المسلمون والعالم
الشيخ جمال أبو الهيجا أحد قادة حماس
في حوار خاص مع البيان
حاوره: نائل نخلة [*]
رفض منذ اللحظة الأولى للاجتياح الصهيوني لمدينته جنين ومخيمها - حيث
يقيم - أن ينزل تحت الأرض كما فعل غيره من قادة ومسؤولي التنظيمات
الفلسطينية، أو أن يهرب من المخيم، وهو المطلوب رقم واحد لسلطات الاحتلال
في المدينة، كما أن اسمه على رأس قائمة الاغتيالات، وأصر على أن يكون في
أول الصفوف مع أبطال المقاومة في مخيم جنين، يقاتل كما يقاتلون، يضمد
جراحهم، يشحذ هممهم، يخطط ويشرف على الكثير من عمليات الكر والفر،
وذلك رغم إدراج اسمه على قوائم الاغتيال التي أعلنت عنها الأجهزة الأمنية
الصهيونية، مما أدى إلى إصابته برصاصة من نوع دمدم أدت إلى بتر يده اليسرى
ليحتسبها عند الله.
بطريقة أو بأخرى تمكن الشيخ من الإفلات من قبضة الاحتلال، واستطاع
وعدد غير بسيط من مجاهدي المخيم فك الطوق الذي فرض عليهم والوصول إلى
مكان آمن.
ولد الشيخ جمال أبو الهيجا في مخيم جنين عام ١٩٥٩م، وهو ينحدر من بلدة
عين حوض في فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨م، وهو أب لستة أولاد. يقول الشيخ
جمال: لقد التحقت بجماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام ١٩٧٩م، على يد
أستاذي الشيخ المجاهد الشهيد عبد الله عزام، ولم يخف الشيخ جمال تعلقه الشديد
بهذا العلم الإسلامي وأثره البارز على مسير حياته، انتقل الشيخ بعد ذلك إلى اليمن
حيث عمل مدرساً هناك ما بين الأعوام ١٩٨١ - ١٩٨٤م ليغادرها إلى السعودية
مدرساً حتى عام ١٩٩٠م موعده مع العودة إلى فلسطين، حيث التحق منذ عودته
إلى مخيم جنين بحركة المقاومة الإسلامية حماس ليكون شعلة الدعوة في هذا الموقع
المتقدم في جبهة المقاومة، لتبدأ منذ تلك اللحظة رحلة المعاناة والمصابرة، فقد
اعتقل أكثر من ست مرات تنقل خلالها بين الاعتقال الإداري وأقبية التحقيق في
مجدو وعزل الرملة والنقب، ليتجاوز مجموع ما قضاه في سجون الاحتلال ثلاث
سنوات، ومع قدوم السلطة الفلسطينية إلى جنين لم يسلم من ملاحقتها؛ إذ تعرض
للاعتقال والمساءلة أكثر من مرة على أيديها، وقد سجن نتيجة لذلك ستة أشهر،
وقد حاولت الأجهزة الأمنية الفلسطينية اعتقاله أكثر من مرة في انتفاضة الأقصى
الحالية، إلا أنه يقول أن وقوف أهالي المخيم ببسالة في التصدي للاعتقالات
السياسية حال دون ذلك. ولم تكن عائلة الشيخ جمال بمعزل عن هذه المعاناة فعدا
رحلة فقدان الزوج والأب والمعيل وهو يتنقل من سجن إلى آخر، أصيب ابنه
البكر عبد السلام خلال هذا الاجتياح لمخيم جنين برصاصة في الظهر اقتربت من
العمود الفقري، كما أنه أصيب قبل نحو شهرين برصاص الشرطة الفلسطينية
عندما حاول وإخوانه التصدي لعمليات الاعتقال السياسية التي شنتها السلطة
الفلسطينية؛ مما أدى إلى تقطع أوتار يده، وكاد أن يقتل في حادثة أخرى لولا أن
الله سلم؛ وذلك عندما أصيب واثنان من إخوانه باختناق شديد أثناء إطلاق كثيف
لقنابل الغاز داخل منزلهم في المخيم، لقد تقلد الشيخ أبو الهيجا عدة مناصب إدارية
في حركة حماس في جنين، وتنقل ما بين عمله ناطقاً رسمياً باسم الحركة في جنين
إلى ممثل حماس في لجنة التنسيق للفصائل خلال الانتفاضة الأولى، إلا أن أخطر
مرحلة في معاناة الشيخ كانت قبل عدة أشهر عندما وضعت (إسرائيل) اسمه على
قوائم الاغتيالات، وذلك ضمن القائمة التي سلمتها C. I. A إلى السلطة
الفلسطينية حيث اتهمته المخابرات الصهيونية بقيادة الجناح العسكري لحماس في
جنين وتجنيد استشهاديين. قال الشيخ جمال إنه تفاجأ كثيراً بإدراج اسمه على هذه
القوائم معتبراً أن إسرائيل تريد تصفية القادة السياسيين تحت حجج واهية.
