للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الافتتاحية

[الأصولية ومدى موضوعية الطرح]

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد..

يلاحظ أن ما يسمى الأصولية اليوم في خضم الزخم الإعلامي الكبير الذي

أعطي لها على كل المستويات لاسيما من قبل المعادين للإسلام قد استخدمت أبشع

استخدام لمحاربة الإسلام ذاته، وإظهار المتمسكين به بأنهم هم المتطرفون

والإرهابيون، وهم الخطر القائم ضد العالم كله!

ونحن بادئ ذي بدء نؤكد على أن مصطلح الأصولية بالفهم الذي يشيعه

الغرب، ويروجه أذنابه بوسائل إعلامهم في كثير من البلاد العربية والمهجر، إنما

هو معنى طارئ على مجتمعنا الإسلامي، لأنه يعني في الأساس مفهوماً غربياً

يصور الصحوة البروستانتية النصرانية، ويعني أيضاً الالتزام الصارم بالعقيدة

الأرثوذكسية المعارضة للاتجاهات التحررية؛ لكن الغربيين الذين يعيشون هاجس

الخطر الدائم المناوئ لهم الذي صوروه سابقاً في دراساتهم وأبحاثهم وأدبياتهم متمثلاً

في (الشيوعية) ، قد حولوا ذلك الهاجس إلى الإسلام بالتحذير منه ومن الصحوة

الإسلامية التي انتشرت في طول بلاد الإسلام وعرضها ورميها بكل نقيصة،

والمتابع لطروحاتهم يلمس فيها جعلهم الإسلام ومعتنقيه العدو الجديد للحضارة

الغربية ومن أمثلة ذلك:

١- محاضرة المستشرق اليهودي الأمريكي (برنارد لويس) بعنوان (الأصولية

الإسلامية) التي كانت محل عناية الإعلام الغربي وتعليقه؛ لأنه صب فيها جام حقده

على الإسلام ودعاته.

٢ -أما صاحب (انتهزوا الفرصة) فهو يقول في هلع ورعب مُفْتَعَلَين بعد

سقوط الشيوعية: أصبحت الأصولية الإسلامية هي العدو الأول.

٣ -أما الصهيوني العجوز (كسينجر) فهو في أحدث المقابلات معه يقول: إن

ما يشغله حتى العشر سنوات القادمة الأصولية والهجرة الجماعية.

يتبين للمتابع لهذه الأقوال وأمثالها ما تشكله من عداء مستكن في الصدور مما

ظهر على ألسنتهم ووضحته أفعالهم، والحقيقة أن هذا العداء العنيف للإسلام وأهله

لا يستغرب لما يلي:

* أن القرآن الكريم قد وضح لنا عداء الكفار بقوله تعالى: [ولن ترضى عنك

اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم] (البقرة: ١٢٠) ، وبقوله تعالى: [ود كثير

من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراْ حسداْ من عند أنفسهم]

(البقرة: ١٠٩) .

* أن العالم الإسلامي الذي ذاق الأمرين من المستعمر، ونهبت خيراته، لديه

من مقومات النهضة والقوة ما لو أتيح له المجال لنبذ التبعية للغرب، وتمرّد على

نظمه وقوانينه، وهذا ما يخيفهم.

* الموقع المهم للعالم الإسلامي، وتحكمه في كثير من الممرات الاستراتيجية

التي لها أثرها في التجارة العالمية.

أين الإنصاف؟ !

والعجيب أن الإعلام الغربي بكل اتجاهاته، وبشتى وسائله يقوم بحرب

شعواء على الإسلاميين بأساليب منها:

* المزيد من حملات التشنيع عليهم، ومهاجمتهم أحياناً بطرق تضاهي

(الأساليب البوليسية العربية) في ملاحقتها للإسلاميين.

* توريط الإسلاميين في قضايا مزورة للإيقاع بهم كما حصل وكشفت عنه

الأخبار مؤخراً.

* مضايقة اللاجئين لديهم وسن القوانين التي تحد من حريتهم وحقوقهم المدنية.

تطرف وإرهاب أيضاً، ولكن؟ !

ومما يؤكد العداء للإسلام وحده في الغرب والشرق هو التجاهل لتطرف

الأصوليات غير الإسلامية مع ما تقوم به من إرهاب ودمار ومآسي وتهديد ليس

لدول بعينها وإنما للسلام العالمي، ومع ذلك تُدَس الرؤوس في الرمال، ويتناسى

كل ذلك.

