسمي (وهي السياسة المعتمدة دوماً في جسّ النبض لقرارات بدء التطبيع من قِبَل الأجهزة الرسمية العربية) عن لقاءات وزيارات علنية، وأخرى سرية. فإذا كان أمر زيارة شارون الأخيرة إلى تونس ضمن فعاليات مؤتمر التقنية والمعلومات الذي تنظمه (منظمة الأمم المتحدة) ، وقصة مصافحة الصادق المهدي لرئيس الوزراء الصهيوني السابق شيمون بيريز على هامش أحد المنتديات الدولية وزيارة مسؤول إماراتي إلى تل أبيب، وقبلها كانت زيارة أحد قيادات الأحزاب العراقية المتعاونة مع الاحتلال الأمريكي إلى تل أبيب وغيرها ـ وكلها أمور علنية ومعترف بها ـ فإن ما هو سري متكاثر ومتعدد وخطير تكاثرت عنه أنباء، أو أطلقت بالونات لجسّ النبض، بعضها تحدث عن قرب تطبيع العلاقات الليبية ـ الصهيونية، وأن اجتماعات جرت بهذا الشأن بين مدير المخابرات الليبية (اللواء موسى كوسا) ـ كما ذكرت صحيفة آفاق عربية (مصر) ـ مع رئيس الوزراء الصهيوني (آرييل شارون) ، تمهيداً لاجتماع آخر يُعقد في لندن بين وزير الخارجية الصهيوني (سلفان شالوم) ووزير الخاجية الليبي، وأن استعدادات تجري لفتح سفارة لليبيا في تل أبيب.

كما تحدثت بعض الأنباء عن لقاءات قريبة بين مسؤولين صهاينة، وآخرين من البحرين بهدف الاتفاق النهائي على فتح سفارة بحرينية في تل أبيب، وأخرى صهيونية في المنامة، وعن استعدادت قطرية لإرسال ممثل قطري إلى تل أبيب للاجتماع بشارون بعد دعوة وجهها الأخير له، بهدف إعادة فتح المكتب التجاري بين البلدين تمهيداً للوصول إلى تمثيل دبلوماسي كامل متبادل (وهي أنباء تزيد مساحة المصداقية فيها؛ بسبب إجراء مفاوضات بين تلك الدولتين والولايات المتحدة لعقد اتفاقات تجارة حرة، يكون أحد شروطها كما هو معلوم تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني) . هذا بالإضافة إلى ما تردد عن لقاءات من أطراف في السلطة الجزائرية وقيادات صهيونية، وإلى ما هو معروف عن العلاقات المغربية الصهيونية منذ فترة طويلة، وإلى ما يتردد حالياً بصورة واسعة عن اتصالات بين أطراف في المعارضة اللبنانية لعقد اتفاق «سلام» مع الطرف الصهيوني، أو ما يسمى باتفاق مايو/ أيار جديد، يسمح بتوقيع اتفاقية «سلام لبنانية صهيونية» ، وتطبيع العلاقات، والذي تعتبر أهم مؤشراته حتى الآن ما أعلنه (وليد جنبلاط) من أن مزارع شبعا ليست لبنانية، بما يعني أن قوات الاحتلال الصهيوني انسحبت من كامل الأراضي اللبنانية وبما يمثل التمهيد الأبرز للقبول بانتهاء الصراع بين لبنان والدولة العبرية. وهكذا إذا جمعنا ما اعترف به، وأعلن إلى ما يجري الترتيب له حالياً ـ إضافة إلى ما لم يظهر حتى الآن للعلن ـ ربما يصل بعدد الدول العربية التي تعترف ديبلوماسياً بالكيان، وتقيم معه علاقات سياسية واقتصادية إلى ما قاله الوزير الصهيوني (١٠ دول جديدة، إضافة إلى مصر والأردن وموريتانيا) وهو ما يعني أن الدورة التي بدأت بها قصة التطبيع قد انعكست. فإذا كان الاستثناء في تطبيع العلاقات والاعتراف بالعدو الصهيوني هو الأصل، حينما انفردت مصر علناً بذلك، فإن الدورة وبعد نحو ٢٥ عاماً تكون قد انقلبت ليصبح الاستثناء هو الأصل.