لقد عانينا كثيراً قبل ترتيب هذا اللقاء بسبب الظروف الأمنية المحيطة بالشيخ،
مع العلم إنني أجريت المقابلة على ثلاث دفعات، عن طريق الهاتف النقال،
حتى لا يتم ضبط المكان الذي يختبئ فيه الشيخ المجاهد.
وكان لنا هذا اللقاء.
البيان: نرحب بكم باسم مجلة البيان ونقول: حمداً لله على سلامتكم،
ووفقكم الله من نصر إلى نصر، نود أن تحدثنا بحسب رؤيتك لتأثير الحملة
العسكرية الصهيونية الاخيرة على الانتفاضة الفلسطينية؟
* بسم الله الرحمن الرحيم، وكل التحية إلى إخواننا في مجلة البيان، ووفقكم
الله لخير الإسلام والمسلمين. في الحقيقة أرى أن الحملة العسكرية الشاملة التي لم
يسبق لها مثيل على الشعب الفلسطيني كان لها تاثيرها بلا شك على الانتفاضة
بأمرين: الأول على المدى القريب والذي نرى أنه قد يؤثر على فعاليات الانتفاضة
سلبياً، بإضعاف بعض مجموعات المقاومة نظراً لشدة الحصار المفروض حول
المدن والقرى والمخيمات، إضافة إلى سقوط عدد من القادة الميدانيين للتشكيلات
العسكرية الفلسطينية المختلفة.
أما الأثر الثاني وهو على المدى البعيد، فسيكون التأثير بإذن الله إيجابياً وقوياً
جداً؛ لأن هذه الحملة الإجرامية تركت حقداً وكرهاً تعمق وتجذر في قلوب كل أبناء
الشعب الفلسطيني، وزاد من إصرارهم على الانتقام؛ وبالذات أنه الآن يبعث
الحرارة عند أجيال فلسطينية كاملة للانتقام، وبدل أن يكون هناك العشرات ممن
يطلبون أن يكونوا استشهاديين فإن الأرقام تصل الآن إلى مئات الاستشهاديين،
ونسبة كبيرة منهم من الفتيات اللواتي يتسابقن للعمليات الاستشهادية للانتقام من
العدو الصهيوني الذي لم يترك بيتاً فلسطينياً إلا وترك فيه مأساة.
البيان: كيف تنظرون في حركة حماس إلى جولة باول الاخيرة للمنطقة وإلى
الموقف الأمريكي بشكل عام من الأحداث الدموية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية؟
* نظرتنا لم تتغير، وإن أمريكا ليست فقط منحازة إلى (إسرائيل) بل هي
مشاركة ومساندة وداعمة لهذا العدوان الصهيوني في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني
الأعزل، وإننا في حركة حماس كنا وما زلنا لا ننخدع بفكرة أن أمريكا تمثل شريكا
نزيهاً وراعياً لما يسمى السلام في الشرق الأوسط، وما جولة بول الأخيرة وما
رافقها من تصريحات لبوش إلا التعبير الحقيقي عن الموقف الأمريكي المتواطئ مع
(إسرائيل) منذ نشأتها وحتى اليوم، ولهذا لم نتفاجأ بهذا الموقف ولم ننتظر أصلاً
منهم شيئاً لصالح الشعب الفلسطيني.
البيان: ما هي رؤيتكم لمستقبل المقاومة الفلسطينية بعد الضربات التي تلقتها
مؤخراً؟
* حقيقة أن الضربات لا تميت حركات المقاومة أو الشعوب التي تسعى إلى
التحرر؛ فسرعان ما تنهض من كبوتها وتزداد قوة وصلابة، ونحن نرى أن
المقاومة سوف تتصاعد وقد وصلت الى خط اللارجعة، وهي أكبر وأقوى - بإذن
الله - من كل الضربات والحملات العسكرية والمؤامرات التي تحاك ضدها، ولن
يستطيع أي شخص في هذا العالم أن يوقفها، ولن تزيدنا إلا إصراراً وتمسكاً
بالمقاومة وخاصة إننا نرى أجيالاً هم أكثر حباً وحرصاً على التضحية بأرواحهم من
أجل قضيتهم.