فهناك الأصولية اليهودية التي يتاح لها الحرية في العمل السياسي وربما لا

تقوم حكومة صهيونية إلا بدعم منها كما هو الحال مع (جماعة كاخ) مثلاً التي

مازالت تطالب بقتل وطرد الفلسطينيين، ومازالت تلك فلسفتهم كما سطرها زعيمهم

الهالك (كاهانا) في كتابه (شوكة في عيونكم) ، ويعني بالشوكة الشعب الفلسطيني.

ومع ذلك لا يوجه لهم أي نقد لا لشيء إلا لأنهم غير مسلمين!

وهناك الأصوليات النصرانية التي كثرت الدراسات العلمية الموضحة

لاتجاهاتها ومنها: (النبوءة والسياسة) لجريس هالسل، و (الأصولية الإنجيلية)

للأستاذ محمد السمّاك.

ولا يغيب عن البال المذابح الدامية التي أقامها متطرفو النصارى في جويانا

وفي أمريكا التي لم تنل (واحداً في المئة) من الحرب الإعلامية ضد المسلمين.

وهناك التطرف الهندوسي والتطرف البوذي اللذان لا تسلط الأضواء عليهما

ولا يحاربان، لا لشيء إلا لأنهما لا ينتسبان إلى الإسلام، أما تطرف

(جيرينوفسكي) وتهديده لأوربا بالحرب (النووية) فهو محل متابعة الإعلام الغربي،

ولم يطالب حتى بمحاكمته، أو الضغط على روسيا لكبح جماحه.

حتى أنت يا أفورقي!

وبما أن تشويه الإسلام والمسلمين ووصمهم بالتطرف هو حديث الساعة فقد

صرح الصليبي المتصهين (أسياسي أفورقي) متهماً السودان بأنه يجند الأصوليين

لحرب دولته، حتى ينال على ذلك الدعم، ويكثف من التوجه الغربي للتدخل في

السودان بزعم حماية نصارى الجنوب! .

لقد عضّ هذا الصليبي اليد التي أيدته وساعدته، بل ومنعت المجاهدين

الأريتيريين من مواصلة حربهم ضده، كما نقلت الأخبار في ذلك الوقت قوله وبكل

غطرسة حين سُئل عن المجاهدين المناوئين له: أين هؤلاء دلوني عليهم، ثم عاد

للصراخ اليوم داعياً لإنقاذ نفسه من خطرهم، ولعله ليأخذ مقابل ذلك (المعلوم) .

هذه مواقف الغرب من العداء للإسلام ودعاته، لكن ما يجب أن يفهمه الجميع

أن الموقف الإسلامي من الغرب ليس بالضرورة موقف العداء لهم ماداموا لا يعادون

الإسلام، ولا يعملون لدمار دياره، ولا يضعون المعوقات في طريق نهضته وقوته.

يقول الله تعالى: [لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم

من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين] (الممتحنة: ٨) ،

وموقف الإسلام من أهل الذمة والمستأمنين مبسوط في كتب الفقه، وحسبنا قوله

صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ... » الحديث رواه

البخاري.

إننا ندعو إلى تبني الإنصاف الذي كثيراً ما يدعون إليه في وسائل إعلامهم،

أما أذنابهم في الإعلام العربي وحتى الكتاب الذين ينظّرون لوأد الاتجاه الإسلامي من

كتاب اليسار واليمين المتطرف وهم أحقر من أن يذكروا فإنهم لن يكفوا عن أساليبهم

في حرب الدعوة والدعاة حتى يكف أسيادهم عن ذلك، وحينها سيخجلون من

مواصلة الكذب بلا طائل، لأن أساليبهم إياها أصبحت محل استهجان ومقت القراء

الذين صاروا يتجنبون مطبوعاتهم التي تقوم على الكذب والتزوير والإثارة،

وستبقى تلك الأساليب ضد الإسلام ودعاته وصمة عار على من يكتبها، ومن

يدعمها.

[إنهم يكيدون كيداْ * وأكيد كيداْ * فمهل الكافرين أمهلهم رويداْ]

«الطارق: ١٥-١٧»