وإذا كانت تلك المؤشرات والشواهد تشير إلى مرحلة جديدة وخطيرة وواسعة مقبلة من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني من قِبَل النظام الرسمي العربي، فإن التطورات الحادثة على الأرض باتت تؤكد هي الأخرى وبصورة عملية أن هذه المرحلة قد بدأت بالفعل ممثلة في الانطلاقة غير المسبوقة في العلاقات الرسمية المصرية ـ الصهيونية التي كانت شرارتها الأولى صفقة إطلاق الجاسوس الصهيوني (عزام عزام) مقابل الطلاب المصريين الستة الذين سبق اعتقالهم داخل حدود فلسطين المحتلة، والتي تلاها توقيع مصر على (اتفاقية الكويز) بعد طول رفض، وبعد سنوات من توقيع الأردن وتركيا عليها ـ وما يتردد حالياً دون إنكار مصري رسمي عن قرب إنهاء اتفاقية تصدير الغاز المصري إلى الكيان الصهيوني ـ ثم ما تلاها من عقد مؤتمر شرم الشيخ الذي حضره الرئيس المصري حسني مبارك، وملك الأردن عبد الله بن الحسين، ورئيس الوزراء الصهيوني، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والذي تلاه عودة السفيرين المصري والأردني إلى تل أبيب.

وهناك في العراق تجري تطورات خطيرة في الاتجاه نفسه على أرض هذا البلد تتمثل في وصول عدد من الشركات الصهيونية العاملة في العراق إلى نحو ١٠٠ شركة تعمل في مجالات متنوعة من الأمن والأعمال التجارية، وسط دلالات على أن مخطط عودة خط البترول القديم من العراق إلى حيفا عبر الأردن بات تنفيذه مسألة وقت ترتبط بهدوء، أو ضعف عمليات المقاومة العراقية.

وقبلها كانت الأردن، وتركيا قد وقعتا على (اتفاقية الكويز) التي ربطت الصناعات الأردنية في مجال الملابس والمنسوجات بالصناعات الصهيونية عبر فكرة فتح الأسواق الأمريكية أمام الصادرات الأردنية، والتي نتج عنها تضاعف حجم الصادرات الصهيونية للأردن ١٦ مرة في الفترة بين عامي ١٩٩٩م و ٢٠٠٣م (من ٥.٧ مليون دينار إلى ٨٢.٣ مليون دينار) .

وهناك على الأرض في اليمن تجري عمليات تطبيع تتوسع باضطراد، تحت عنوان منح اليهود اليمنيين تسهيلات واسعة، كما تجري في كثير من أطراف منطقة الخليج أشكال متعددة وملتوية أخرى من عمليات التطبيع، تتضح أبعادها رويداً رويداً، بما يجعل عدم التطبيع الرسمي هو الاستثناء في الفترة المقبلة من قبل هذه الدولة أو تلك، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار النشاط «الدولي» لكثير من أصحاب رؤوس الأموال العرب، وتداخله مع نشاطات متعددة مع رأس المال اليهودي.

وهكذا تشير كل تلك الشواهد والمؤشرات والوقائع الجارية على الأرض إلى طفرة في مسار التطبيع الرسمي العربي مع الكيان الصهيوني، جاء الكشف عنها عقب انفضاض مؤتمر (شرم الشيخ) ، وإن كان الأساس السياسي لها قد أقر في قمة بيروت.

والخطير في الأمر أن التطبيع في المرحلة الجديدة ليس مجرد قفزة على المستوى العددي، أو انهياراً شاملاً للنظام الرسمي العربي فقط، وإنما أيضاً يؤكد أن تحولاً كبيراً على المستوى الرسمي العربي قد جرى، يتحول التطبيع من خلاله من حالات اضطرارية، أو حالات غير مستقرة إلى نمط من الارتباط الدائم، والمصالح المستقرة، والبناء الاقتصادي الدائم، ومن بناء للمنظومة الاقتصادية الشرق أوسطية بالتدريج، ومن إيجاد فرص واسعة من مجالات النشاط، والارتباط للنخب المالية العربية؛ بما يجعل قطاعات مجتمعية متزايدة في حالة ارتباط «معيشي» بعمليات التطبيع، واستمرارها.

