[استراتيجية بوش: استثمار عوامل الهزيمة]
طلعت رميح
دون الغرق في تفاصيل الاستراتيجية الأمريكية «الجديدة» في العراق، فواقعُ الحال أنَّ ما أعلنه الرئيس الأمريكي في خطابه بشأن استراتيجيته «الجديدة» ، وكذا ما شرحه وزير دفاعه الجديد ورئيس أركانه أمام الكونجرس في أوقات تالية، قد دارت جميعاً حول تطبيق الاستراتيجية العسكرية «القديمة» لغزو العراق، التي أعدَّها العسكريون ورفضَها وزير الدفاع الأمريكي المهزوم (رامسفيلد) ، ذلك أنَّ الفارق الجوهري بين الخطة الأمريكية القديمة / الجديدة التي جرى الحديث عنها مؤخراً، والخطة التي طبَّقها (رامسفيلد) منذ بداية العدوان؛ يتمحور أساساً حول عدد القوات الأمريكية التي كان ينبغي أن تشترك في عملية غزو العراق، والسيطرة على سكانه، وهو عَيْن الفارق بين الخطة التي قُدِّمت لـ (رامسفيلد) عند خوض العدوان على العراق ورفَضَها.
لقد اعتمد (رامسفيلد) خطة عسكرية للغزو والاحتلال، تقتصد في حجم القوات العسكرية الأمريكية، بقصد خفّة الحركة في الهجوم، وتقليل مساحة انتشارها الأَرْضيِّ لتقليل خسائرها، باعتبار أنَّ الميزات الرئيسية ـ المتوقّعة وقتَها ـ للجيش العراقي وللمقاومة من بعد ـ في حال وجودها ـ هي ميزات عمل على الأرض لا في الجوّ. وفي ذلك اعتمد (رامسفيلد) وبعض من قادته العسكريين فكرةَ تشكيل ميليشيات عراقية موالية للاحتلال ـ تابعة للقيادات الشيعية المتعاونة مع الاحتلال، مع دعم ميليشيا البشمركة وتقويتها؛ للاعتماد عليها في حالات خاصة إضافة إلى تأمين المناطق الكردية ـ كبديلٍ لزيادة عدد القوات، وكأساسٍ لنجاح المواجهة مع المقاومة العراقية، وكبديلٍ للجيش العراقي بعد حلِّه. كما اعتمد على شركات الأمن الغربية الخاصة، للقيام بمهمات حراسة الشخصيات العراقية المتعاونة مع الاحتلال ورجال الأعمال الأمريكيين، وفي القيام بالعمليات الإرهابية المموّهة والأشدّ إجرامية تجاه الشخصيات العراقية الرافضة للاحتلال. ووقتها فإن بعضاً من القادة العسكريين الميدانيين وآخرين من المتقاعدين والمتواجدين في مؤسسات صنع القرار في الدولة الأمريكية؛ كان لهم رأي آخر أعلنوه في مختلف المناسبات، وحوّلوه إلى مطالبة في بعض الفترات ـ خاصة بعد تصاعد خسائر القوات الأمريكية، وثبوت عدم قدرتها على السيطرة على الأوضاع، وفشلها في إخضاع إرادة الشعب العراقي ـ بإقصاء (رامسفيلد) نفسه، إذ إنهم رأوا أنَّ الدخول في بلد بهذا الحجم من السكان وبهذه التكوينة الحضارية والمليء بالقدرات والطاقات العسكرية والعِلْمية، لا يمكن أن يكون ناجحاً إلا بتوافر حشد عددي كثيف من الجنود، يكفل السيطرة على السكان وإخضاعهم، ويمكِّن من إعادة تأسيس العراق وفق الخطة الأمريكية كعراقٍ قابل للاحتلال ومتعايش معه. وها هي الخطة الأمريكية الجديدة تعود إلى الخطة القديمة السابقة والتي رفضها (رامسفيلد) ؛ فترسل القوات الأمريكية أعداداً أكبر على الفور ـ تقرر زيادة عدد القوات بنحو ٢١ ألفاً ـ، كما سترسل قوات إضافية يبلغ تعدادها ٩٢ ألفاً على مدار السنوات الخمس القادمة، كما أنها باتت تتحدث عن ضرورة نزع سلاح الميليشيات الموالية لإيران، التي سبق أن أسَّسها وموَّلها وأشرف عليها (بريمر) نفسه، وتعلن أول إجراءاتها بـ «خطة» جديدة للسيطرة على بغداد وإخضاعها. وهذا كله يأتي متعارضاً مع التوقُّعات التي أشارت بخطة جديدة في ضوء تقرير (بيكر هاملتون) ، واعتبر وقتها أن معيار جدّتها سيكون بجدولة الانسحاب، وبالتفاوض مع سوريا وإيران حول الأوضاع في العراق، ومع أطراف عراقية لتغيير النهج الراهن في حكم العراق.. إلخ.
