[حفريات باب المغاربة وهدم الأقصى]
د. يوسف كامل إبراهيم
تهويد القدس أولاً وأخيراً، ذلك هو الحُلُم الصهيوني والهدف الاستراتيجي الذي لا تراجُع عنه، مهما تكن الأسباب والظروف. في القدس بدأ المشروع الاستيطاني اليهودي، وفي القدس تُستكمل حلقاته الأهم. والقدس هي كما يقولون: قلب الصهيونية، أو هي جوهر المشروع الصهيوني ومآله الأخير: الديني، والسياسي.
فالحديث عن القدس والأقصى المبارك حديث ذو شجون ومليء بالأحزان على ما يحصل لأولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين؛ فقد واصلت الجرافات الإسرائيلية يوم الأربعاء ٧/٢/٢٠٠٧م هدمها لطريق «باب المغاربة» بهدف الوصول إلى هدم غرفتين من المسجد الأقصى المبارك ملاصقتين للجدار الغربي للمسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة. فالمؤامرات التي تحاك للأقصى برمته (صورة رقم ١) لم تكن وليدة اليوم، وإنما على مدى سنوات الاحتلال الذي شمل فلسطين التاريخية، ولعل آخرها بناء جسر علوي جديد محاذٍ للجدار الغربي للمسجد الأقصى، يوصل إلى باب المغاربة الذي يشكل المدخل الرئيسي لاقتحامات القوات «الإسرائيلية» والجماعات اليهودية الدينية المتطرفة للمسجد الأقصى.
وفي الأشهر الأخيرة كشفت (مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية) في تقرير لها عن خطط صهيونية فعلية مستمرة لبناء كنيس يهودي جديد ملاصق للأقصى، وغرف لصلاة اليهود أسفل ساحته الشريفة. والجدير بالملاحظة أن الحفريات المتواصلة التي كانت تتم بعيداً نسبياً عن ساحة الأقصى أصبحت الآن تحت المسجد الأقصى، وتشير الوثيقة إلى أن مصممين معماريين يهوداً قاموا بالفعل بإنشاء ما سمي «متحف الأجيال» أو «قافلة الأجيال» أسفل المسجد الأقصى في مناطق الحفريات عند الجدار الغربي للأقصى «ساحة البراق» وأن هذا المتحف يضم سبع غرف أسفل محيط المسجد الأقصى المبارك تشرح للأجيال اليهودية ـ حسب زعمهم ـ تاريخ شعب «إسرائيل» . والحقيقة أن ما يجري أسفل الأقصى إنما هو حلقة من سلسلة حلقات تهدف إلى تدمير الأقصى لا سيما أن آخر ما جرى الكشف عنه بالدليل القاطع هو وجود كنيس مستحدَث تحت المسجد الأقصى المبارك، وأن هذا الكنيس يؤمه المصلون اليهود، كما تم الكشف عن سبع غرف بناها أحد المصممين اليهود ويدعى «ألوف نحليئيلي» كما تم الكشف عن سراديب وأنفاق وبوابات حديدية مقفلة وخلفها تجري الحفريات التي لا يُعلَم لها طول ولا عرض ولا عمق، وقد جرى تصوير ما يحصل أسفل الأقصى بصورة حية.. والتساؤل هنا: هل الأمر مقصور على باب المغاربة، أم أنه حلقة ضمن حلقات مؤامرة أوسع وأكبر تهدف لوضع أسس وركائز إعادة بناء الهيكل المزعوم تسبق عملية هدم الأقصى؟
فالمقطوع به أن قضية بناء الهيكل هي القضية الجوهرية في حياة اليهود وعقيدتهم؛ والدليل على ذلك ما قاله زعيمهم (دافيد بن جوريون) أول رئيس وزراء لدولة «إسرائيل» من أنه «لا معنى لقيام دولة (إسرائيل) دون القدس، ولا وجود للقدس من دون الهيكل» . فقد أكدت مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية، بعد جولة ميدانية وثَّقتها بالصور الفوتوغرافية للمنطقة الوسطى للجدار الجنوبي للمسجد الأقصى الواقعة حيث الحائط الخارجي للمدرسة الخنثنية (صورة رقم ٢ تشقق ١+٢) وجود تشققات خطيرة في الجدار الجنوبي، وهو الأمر الذي يستدعي الترميم والإصلاح الفوري، ورصدت المؤسسة، في جولتها الميدانية، وجود تشققات عدة وفي مواقع متفرقة في الجانب الغربي والشرقي للحائط الخارجي للمدرسة الخنثنية في أوسط الجدار الجنوبي للمسجد، كما رصدت بدايات لانهيار ترابي في أسفل المنطقة الوسطى للجدار، وشددت من خلال رصدها على خطورة الوضع وخاصة أنّ الاحتلال الذي يسيطر على الموقع قام بنصب سياج حديدي في المنطقة، ونصب لافتة يحذّر فيها من الاقتراب من الموقع لخطورته، كما رصدت المؤسسة أن الموقع مهمل بالكامل؛ حيث تعتليه الأشجار وتتناثر فيه الحجارة، وحذرت من خطورة الوضع الحالي في المنطقة الوسطى للجدار الجنوبي للمسجد، بعد عدة تشققات في جانبي الحائط الجنوبي الخارجي للمدرسة الخنثنية وبدايات انهيار ترابي في موقع منه.