البيان: كيف - برأيكم - يجب أن يكون الرد الفلسطيني على مجازر شارون
في جنين ونابلس؟
* يجب أن يكون الرد متعدداً وعلى عدة أوجه: منه رد مقاوم من الأبطال
والمجاهدين في فلسطين، وهنا أقول إنه يجب أن تتواصل العمليات الاستشهادية
حتى نُشعِر العدو بأن حملته العسكرية وجرائمه ومجازره ضد المدنيين والأطفال
والنساء لن تؤثر على الشعب الفلسطيني ولن تضعف من عزيمته. أما عربياً فيجب
على كل المؤسسات والمنظمات الفاعلة في العالم أن تتحرك وبسرعة لكشف جرائم
الاحتلال في مخيم جنين ونابلس وفضح بربرية دولة العصابات العبرية والعمل
على تقديم المسؤولين فيها إلى محاكم دولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.
البيان: ألا ترون أن القضية الفلسطينية الآن تمر بأخطر مراحلها؟
* نعم! وأرى أن القضية الفلسطينية أقرب الآن من أي وقت مضى الى
النصر وتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني في التحرر وكنس الاحتلال،
والآن على الشعوب العربية والإسلامية أن تقدم الدعم الغالي والنفيس لنصرة هذا
الشعب وعدم التباطؤ او التراخي في مد يد العون والمساعدة له لتعزيز صموده،
ويجب أن يترافق الدعم المالي والمعنوي مع الدعم في السلاح والعتاد وتزويد
الفلسطينيين بكل الوسائل بالأسلحة ليكون قادراً على الدفاع وصد العدوان.
البيان: كيف تنظرون إلى ردة فعل الشارع العربي وأيضاً الغربي على
المجازر الصهيونية؟
* الشارع العربي اليوم مطلوب منه أكثر من أي وقت مضى أن يقرر مصيره
بنفسه ولا ينبغي أن يبقى أسيراً للأنظمة العربية والتي أثبتت أنها لا تملك من أمرها
شيئاً أمام الغطرسة الأمريكية والصهيونية، يجب أن تسعى الشعوب العربية
وتطالب بحقها في أداء واجبها.
ونرى أن المطلوب اليوم من الأمة شعوباً وأفراداً ومؤسسات وحركات فاعلة
أن تخرج لتلبي نداء الواجب، النداء الذي يقتضي منهم أن يدعموا المقاومة بالمال
والسلاح والدم وخاصة أن الشعب الفلسطيني يقدم أنهاراً من الدم والشهداء من خيرة
أبنائه للحفاظ على مقدسات المسلمين وقبلتهم الاولى.
واليوم هناك استحقاق كبير على عاتق إخواننا العاملين من الجالية العربية
والإسلامية في الغرب وذلك بالتحرك الدؤوب والمتواصل لدعم الشعب الفلسطيني؛
وتحريك الشارع الغربي ضد المجازر الصهيونية والضغط على حكوماتهم لوقف
دعمهم للإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
البيان: ما هي الرسالة التي خرج بها مخيم جنين بصموده إلى الأمة العربية
والإسلامية؟
* الرسالة الأولى: هي فضح وتعرية الأنظمة العربية التي رفعت شعار
تحرير فلسطين منذ عقود، ونهبت وسرقت كل مقدرات الأمة لتسليح جيوش جرارة
تحت شعار تحرير فلسطين، واليوم تجد مخيماً بسيطاً لا يتجاوز عدد سكانه ١٣
ألف نسمة يصمد على مدار تسعة أيام متتالية من القصف الجوي والبري وبالمدافع
والدبابات وبمشاركة أولية من المشاة تم استبدالهم ثلاث مرات تحت شعار (إعادة
إنعاش القوات) وبإشراف من رئاسة هيئة أركان الجيش ثم وزير الحرب حتى
يتمكنوا من اجتياح المخيم من خلال الجرافات، وسحق أحياء كاملة وتسويتها
بالأرض ليتمكنوا من السيطرة عليه.
الرسالة الثانية: هي أن الفئة القليلة المقاتلة المخلصة لربها ودينها وقضيتها
إذا وقفت وقاتلت ستنتصر بإذن الله تعالى لا محالة، قال الله - تعالى -: [وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا] (العنكبوت: ٦٩) ، وقال: [وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن
يَنصُرُهُ انَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ] (الحج: ٤٠) .