الخطة ـ إذاً ـ ليست جديدة على الصعيد العسكري، وإقرارها ـ في حدِّ ذاته ـ هو إقرار بالهزيمة في المرحلة الماضية من العدوان على العراق، لكن ذلك ـ في حدِّ ذاته ـ لا يعني أنَّ الخطة الجديدة هي مجرد استعادة ملف قديم وإعادة قراءة أوراقه، حيث إنّ الخطة القديمة أفرزت وضعاً مختلفاً عن سابقه الذي وضُعت على أساسه تلك الخطة ذاتها.
- فيتنام.. ولعبة الخطط:
يبدو هنا أمرٌ التذكيرُ به مهمٌّ، في إطار ما أشرنا إليه من أن الخطة الجديدة ليست إلا الخطة القديمة، وهو أن الخطة الجديدة / القديمة هذه تذكِّر بما كان يجري في فيتنام؛ من تغيير الخطط بين القديم والجديد، ومن زيادة القوات وتقليلها، ومن اعتمادٍ على الطيران والقصف من بُعْد، إلى التركيز على العمل العسكري على الأرض، ومن العمل لتشكيل ميليشيات إلى حلِّها، ومن تشكيل جيش فيتنامي موالٍ ومساند لجيش الاحتلال، ثمَّ الإعلان عن فشله في إخضاع السكان وسوء تدريبه، وهو ما جعل المحلّلين والمؤرّخين يعلنون من بعد أن كل ما كان يجري لم يكن سوى محاولة الهروب من إعلان الهزيمة، إذ إن الخطط رغم تبدُّلاتها وتغييراتها لم تستطع إنقاذ الجيش الأمريكي من الهزيمة، ولم تكن تسير إلا في اتجاه واحد، هو زيادة الانغماس الأمريكي في الأزمة، واشتداد العنف الدموي ضد الشعب الفيتنامي والسير نحو هزيمة في غاية القسوة للقوات الأمريكية في تلك الحرب.
ومن المفيد هنا التذكير ـ أيضاً ـ بأنَّ فكرة عدد القوات الأمريكية على الأرض وتشكيل ميليشيات تابعة أو متعاونة مع الاحتلال من قِبَل بعض العرقيات في مواجهة عرقيات أخرى، وفق استراتيجية تفريق بين الفيتناميين بعضهم عن بعض، وإجراء انتخابات داخل فيتنام وفق عملية سياسية خاضعة للاحتلال؛ لإكساب السلطات العميلة شرعية داخلية وخارجية.. كلها إجراءات واستراتيجيات جرى التقلّب فيها حتى إعلان الهزيمة أو القبول بإعلان الهزيمة والإقرار بها من خلال المفاوضات التي جرت بين الفيتناميين والأمريكيين على الأرض الفرنسية.
والأهم ـ هنا ـ أن الولايات المتحدة حينما وضعت خطتها للتفاوض مع الفيتناميين؛ لإعلان القبول ضمنياً بالهزيمة والبدء في الانسحاب، وضعت إلى جوارها وبالتوازي معها خطةً عسكرية جديدة، قامت على تصعيد القصف الجوي إلى أعلى درجة من العدوانية ضد الفيتناميين، وعلى بدء هجمات عسكرية جديدة ضد الثوار الفيتكونج. وكان الارتباط بين الخطتين أنَّ التفاوض يجب أن يجري دوماً من موقع القوة لا الضعف، وأنَّ إعلان الهزيمة يجب أن يتمَّ وفق غطاء من مظاهر القوة، وهو ما لم يكن ليغيِّر من جوهر الأمور شيئاً.
فهل نحن أمام تكرار لنفس السيناريو في العراق؟ أي: هل نحن أمام حالة تصعيد عسكري للوصول إلى حالة انسحاب تحت غطاء من عوامل القوة؟ أم أننا ما زلنا نشاهد محاولة أمريكية للحصول على النصر على المقاومة الذي سمَّاه بوش (انجاز المهمة) ؟!