ü التطبيع: مختصر القصة:

كانت مصر هي أول دولة عربية وإسلامية تطبِّع علاقاتها الرسمية مع الكيان الصهيوني، أو الدولة الأولى التي أقامت معه علاقات دبلوماسية، أو الدولة الأولى التي فكت حصار المحيط العربي على الكيان الصهيوني عقب توقيع معاهدة (كامب ديفيد) في عام ١٩٧٩م، وتلتها الأردن عقب توقيع اتفاقية (وادي عربة) في عام ١٩٩٤م، والتي جاءت خطوتها استناداً أيضاً إلى توقيع (اتفاق أوسلو) في عام ١٩٩٣م. وظلت الأردن هي الدولة الثانية بعد مصر أو التي حذت حذو مصر، إلى أن تطور الموقف ليشمل موريتانيا في أقصى المغرب العربي، وقطر في المشرق العربي، وفق نمط من العلاقات، وإن كان بدرجة أقل من التمثيل الديبلوماسي، وكذا البحرين وغيرها ـ إضافة إلى الحالة الخاصة المغربية الصهيونية ـ في سنوات ما بعد سريان اتفاق (أوسلو) ، وما زين فيه من آمال كاذبة حول حل عادل للقضية الفلسطينية. وفي تلك المرحلة نشطت الدعاوى حول المفاوضات متعددة الأطراف، والشرق أوسطية، أو البناء الاقتصادي للشرق الأوسط ... إلخ.

مصر التي بدأت هذه الدورة لم تشهد علاقاتها فعلياً نشاطاً تطبيعياً واسعاً خلال المرحلة الأولى من عمليات التطبيع، ومن ثم ظهرت تعبيرات السلام البارد في وصف العلاقات المصرية الصهيونية؛ حيث لم تتأسس مشروعات اقتصادية كبرى بين مصر والكيان الصهيوني ـ كان المشروع الأهم هو في مجال صناعة النسيج، والذي عمل وضبط فيه الجاسوس (عزام عزام) ـ كما ظل وجود السفارة الصهيونية محاطاً بسياج من عدم التعاون؛ حيث اقتصر التطبيع على مجالات بعينها، أو لنقل أن عمليات التطبيع كانت موقوفة عند حدود وزارتي: الزراعة والسياحة المصريتين ـ إضافة إلى إنفاذ اتفاقيات بيع البترول المصري المستخرج من سيناء وفق نصوص بروتوكولات معاهدة كامب ديفيد ـ التي كانت الأنشط في مجالات التطبيع في تلك المرحلة.

ومن ثم كانت أخطر نتائج التطبيع هي في مجال الإنتاج الزراعي، وصحة المواطنين وفي مجالات الاحتكاك بين المجتمع المصري والسياح الصهاينة، وخاصة في مناطق سيناء؛ حيث تتيح الاتفاقيات دخول الصهاينة إليها للسياحة حتى (خط العريش ـ رأس محمد) ، دون تأشيرات مسبقة. وكذلك يمكن القول: إن التطبيع في كل المناطق التي تم اختراقها في جسد الأمة ظل محصوراً أو محاصراً، ربما بحكم حالة الرفض الشعبي التي تجلت على أكثر من صعيد؛ حيث جرت مواجهة كل نشاط علني شاركت فيها دولة الكيان الصهيوني (كمظاهرات معرض الكتاب في مصر التي من بعدها لم يشارك الكيان الصهيوني فيه، وغيرها) ؛ وربما لأن أجهزة الدول ذاتها لم تكن جاهزة لهذا النمط من تطبيع العلاقات، وربما لأن النظم كانت تراهن على الوقت. غير أن مرحلة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو شهدت تطورات واسعة نسبياً؛ حيث كانت الأردن هي البادئة في مجال أخطر اتفاقيات التطبيع، أو هي كانت الدولة العربية الأولى التي وقّعت على (اتفاقية الكويز) ـ تزامن ذلك في العام نفسه مع توقيع تركيا للاتفاقية ذاتها ـ ومن قبلها كانت الدولة الأنشط في قضية تفعيل الرؤية الاقتصادية الممثلة في مشروع الشرق أوسطية التي بدأت مشوارها من مؤتمر المغرب (كازبلانكا) ، لتحط رحالها في مؤتمر (عمان) ، والذي شهد ضغطاً مصرياً «لفرملة» تطوراته، والتي كان شاهدها صيحة وزير الخارجية المصري في ذاك المؤتمر ـ عمرو موسي ـ ضد الهرولة، وهو المؤتمر الذي تم وأده في الدوحة في تلك المرحلة وكذلك من بعده كانت المفاوضات متعددة الأطراف. ومن بعدها جاء اندلاع انتفاضة الأقصى (سبتمبر ٢٠٠٠م) ؛ لتختفي كل الأشكال العلنية في مجال التطبيع على كل المستويات، أو لتمارس عمليات التطبيع بعيداً عن الأعين، ولتقوم كل من مصر والأردن بسحب سفيريها من تل أبيب، ولتجمد رسمياً ـ وربما التعبير الأدق شكلياً ـ أشكال التطبيع على المستوى العلني في قطر، وتونس، والبحرين، وغيرها.