والرسالة الثالثة: مفادها أن الجيش الصهيوني الذي قيل عنه الكثير من
الأساطير تبين في مخيم جنين أنه جيش من ورق، ويجب على الأمة أن تبعد عن
تفكيرها تلكم الحسابات الخاصة بحكامها الذين يرون إسرائيل قوة لا تقهر، وأن
المقاومة ستنتصر - بإذنه تعالى - وأن هذا الكيان إلى زوال لا محالة.
البيان: تلقت حماس عدة ضربات خلال الاجتياح الأخير سواء باغتيال عدد
من القادة الميدانيين أو اعتقال عدد آخر من المسؤولين، هل سيترك هذا أثره على
فاعلية حماس بالانتفاضة؟
* لم تكن المرة الأولى التي تتعرض فيها حماس للضربات، ونذكر أنه في
انتفاضة عام ١٩٨٧م مرت حماس في ظروف ومراحل صعبة جداً، ولكنها عادت
الى زخم المقاومة وتصدرت عمليات الجهاد، وإني أطمئن الأمة الإسلامية والعربية
في كل مكان أن حماس ستتجاوز وستتدارك هذه الأزمة بسرعة كبيرة - بإذن الله -
تذهل العدو، والصديق، وستعود إلى واجهة المقاومة مع هذا العدو الغاصب
المجرم.
البيان: شيخنا المجاهد! أنت كنت وسط مخيم جنين أثناء اجتياحه؛ فكيف
تمكنت من الخروج؟ وكيف تصف لنا المقاومة التي عاشها مخيم الصمود؟
* أعمال المقاومة داخل المخيم كانت رائعة جداً وبطولية وكان الملائكة كانت
تقاتل مع إخواننا، وفي كثير من الأحيان كان أبطال المقاومة يقتحمون مواقع
الاحتلال المحصنة ويسيطرون عليهم، وبعد أن يصادروا أسلحتهم يقتلونهم ثم
يغادرون بسلام، وهناك عشرات المواقف المشرفة والبطولية، وفي إحدى المرات
تمكن المجاهدون من اقتحام أحد المنازل التي تحصن بها عدد من الجنود وأخذوا
منهم خمسة عشر بندقية وتم تصفيتهم جميعاً وهم يصرخون ويبكون. أما بالنسبة
لخروجي: نعم! فقد تمكن عدد غير بسيط من المقاتلين من الخروج من المخيم
خاصة في الأيام الأخيرة، ولا شك أنه سقط عدد من الشهداء من بينهم قادة،
واعتقل عدد آخر؛ لكن في اللحظات الأخيرة تمكن عدد كبير من المقاتلين من
الخروج من المخيم وهم الآن في مكان آمن؛ ولا شك أن هذا الأمر انعكس إيجابياً
على معنويات المقاومة والمواطنين الذين يتصلون بنا يطمئنون فيها علينا قبل أن
يتفقدوا منازلهم وأسرهم ومحلاتهم.
البيان: علمنا أن منزلكم دمرته الطائرات الإسرائيلية فهل من معلومات عن
أسرتك التي كانت بداخله لحظتها؟
* نعم! بالفعل قصفت طائرات أباتشي الأمريكية الصنع منزلي في المخيم
قبل اجتياحه بأيام بعدة صواريخ، ولكن العناية الإلهية أنقذت أسرتي التي تمكنت
من الخروج بمساعدة السكان ولم يصب أحد بأذى بحمد الله.
البيان: (إسرائيل) تضعك على قائمة الاغتيالات في منطقة جنين فما
تعليقكم على ذلك؟
* لست الوحيد، ولا الأول ولن أكون الأخير؛ فقد سبقني الكثير؛ فالعدو
الصهيوني لا يفرق بين مسؤول سياسي أو عسكري وبين شيخ أو طفل أو امراة أو
رجل وكل فلسطيني هو مستهدف، وأقول: بالرغم من كل الملاحقات والتهديدات
فلن نلقي السلاح، وسنواصل طريق المقاومة حتى دحر الاحتلال وتحرير القدس
أن شاء الله.
البيان: ما هي رسالتكم إلى الشعوب العربية، والإسلامية توجهونها عبر
البيان؟
* أن أفيقوا من سباتكم، وانفروا إلى قدسكم، إلى أقصاكم، إلى نصرة
إخوانكم في فلسطين، أنتم اليوم مع عهد الجهاد، بعد أن ذهب وولى عهد الشعارات
التي طالما تغنينا بها، أنتم اليوم على موعد مع كرامة الأمة وعزتها ونصرة دينها،
فأين ستقفون؟
(*) مراسل البيان في فلسطين.