- احتمالان:
واقع الحال أننا أمام الاحتمالين تماماً في العراق ـ حيث الإعلانات السياسية من بوش وغيره لا تعطي فرصة للحكم باعتبارها جزءاً من الخداع الاستراتيجي في أيّة خطة عسكرية ـ، ذلك أنَّ هناك مؤشرات على أنَّ الاستراتيجية الجديدة هي استراتيجية الانسحاب تحت غطاء من عوامل القوة الظاهرة، كما أن هناك مؤشرات أخرى على أن الولايات المتحدة لم تقرر الانسحاب بعد، وأنها ما يزال أمامها مشوار قد يبلغ العامين حتى الإقرار بالهزيمة والانسحاب من العراق.
في الاحتمال الأول: فإن المؤشرات عديدة كما ذكرها (توم هايدن) (١) في مقالة له على موقع (كومون دريمز) ، وقد عدّد لهذه المؤشرات مظاهر وشواهد، أولها: ما قاله (جيمس بيكر) لأحد محامي (صدام حسين) أنّ (طارق عزيز) ـ نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي السابق ـ سوف يُطلق سراحه من السجن في نهاية هذا العام، على أمل أن يتفاوض مع الولايات المتحدة بالنيابة عن قيادة حزب البعث. وقد حدثت هذه المناقشة في الآونة الأخيرة في عمَّان، وفق صحيفة القدس العربي، وهو ما يعزِّزه ـ أيضاً ـ تواتر الحديث حول نقل (طارق عزيز) للعلاج في إيطاليا.
الشاهد الثاني: طلب وزيرة الخارجية الأمريكية (كوندوليزا رايس) شخصياً من مجلس التعاون الخليجي في أكتوبر/ تشرين الأول، أن يتوسط المجلس بين الولايات المتحدة وجماعات المقاومة السُّنّية ـ من غير حركة القاعدة ـ، وأنَّها أعربت عن رغبة الولايات المتحدة في التفاوض معهم في أيِّ زمان أو مكان. وقالت مازحة ـ وهي تتحدث في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول ـ: «إنَّ وزير الدفاع ـ وقتئذٍ ـ (دونالد رامسفيلد) لو سمعني لشنّ عليَّ حرباً أشرس وأعنف من الحرب التي شنَّها على العراق» ، حسب ما قال دبلوماسي عربي مطّلع على الجلسة المغلقة.
والشاهد الثالث: هو ما جرى من عقد اجتماعات سرّية (غير مسبوقة) بين مسؤولين أمريكيين على مستوى رفيع وممثّلين عن (مكوّن رئيسي من مكوّنات المقاومة العراقية) ، ودامت ثلاثة أيام، ونتيجة ذلك وافق العراقيون على العودة إلى المحادثات فيما بعد.
والشاهد الرابع: هو ما تكشف من رسائل إلكترونية مفصَّلة ـ مؤرَّخة في ١٦ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ـ تكشف جهداً أمريكياً نشيطاً من خلف الكواليس للتوسط في اتفاق سلام مع زعماء المقاومة العراقية، ضمن خطة قد تتضمن انقلاباً سياسياً ضد رئيس الوزراء (نوري المالكي) .
والشاهد الخامس: هو حملُ المستشار الأمني للرئيس بوش (ستيفن هادلي) رسالة إلى المسؤولين العراقيين لدى زيارته الأخيرة إلى بغداد، تتضمن ست نقاط، هي: اشملوا المقاومة والمعارضة العراقيتين في أيِّ مبادرة نحو المصالحة الوطنية، وأصدروا عفواً عامّاً عن مقاتلي المقاومة المسلَّحة، وحلّوا اللجنة العراقية المكلّفة بحظر حزب البعث، وابدؤوا حلَّ الميليشيات وفِرَق الموت، وألغوا أيَّ اقتراح للفيدرالية لتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق، ووحّدوا السلطة المركزية للحكومة، مع حكم ذاتي أكبر للحكام المحليين.
ونضيف ـ نحن ـ المؤشر السادس وهو أن الهرولة في اغتيال الرئيس العراقي (صدام حسين) ، كان مؤشراً على فتح الطريق أمام المفاوضات وأمام تغيير في التوجُّه ـ وليس العكس ـ، إذ كان الرجل وهو في محبسه حاجزاً وسدّاً أمام كل من يفكر في التفاوض من البعثيين مع الأمريكان. كان الإعدام غير المتوقع في سرعته وهمجيته رغبة عاجلة في إنهاء حقبة الغرور الأمريكي بالاستناد إلى انتصار رخيص تمهيداً لإبداء حالة الضعف، تحت غطاء من الجرائم الدموية.