وفي طول تلك المرحلة كانت كل أشكال التطبيع تواجه برفض نخبوي حركي تَرَافقَ مع حدوث ردات فعل عفوية، كما كان الحال في قيام المواطن المصري سعد حلاوة، أو الجندي المصري أيمن حسن، أو سليمان خاطر في مصر، بعمليات عفوية إعلاناً عن رفض الضمير الشعبي للتطبيع مع العدو الصهيوني.

إلا أن التطبيع لم يتوقف فعلياً، بل ظل جارياً على الأرض من الناحية الفعلية، على الأقل على مستوى التبادل التجاري، والعلاقات الاقتصادية، وزيارات الوفود تنفيذاً للبروتوكولات التنفيذية، الأمر الذي انعكس في تصاعد التحذيرات في الصحف عن مخاطر وحصيلة التطبيع، سواء على مستوى التحذير من زيادة نسبة الأمراض السرطانية بين المواطنين المصريين؛ بسبب استيراد المبيدات، والمخصبات، والهرمونات، والشتلات من الكيان الصهيوني ـ حيث ضبطت سلطات الدولة المصرية قضية دخول مبيدات مسرطنة وعرضتها على القضاء، وصدر بشأنها أحكام ـ أو بسبب استيراد أو تهريب بعض المنتجات الصناعية الصهيونية، مثل: العلكة التي تصيب بالعقم، أو أحزمة الرجال التي تقلل نسب الخصوبة لدى الشباب، كما نشطت تحذيرات تتعلق بجوانب اجتماعية، وأمنية، كما هو الحال في ارتفاع نسب زواج المصريين من حاملات للجنسية الصهيونية، إلى أن وصلت إلى ٢١ ألف حالة، أو فيما تحدثت عنه كثير من الصحف حول دور مخطط للموساد الصهيوني في نشر الإيدز بين الشباب المصري من خلال سائحات صهيونيات، أو في التحذير من استمرار سفر المهندسين الزراعيين الشباب من مصر إلى الكيان الصهيوني أو من وجود خبراء صهاينة في مجال الزراعة المصرية ... إلخ.

ü مصر: نقلة كبرى في التطبيع:

بدءاً من صفقة إطلاق عزام عزام، وانعقاد مؤتمر شرم الشيخ، وتوقيع (اتفاقية الكويز) ، يمكن القول: إن مصر قد نقلت التطبيع مع الكيان الصهيوني نقلة كبرى.

فعلى المستوى الاقتصادي، إذا كان حجم التبادل التجاري بين مصر والكيان الصهيوني قد وصل في عام ٢٠٠٣م إلى ٥٠ مليون دولار (وهو رقم يساوي ثلث حجم التبادل التجاري المصري السوداني البالغ ١٦٠ مليون دولار، ويزيد على حجم التبادل التجاري مع سلطنة عمان بنحو ١٥ ـ ٣٥ مليون دولار ... إلخ) إلا أن المتوقع أن يرتفع هذا الحجم إلى نحو ٢٠٠ مليون دولار خلال السنوات الخمس القادمة؛ حيث ستصل خلاله الصادرات الصهيونية إلى مصر إلى حوالي ١٠٠ مليون دولار سنوياً، حسب المصادر الصهيونية (ارتفعت الصادرات الصهيونية إلى مصر بنحو ١١% خلال عام ٢٠٠٢م) .

وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي؛ فإن حجم العمالة المصرية التي سيرتبط نشاطها الصناعي بـ (اتفاقية الكويز) سيصل إلى ١٦٠ ألف عامل منضوين في نحو ٤٠٠ مصنع مصري، موزعين على نحو ٧ مناطق صناعية - إضافة إلى ما يتوقع أن توجده الاتفاقية من فرص عمل تصل إلى نحو ٢٥٠ ألف فرصة (حسب تصريحات وزير الصناعة المصري في الأهرام المصرية بتاريخ ٢٤/١٢/ ٢٠٠٤م) . هذا بالإضافة إلى أنها تسهم في وجود نخبة من رجال الأعمال قد «ارتقى» موقفهم في العلاقات مع الصهاينة من التطبيع المستتر إلى التطبيع العلني، وإلى وجود تعاون، أو كسر للحواجز، والعوامل النفسية على مستوى واسع من قِبَل مواطنين عاديين بحكم «أكل العيش» في التعاون مع يهود وصهاينة خلال عمليات اقتصادية دائمة.

وربما يبدو مهماً الإشارة إلى أن خطورة (الكويز) في أحد جوانبها المستقبلية أيضاً هو: أنها تشكل توحيداً اقتصادياً في مجال صناعة النسيج في مصر، والأردن، وتركيا، والكيان الصهيوني؛ وهو ما يعني أن أول آليات الشرق أوسطية قد دخل إطاره التنفيذي بالفعل.

كما تأتي أهمية التطورات الراهنة ـ في مصر والعالم العربي ـ من أنها جاءت في مرحلة دخلت فيها التهدئة بين الفصائل الفلسطينية والكيان الصهيوني حيز التنفيذ ـ بما يرفع الحرج عن بعض الأنظمة ـ ومن أنها تأتي في مرحلة من الضعف الرسمي العربي أمام الضغوط الأمريكية بعد احتلال العراق؛ وهو ما يشير إلى أن الارض مهيأة أكثر لاندفاعها.

ويبقى أن القضية الأخطر، هي أن هذا الاندفاع والتوسع في عمليات التطبيع، بما يحمله من ملامح توسيع النخب المالية المرتبطة بها، يأتي متزامناً مع اتساع دائرة التدخل الأمريكي في الأوضاع الداخلية في مصر، والعالم والعربي؛ بهدف دفع النخب الأكثر تغرباً، والأكثر ارتباطاً بالمشروع الأمريكي الصهيوني؛ لأخذ مواقع أكثر تأثيراً في القرار السياسي الرسمي. وهو ما يعني عملياً أن عمليات التغيير الداخلية التي تشهدها المنطقة العربية، ستأتي مرتبطة بصعود العناصر الناشطة في مجال التطبيع، فضلاً عن نشاط ما يسمى بجمعيات المجتمع المدني الممولة أمريكياً في معظمها، وأوروبياً كذلك حيث سيتغير موقفها المتحفظ بعض الشيء في مجالات التطبيع، إلى حالة من العلنية وإلى دعم مباشر لها.

وهنا يبدو العامل الأهم وهو: أن النخبة المصرية التي جرى تربيتها وتدعيمها من خلال التعاون بين منظمات «المجتمع المدني» بدأت تدخل على الخط المباشر في عمليات التطبيع؛ حيث زار بالفعل عدد من أفراد هذه المنظمات الكيان الصهيوني في الفترة الأخيرة.

وإذا كانت تلك هي الحصيلة العامة على الجانب الرسمي وتطوراتها الخطيرة فإن حصاد التطبيع له وجه آخر؛ حيث كان قانون الأحزاب في مصر يمنع قيام أي حزب يرفض اتفاقيات التطبيع، ولذا اعتقل أشخاص بتهمة إساءة العلاقات مع دولة صديقة ومنهم (كامل زهيري) نقيب الصحفيين الأسبق الذي أوقف عقب اشتراكه في الاحتجاج على أول مشاركة إسرائيلية في معرض الكتاب، وقد نتج عن هذا الاحتجاج وقف المشاركة الإسرائيلية بعد ذلك.