الورقة الأخيرة
كيف نبرئ الذمة؟
عادل بن أحمد الماجد
لا زالت مشاعر الغضب حارة في قلوب المؤمنين على أولئك الذين سقطت
في عصرهم (الأندلس) كيف فرّطوا بها بعد ثمانية قرون ... وأين كان ساستهم؟
وأين كان علماؤهم..؟ أين المصلحون فيهم والمجاهدون؟ بل أين الشعب كله؟ لِمَ
رضوا بالتفرق والتطاحن؟ لِمَ سكتوا على موالاة الكفر؟ لِمَ لم يستنفروا الأمة للجهاد؟ ومئات الأسئلة نود أن نسألها أولئك، ومئات أخرى من التهم ستوجه إليهم دون
سماع لردودهم على التهم؛ لأنه لا رد لهم؛ فقد أفضوا إلى بارئهم الذي لا تزول
عنده قدم قبل السؤال.
ويشتعل الغضب مرة أخرى عند تذكر (سقوط بغداد) على أيدي التتار بفصول
مسرحية غريبة فيها من الذل والخذلان ما يتقطع له القلب.
كيف ذل المسلم للتتري حتى لا يقاوم قبل أن يُقتل؟ وكيف رضوا بحياة
الرقص والغناء والخنا؟ أين كان العلماء والمصلحون مرة أخرى؟ !
لِمَ سكت (أهل السنة) حين كان رجال من فرق الضلال يشغلون المناصب
الحساسة في دولتهم، ولِمَ لم يحذروا من ذلك؟ ! لِمَ لم يفضحوا أولئك المرتزقة؟
وثالثة عند سقوط الدولة العثمانية؛ إذ يزفر القلب بآلاف التساؤلات عن دور
العلماء والمصلحين والصالحين والأمة جميعاً!
ونُحاكم أولئك: لِمَ لم يقضوا على مظاهر الشرك والدجل، ولِمَ لم يحذِّروا من
الصوفية التي تفتك بالأمة حينئذ؟ أين هم من سليمان القانوني وغيره عندما
استحدث القانون الفرنسي بدل الشريعة؟ أين كانوا من اليهود والنصارى الذين
عاثوا بقصور الخلفاء فساداً؟ أين هم يومئذٍ من مقاومة الإنجليز والألمان
والهولنديين والإيطاليين وهم يستولون على أرض المسلمين منطقة بعد أخرى؟
وفي فورة الغضب نتذكر آحاد الناس الذين نقل التاريخ احتجاجهم ولو شعراً
كأبي البقاء الرندي:
لكل شيء إذا ما تمَّ نقصانُ ... فلا يُغَرَّ بطيب العيش إنسانُ
ومن رثاء بغداد:
من ذا أصابك يا بغداد بالعين ... ألم تكوني يوماً قرة العين
ونتذكر أن آلافاً آخرين كانوا منكِرين في صمت، وكارهين في سكوت - عفا
الله عنهم -.
واليوم.. نعم اليوم تجتمع مآسي الأمة وتزداد وتتنوع: فالشرك في الأمة كثير: من عبادة القبور والطواف حولها، ومن دعاء الأولياء من دون الله، ومن شرك
الأدباء والمفكرين باعتقاد المذاهب الكفرية والدعوة إليها في وسائل النشر والإعلام
المختلفة، ومن تغيير القوانين في بلاد المسلمين ومحاربة الشرع علناً من دون
تورية.
ومظاهر موالاة الكفر وأهله ومعاداة الإسلام وأهله لا حاجة لبرهان عليها
يعرفها الصغير قبل الكبير! !
ويموت آلاف المسلمين جوعاً وحرباً فلا ناصر ولا مُطْعِمَ غير جمعيات
الصليب، وجهود إسلامية صغيرة.
ويتفشى الجهل بالدين في الأمة حتى لا يحسن الملايين منهم الصلاة؛ بل
الشهادتين، ثم لا يجدوا معلماً ولا مفقهاً!
واقتصاد العالم يزداد ثراءً؛ والمسلمون يزدادون فقراً، رغم أن أرضهم هي
الذهب والفضة والخصوبة والزراعة، والأعداد الكثيرة والاستثمار الأفضل؛ ولكن
الكافر يأخذ ما يريد من فوق أيدينا لنشتريه بدراهمنا المعدودة من تحت رجليه!
ثم تنظر إعلام المسلمين فترى أشكالاً من الكفر والمجون والدجل، والدعوة
إلى السفور والتبرج والفسق من الدين والسخرية بأهله.
وأمام هذا الواقع أين الغضب؟ وهل سنرضى أن تغضب علينا الأجيال إلى
يوم الدين؟ ! أم إن الغضب عليهم والعذر لنا، ومشكلات الأمة هي من صنيع السابقين ويجب على اللاحقين حلها ولنا التأفف والحوقلة؟
لا نشك في أن ملايين المسلمين لا يريدون هذا الواقع، ولا يرضونه؛ ولو
قُدِّر أن أُعدَّت عريضة إبراء ذمة لتجاوز العدد عشرات الملايين؛ ولكن أين هؤلاء
الملايين من التغيير والإصلاح؟ ! إن هذا العدد أكبر بأضعاف المرات من الأعداد
التي بَنَتِ الأمةَ خلال الألف الهجرية الأولى مجتمعةً.
فهل نترك للتاريخ ما تبرأ به الذمة؟ وهل يكفي قصيدة شعرية أو خطبة
عصماء مؤثرة؟ !