في الاحتمال الثاني: فإن الحجم الخطير لنتائج القبول بالهزيمة الأمريكية في العراق على صعيد المصالح الأمريكية في العراق، أو على صعيد الوضع الاستراتيجي الخطير الذي سيصبح عليه الكيان الصهيوني والمشروع الغربي في المنطقة برمّتها، جميعها عوامل تجعل الولايات المتحدة أشد تصلّباً في رفض الهزيمة. وكذلك فإن الشواهد المشار إليها في الاحتمال الأول ربما لا تخرج عن كونها أحد أشكال الخدعة أو أحد أساليب زرع الفتن داخل العراق. كما أننا أمام مؤشرات أخرى تشير إلى احتمال استمرار محاولات بوش والإدارة الأمريكية لإحراز النصر على المقاومة العراقية، مع إدراكنا بتغيير اللهجة واختفاء كثير من المصطلحات القديمة، ومن تلك المؤشرات: ما نشاهده على الأرض في العراق من تحرّكات أمريكية بالغة الضراوة، حيث مدنٌ بأكملها ـ سنّية لمن يتصورون العكس ـ تعيش محاصرة بسبب احتضانها المقاومة، وهناك أخرى بدأت القوات الأمريكية تشيد حولها أسواراً ترابية عازلة إلا من بوابة دخول وخروج. كما أن القوات الأمريكية ما تزال تواصل بناء قواعد عسكرية دائمة لها في العراق آخرها ما يجري تشييده حالياً في منطقة كردستان العراق، كما أن تلك القوات تزيد عددها وتعلن عن خطة لزيادة عدد قواتها خلال السنوات الخمس القادمة.
وكذا فإننا نشهد على الطرف الآخر أنَّ المقاومة الإسلامية العراقية تعلن بوضوح أن لا تفاوض بينها وبين الولايات المتحدة، وأنها تشترط مسبقاً إعلان جدول بالانسحاب قبل الدخول في التفاوض.
وهو ما يدعو إلى القول: إنَّ الولايات المتحدة إنما تعتمد سيناريو الحرب حتى الانتحار، إذ إن الهزيمة تساوي الانتحار الأكيد والنهائي، كما أن النصر يعني الحصول على كل شيء في المنطقة.
- كيف نرجّح أحد الاحتمالين؟
لفهم وترجيح أيٍّ من الاحتمالين، أو لفهم ما يجري؛ فإنًّ عدداً من العوامل يجب وضعها في الاعتبار:
أولها: ضرورة التفريق بين ما قاله الرئيس بوش وغيره من القيادات الأمريكية وبين أن تكون هناك استراتيجية أمريكية مختلفة. كما لا يجب أن يُقرأ من مثل هذا الكلام والتصريحات رؤيةٌ كلية للاستراتيجية بشكل عام ـ أية استراتيجية ـ، إذ إن ما يُكشف النقاب عنه في الأحاديث السياسية والإعلامية هو فقط ما يراد أن يُكشف عنه للرأي العام، كما أنَّ هذا الذي يُكشف النقاب عنه إنما يكون في أغلب الأحيان جانباً من جوانب التغطية الإعلامية الواردة ضمن مقوّمات إنجاح الخطة ـ أي: هناك جانب إعلامي لترويج الخطة لا للكشف عنها ـ.
ثاني تلك العوامل: التنبُّه إلى أننا أمام تطوّر جديد انتقل إليه تأثير المقاومة العراقية من الضغط في العراق على قوات الاحتلال لإيصال أوضاع بوش الداخلية إلى المأزق، إلى مرحلة وصل فيها بوش إلى المأزق فعلاً، وباتت الأزمة متجسدة في الداخل الأمريكي وفق قوى متضاربة المصالح والآراء حول الأوضاع في العراق، تصبح فيها المقاومة آلية تحريك وتفعيل الأزمة. وبمعنى آخر: يجب الوضع في الاعتبار أن ما أعلنه بوش بات تحت تأثير حالة جديدة لم تعد المقاومة ـ على أرض العراق ـ هي المؤثر فقط في تغيير اتجاهات الرأي العام، بل باتت هناك قوى ضاغطة في الداخل الأمريكي على الرئيس الأمريكي ومؤثِّرة على قدرته في التحرُّك والقول.