ü الاحتلال يمنع من ترميم الجدار:
أكد (الشيخ محمد حسين) خطيب المسجد الأقصى أنّ الاحتلال يمنع منذ سنوات عديدة دائرة الأوقاف من ترميم الموقع المذكور؛ لأنّ ترميمه يقتضي نصب سلالم (صقائل) في الجهة الخارجية. ومع الأسف فإن العدو الصهيوني يمنع الأوقاف من أن تنصب هذه (الصقائل) على هذا الجدار لإجراء الترميمات اللازمة، مع أنّ هناك خطورة نتيجة العوامل الطبيعية، وأن الاحتلال يتحمّل كافة النتائج المترتبة على انهيار هذا الجدار، لا سمح الله. وقد حذر رئيس الهيئة الإسلامية العليا خطيب المسجد الأقصى المبارك (الدكتور عكرمة صبري) من عواقب الحفريات في الجدار الجنوبي الخارجي للأقصى وما فيه من تصدعات وشقوق، وقال: «إنّ سبب التصدعات هي الحفريات التي يقوم بها العدو الصهيوني المحتل حول السور وأسفل المسجد الأقصى؛ وفي الوقت نفسه، يمنع الاحتلال دائرة الأوقاف الإسلامية من ممارسة حقها في الترميم والصيانة لهذا الجدار وللجدار الشرقي وللمدرسة الخنثنية» (صورة رقم ٣) محملاً هذه السلطات المسؤولية عن أي أضرار تلحق المسجد الأقصى ومرافقه وأسواره.
\ هل الأقصى حقاً في خطر؟
مع تصاعد المد الديني الأصولي الأمريكي المؤيد لليهود والداعم لفكرة هدم الأقصى وإقامة الهيكل وتحقيق الحلم الصهيوني، والإجراءات التي تتخذها السلطات الصهيونية من أجل تغيير المعالم الجغرافية والديموغرافية للقدس، وتغيير المعالم الأثرية والدينية للمسجد الأقصى لم يجد اليهود ومَنْ وراءهم أن يفصحوا عن أهدافهم؛ ففي أوائل العام ١٩٨٩ نشرت مجلة التايم الأمريكية تحقيقاً تحت عنوان: «هل آن أوان بناء هيكل جديد؟» وكما هو واضح فالعنوان اللئيم يحمل على الغيظ والحنق الشديدين خاصة أن عنواناً فرعياً آخر جاء تحت العنوان الرئيسي يضيف: «إن اليهود التقليديين يأملون في تشييد بنائهم المقدس؛ لكنَّ مسجداً وقروناً من العداء تقف في طريقهم» . وقد قالت المجلة: «إن إعادة بناء الهيكل لم تكن قضية مثارة إلى أن استولت «إسرائيل» في عام ١٩٦٧م على ـ ما أسمته المجلة ـ: «جبل الهيكل» وإن «إسرائيل» نظراً لحرصها على صون السلام واصلت السماح للمسلمين بإدارة الموقع، غير أن المسلمين لا يسمحون ـ كما تقول المجلة ـ ليهودي أو مسيحي بإقامة شعائر الصلاة علناً على الأرض المقدسة في جبل الهيكل، ولم يُبْدوا أدنى استعداد للسماح ببناء أبسط معبد يهودي أو كنيسة؛ فأقل إشارة إلى موضوع إعادة بناء الهيكل تثير استفظاع «أتباع النبي» الذين عقدوا العزم على الدفاع عن المقدسات الإسلامية إلى آخر قطرة من دمائهم.
فكل ما سبق من مؤشرات يجعلنا نجزم بكل تأكيد أن الأقصى في خطر، وأن ساعة العمل قد دقت لتكوين جبهة عربية إسلامية مسيحية للتصدي للدسائس «الإسرائيلية» وإلا فإن الأسوأ قادم لا ريب فيه.
(*) أستاذ الجغرافيا، جامعة الأقصى، فلسطين، غزة.