ثالث تلك العوامل: وجوب مراجعة ما يجري بين الولايات المتحدة وإيران، سواء على صعيد الشواهد المتعلِّقة بالعمليات التي جرت ضد أفراد وديبلوماسيين على الأرض العراقية، أو على صعيد الدخول المباشر للولايات المتحدة على خط التفكيك للتحالفات الشيعية المرتبطة بإيران مثل: ـ دفع المالكي إلى مواجهة الصدر، وإعلاء الحكيم في مواجهة الصدر والمالكي، وتقوية دور علاوي، وغير ذلك ـ، أو على صعيد تطوير آليات المواجهة الديبلوماسية في مجلس الأمن مع إيران.. إلخ.
رابع تلك العوامل: فهم الاستراتيجية الأمريكية من خلال قراءة التحرك الأمريكي في المنطقة بشكل عام ومحيط العراق بشكل خاص. وقبل هذا وذاك؛ فإن الساعي إلى فهم استراتيجية بوش «الجديدة» يجب أن يحقق تقديراً فعلياً للأوضاع في العراق.
وفي ضوء مراجعة الأوضاع القديمة والطارئة في معادلة اتخاذ القرار مما سبق الإشارة إليه ـ وغيرها بطبيعة الحال ـ ومع استبعاد مؤثرات الخداع السياسي والإعلامي، فإن معالم الخطة الأمريكية الحالية في خطوطها العامة يمكن تلخيصها في التالي:
١ ـ تطوير المعركة في العراق باتجاه المحيط (الهروب إلى الأمام) ، سواء لإرباك ترتيبات القوى التي نتجت عن المرحلة السابقة والتي باتت تسير بالولايات المتحدة نحو الهزيمة الكاملة، أو بإدخال قوى أخرى في الصراع عبر إخضاع دول أخرى في المنطقة للاستراتيجية الأمريكية وضروراتها، أو بنقل الصراع من داخل العراق إلى المحيط حيث إن الولايات المتحدة لديها في السيطرة على المحيط آلياتٌ أقوى من السيطرة على الأرض مباشرة في العراق (توسيع ساحة المعركة لتقليل قدرة القوى المحلية المناوئة) .
وفي ذلك؛ فإن الولايات المتحدة تعمل على استثمار عوامل هزيمتها لتحويلها إلى عوامل قوة، كما هو الحال في إخافة دول المحيط من النفوذ الإيراني في العراق، وفي تخويفها من انتشار المقاومة في المنطقة على حساب النُّظم القائمة.
٢ ـ تحويل ساحة المعركة في العراق نحو الفوضى الشاملة على صعيد تحالفات القوى، وفي ذلك يجري الدفع إلى إعلان العديد من التحالفات والجبهات الجديدة، كما يجري فضّ التحالفات القائمة وإشاعة الشكوك بالجُملة، كما يجري تقديم محاور في الصراع على أخرى ـ تقديم مواجهة إيران على مواجهة الولايات المتحدة ـ، والضغط عن طريق المفاوضات تارةً والقوة تارةً أخرى لتفكيك كل عوامل التماسك الداخلي، وكل ذلك ظاهر في تفكيك التحالفات الشيعية، وفي فتح المجال لتقسيم أوسع داخل حزب البعث، وفي توسيع هوّة الخلافات بين التيارات المقاومة ذاتها.
٣ ـ التركيز في العمل العسكري على تيارات هي الأشد وقوفاً ضد الاحتلال، وتنميط الخطط العسكرية لتحقيق أهداف سياسية وليس فقط لتحقيق حالة إضعاف لقوى مقاومة.
٤ ـ استخدام لغة جديدة في التعامل الإعلامي والسياسي مع الحالة العراقية، سواء بإشغال الرأي العام الأمريكي بقضية أخرى كما هو الحال بالنسبة لإيران ولبنان، أو بإنهاء استخدام المصطلحات القديمة التي كانت أشدّ عجرفة من تلك المستخدمة في لغة الخطاب الأمريكي الآن.
٥ ـ إعادة تأسيس العملية السياسية داخل العراق؛ لاستيعاب عدد أكبر من القوى، ولإحداث وضع جديد يمكِّن التقاط الأنفاس والتحرُّك باتجاهات جديدة لمحاصرة القوة الأشدّ راديكالية.